استمتعوا
فرك الفارس موضع الضربة وهو يتأوّه من الألم.
“ هي بالفعل سيدة القصر، لكنك سير، انت تعلم، أن العديد من فرساننا قُتلوا على يد دوق إرجين، شقيقها. كانوا جميعًا رفاقنا.”
“…”
“ قد يكون الزواج قد تمّ من أجل المصالحة، ولكن من يدري؟ ربما كافيريون إرجين زرع جاسوس بيننا.”
كانت نظرات الفرسان نحو رايلين حادّة كالسيوف. لو كان آيدن حاضرًا، لما تجرؤوا على التفوّه بتلك الوقاحة، لكن في غيابه، بدا وكأنهم خيول جامحة بلا لجام.
أما كاشوود، فظلّ هادئًا، ووضع سيفه الخشبي أرضًا بثبات.
“ أتفهم مشاعركم. لكن الأمر لا يختلف بالنسبة إلى الدوقة. فقد سقط فرسان من منزل إرجين أيضًا على يد قوات بيدوسيان.”
“هذا …”
عجز الفارس عن الرد هذه المرة.
“ الدوق إرجين نفسه يسعى لإنهاء هذا الصراع البارد المملّ.”
ساد الصمت ساحة التدريب.
انتظرت رايلين حتى أنهى كاشوود حديثه، ثم رفعت صوتها قائلة.
“ أعلم أنكم لا ترحبون بي. ولكن، رجائي أن تراقبوا، أن تروا. وجودي هنا ليس مظهرًا خادعًا.”
“…”
“ لقد وعد أخي أيضًا بأن لا تكون هناك حروب عبثية بعد الآن. لا مزيد من سفك الدماء باسم السلطة.”
رغم صدق كلماتها، ظلّت نظرات الفرسان باردة.
‘ بالطبع، لم أتوقع منهم أن يصدقوني فورًا.’
وبعد أن قالت ما في قلبها، غادرت رايلين ساحة التدريب دون أن تضيف شيئًا. فقلوب البشر تحتاج وقتًا لتتغير. ولا شيء يُجبر بالقوة.
وإخبار آيدن لن يغيّر شيئًا. ربما كان سيوبّخهم بصرامة، لكن هذا كل ما في الأمر. بل قد يزيد ذلك من عدائهم، ظنًّا منهم أنها اشتكت له.
‘ سأشكر كاشوود لاحقًا.’
لم تتوقع يومًا أن يقف إلى جانبها. كانت تظنه لا يكنّ لها وُدًا.
ومع استئناف التدريب، علت أصوات الصيحات والضربات من ساحة التمرين، بينما عادت رايلين إلى غرفتها بصمت، تاركة الضجيج خلفها.
***
خلع الفرسان خوذهم بعد انتهاء التدريب. لا يزال الهواء يحمل بعضًا من برودة الشتاء، لكن جباههم كانت متعرّقة.
مسح الفارس لانغرين عرقه من شعره، ثم نظر حوله ليتأكد من غياب كاشوود، قبل أن يتحدث.
“ لماذا يدافع القائد عن الدوقة الجديدة بهذا الشكل؟“
كان لانغرين هو نفسه الفارس الذي سخر من رايلين سابقًا.
وقد أومأ فارس آخر موافقًا على تساؤله.
“ ربما لأنه لم يشارك في حرب الحدود مع منزل إرجين؟ لذا لا يحمل لهم الضغينة لأن الحرب لم تمسّه مباشرة.”
“ لا، سمعت أنه شارك في حرب قديمة ضد منزل إرجين.”
تنهد لانغرين بعمق.
“ فلماذا إذًا يدافع عنها؟ من المفترض أن يكره منزل إرجين كما نكرههم نحن.”
هزّ الفارس كتفيه.
“ من يعلم؟ لكني سعيد لأنها وافقت على طلب اللحم. لولاها، لكنا نتغذى على الفاصوليا هذا الأسبوع.”
“… كل هذا من أجل بعض اللحم؟“
عقد لانغرين ذراعيه وتقطّب وجهه. فربت الفارس الآخر على كتفه.
“ أعلم أنك لا تحب الدوقة، لكن لا تُظهر ذلك أمام الدوق. تذكّر ما حدث لإيريك عندما نطق بكلمة طائشة.”
تذكّر لانغرين ذلك الحدث جيدًا.
فقد نال إيريك توبيخًا قاسيًا من آيدن عندما تفوّه بكلمة ساخرة أثناء تقديمه للدوقة الجديدة.
‘ كانت تلك المرة الأولى التي أرى فيها آيدن بذلك الوجه البارد.’
بدا كمن يقاتل خصومًا في ساحة المعركة، لا رجلاً يتحدث مع أحد رجاله.
ولانغرين لم يكن غبيًا ليسلك نفس الطريق. لذا زمجر بغيظ.
“ بماذا كان يفكّر الدوق؟ أن يتزوج امرأة من منزل إرجين؟“
كان قد اقترح في سخرية أن تكون جاسوسة لإرجين، لكنه يعلم جيدًا أن سيده ليس من السذاجة ليفوته أمر كهذا.
“ ربما أحبّها فعلًا؟ فهي جميلة بحق.”
اقشعرّ لانغرين من تلك الفكرة.
“ أتظن أن الدوق رجل يُفتن بوجه امرأة؟ مستحيل.”
“ إذًا… فلا بد أن السبب سياسي. من أجل المصالحة.”
أومأ لانغرين برأسه.
نعم، هذا أقرب إلى الواقع.
أما بالنسبة له، فالمصالحة ليست خيارًا. فلا تزال وجوه رفاقه الذين سقطوا في الحرب محفورة في ذاكرته.
تخيّل وجه رايلين وركل حجرًا صغيرًا في الأرض، فطار نحو عمود خشبي وارتطم به، قبل أن يسقط أرضًا بصوتٍ خافت.
***
قدّمت جيني كوبًا دافئًا من شاي الحليب إلى رايلين، التي كانت منغمسة في قراءة كتاب.
“ سيدتي، هل عدتِ من ساحة التدريب؟“
“ نعم، حسنًا…”
شكرت رايلين خادمتها، التي جلست أمامها تحمل صينية فارغة.
“ كيف كانوا الفرسان؟“
ارتشفت رايلين رشفة من الشاي قبل أن تجيب ببطء.
“ لا يحبونني.”
تدلّت حاجبا جيني بحزن.
“ كنت قلقة من ذلك… هل جُرحتِ؟“
بدا أن جيني كانت تعرف أن الفرسان لا يُكنّون وُدًا للدوقة.
‘ بالطبع…’
فالخادمات يلتقطن الإشاعات أسرع من أيّ أحد. وتساءلت رايلين للحظة إن كان لدى جيني أكثر من أذنين.
“ بالطبع، شعور غير مريح، لكن ليس مؤلمًا.”
“ نعم… لكن لأخفف عنك، الفرسان جميعًا في حالة توتر الآن. إنهم على وشك مواجهة قطاع الطرق.”
كانت رايلين قد فكرت في ذلك، مما يفسّر حدة مشاعرهم اليوم.
“ ويُشاع أن أحد قطاع الطرق يمتلك قوة المستيقظ، أليس كذلك؟“
توقفت رايلين عن ارتشاف الشاي، وحدّقت بها.
“ماذا …؟ “
“ ألم تعلمي؟ يبدو أن السيد لم يُخبرك كي لا يقلقكِ. سمعت أن زعيمهم مستيقظ من المستوى المتوسط.”
رمشت رايلين بدهشة.
‘ مستيقظ من المستوى المتوسط…’
“ لكن لا تقلقي. السيد مستيقظٌ أسطوري. لن يواجه صعوبة.”
رغم تطمينها، بقيت رايلين صامتة، وقد استولت على ذهنها إحدى لحظات القصة الأصلية.
‘ زعيم العصابة المستيقظ…’
لا بد أنه إيلان، الخصم الذي يواجهه آيدن في منتصف القصة.
كان إيلان يخطف البطلة ليجذب آيدن، طمعًا في الجائزة الموضوعة على رأسه.
فقد كانت هناك جائزة لمن يأتي برأس آيدن، بعدما دمّر منزل دوق إرجين في نوبة غضب.
نصب إيلان فخًا محكمًا للإيقاع بآيدن وتسليمه للسلطات، وكان على وشك النجاح.
لكن، وكبطل للرواية، ينجو آيدن من الفخّ وينقذ البطلة.
وحين تذكّرت رايلين هذه الأحداث، تكدّرت ملامحها.
ففكرة أن آيدن ينقذ البطلة لم تكن تروق لها إطلاقًا.
“ ربما لم يكن عليّ قول شيء… ظننت أن من الأفضل أن تعلمي…”
فهمت جيني تعبير رايلين القاسي بشكل خاطئ، فنهضت بخجل.
غير أن رايلين تداركت الأمر، ومدّت يدها وأمسكت بيدها برفق.
“ لا، شكرًا لإخباري، جيني.”
كانت صادقة. فلولا تحذير جيني، ربما سقط آيدن في نفس الفخّ.
رغم أنه مستيقظ، فإن إيلان يمتلك قدرة فريدة، تختلف عن قدرات آيدن أو كافيريون.
قررت رايلين أن تُخبر آيدن بذلك فور عودته.
***
أخيرًا، سيعود آيدن غدًا. ورايلين كانت تنتظر عودته بشوق لا يُطاق.
وخلال تلك الأيام، زارت الفرسان مرة أخرى، تسألهم إن كانوا يحتاجون شيئًا، أو عن تقدّم تدريباتهم، لكنها لم تتلقَّ سوى ردود باردة.
وحين رأت كاشوود محرجًا بين الطرفين، قررت ألّا تزور ساحة التدريب مجددًا.
لا بد من طريقة أخرى لتقرّبهم منها.
‘ حين يعود آيدن، سأناقش هذه المسألة معه.’
كان لا يحب لقاءها بالفرسان، لكنها لا تستطيع تجنّبهم إلى الأبد.
نظرت رايلين إلى ساعة الحائط التي لا تتوقف عن الدوران.
هل لأن انتظارها طال؟
مع حلول المساء، بدا الوقت وكأنه يتباطأ أكثر فأكثر.
‘ ربما عليّ الخروج في نزهة قصيرة.’
جولة في أرجاء القصر قد تُعجّل بمرور الوقت.
فأخذت معطفها وهمّت بمغادرة الغرفة.
دوّى طرقٌ عنيف على الباب.
من يطرق بهذه الفظاظة في مثل هذا الوقت؟
فتحت رايلين الباب بوجه متجهّم، لتتفاجأ بالزائر الذي لم تتوقّعه.
“ كاشوود… ؟“
كان واقفًا هناك، يلهث كمن جاء راكضًا. مظهره كان مختلفًا تمامًا عن زيارته السابقة حين طلب الموافقة على شراء اللحم.
— يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O ━O ━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 121"