كان الجميع متجمّدين في أماكنهم، وكانت آنا أوّل من استعادت رباطة جأشها.
“هذا جنون! تُفصليننا بسبب ملاءة؟!”
ردّت رايلين، وقد انغرزت كلماتها الحادة في صدر آنا.
“ولِمَ أدفع أجرًا لمن لا يُحسن حتى تنظيف شيءٍ ‘بسيط‘ كملاءة؟“
ترددت آنا للحظة، لكنها سرعان ما أجابت بعينين جاحظتين.
“أعترف أنّي لم أنظفها جيدًا في المرة الأولى، لكن هذه المرة لم تكن هناك أي بقعة!”
“وهذا هو السبب الثاني لفصلك.”
“ماذا…؟“
تحوّل وجه آنا إلى مزيج من الذهول والانكسار، وغابت النار عن عينيها.
“قلتُ إنكِ تُفصلين لأنكِ ترين أن الأمر لا يستحق، كونها ‘مجرد ملاءة‘.”
“لا أفهم ما تقصدين…”
“لا يزعجني أن يكون المرء قليل الكفاءة، لكنّي أحتقر من يجهل مقامه.”
نسيت آنا أدبها، وأمسكت بكتفي رايلين بعصبية.
“هل تفعلين هذا لأنني لم أُطِعْ كلَّ كلمة منكِ بخضوع؟“
أجابتها رايلين ببرود لا يتزعزع.
“لم أطلب خضوعًا، بل فقط أن تعملي بما يليق بمكانتك.”
بينما ظلت رايلين ثابتة، كانت انفعالات آنا تتصاعد كحمم بركان.
“أتدرين كم سنة عملنا في هذا القصر؟ سيتفاجأ السيّد لو علم بذلك!”
“أتساءل فعلًا…” تمتمت رايلين، ثم رفعت عينيها خلف آنا.
“ما الذي تفعلينه؟“
جاء الصوت منخفضًا، لكنّه حمل من الهيبة ما يكفي لإسكات الغضب.
استدارت آنا بسرعة، لتجد آيدن واقفًا هناك.
وقبل أن تدرك سبب وجوده في هذا الوقت، كان قد تقدّم وسحب يديها عن كتفي رايلين.
حدّقت فيه آنا بدهشة لا تُصدّق، فالسيّد الذي عرفته لم يكن ليتصرف بهذا الشكل…
“من علّمكِ أن تضعي يدكِ على سيدتك؟“
ارتجفت آنا للحظة من صوته الهادئ الذي كاد يقطع الهواء، لكنها سارعت إلى الدفاع عن نفسها،
“أعتذر يا سيدي، لكن الأمر كان ظالمًا للغاية، لم أتمالك نفسي!”
ثم رمقت رايلين بنظرة حانقة.
“لقد طردتنا جميعًا في لحظة!”
وسردت ما حدث، بإضافة نبرةٍ منحازة لكل سطر.
ورغم ذلك، لم تقاطعها رايلين قط، وكأنها تتحدّاها أن تكمل.
وعندما انتهت، نظرت آنا إلى آيدن وقد ارتسم الأمل في عينيها.
لكن صوته جاء جليديًا، قاطعًا.
“يكفي. اجمعي أغراضكِ واغادري فورًا.”
اتسعت عينا آنا وكأنها خُذلت من حبيب.
“كيف… كيف تفعل بي هذا؟!”
“إن لم تغادري الآن، ستُجبرين على ذلك.”
بدأت ترمش بعصبية، ثم قالت.
“أنا… لا أفهم… ما الذي تقصده؟“
“أعرف ما كنتِ تفعلينه طوال هذا الوقت.”
“ماذا…؟!”
“أعرف أنكِ من وضعتِ الغراء على الملاءة.”
اتسعت عينا رايلين دهشة.
‘ماذا…؟‘
لم تكن صمتت عن اندفاع آنا من باب العجز، بل من ثقتها بآيدن.
كانت واثقة أنّه لن يصدّق أنها طردت نصف الخادمات دون سبب.
وحتى لو لم يكن هناك سبب ظاهر، كانت متأكدة من أنه سيقف في صفها.
لكن الآن… ظهر أمر الغراء فجأة؟!
عبثت آنا بطرف ظفرها، خافضةً بصرها.
“غراء؟ لا أفهم ما تعنيه… إن كنت تقصد ذاك الغراء الذي ربما سقط أثناء الترميم…”
“قيل لي إن الطابق العلوي لم يكن ضمن منطقة الترميم.”
“آه…”
انفرجت شفتاها، ثم قبضت على يديها بقوة وقالت.
“وهل لديك دليل أنني أنا من فعلت ذلك؟“
“شعركِ.”
قالها آيدن بنظرة باردة.
“وجدت شعرة حمراء على الملاءة يومها. ولا أحد من العاملين يملك شعرًا أحمر مثلك. كما تأكدت أنكِ من يتولى تبديل الملاءات في تلك الغرفة.”
تنهدت رايلين أخيرًا، وقد اتضحت الحقيقة.
‘إذًا في النهاية..لم يكن الغراء من أعمال الترميم، بل عمداً من آنا؟‘
احمرّ وجه آنا كشعرها القرمزي.
تقدّمت رايلين وسألتها.
“لماذا فعلتِ ذلك؟“
عضّت آنا شفتها حتى بهت لونها من شدة الضغط، لكنها لم تجب.
وفيما بعد، عرفت رايلين الحقيقة من خادمة أخرى.
آنا كانت تُكنّ مشاعر لآيدن منذ زمن، وكان الغيرة تأكل قلبها من رايلين.
ولهذا وضعت الغراء على الملاءة.
لو استلقت رايلين دون علمها، كان شعرها سيلتصق بالمادة اللاصقة، مما قد يُجبرها على قصّه.
كانت آنا تعتقد أن تشويه مظهر رايلين قد يُطفئ من عيني آيدن شرارة الإعجاب.
كان عملاً خبيثًا ولد من غيرةٍ عمياء، لكنه مخطط بدقة، حتى أنها جعلت الأمر يبدو وكأن الغراء تسرب من السقف.
نظرت رايلين إلى آيدن.
‘يا لهذا الرجل… كم من القلوب المثقلة تتهاوى في فتنته.’
كان آيدن بالفعل محبوبًا. من ابنة الكونتيسة شابلين، ماكفين، إلى هذه الخادمة… وربما هناك المزيد ممن يُخفين إعجابهن به.
لابد أن ما حدث مع آنا سيكون درسًا صارمًا، يردع كل من تُوسوس له نفسه بتكرار فعلتها.
“لم تنظرين إليّ هكذا؟“
سأل آيدن، وهو يفرك ذقنه دون وعي.
“كان عليك أن تغطّي وجهك… جمالك مفرط، وهو لا يساعدنا في شيء.”
قالتها رايلين بجديّة مطلقة، فرفع آيدن حاجبه بخفة.
“…هذا قلق لا داعي له.”
“لا داعي له؟ بل هو أهمّ من المهم!”
أغلق آيدن الكتاب الذي كان يمسك به وقال.
“…أنا من يقلق من أن يجذبكِ الآخرون بنظراتهم.”
تأملت رايلين ملامحه.
لقد مرّ وقت طويل منذ عبّر آيدن عن غيرته بهذا الشكل.
نادراً ما قال لها إنها جميلة أو فاتنة.
لكنها كانت تعرف أن ذلك لم يكن يعني أنّه لا يراها كذلك.
فآيدن كان من النوع الذي ينظر إليها كما لو أنها ملاك نزل من السماء، حتى لو لم تستحم لأيام.
ربما لم يمدح مظهرها لأنه يرى أنه لا يليق به أن يُقيّمها.
فهما لم يعودا سجّانًا وسجينة، بل زوجين متكافئين.
ومع ذلك، كانت تتمنى أحيانًا أن تسمع صوته يبوح بمشاعره بصدق.
تردّد آيدن قليلًا، ثم خفض بصره وقال بصوت خافت.
“رايلين… أنتِ دومًا جميلة… إلى الحد الذي يجعل قلبي يرتجف.”
عجزت رايلين عن الرد، وقد زاد دفء الغرفة فجأة.
وبعد صمتٍ وجيز، قالت وهي تغيّر الموضوع قسرًا.
“بالمناسبة، كيف حال فرقة الفرسان هذه الأيام؟“
مؤخرًا، كان تركيز آيدن منصبًّا على فرقة الفرسان بسبب مجموعة من اللصوص الذين كانوا يهاجمون القرى من على متن سفن على الساحل الشرقي.
وكانت تلك العصابة مصدر قلق للدوقية منذ زمن، لكن الدوق السابق لم يُعرهم اهتمامًا، فتمكّنوا من التوسّع.
وحين اكتشف آيدن الأمر خلال جولته في القرى، بدأ بإعادة هيكلة الفرقة، استعدادًا لتشكيل قوة للقضاء على اللصوص.
“بما أن عدد الفرسان لدينا قليل، فنحن نستعد بدقة.” قالها آيدن، والقلق بادٍ في عينيه.
فأظلم وجه رايلين، إذ عرفت سبب هذا النقص، وشعرت بالذنب.
‘السبب… عائلة إرجين.’
فالحرب الكبرى التي اندلعت بين العائلتين خلّفت الكثير من القتلى والجرحى.
وبات عدد الفرسان والجنود في دوقية بيدوسيان لا يتعدّى النصف ممّا كان عليه.
ورغم كثرة المتقدمين، كان آيدن حذرًا في اختيارهم، فلم تُملأ الفراغات سريعًا.
رأى آيدن الكآبة في ملامحها، فسارع إلى القول.
“لم أقصد أن أُشعركِ بهذا…”
“…”
“الحرب أطلقها الدوقات السابقون. وقد زالوا الآن.”
ثم رفع خصلات شعرها وقبّلها بلطف.
“كل شيء سيكون على ما يرام.”
لم تكن رايلين تقلق من أن يخسر آيدن أو فرسانه أمام اللصوص.
فآيدن، رغم قلّة عددهم، كان مقاتلًا مستيقظًا ذا قوة استثنائية.
لكن قلقه كان يتمحور حول الخسائر البشرية.
كان يدرك أنه من المستحيل خوض حرب بلا ضحايا، وكان يريد أن يحمي فرسانه.
أومأت رايلين.
“نعم، سيكون كل شيء بخير.”
ثم رفعت بصرها إليه.
“إن كان بوسعي أن أساعد في شؤون الفرسان، فأخبرني.”
“…لابأس.”
كان آيدن يفضّل أن يتولى تلك الأمور وحده.
وهي كانت تدرك ذلك، فهي لا تعرف شيئًا عن السيوف أو القتال.
لكنها، بصفتها سيدة القصر، كانت ترغب أحيانًا في مكافأة الفرسان أو إعداد الولائم لهم، غير أن آيدن لم يكن يسمح لها حتى بالاقتراب من ساحة التدريب، بحجة السيوف الطائرة.
ومع ذلك، كانت تشكّ في سببٍ آخر لبُعده عن السماح لها بالتقرّب من الفرسان، أنهم لا يحبّونها.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات