الفصل 13
ضغطت أطراف أصابع إيرف برفق على خنصر باندورا، ثم تحركت قليلاً إلى الأمام حتى تلاقت راحتاهما بعمق وتشابكت أصابعهما بإحكام.
“تمسكي جيداً.”
وبيده الأخرى التي لم تكن متشابكة، رفع إيرف إحدى اللوحات وضرب بها رأس باندورا بقوة.
“؟!”
ارتجفت باندورا وأغمضت عينيها بإحكام استعداداً للألم الذي سيأتي.
لكنها لم تشعر بضربة على رأسها، بل بوخزٍ في كاحلها.
⋆。゚☁︎。⋆。 ゚☾ ゚。⋆
فتحت باندورا عينيها بحذر ونظرت حولها.
“هاه؟”
في غمضة عين، لم تعد في منزلها، بل في مكانٍ غريبٍ عجيب.
“لِمَ… لِمَ المكان ساطع هكذا؟”
جدار من خضرةٍ عميقة بدا وكأنه يلامس السماء، وأعشاب ناعمة تداعب ساقيها مع نسيمٍ لطيف.
كروم الورد تتسلق الجدران الطويلة المهيبة التي تحيط بهما من الجانبين.
رأت كل شيء بوضوحٍ مذهل.
رؤيتها التي كانت مشوشة عادةً أصبحت صافية، وكأنها أخرجت عينيها وغسلتهما بالماء ثم أعادتهما إلى مكانهما.
“واو!”
صرخت باندورا بفرح، يخفق قلبها بشدة وهي تدرك أنها لم ترَ العالم بهذه الوضوح من قبل.
يا له من نعيمٍ أن ترى بوضوح!
“دكتور! عيناي…!”
وفجأة أدركت أن إيرف لم يكن بجانبها.
ثم لاحظت أن هذا المكان الغريب هو متاهة، ﹤المتاهة﹥، من إحدى لوحاتها الخاصة.
‘جنون… هل دخلتُ فعلاً إلى لوحة؟’
ما قالته مازحةً أصبح حقيقة.
من الأساس، عالم باندورا هو لعبة، وكل شيء ممكن إن قرره المطورون، لذا ليس غريباً أن تحدث أمور غير واقعية.
لكن الغرابة في هذا الموقف تكمن في أن هذه اللوحة تحديداً، وكل ما عُلّق في المعرض، هي من صنع باندورا وحدها دون تدخلٍ من أي مطور.
بمعنى آخر، العالم الذي تقف فيه الآن، عالم ﹤المتاهة﹥، هو عالم باندورا نفسها.
عالمٌ صنعته باندورا، تلك الشخصية غير القادرة على البرمجة كـ”الحكام”، والتي لا تملك سوى فرشاةٍ ترسم بها.
“رائع…!”
لم تكن تتخيل يوماً أنها سترى عالماً ثلاثي الأبعاد بهذه الحيوية من صنع طرف فرشاتها!
لقد كان الأمر مدهشاً بحق.
مرت بيديها على العشب الذي داعب كاحليها بإعجاب، ثم جلست على الأرض.
العشب الأخضر والأزهار البيضاء الصغيرة كانت متقنةً بشكلٍ رائع.
تنفست باندورا بعمق وهي تحدّق في السماء الزرقاء الخالية من الغيوم.
‘هل أنا وحدي في هذه المتاهة العملاقة؟’
بدأ عقلها يعمل بسرعة وهي تحاول فهم ما يجري.
ماذا لو كانت وحدها من سقط داخل اللوحة…
‘لا. لا تفكّري بهذا الشكل.’
من المستحيل أن يتركها إيرف وحدها. حتى لو حدث شيء وجعلها الوحيدة التي انتقلت إلى داخل اللوحة، فلابد أنه سيتبعها بطريقةٍ ما.
تشتت انتباهها للحظة بجدران المتاهة التي تمتد حتى السماء، لكنها سرعان ما استعادت تركيزها.
‘يجب أن أجد إيرف.’
ربما دخل معها، لكنه سقط في مكانٍ آخر بسبب تلك اللوحة الغريبة، رغم أنها تشك في أن إيرف كان يعلم أصلاً كيف يدخل إلى داخل لوحة.
كانت على وشك أن تخطو خطوة للأمام.
دينغ!
ظهرت نافذة مربعة مصحوبة بنغمةٍ مرحة.
▶ يبدأ الآن الشرح التمهيدي.
‘آه، يا له من فزع.’
كانت هذه المرة الثانية التي تظهر فيها نافذة من العدم، لذا لم تُصَب بالذهول كما في المرة الأولى. لكن…
‘شرح تمهيدي؟ فجأة؟’
بدت مرتبكة قليلاً من ظهورها المفاجئ.
أليس الشرح التمهيدي شيئاً يظهر في بداية اللعبة ليعلّمك طريقة التحكم أو التعليمات؟
‘ولِمَ يظهر لي هنا؟ أليس من المفترض أن يظهر لفيفيان، البطلة؟’
رمشت في حيرة، لكن النص تغيّر وظهرت رسالة جديدة.
▶ انقري على الجرة مرتين لعرض معلومات الشخصية.
‘جرة؟’
نظرت باندورا حولها، فرأت جرة موضوعة بجانبها.
كانت الجرة نفسها التي وجدتها وفتحتها في الورشة.
رفعتها وأغلقت غطاءها، ثم نقرت جانبها مرتين.
دينغ!
▶ الملف الشخصي
﹤باندورا غريملت (22)﹥
المهنة: رسامة مشهورة (A+)
اللقب: متلقّية جميع الهبات
الحالة: لا شيء
الجيب: 7 عناصر
‘حسناً، لنفترض أن الأربعة الأولى صحيحة، فما هذه العناصر السبعة؟’
مررت باندورا بإصبعها فوق كلمة “الجيب” في النافذة، فظهرت نافذة جديدة فوقها.
▶ لقد مُنحتِ هبات متنوعة من الحكام. يمكنكِ إخراج أي هدية وقت الحاجة.
1. الحزن والأسى، سحرٌ يذيب قلب الرجل.
2. الفُحش والمكر.
3. البراعة.
4. حزام فاخر.
5. طرحة عروس.
6. عقد ذهبي.
7. إكليل من زهور الربيع.
“……؟”
حدّقت باندورا في قائمة الهدايا مذهولة.
‘لم أحصل يوماً على شيء كهذا.’
ما هذا كله؟ كل هذه الأشياء تبدو عديمة الفائدة، باستثناء البراعة التي قد تنفع في حالة طارئة.
ربما للحزام أو العقد أو الطرحة أو الإكليل استخدام ما، لكن ما حاجتها للفُحش والمكر في متاهة؟
إنها تحتاج إلى قدرةٍ لتفادي الفخاخ، أو خريطةٍ للخروج!
‘إغلاق! توقف! اختفِ!’
لوّحت باندورا بيدها في الهواء وكأنها تطرد النافذة، فاختفت فعلاً. وهكذا انتهى “الشرح التمهيدي”.
تنهدت ومسحت الغبار عن غطاء الجرة. وفي تلك اللحظة، بدأت الجرة تتوهّج، وانعكس ضوءها على الأرض مشكّلاً سهماً من النور.
“هاااه…؟”
دينغ! ظهرت نافذة أخرى.
▶ فرك الجرة يكشف اتجاه الكائنات الحية الأخرى الموجودة في اللوحة ﹤المتاهة﹥. اعثري على الكائنات الأخرى المحاصَرة.
كائنٌ حي آخر! لا بد أنه إيرف!
احتضنت بانادورا الجرة بذراعٍ واحدة، وجمعت بيدها الأخرى طرف فستانها.
وانطلقت تعدو باتجاه السهم.
كان شعرها البني يطير مع الريح.
كانت ترتدي حذاءً خفيفاً بدلاً من حذائها المعتاد، لكن العشب اللامتناهي كان ناعماً بما يكفي ليحمي قدميها من الألم.
مواء―
في تلك اللحظة سمعت مواء خافتة لقطةٍ قريبة.
وعند الصوت، اختفى السهم الذي كان يشير نحو المتاهة كما لو تلاشى في الهواء.
تتبعت الصوت بانجذابٍ غريب.
تسارعت أنفاسها وبدأت تركض، ثم أبطأت الخطى وهي تتكئ على عصاها.
‘هنا!’
انعطفت فرأت قطة ذات فراءٍ أبيضٍ ناصع.
اتسعت عينا باندورا بدهشة.
‘لقد رسمتُ هذه القطة!’
أول عملٍ فني رسمته في المرسم. القطة البيضاء التي دبت فيها الحياة وتحركت أمامها.
أصدرت القطة خرخرةً خفيفة. تحركت أذناها حين تعرفت على باندورا، ولوّحت بذيلها ونظرت إليها بعينيها البنفسجيتين اللامعتين.
توقفت باندورا عن المشي وزفرت بحدة.
كان المشهد أشبه بلوحةٍ دبت فيها الحياة.
“مواء.”
قالت باندورا بصوتٍ مرتجف.
فقفزت القطة فوراً نحوها.
انحنت باندورا تلقائياً واحتضنت القطة.
“آخ!”
لمست كفٌّ ناعمةٌ ذات مخالب كتفها. شعرها الحريري لامس يدها وذقنها ووجنتيها.
دفء جسدها الصغير استقر في أحضان باندورا.
ضمّتها بقوة، متوترة ومغمورة بالعاطفة في آنٍ واحد.
داخل دوامة الزمن،
في كل مرة كانت تعود بالزمن، كان كل شيء يُمحى، لكن هذه كانت أول مرة لا يختفي فيها شيء.
لوحتها للقطة بقيت هناك، تستند إلى جدار مرسمها في الظل، لم تجف بعد.
عندما وجدتها، أمسكت بها باندورا وهي تبكي بحرقة، حريصة ألا تلمسها كي لا تفسدها.
‘أملي.’
جلست باندورا على الأرض، وضعت الجرة جانباً، وبدأت تمسح على ظهر القطة ورأسها بكلتا يديها.
“شكراً لعودتكِ إليّ، يا قطتي.”
اللوحة التي ظنّت أنها فقدتها إلى الأبد قد عادت إليها.
⋆。゚☁︎。⋆。 ゚☾ ゚。⋆
بعد أن استراحت قليلاً بجانب القطة، نهضت باندورا مجدداً وفركت الجرة.
فعاد السهم المضيء للظهور.
“قطتي، يجب أن تتبعيني، حسنا؟”
سارت باندورا خلف السهم، تلقي نظرات جانبية لتتأكد أن القطة ما زالت تلحق بها.
“علينا أن نجد إيرف، ثم البطل قريباً، لكن طالما نتبع هذا السهم، فلابد أن أحدهم سيظهر، أليس كذلك؟”
تأملت باندورا مَن قد يكون صاحب الصورة على لوحة ﹤المتاهة﹥.
“أظن أنه كان ذا شعرٍ أسود.”
وهناك كان… فريدريك.
شعرٌ أسود، وعينان سوداوان، كأنهما ابتلعتا الليل، وملابس سوداء بالكامل.
كان أشبه بغرابٍ وسيم.
جلده الشاحب وشفاهه الوردية كانا الشيئين الوحيدين اللذين لم يطلهما السواد.
وفي تلك اللحظة، غاصت قدم باندورا اليمنى قرابة خمسة عشر سنتيمتراً للأسفل.
“كياااه!”
اختل توازنها وسقطت، لكن حبلًا خرج فجأة من جدران المتاهة المغطاة بالعشب والكروم، وانكمش بشدة، رافعاً إياها للأعلى.
كانت شبكة خفية تحت الأرض قد التفت عليها وعلى القطة معاً وعلّقتهما في الهواء.
سقطت الجرة على العشب وحيدة.
انغلقت الشبكة من الأعلى، وضاق الفضاء بداخلهما إلى حدٍّ خانق.
رفعت باندورا القطة الصغيرة التي كادت تُسحق تحتها ووضعتها على بطنها.
“قطتي، هل أنتِ بخير؟”
رغم أن شعرها كان عالقاً في الشبكة ويشد فروة رأسها بألم، إلا أن باندورا كانت مشغولة بالاطمئنان على القطة.
وعندما رأت ملامحها المذعورة، قبلتها سريعاً وهي تشعر بالذنب.
لكن تلك القبلة المفاجئة أرعبت القطة أكثر، فجمُدت في مكانها، أدارت رأسها بسرعة، ثم انكمشت في حضن باندورا على شكل كرة صغيرة.
*حرق-إيرف هو القطة وهو البطل*
التعليقات لهذا الفصل " 13"