تفقّدت باندورا القطة بين ذراعيها بقلق لتتأكد من أنها بخير.
‘الحمد لله… لم تُصب بأذى.’
كانت القطة التي كادت تختنق من شدّة العناق تصدر صوت خرير وهي تخرج رأسها من بين ذراعيها وتنظر إلى باندورا بقلق، ثمّ لعقت براحتها بلسانها الوردي الصغير.
لعقت القطة حول جروحها التي تألمت من احتكاك القماش، وبدا عليها الانزعاج الشديد.
شعرت باندورا بدفء الحيوان يهدّئ خفقان قلبها الذي لم يزل يضطرب بعد سقوطها.
“ما نوع هذه القطة…؟”
جاء صوتٌ عميق من فوقها.
“آه، صحيح… الدوق الأكبر.”
لقد نسيت للحظة… كان ذراعه التي تسند ظهرها مريحة وثابتة لدرجة أنّها ظنّت نفسها على سرير.
“آه، صحيح؟”
رفع فريدريك حاجبيه وهو يكرّر كلماتها، وقد بدا في نظراته غضب مكتوم كأنه يسأل إن كان هذا كلّ ما ستقوله.
“شكرًا لإنقاذك حياتي.”
“شكرًا؟”
لا… لماذا يتحدث هذا الرجل بطريقة جامدة إلى هذا الحد؟
“يمكنك أن تضعني الآن…”
أنزلها فريدريك على الأرض بنظرة متبرّمة. لم يكتفِ بتركها فحسب، بل جثا على ركبتيه كما لو كان يعالج مريضة، فاضطرت باندورا إلى الوقوف بنفسها.
لكن ما إن خرجت من ذراعيه حتى خارت ساقاها وسقطت أرضًا.
“هيه!”
ارتجّت أذنا باندورا لحظةً وهي تحاول الوقوف.
‘هيه…؟’
هل كان هذا موجّهًا إليها؟
أيّ وقاحة هذه؟ ليس هذا أول تصرف فظّ له، ونحن حتى لسنا مقرّبين.
لكن باندورا لم تملك القوة لرفع يدها، فقرّرت ألا تردّ، ومع ذلك بقي لسانها قادرًا على الكلام.
“لماذا؟ ما… الأمر؟”
“بمَ كنتِ تفكرين؟”
“……؟”
ما خطب هذا الرجل؟
لم تستطع باندورا أن تفهم سبب غضبه.
وحين ضيّقت عينيها تنظر إليه باستغراب، عقد فريدريك حاجبيه بانزعاج.
“ما الذي حلّ بكِ؟ بعد كل ذلك الجهد الذي بذلتِه لتنظيم هذا المعرض؟ ألم يكن حلمك إقامة معرض فردي؟ فلماذا خرّبته؟”
“؟”
“وفوق ذلك، كنت قلقًا عليك فجئت لزيارتك، وفجأة أجد نفسي عالقًا هنا، ثمّ تسقطين أنتِ من السماء! ما الذي تفعلينه بحق السماء…!”
ارتجفت عيناه الطويلتان تحت حاجبيه المنعقدين وامتلأت عيناه السوداوان الغاضبتان بمشاعر لم تستطع باندورا فهمها.
‘لماذا؟’
كان في طريقته في الحديث معها، وفي معاملته لها، شيء مألوف.
‘هذا لم يحدث من قبل في المعرض، أليس كذلك؟’
البطلة فيفيان وبقية الابطال الذين حضروا المعرض لم يتحدثوا إلى باندورا، كانوا فقط يحيّونها بإيماءة أو بنظرة صامتة.
وكان الدوق الأكبر أحد هؤلاء الصامتين، وكذلك وليّ العهد.
لم يكلّفا نفسيهما حتى عناء التحية، فما معنى هذا الصمت؟
كانت باندورا متأكدة من أنّ هناك أمرًا تجهله.
بدأت حياتها في التاسع من يونيو، عندما بلغت الثانية والعشرين.
ثمّ رأت النافذة المربّعة التي ظلّت صامتة لبعض الوقت.
▶ اضغطي على الجرّة ثلاث مرات لعرض معلومات الشخص الآخر.
نظرت باندورا إلى الجرّة التي كانت تتدحرج، ثمّ تمدّدت لتلتقطها، لكنّها لم تستطع الوصول إليها. عندها خرجت القطة من بين ذراعيها ودحرجت الجرّة نحوها برأسها.
“شكرًا يا قطتي.”
نقرت باندورا الجرّة ثلاث مرات تقريبًا بعشوائية.
دينغ!
▶ الملف الشخصي
﹤فريدريك بوربوغ (22)﹥
الوظيفة: عقيد في الجيش (A+)
اللقب: السفّاك الدموي، دوق الشمال الأكبر
الحالة: اضطراب عاطفي (سيفقد السيطرة بعد 20 دقيقة)
ما هذا؟ ماذا يعني ذلك؟
فركت باندورا عينيها ونظرت إلى الشاشة مجددًا.
‘سيفقد السيطرة خلال 20 دقيقة؟ ما المقصود؟ ماذا يحدث عندما يفقد السيطرة؟’
ما الذي أصاب قدرته على التحكم بمشاعره؟
تتابعت الأسئلة في ذهنها، لكن النافذة لم تجب.
▶ يجري الآن إنهاء الدليل الإرشادي.
‘لا، لا… لا يمكن أن ينتهي الآن! لم أفهم شيئًا بعد!’
عقدت حاجبيها حائرة، فاقترب وجه فريدريك منها.
“باندورا، إلى أين تنظرين؟ انظري إليّ.”
“ماذا؟”
“أنتِ حقًا…!”
وضع يده على جانب وجهها، ونظر إليها من علٍ وكأنه يحاصرها بعينيه.
“كفى هراءً، لا أريد سماعه. أجيبي الآن، ما الذي أفعله هنا؟ ولماذا جُررت إلى هذا المكان؟ ولماذا أنتِ هنا؟”
“ه، هذا عملي، ولماذا أنتَ هنا يا دوقي الكبير، أنا لا… أعرف!”
أجابت باندورا بصوت مرتجف أشبه بصوت جندي أمام قائده.
ورغم أنها حاولت الحديث بأسلوب رسمي، بدا صوتها متصلّبًا متكبّرًا.
“لا تعرفين؟”
“لا، سيدي… أعني، لقد… دخلتُ إلى هنا بطريقة ما لأن حياتي كانت ستُدمّر إن لم أنقذ الدوق الأكبر… سيدي!”
‘يا للحرج!’
لم تشعر يومًا برغبة كهذه في أن تكفّ عن استخدام الألقاب الرسمية.
هي ليست إنسانة مهذّبة على الإطلاق!
عضّت باندورا على أسنانها وهي تتمتم في داخلها ‘سيدي!’ متحدّية، بينما التقت نظراتها بعيني فريدريك الباردتين المظلمتين، فظهرت أمامها فجأة نوافذ جديدة.
شعرت أنّها ما كان ينبغي لها أن تفتح الجرّة بتلك العفوية في المرة الأولى.
كانت الجملة “هل ترغبين في فتح الجرّة؟” كأنها تسخر منها قائلة: “هل أنتِ متأكدة؟ هل تستطيعين تحمّل العاقبة؟”
لكن باندورا تمتمت برقم بصوتٍ خافت.
‘واحد… نعم.’
إن لم تفعل شيئًا، فلن يتغيّر شيء.
سبعة أيام.
لا يمكنها أن تدع عالمها الذي بدأ بالكاد في التحرك يختفي.
أن تكون محبوسة في التاسع من يونيو، وأن تعلم أن العالم على وشك النهاية، إن كان هذا هو القدر الذي منحه لها الحكام، فستدوس عليه وتشق طريقها عكسه إن لزم الأمر.
اختارت باندورا فتح الجرّة مرة أخرى.
تألّقت الجرّة بين يديها، وتصاعد منها دخانٌ أحمر من الغطاء المفتوح.
استنشقت باندورا بلا إرادة منها، وسرعان ما غشّى السواد بصرها.
⋆。゚☁︎。⋆。 ゚☾ ゚。⋆
استيقظت باندورا في منزل ريفي صغير. كانت فتاة صغيرة هزيلة.
شعرها البني المموّج غير ممشّط، وكانت تمسك بأغصان طويلة وترسم بها على التراب.
كان وجهها محدّد الملامح، وعيناها رماديتان كبيرتان.
أدركت أنّ هذه الطفلة الصغيرة كانت جزءًا من ماضيها.
وبالقرب منها مجموعة من الكبار؛ اثنان منهما والداها، ورجال بملابس فاخرة لامعة كانوا غرباء عن القرية.
“هل رأيتم هذه المرأة من قبل؟ يُحتمل أن لديها ولدًا في عمر هذه الصغيرة.”
سأل الرجال وهم يعرضون لوحة لشخصٍ ما، وحين أشاروا إلى باندورا ارتجفت ونظرت إليهم بعينين واسعتين، فضحك الرجال ظانّين أنها لطيفة.
“لكن لماذا تبحثون عن هذه المرأة وطفلها؟”
“بأمرٍ من الدوق الأكبر بوربوغ.”
حدّقت باندورا في اللوحة التي يحملونها، وكانت وجهًا تعرفه جيدًا.
في الغابة التي اعتادت باندورا الذهاب إليها لجمع الفطر، كان هناك كوخ صغير بعيد عن الأنظار، يعيش فيه طفل ودود.
ذلك الفتى كان صديقها السري.
على عكس أولاد القرية الوقحين الذين يشدّون شعرها، كان لطيفًا ومهذّبًا.
سألت أمّ باندورا:
“الدوق الأكبر بوربوغ؟ يا إلهي، هل أساءت إليه بشيء؟”
“كلا، إطلاقًا. إنها زوجته.”
“ماذا؟”
“لقد هربت مع طفلها، لذا…”
“ماذااا؟”
“بحثنا عنها لسنوات حتى وصلنا إلى هذا الريف النائي.”
“آه… أخبراني بالمزيد.”
“لا حاجة، فقط اتصلي بدوقية الشمال إن وجدتموها، هذا كل ما نطلبه.”
“لكن ربما أستطيع المساعدة.”
قدّمت أمّ باندورا لهما الشاي وأدخلتهما إلى الداخل، ثم همست لزوجها وهي تراقب باندورا تلعب في الفناء.
سواء أدركت أم لم تدرك، كان كل ما يدور في ذهن باندورا هو صديقها السرّي.
‘ديدي دوق؟’
لا عجب أنه كان مختلفًا عن باقي الأطفال.
على عكس أولاد القرية ذوي الأظافر المتّسخة والوجوه المحروقة بالشمس، كانت بشرته بيضاء ويداه ناعمتين كيدي أميرة.
كان يتحدث بلباقة الأرستقراطيين ويبدو كالأمراء… لكنها لم تكن تعلم أنه أميرٌ حقًا.
مسحت باندورا رسمها على التراب بحذائها بسرعة حتى لا يتعرف عليه أحد.
ثمّ تسللت إلى المطبخ وأخذت الخبز المتبقي ومربى التوت من إفطار الصباح، ووضعتهما في سلّتها.
تسللت بخطواتٍ خافتة نحو الباب.
“باندورا، إلى أين أنتِ ذاهبة؟”
لو لم يكن صوت والدها!
“ل، لا شيء… فقط أتمشى قليلًا في الغابة!”
“حقًّا؟ وما هذه السلة؟”
“إنها وجبتي الخفيفة.”
رفع والدها المنديل الذي يغطي السلة ووضع فيها زجاجة حليب ماعز وقطعة جبن.
“شاركِي صديقك.”
تجمّدت باندورا عند سماعه.
كان والدها يعلم منذ البداية بأمر صديقها السري في الغابة.
ذلك السرّ الذي لم تبح به لأحد.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 15"