وكأن السماء قد أنصتت لهواجس رايلين، جاءت فرصة لقائها مع فرقة الفرسان في لحظة لم تتوقّعها.
كل شيء بدأ حين اضطرّ آيدن لمغادرة الدوقية مؤقتًا.
“عليّ زيارة الميناء الجنوبي للإمبراطورية.”
“الميناء الجنوبي؟ ذاك…”
كان مكانًا يقع في أقصى جنوب الإمبراطورية، وحتى بأسرع وسائل السفر، كانت الرحلة ذهابًا وإيابًا تستغرق أسبوعًا كاملًا.
“سأكون بعيدًا لما يقارب الأسبوع.”
“هل فشلت صفقة السلاح؟“
حين أومأ آيدن برأسه، تنهدت رايلين بعمق.
كانت رحلته هذه، في وقت حرج يسبق حملة القضاء على قطاع الطرق، سببها هؤلاء أنفسهم. إذ كانت هناك خطة لشراء أسلحة جديدة استعدادًا للمعركة، لكن تاجر السلاح الأجنبي – الذي كان يحمل ضغينة ضد الدوق السابق بيدوسيان – رفض بيعها. فقد كان الدوق الراحل قد قطع دفعة من ثمن الأسلحة بشكل أحادي.
ولأن التاجر ليس من مواطني الإمبراطورية، لم يكن مُلزَمًا بالتعامل معهم. ومع ذلك، لم يكن آيدن راغبًا في الشراء من مصدر آخر، نظرًا لجودة سلاح هذا التاجر التي لا تضاهى.
لذا قرر آيدن السفر بنفسه لمقابلة التاجر في الجنوب وإقناعه. ولحسن الحظ، وافق التاجر على اللقاء.
كانت رايلين تدرك جيدًا مدى يأس آيدن. فهو، وإن كان استثنائي القوة، إلا أن الفرسان يعتمدون اعتمادًا كبيرًا على جودة السلاح والدروع. ومع ذلك، فإن فكرة ابتعاده عنها أسبوعًا كاملًا كانت تثقل قلبها.
“ماذا لو هاجم قطاع الطرق القرية مرة أخرى أثناء غيابك؟“
“لقد نفّذوا هجومًا لتوّهم، فلن يُقدِموا على آخر قريبًا.”
لكن رغم طمأنته، ظل قلبها مثقلاً، وبدأت تعبث بطرف قميصه.
“كن حذرًا في رحلتك.”
“سأعود بأسرع ما يمكن.”
ثم قبّل آيدن رايلين على شفتيها، وعندما انفصلا، تنهد ببطء.
“أنا أيضًا لا أرغب في الابتعاد عنكِ.”
“آيدن…”
مدّت رايلين يدها ولمست وجنته برقة.
كانت عيناه الرماديتان عميقتين بلا قرار.
فرغم قلّة كلماته، كان آيدن يُفصح بمشاعره أحيانًا من خلال عينيه.
وفهم شعور إنسان من نظرة، أشبه بفهم لغة النباتات.
ضحكت رايلين بخفوت.
“لِمَ تضحكين؟“
جاء صوته عابسًا على غير عادته، مما أوضح أنه لم يقدّر ضحكتها وسط هذا الجوّ الحميم.
كان كاشوود فارسًا متقاعدًا يدير وكالة في الأزقة الخلفية، لكن آيدن أعاده ليكون مدرّبًا على فنون السيف.
ابتسمت رايلين مطمئنة، كي لا يقلق أثناء سفره.
“نعم، سأفعل ذلك.”
***
مرّ يوم على مغادرة آيدن، لكنّ الفراغ في القصر بدا كبيرًا بشكل لا يُصدّق، وكأن شخصًا واحدًا فقط كان يملأه بالكامل.
“سيظن المرء أنكِ لم تريه منذ سنوات!” قالت جيني مازحة، لكن رايلين لم تستطع أن تبتسم. لقد اشتاقت إليه فعلًا وكأن أعوامًا قد مضت.
ولو كان لديها ما يشغلها، لربما خفّف ذلك من شوقها، لكن بعد انتصارها في صراع السلطة مع الخادمات، كانت أمور القصر تسير بانسيابية، ولم يتبقَ لها ما تفعله.
حينها، دوى طرق خفيف على الباب.
“من هناك؟” سألت جيني بدلًا عنها.
لو كان طارق الباب أحد خدم القصر، لعرّف عن نفسه، لكن الصوت جاء بلا مقدمات، مما أثار الحذر. ثم جاء صوت أجشّ من خلف الباب.
“إنه كاشوود.”
رمشت جيني بدهشة لهذا الاسم الغريب.
“كاشوود…؟“
أما رايلين، التي كانت تعرفه، فقد تقدّمت فورًا نحو الباب.
“سأرى من هو.”
وحين فتحته، كان كاشوود يقف هناك حقًا. فكان من النادر رؤية فارس خارج ساحة التدريب أو مساكنهم.
انحنى كاشوود احترامًا.
“نهارٌ طيب، سيدتي.”
“…كاشوود. ما الذي جاء بك إليّ؟“
كان على الأرجح من بين أولئك الذين صُدموا بزواجها من آيدن. فبينما اعتقد الجميع أن الزواج سياسي، كان كاشوود يعرف الحقيقة.
لقد راوده شك في وقتٍ سابق بأنها قد تكون تسيطر على آيدن أو تهدده. ولهذا كان يتجنبها، رغم زياراته المتكررة لمكتب آيدن.
“آه… هناك مسألة عاجلة تحتاج إلى موافقة، وبما أن الدوق غائب…”
“هل بوسعي الموافقة نيابةً عنه؟“
أومأ كاشوود بتردد، وقد بدا عليه التوتر، وهو ما فسّرته رايلين بأنه حرج لا ازدراء.
فقد كانت هناك خلافات بينهما في الماضي.
سلّمها الوثائق، وبدأت تقرؤها وهي واقفة.
“مئة كيلوغرام من اللحم البقري؟…”
موافقة على مواد غذائية؟
رفعت نظرها إليه باستفهام، فبدأ يشرح وهو يفرك جبينه.
“أنتِ تعلمين أن الفرسان لهم قاعة طعام خاصة، أليس كذلك؟“
“بلى، أعلم.”
“المسؤول عن الطلبات نسي إدراج اللحم. قال إنه سيعوض ذلك في الطلب القادم، لكن الفرسان غضبوا من غياب اللحم هذا الأسبوع، فجئت بنفسي لأطلب الموافقة.”
إذًا، كانت المسألة العاجلة مجرد لحم. قرأ أفكارها وقال وهو يفرك عنقه.
“قد لا تُدركين ذلك، لكن الطعام أمر مهم جدًا للفرسان والجنود. فهو ضروري لقوتهم، كما أنه بهجتهم الصغيرة اليومية.”
بالفعل، لا رغبةَ أعمق من الجوع. حين فهمت الموقف، غيّرت رايلين ملامح وجهها.
“والآن وقد فكّرتُ في الأمر، لم أتحقق قط من أحوال الفرسان منذ وصولي إلى هنا.”
في الواقع، كان آيدن قد منعها من الاقتراب من ساحة التدريب، لكن لم يكن من الضروري أن تُخبر كاشوود بذلك.
“كيف الأحوال؟ هل هناك شيء يحتاجونه؟“
“لا. الدوق يحرص على توفير كل ما نحتاجه.”
هممم…
وقفت رايلين بصمت تنظر في الوثائق، ثم رفعت رأسها.
“مع ذلك، ألا يجدر بي زيارة ساحة التدريب مرةً واحدة على الأقل، تقديرًا للفرسان الذين يقاتلون من أجل الدوقية؟“
“…لابأس.”
كان كاشوود من أولئك الذين تظهر مشاعرهم على وجوههم. وفي هذه اللحظة، لم يُخفِ انزعاجه من فكرتها.
لكن رايلين لم تتراجع. بالنسبة لها، التعرّف إلى الفرسان كان مهمة مؤجلة آن أوانها.
“كاشوود، سأذهب اليوم إلى ساحة التدريب.”
“لا أنصحك بذلك…”
قالها أخيرًا بصوت خافت.
“هل لأن الفرسان لا يحبونني؟“
تجمد كاشوود وكأنه تلقى صفعة.
“لـ… لا، ليس الأمر كذلك.”
“أنا أعلم، فلا داعي للكذب.”
“…”
“إذًا هو كذلك.”
طلبت من جيني أن تُحضّر لها معطفها، ثم التفتت إلى كاشوود.
كان جبينه معقودًا بقلق.
“من الأفضل ألّا تذهبي. كما قلتِ، الفرسان لا يرحبون بك.”
شكرت جيني على المعطف وارتدته بهدوء وهي تقول.
“لكن لا يمكننا أن نتجنّب بعضنا إلى الأبد، أليس كذلك؟ أنا والفرسان سنظل هنا في هذا القصر.”
“…لا شيء لدي لأقوله، لكن الوقت غير مناسب بغياب الدوق.”
‘إنه لا يفهم. لو كان آيدن هنا، لما سمح لي بالذهاب على الإطلاق.’
أخفت هذه الفكرة، وقالت ببشاشة.
“وهل هناك وقتٌ مناسب؟ حين يتوافق الوقت والظرف، فهو الوقت المناسب.”
أغلقت أزرار عباءتها بعناية، ثم نظرت إليه بعينين تتلألآن بعزم.
“هيا بنا. الفرسان لا بدّ أنهم ينتظرون الموافقة على اللحم بفارغ الصبر.”
***
لكن ما إن وصلت رايلين إلى ساحة التدريب، حتى أدركت أن مئة كيلوغرام من اللحم لن تكفي لكسب ودّ الفرسان.
فرغم ندرة وجود امرأة فاتنة في تلك الساحة، كانت نظرات الفرسان إليها باردة كالجليد، وملامحهم تنطق باستنكار وجودها.
حاولت ألّا تتأثر بنظراتهم، وتقدّمت قائلة.
“مرحبًا بكم. أعتذر عن التأخّر في التعريف بنفسي.”
لقد تأخّرت كثيرًا فعلًا. لكن كلا الطرفين كان بحاجة إلى وقت لتقبّل الآخر، ولم يكن بالإمكان تغيير الماضي.
“أنا رايلين بيدوسيان. وخلال غياب زوجي، إن احتجتم إلى شيء، فأخبروني.”
رغم نبرتها الودودة، لم يتفاعل أحد. بل سُمعت ضحكات خافتة من الخلف.
“رايلين بيدوسيان؟ ألم تكن رايلين إرجين؟ النساء يعشن بسهولة. بمجرد الزواج، يغيّرن ولاءهنّ هكذا ببساطة.”
قهقه الفرسان ساخرين.
رغم أنها توقعت ذلك، إلا أن وقع الكلمات كان جارحًا.
في تلك اللحظة، تحرّك كاشوود – الذي كان صامتًا – وسار نحو الفارس الذي تفوّه بتلك الكلمات، ثم ضربه بقوة على رأسه بسيفٍ خشبي.
صرخ الفارس متألمًا وهو يمسك برأسه.
“آخ!”
رغم يده الاصطناعية اليسرى، فإن يد كاشوود اليمنى كانت ماهرة وقوية.
“السيدة التي أمامك هي سيدة هذا القصر. اظهر بعض الاحترام.”
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 120"