“الفرسان قد قبلوا رايلين كأحد أفراد العائلة. لا أستطيع أن أضمن لك المعاملة ذاتها، لكن على الأقل لن يُظهروا عداءً صريحًا.”
أومأت رايلين موافقة.
ربما لن يستقبل الفرسان كافيريون بالحرارة نفسها التي يستقبلونها بها، لكنهم على الأقل لن يُظهروا نفورهم علنًا.
لذا، من المفترض أن لا يكون في حضور البطولة ضرر.
ورغم ذلك، ظلّ كافيريون صامتًا لبرهة، وقد بدت عليه علامات التردّد.
جالت عيناه الزرقاوان على الطاولة دون تركيز، ثم رفع بصره ببطء نحو آيدن.
“هل ستشارك في البطولة أيضًا؟“
“أخطط لذلك.”
“هي بطولة مبارزة فقط، أليس كذلك؟“
أومأ آيدن وكأن الأمر بديهي.
حينها، قال كافيريون وهو يراقب آيدن بهدوء.
“إذًا، ما رأيك أن أشارك أنا أيضًا؟ قد تكون مبارزة ممتعة لشعب الدوقية.”
اتسعت عينا رايلين دهشةً.
“أخي…!”
“لا تقلقي. لا أنوي شيئًا من وراء ذلك. أريد فقط خوض نزال بالسيف مع آيدن.”
“لكن… هذا حدث عام للغاية. والمكان…”
فبطولة المبارزة هذه كانت من المناسبات النادرة التي يُفتح فيها القصر لعامة الناس، فيُتاح لسكان الإقليم الحضور والمشاهدة.
وبالتالي، لن يقتصر الحضور على العامة فقط، بل سيتوافد الفرسان أيضًا.
وفوق ذلك، فالمكان ليس دوقية إرجين، بل دوقية بيدوسيان.
وإن خسر، فسيجد الناس الفرصة للسخرية من دوقية إرجين.
وإن انتصر، فسيُنظر إليه كضيف ثقيل الظل، ويُنتقد.
في كلتا الحالتين، ستكون النتيجة محرجة.
“أشارك تحديدًا لأنه حدث علني. كما تعلمين، رايلين، لا يزال الكثيرون يرون السلام بين دوقيتَي إرجين وبيدوسيان مجرد هدنة مؤقتة. لذا، أظن أنّ استخدام هذه البطولة كنزال ودي سيكون أمرًا مفيدًا.”
كان هذا منطقًا مألوفًا.
فقد طال أمد الحرب الباردة بين العائلتين، حتى بات كثيرون يرون معاهدة السلام بينهم كصفحة ورقية هشة قابلة للتمزّق في أي لحظة.
ورغم أنهم عقدوا الاتفاقية بحضور النبلاء، إلا أنّ الطمأنينة لم تجد سبيلها إلى قلوب الناس بسهولة.
“حين يرى الناس رئيسي العائلتين يتبادلان المبارزة بإنصاف، ويهنئ كلٌّ منهما الآخر على الفوز، ألا تظنين أنهم سيشعرون بإخلاصنا؟“
وجدت رايلين نفسها تومئ برأسها تأييدًا لهذا المنطق المعقول.
‘نعم… مبارزة الفرسان تعني الاحترام المتبادل، بغض النظر عن النتيجة.’
ويبدو أن آيدن شعر بالمثل.
“فكرة جيدة. كما تقول، إن أحسنا استغلال هذه البطولة، فقد تساعد على تبديد القلق المتبقي لدى أولئك المتشككين.”
“هذا صحيح.”
ابتسم كافيريون بهدوء وهو يرفع كوب الشاي إلى شفتيه، وبعد أن رطّب حلقه، تابع حديثه.
“لكن هذا لا يعني أنني سأخوض المبارزة بتهاون. سأسعى جاهدًا لهزيمتك.”
كان آيدن يُخفي ملامحه خلف تعابير محايدة، لكنّ عينيه لم تخفيا بريقًا خافتًا، يشبه شرارة خفية توحي بروح التحدّي.
“وأنا كذلك.”
***
انتشرت أخبار مشاركة كافيريون في بطولة المبارزة كالنار في الهشيم داخل دوقية بيدوسيان.
لكنّ أكثر من تأثّر بذلك كانت ثكنات الفرسان، حيث عمّت الفوضى والضجيج.
ورغم أن آيدن نقل رغبته بلباقة، ولم يعترض أحد، إلا أن الجميع شرعوا بالتدرّب بجدية مضاعفة، مؤكدين أنهم لن يُهزموا أمام شخصٍ من دوقية إرجين.
ورغم أنّ أقل من يومين تبقّيا على البطولة، ولم يكن ذلك كافيًا لإحداث فرق فعلي، إلا أن الحماسة بلغت أوجها.
على الجهة الأخرى، بدا كافيريون هادئًا للغاية، وكأنه ينتظر نزهة هادئة لا بطولة مصيرية.
“ألستَ متوترًا، أخي؟“
سألت رايلين وهي تتجوّل معه على ضفاف البحيرة خلف القصر الدوقي.
كان وقتًا مناسبًا للحديث الخاص، فآيدن خرج لتفقد ساحة المبارزة التي أُقيمت خلف ساحة التدريب.
“ولمَ أتوتر؟ هل يتوتر أحد قبل سباق ضد طفل؟“
أن تُشبَّه فرسان بيدوسيان بالأطفال… لا عجب من ثقته بنفسه.
فرغم كونه مستيقظًا، لم يُهمل تدريباته قط، كما أنّه مبارزٌ بارع، ومحاربٌ مخضرم قاد الحروب إلى النصر.
لم يكن قويًّا في المبارزات فحسب، بل كان يتمتّع بخبرة قتالية حقيقية، جعلته خصمًا لا يُستهان به.
لكن هذه المهارة الطاغية لا تتجلى إلا أمام فرسان عاديين أو جنود بسطاء.
فهل سيتمكن كافيريون من الحفاظ على هذا الهدوء إن واجه آيدن… بطل هذا العالم؟
سألته رايلين بنبرة مبطّنة.
“وماذا عن آيدن…؟ هل مواجهته تشبه التنافس مع طفل أيضًا؟“
توقّف كافيريون فجأة.
وارتسمت على وجهه تعابير جديّة، بل ربما بدت مهيبة.
“رايلين.”
ناداها بصوتٍ منخفض، جعلها تتردّد للحظة.
‘هل أغضبته؟‘
نظرت رايلين إليه بحذر، فأجاب بوجه لا يحمل سخرية.
“لم أخسر في حياتي نزالًا بالسيف أمام آيدن. لا في التدريب، ولا في الحرب.”
وكان يقصد بالتدريب تلك الفترة حين تعلّما معًا منذ الطفولة.
فأبناء العائلات الإمبراطورية والنبلاء يتلقّون تعليمًا مشتركًا في السيف والآداب.
‘صحيح، قد يكون تفوّق عليه حينها.’
لكن شيئًا لم يرق لرايلين… وهو قوله إنه انتصر عليه في الحرب أيضًا.
“لكنك كنت مستيقظًا أثناء الحرب، أليس كذلك؟ طبيعي أن تنتصر حينها.”
“لم أستخدم قدراتي كمستيقظ. حين التقيت آيدن بالسيف، كان ذلك في أواخر الحرب، وكنت بالفعل قد وصلت إلى أقصى حدود الإنهاك.”
ضاقت عينا رايلين وهي تنظر إليه، وكأنها تشكّك في قوله، فما كان منه إلا أن رفع حاجبه ساخرًا.
“كم مضى على زواجكما، وقد بدأتِ تنحازين لزوجك بهذه السرعة؟“
“لستُ منحازة، بل فضولية فقط تجاه الحقيقة.”
“ستشبع فضولك غدًا، في بطولة السيوف. لذا لا تتسرّعي في أحكامك.”
أومأت رايلين موافقة.
ثم استأنفا السير على ضفة البحيرة.
وكانت أوراق الشجر تتراقص في مهبّ الريح، وطيور صغيرة تغرّد من بعيد، مما أضفى جوًّا من الصفاء.
فجأة، قطع كافيريون الصمت.
“هل أنتِ راضية عن حياتك الزوجية؟“
سؤاله جاء بصوته الجهوري الذي انسجم مع الطبيعة من حولهم.
أغمضت رايلين عينيها بلطف، وكأنها تتذوّق وقعه، ثم أجابت.
“نعم، سعيدة للغاية. لدرجة أنني أتمنى أن تستمر أيام كهذه إلى الأبد.”
“فهمت. يسعدني سماع ذلك.”
كان رده مفعمًا بالصدق.
فتحت رايلين عينيها، وقد تأثّرت بلطفه.
“وماذا عنك، أخي؟“
“أيامي ليست سيئة.”
هَبّت نسمة عليلة، فتطاير شعر رايلين الطويل في الهواء، وحين هدأ الريح، عاد الشعر إلى مكانه كأن شيئًا لم يكن.
عندها، مدّ كافيريون يده، ووضع خصلة سقطت على وجهها خلف أذنها برفق.
“قصر دوقية إرجين دونكِ يبدو غريبًا أحيانًا… وأحيانًا موحشًا.”
ابتسم كافيريون بخفة، لكن قلب رايلين شعر بثقل.
أن يعيش وحيدًا في قصر شاسع كهذا، بعد أن توارى أفراد العائلة واحدًا تلو الآخر، لا بد أنّه شعر بالوحدة رغم انشغاله الدائم.
“سأزورك كثيرًا.”
“لا بأس. أحتاج فقط إلى وقت لأتأقلم. كان عليّ ألا أُقلقك.”
“ليس قلقًا عابرًا، بل أمر يجب عليّ الاهتمام به، فأنتَ من أقرب الناس إليّ، أخي.”
قالت رايلين وهي تخفض بصرها، وقد لمع في رموشها الطويلة ظل من فراغ.
كان كافيريون أحيانًا يعتني بها حدّ الوجع.
‘كما أن كافيريون هو عائلتي الوحيدة، فأنا أيضًا عائلته الوحيدة.’
وربما كان ما يفعله نوعًا من التكفير عن ماضيه حين كرهها يومًا ما.
لكن، مهما كان السبب، فإن رايلين اليوم لم تكن تريد سوى أمر واحد.
أن يجد كافيريون سعادته هو أيضًا.
حرًّا، بلا قيد، وبلا ثقل الماضي.
“لا داعي لأن تتخذي ذلك الوجه. هدفي الأساسي كان إزاحة والدي من منصبه، وحمايتكِ. وقد أنجزتُ كلا الأمرين.”
“…”
“أنا فقط في فترة ركود مؤقتة. ثمة الكثير من العمل في الإقليم، ومع الوقت، سأجد هدفًا جديدًا.”
ثم التقت عيناه بعينيها، ورسم فيهما قوسًا دافئًا.
“لذا، لا أريد الاستعجال في التفكير.”
كانت رايلين تعلم أنّ كلماته لم تكن مجرد عزاء لها.
‘نعم…’
فلا بدّ للإنسان من أن يجد غايته بنفسه.
ولم يكن بوسع رايلين سوى أن تُصلّي في سرّها.
أن يكون الهدف القادم الذي سيجده أخيها… دافئًا، مشرقًا، وملؤه الحياة.
ثم تخلّت عن وجومها، وقالت بصوتٍ مرح.
“سأظل أزور الإقليم كثيرًا! أحب المشهد من فوق تلك الحافة.”
مسح كافيريون شعرها بحنان.
“تعالي متى شئتِ. القصر، وأنا… سنكون هنا دومًا.”
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 126"