لم يصدق هوسيل عينيه.
كانت الامرأة الصغيرة تحطم المخلوقات بقوة ساحقة لدرجة أن حتى الوحوش بدت مترددة أمامها.
خلفها، تبعها رجل في منتصف العمر يرتدي زيّ طاهي وامرأة بدت في نفس العمر تقريبًا، يسيران على مقربة.
في مؤخرة المجموعة، كان هناك رجل يرتدي زيّ شرطة.
مع كلّ تأرجح لسيفه، كان الضابط يشقّ الوحوش إلى نصفين، فتنهار أجسادها وكأنّها مصنوعة من الورق.
“السيد هوارد، هناك أناس!، أناس أحياء!”
عند صيحة هوسيل، ألقى هاريسون نظرة وأومأ برأسه، مؤكدًا المشهد.
“سأتقدّم، راقب المؤخرة.”
أكسب أمر هاريسون الهادئ إيماءة سريعة من هوسيل، الذي اندفع بعد ذلك إلى الأمام.
أعاد هوسيل تعبئة بندقيته وصوّب على وحش قريب كان يزحف نحو الناجين.
بانغ!
تردّد صدى الطلقة بينما ارتدّ رأس المخلوق إلى الخلف، وسقط جسده الجامد على الأرض.
كان الناجون تحت الجدار الآن على بُعد خطوات من بوابة القصر، كانت مجموعة هاريسون تقترب أيضًا.
وفي تلك اللحظة، رآها هاريسون.
المرأة التي تقود الناجين على طول الجدار—شيري سينكلير.
عائلته الثمينة.
ليسوا مرتبطين بالدم، لكنّها العائلة الوحيدة التي بقيت له في هذا العالم المدمّر.
طوال الرحلة إلى هنا، شعر هاريسون وكأن يدًا كانت تلفّ قلبه بإحكام، تضغط بشدّة لدرجة جعلت التنفس صعبًا.
لكن في اللحظة التي وقعت عيناه على وجه شيري، زال الثقل.
غمره شعور بالراحة شديد لدرجة أن هاريسون شعر بدموع تلدغ عينيه.
* * *
كان هاريسون على قيد الحياة.
في اللحظة التي دخلنا فيها بأمان داخل بوابات بيتي السعيد، جذبني هاريسون إلى ذراعيه.
“هاريسون!، أنتَ على قيد الحياة، لقد كنتُ أعلم ذلك.”
التفت ذراعاه القويتان بإحكام حول خصري، اراح وجهه على كتفي، غمرتني الراحة، فضممته بدوري.
في تلك اللحظة، بينما كان آخر أفراد المجموعة يعبرون، أغلق نوكس وإيمي البوابات وأحكموا إغلاقها.
ساعد إيدن والشاب ذو الشعر الوردي في تعزيز الحاجز.
تردّد صوت الوحوش وهي تصطدم بالبوابة، لكن الأبواب المتينة صمدت.
أطلق هاريسون سراحي وأمسك وجهي، يتفحّصه عن كثب، نظرت إليّ عيناه الخضراوان اللطيفتان.
“لقد كنتُ قلقًا عليكِ، آنستي.”
“أنتَ لستَ مصابًا في أي مكان، أليس كذلك؟”
تفحّصت حالة هاريسون، لحسن الحظ، لم يبدُ مصابًا بجروح خطيرة.
“أنا بخير.”
“شكرًا لأنكَ نجوتَ، حقًا، أشكرك.”
تمتمتُ بعبارات غير مترابطة، فزمّ هاريسون حاجبيه كما لو أنّه استشعر أن شيئًا ما ليس على ما يرام.
“ماذا تقصدين… أين سوزانا؟، لقد أرسلتها معكِ.”
“…”
لم أستطع الإجابة، مجرد التفكير في اسمها جعل معدتي تتقلب، ابتلعت كلماتي.
لم أكن أعرف أي تعبير كان على وجهي، لكن وجه هاريسون تصلب وهو ينظر إليّ.
بعد لحظة، ربّتت يده الكبيرة برفق على رأسي.
“شكرًا لصمودكِ، آنستي.”
ضغطتُ على شفتيّ بإحكام.
فقط بعد التأكد من سلامة هاريسون لاحظتُ الآخرين.
كان الطاهي وإيما يتعانقان، يبكيان من الراحة.
كانت فانيلا قد انهارت على الأرض، تلهث لتلتقط أنفاسها، بينما وقف الشاب ذو الشعر الوردي بجانبها.
كان أقرب إلى شاب بالغ منه إلى فتى، لكنه لا يزال يبدو أصغر مني.
من هذا بحق خالق الجحيم؟
جعل تدفّق الناس المفاجئ للمنزل يصبح مزدحمًا —منظر غريب بعد الكثير من العزلة.
منزل مزدحم… لم أكن معتادة على ذلك.
في تلك اللحظة، تقدّم إيدن ومدّ يده إلى هاريسون.
“لقد كنتُ أتطلّع للقائكَ، سيد هوارد.”
نقلتُ نظري إلى الحقيبة المعلّقة على كتف هاريسون.
كان بإمكان أي شخص تخمين ما بداخلها، كانت عدة فوهات بنادق تبرز منها.
رأيتُ إيدن يلقي نظرة على الحقيبة أيضًا، حتى في نهاية العالم، كانت العادات صعبة الكسر، مخاطر المهنة، على ما أظن.
قبل أن يردّ هاريسون، صفّق نوكس بيديه واقترب بابتسامة عريضة.
لم أكن أعرف لماذا يعتقد أن التصفيق مناسب، لكنه مدّ يده إلى هاريسون.
“لقد مرّ وقت طويل، سيد هوارد، شكرًا لعنايتكِ بآنستنا غريبة الأطوار هنا.”
“ما هذا الهراء، رودبورشر؟، رحّب به بشكل لائق” رددتُ بنبرة حادة، محدّقة في نوكس بعدم تصديق.
“مهلاً، إنّ كون الآنسة شيري غريبة الأطوار هو سبب بقائنا جميعًا على قيد الحياة الآن، أنا فقط أظهر امتناني.”
جعلتني ابتسامة نوكس المراوغة عاجزة عن مجادلته، آه، لا سبيل للفوز في نقاش مع هذا الرجل.
ثم إيمي، التي كانت جالسة القرفصاء تمضغ عود حلوى، نهضت فجأة وسارت نحوه.
بابتسامة بسيطة، مدّت يدها إلى هاريسون.
“هل أنتَ أخ ستار كاندي الأكبر؟، مرحبًا، أنا إيمي وارتون، الأخت الصغرى الجديدة لـستار كاندي.”
(ستار كاندي هذي حلاوة قد حطيت لها صورة، شكلها كيوت عشان كذا يشبهون شيري بها)
هزّ هاريسون يد إيمي بحذر، غير متأكد من كيفية الرد بوضوح.
في هذه الأثناء، نظر الشاب ذو الشعر الوردي حوله قبل أن يلتفت إليّ.
“واو، هذا المكان حقًا في حالة يرثى لها، هل تعيش شيري سينكلير هنا بالفعل؟”
الآن وقد نظرتُ عن كثب، كان وسيمًا بشكل مذهل، حتى كامرأة، شعرتُ بعدم الأمان وأنا أقف بجانبه.
شعرتُ بانزعاج غامض، فنظرتُ إلى هاريسون.
“من هذا؟”
“إنه خبير الأسلحة الذي ذكرته، موجود هنا ليعلمكِ كيفية استخدام الأسلحة النارية.”
قدّمه هاريسون، وتقدّم الشاب بابتسامة دافئة، مدّ يده.
“تشرّفتُ بلقائكِ، آنسة شيري، أنا هوسيل كامبرون، سمعتُ الكثير عنكِ في الطريق إلى هنا—آنسة سينكلير الرقيقة.”
هززتُ يده على مضض، لكن شيئًا ما في اسمه أثار فضولي.
“كامبرون…؟، مهلاً.”
أمسكتُ يده بقوة أكبر، ساحبة إياه أقرب لي، رمش هوسيل متفاجئًا.
“هوسيل كامبرون؟، هوسيل كامبرون غالواي؟”
“كيف تعرفين اسم عائلتي؟، لقد هربتُ منهم منذ أمد بعيد، السيد هوارد، هل تحقّقتَ من خلفيتي؟”
تبًا.
نظر إليّ هاريسون بحيرة، بعد كل شيء، لم يكن قد ذكر شيئًا عن هوسيل لي.
نوكس، الذي كان يقف بالقرب، فرك ذقنه بتفكير.
“لم أسمع عن عائلة غالواي من قبل.”
“أنا من مملكة بريوود،” أوضح هوسيل.
ألقى نوكس نظرة مندهشة إليّ.
“ما هذا بحق خالق الجحيم، الآنسة شيري؟، هل حفظتِ شجرات عائلات النبلاء من الممالك المجاورة؟، هذا غير متوقع.”
ظلّ سؤال نوكس معلقًا في الهواء، لكن لم يكن لديّ وقت للتعامل معه.
سحقًا، إيدن، نوكس، فانيلا—والآن هوسيل؟
كيف انتهى الأمر بجميع الشخصيات الرئيسية من الرواية في بيتي السعيد؟
شعرتُ وكأنني أفسدتُ القصة الأصلية تمامًا.
‘مع ذلك، البطلة الرئيسية والبطل الرئيسي لا يزالان بأمان في العاصمة… أليس كذلك؟’
بالطبع، كما قررتُ من قبل، كان البقاء على قيد الحياة أهم من التمسك بالحبكة.
لكن إذا انحرفت القصة كثيرًا عن مسارها، قد يكون من الصعب العثور على إيزراديل، البطل والعالم.
بعد كل شيء، لم يُذكر ولو مرة واحدة خلال عامين في الرواية.
وذات يوم، ظهر فجأة من العدم أمام أورورا بعد عامين من نهاية العالم.
“أممم…”
بينما كنتُ غارقة في أفكاري، اقترب مني الرجل بزيّ الطاهي.
عندما رفعتُ عينيّ إليه، انحنى برأسه تحية، ثم التفت وانحنى للآخرين واحدًا تلو الآخر.
“شكرًا لإنقاذكم إيانا، أنا فيكتور هوب.”
بجانبه، مسحت إيما دموعها وانحنت أيضًا، صوتها يرتجف بالامتنان.
“أنا إيما سواب، شكرًا جزيلًا لإنقاذكم إيانا، لا أعرف كيف يمكننا ردّ جميلكم.”
هزّ نوكس كتفيه وأشار بإبهامه إليّ، موجهًا الفضل إليّ.
“عليكم شكر هذه الآنسة لاتخاذها القرار الصحيح.”
الآن وقد فكرتُ في الأمر، كان معظم الأشخاص الذين رأيناهم خلف الجدار مألوفين، لكن فيكتور وإيما كانا غريبين.
يبدو أن فيكتور لاحظ حيرتي وقدّم تفسيرًا.
“كنتُ أنا وإيما مسافرين لفترة، عندما عدنا، سمعنا شائعات أن العديد من الغرباء قد وصلوا إلى برونيل.”
فجأة، انتعشت إيمي وصرخت “تمهلا، أنتما سافرتما معًا؟”
احمرّ وجها فيكتور وإيما، وبدا مرتبكين.
ما هذا؟، ما الذي يحدث؟
بدا الجميع حائرين بنفس القدر حتى تولّت إيمي مهمة الشرح بنفسها.
“فيكتور وإيما صديقان منذ الطفولة، كان فيكتور مغرمًا بها إلى الأبد، ولهذا لم يتزوج أبدًا، لكن إيما تزوجت من شخص آخر وانتقلت إلى العاصمة، بعد وفاة زوجها، عادت مباشرة إلى القرية—وكان فيكتور يحميها منذ ذلك الحين.”
“يا إلهي، إيمي!، الأمر ليس هكذا!”
لوّحت إيما بيديها بجنون، محرجة بوضوح، في هذه الأثناء، أصبح وجه فيكتور قرمزيًا تمامًا.
أكثر من أي شيء، كنتُ مندهشة أن إيمي تعرف الكثير عن حياتهما.
حدّقتُ إليها، فهزّت كتفيها بلا مبالاة.
“كنتُ دائمًا جيدة في النميمة.”
كانت إيمي حقًا شيئًا آخر—فتاة سريعة البديهة، حادة اللسان، سريعة اليدين، على دراية بالأعشاب، وعلى ما يبدو خبيرة في شائعات القرية.
“إذا انتهينا من الدردشة، ألا يجب أن ندخل القصر؟”
تحدّث إيدن، الذي كان يراقب الموقف بهدوء، أخيرًا.
نظر الجميع إليّ، في انتظار موافقتي.
“نعم، لندخل.”
بمجرد إعطائي الإشارة، تقدّم إيدن، وتبعه الآخرون.
أثناء سيرنا، مشى هاريسون بجانبي، ملقيًا نظرة سريعة على إيدن قبل أن يتحدث.
“آنستي، هناك الكثير من الأشياء التي أحتاج إلى سؤالكِ عنها.”
“لديّ الكثير من الأسئلة أيضًا، أوه، هاريسون—كيف حال العاصمة؟”
انتعشت أذنا إيدن عند ذلك، واستدار قليلًا، مهتمًا بوضوح بالإجابة.
هزّ هاريسون رأسه ببطء.
“لستُ متأكدًا، كل شيء انهار بينما كنتُ في القطار متجهًا إلى هنا…”
أظلمت تعابير إيدن بخيبة الأمل.
في تلك اللحظة، فتح نوكس أبواب القصر، ودخل الجميع إلى بيتي السعيد.
التعليقات لهذا الفصل " 72"