استمتعوا
“ ما الذي يحدث؟“
“ تم إشعال نيران الإشارة في الشرق.”
عضّت رايلين شفتها بقلق. في حال وقوع هجوم من قُطّاع الطرق، يشعل القرويون نيرانًا من أماكن مرتفعة لنقل الإنذار.
ونيران الإشارة تعني شيئًا واحدًا فقط، لقد بدأ الغزو.
لكن التوقيت كان أبكر مما هو متوقّع. إذ إن آيدن هاجم القرية قبل أيام قليلة، وكان من المفترض أن يحتاج القُطّاع لبعض الوقت لإعادة تجمّعهم.
بدت عينا كاشوود متّقدتين.
“ نيران الإشارة تعني أن الفرسان المتمركزين في قرية الشرق في وضعٍ حرج.”
كان ذلك منطقيًا… إنهم يطلبون النجدة.
“ فرسان القلعة مستعدون للانطلاق فورًا.”
“ لكن آيدن… أعني، الدوق، لم يعد بعد. وعدد الفرسان هنا ليس كثيرًا.”
فمواجهة قُطّاع الطرق دون استعداد كافٍ قد تؤدي إلى خسائر غير ضرورية.
“ أتفق معك. لكن إن تركنا الأمر هكذا، فسيسرق القُطّاع جميع المؤن التي قدمناها للقرويين.”
وكان محقًا. فلو تُرك الأمر دون تدخل، فإن القُطّاع سينهبون المؤن، وقد يتعرّض الناس للأذى.
“ أحتاج إلى الاجتماع بالفرسان أولًا. لا يمكنني إصدار أمر بالتحرّك دون تفويض من الدوق.”
فأمرٌ واحدٌ خاطئ قد يتسبب في إصابات كثيرة. وكانت تعلم أن الحذر واجب.
ولكي تتّخذ القرار السليم، كان عليها فهم الموقف بدقة.
أسرعت رايلين إلى ساحة التدريب حيث تجمّع الفرسان.
كانوا قد تسلحوا بالفعل، وعلى أهبة الاستعداد.
تقدّم قائد الفرسان فور رؤيته رايلين.
“ سيدتي، أرجو إصدار أمر التحرك. يجب أن نستغل هذه الفرصة لمنع القُطّاع من التمادي.”
“ كم عدد الفرسان والجنود الجاهزين الآن؟“
معظم قواتهم كانت متمركزة على أطراف الحدود، وعدد من في القلعة لم يكن كبيرًا.
“ حوالي مئة.”
تقطّبت جبين رايلين. ذلك عدد قليل للغاية.
“ لكن الأمر يجب أن يكون على ما يرام. فبحسب القرويين، لا يزيد عدد القُطّاع عن خمسين.”
رغم أن عددهم كان يضاعف عدد القُطّاع، شعرت رايلين بعدم ارتياح.
“ ما الذي يجعلكِ تترددين؟“
تحوّل نبرة قائد الفرسان من الاحترام إلى حدّةٍ واضحة.
وحين رفعت رايلين بصرها إليه، كان وجهه مقطبًا بصرامة.
“ سمعتُ أن زعيم القُطّاع مستيقظ.”
“ صحيح. لكنه ليس أمرًا يثير قلقكِ. فرساننا مخضرمون، ونجوا من معارك طاحنة.”
كانت نبرته متبرّمة، وكأنها تُشكّك بجدارتهم.
“ أعلم… أعلم أن فرسان بيدوسيان متمرسون. لكن… ما يقلقني أننا لا نعرف حجم قوة العدو.”
في الحقيقة، كانت رايلين تعرف بالضبط ما هم عليه، وكانت قدراتهم مقلقة حتى لأفضل الفرسان. وبالتحديد، قدرات زعيم القُطّاع هي ما كان يُرعبها.
لكن لم يكن بإمكانها الكشف عن ذلك.
في تلك اللحظة، وصل فارسٌ مسرعًا يمتطي جواده.
“ قائد الفرسان!”
التفتت جميع الأنظار إلى الوافد المفاجئ.
“أنت …”
“ كنتُ في جولةٍ استطلاعية، والتقيت بقرويٍّ هاربٍ من قرية الشرق. وجئت برسالة عاجلة.”
تقطّب وجه رايلين.
فالطريق من قرية الحدود الشرقية إلى هنا يحتاج إلى ثلاث ساعات على الأقل، وكان توقيت وصول هذا الفارس… مثيرًا للريبة.
“ ما الذي قاله؟“
“ قال إن القُطّاع هذه المرة لا يهدفون إلى النهب.”
“ إذًا، ما هدفهم؟“
“ يبدو أنهم ينوون احتلال القرية. ربما يخططون لاستخدام القرويين كرهائن.”
قبض القائد على قبضته بشدّة.
“ أولئك الأوغاد الوقحون!”
“ إنها نتيجة لسياسات دوق بيدوسيان السابق. لم نتعامل معهم بحزم قط، فباتوا يستخفّون بنا.”
واصل الفارس حديثه مع القائد الغاضب.
“ لكننا حصلنا على معلومة مهمّة.”
رمقه القائد بنظرة نارية.
“ ما هي؟“
“ موقع قاعدتهم.”
“ قاعدتهم؟“
“ من هاجموا القرية ليسوا سوى جزءٍ من القُطّاع. أما معظمهم، فهم ينتظرون في التلال، ويخططون للاستيلاء الكامل على القرية بحلول مساء الغد.”
إن كانت هذه المعلومات صحيحة، فهي ثمينة للغاية.
لكن كلما استمعت رايلين، ازداد شعورها بالغرابة. كيف لقروي أن يعرف كل هذه التفاصيل قبل حتى إشعال نيران الإنذار؟
وأخيرًا، سألت الفارس.
“ ذلك القروي… في أي حال كان؟“
“ حالته؟“
“ نعم. هل بدا مشتّت الذهن أو غائب التركيز؟“
استغرق الفارس لحظةً ليتذكّر.
“ الآن بعد أن ذكّرتني… كان ينظر إلى مكان آخر أثناء حديثه، وكأنه غير حاضر الذهن.”
زفرت رايلين تنهيدة قصيرة.
إن كان حدسها صحيحًا، فذلك القروي ما هو إلا طُعمٌ أرسله إيلان، زعيم القُطّاع، عن عمد.
‘ باستخدام قدرة المستيقظ على زرع الأوهام.’
فإيلان، الخصم الأكبر، كان يمتلك قدرة فريدة في بثّ الأوهام في عقول الآخرين.
وقد استخدم ذات الأسلوب للإيقاع بآيدن سابقًا، حين جعل أحد العامة يرى أوهامًا ويقوده إلى معقل القُطّاع.
طريقة تُذكّرها كثيرًا بقدرات هربيان.
‘ لكن… هذا ليس ما يهم الآن.’
المهم هو أنها أدركت أنه فخ.
نظرت رايلين إلى القائد بعين حازمة.
“ لا يمكننا الذهاب إلى المعقل. إنه فخّ.”
تقطّبت حواجب القائد.
“ ماذا تقولين؟“
“ لقد دُفعت إلينا هذه المعلومات عمدًا. أليس من الغريب أن قرويًا هاربًا يعلم كل هذا؟“
لم يكن بإمكانها أن تكشف لهم قدرات إيلان. فلا أحد يعلم عنه سوى أنه مستيقظ.
“ ربما سمع شيئًا بالصدفة وهرب خائفًا” أجاب القائد متحدّيًا.
علمت رايلين أن حجّتها تفتقر للإقناع، فقررت تغيير أسلوبها.
“ إذًا، فلننتظر حتى عودة الدوق غدًا قبل التحرك. أليس القُطّاع يخططون لاحتلال القرية مساء الغد؟“
صمت القائد، وقد بدا مترددًا في قبول اقتراحها.
لكن في تلك اللحظة، تقدّم لانغرين، الفارس الذي تصادم مع رايلين سابقًا، مكفهرّ الوجه.
“ لا داعي للتردد، أيها القائد.”
انتقلت نظرات رايلين نحوه.
“ عددهم خمسون فقط، ونحن نعلم أين معقلهم. إن تأخرنا، فسيشعر القُطّاع بالخطر ويهربون كالجرذان.”
كانت نظرات لانغرين مليئة بالتحدي، كأنه يُحذرها من التدخل في ما لا تفقهه، ويُشير بأنها لا تملك خبرة في شؤون الحرب.
لكن رايلين لم تكن لتقف مكتوفة الأيدي بينما يُساق فرسان آيدن إلى فخّ محكم.
وبنظرة حازمة إلى عيني لانغرين الغاضبتين، أعلنت بثبات.
“ هذا مرفوض.”
جاء صوتها قويًّا لا رجعة فيه.
“ بصفتي سيدة هذا القصر، أمنع تحرّك القوات.”
تلوّى وجه لانغرين بالغضب. عبس القائد، وأخذ باقي الفرسان يتبادلون نظرات الدهشة والاستنكار. وحده كاشوود بدا متقبلًا لقرارها.
لكن رايلين لم تتراجع. لم يكن ثمة مجال للتسوية. في غياب آيدن، كانت هي صاحبة الكلمة العليا في القرارات العسكرية.
“ سننتظر حتى عودة الدوق غدًا. وحتى ذلك الحين، التزموا مواقعكم.”
ثم أدارت ظهرها ومضت.
قد بدا تصرّفها قاسيًا، لكن لم يكن هناك وسيلة أخرى لردعهم سوى السلطة. فالإقناع وحده لن يُجدي.
ثم إن هدف القُطّاع لم يكن النهب بل الاحتلال، لذا لن يؤذوا الرهائن الذين يحتاجونهم. وكل شيء سيُحلّ عند عودة آيدن.
هكذا اعتقدت رايلين وهي تغادر…
دون أن تدري أن فارسًا واحدًا سيغادر القلعة سرًّا تلك الليلة.
***
بعد مغادرتها، ظلّ الفرسان مضطربين لبعض الوقت.
لم يكن من المقبول أن تتخذ امرأة، لم يمضِ على وجودها في القصر سوى شهر، قرارًا مصيريًا كهذا بمفردها.
لم يعد لانغرين قادرًا على كبت غضبه، فصاح أخيرًا.
“ هذا جنون، أيها القائد! هل سنقف مكتوفي الأيدي؟“
“ أنا مستاء مثلك، لكن لا خيار لدينا. لا يمكننا التحرّك دون أمر.”
“ أمن المعقول أن نصدّق هذه الترهات عن فخ؟ إنها فقط لا تثق بنا، هذا كل ما في الأمر.”
حدّق القائد في الأرض بوجهٍ متصلّب، ثم زفر بهدوء وخفّت ملامحه.
“ رغم ذلك، لا خيار أمامنا. توقف عن الغضب، وابقَ في موقعك.”
ربت على صدر لانغرين بقوة ثم انصرف.
لكن لانغرين ظلّ في موقع الحراسة يتقلب داخله الغضب.
‘ لو أنني أنهيت هذا قبل عودة الدوق، لنلتُ الثناء بلا شك. والآن… نحن لا نفعل شيئًا بسبب كلمة منها؟‘
لا …
بل إن استطاع وحده التأكد من موقع معقل القُطّاع، فسيثبت أنها كانت مخطئة. ويمكنه أن يحرّك الفرسان عند الفجر.
رغم برودة الليل، كانت أفكار لانغرين تغلي.
ولم يمضِ وقت طويل حتى حسم أمره بأنه لن يبقى ساكنًا.
هبّ واقفًا، فرفع زملاؤه رؤوسهم بدهشة.
“ ما الذي دهاك؟“
لكنه لم يجب.
واندفع بعيدًا، يتوارى جسده العريض في ظلمة الليل.
— يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O ━O ━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 122"