في تلك الليلة، وعندما عاد آيدن إلى المنزل، سأل رايلين عن يومها كما اعتاد أن يفعل.
وكعادتها، أجابت رايلين أنه لم يحدث شيء يُذكَر.
فقال آيدن، وقد ارتسم القلق الصادق في عينيه.
“أخبريني إن وقع أي شيء. يقلقني البقاء بعيدًا عنك كل هذا الوقت.”
أجابته رايلين بابتسامة رقيقة.
“أفهم ذلك، عزيزي.”
“…”
رغم نبرتها اللطيفة المتعمدة، تجمّد آيدن في مكانه.
كان يبدّل أسلوب حديثه حين يكون بين الناس، لكنه ظل يشعر بالغرابة حين يُنادَى بمثل هذه الألقاب الحميمة، أو يُخاطَب بأسلوب رسمي.
“حين نكون وحدنا… من الأفضل أن تتكلمي براحة.”
“أنا فقط أخشى أن أنسى نفسي وأتحدث هكذا أمام الآخرين.”
ألهبت كلمات رايلين الرسمية المازحة آيدن، فاحمرّت أذناه على الفور.
“…حتى إن أخطأتِ، لا بأس.”
لكن حتى لو قال آيدن إن الأمر لا يزعجه، فلن يكون الحال كذلك مع الفرسان أو الخدم. كانوا لينظروا إليها بعين الحذر أو حتى العداء.
ولا سيما الفرسان، فقد كانوا يضمرون لها الكراهية منذ البداية، بسبب انتمائها إلى عائلة منافسة.
وبينما كانت تفكر في ذلك، ألقت رايلين بجسدها على السرير، أو بالأحرى، حاولت فعل ذلك.
غير أن آيدن التقط رأسها قبل أن يصطدم بالمفرش.
‘آه، آيدن…’
لطالما بدا مترددًا في تركها حين يكونان وحدهما…
“هناك شيء على الملاءة.”
…فكان هنالك سبب آخر، على ما يبدو.
وقد اعتراها الحرج، جلست رايلين منتصبة بين ذراعي آيدن، ثم التفتت لتنظر إلى الخلف.
كان هناك أثرٌ لسائلٍ أصفر.
مرّر آيدن إصبعه فوق البقعة، فامتدّ السائل اللاصق عليه حين رفعه.
حدّقت رايلين في ذلك السائل بتنهيدة داخلية، متخيلةً لو أنها ارتمت فوقه من دون أن تنتبه، كم كان سيكون من المزعج أن يعلق بشعرها.
شمّ آيدن السائل وقال.
“رائحته تشبه الغراء.”
غراء…؟
قطّبت رايلين حاجبيها ورفعت نظرها نحو السقف. كان هناك غراءٌ يتساقط من الأعلى.
‘آه… صحيح.’
“لا بدّ أنه بسبب أعمال الترميم في السقف.”
“ترميم؟“
“نعم. كان هناك العديد من الأجزاء المتآكلة، لذا قررنا ترميم السقف مؤقتًا. لا بد أن الغراء تسرب من خلال شقّ ما.”
ظلّ آيدن يحدّق بالسقف بصمت، وكأن أمرًا ما يزعجه.
لكنه ما لبث أن صرف نظره وأومأ برأسه.
“فهمت. سأضع ذلك في الحسبان.”
***
ما إن بزغ الفجر، حتى أسرعت رايلين لتتفقد الملاءة.
لكن ما قابلها كان ذات الملاءة المتسخة التي ألقيت بالأمس على الأرض، من دون أن يُمسّها تنظيف.
أحضرت آنا بعدما حدّقت طويلًا في القماش القذر، فجاءت آنا تتهادى من بعيد، تمسح يديها بمئزرها.
“ما معنى هذا؟“
“معنى ماذا؟“
على خلاف البارحة، بدت آنا غير مترددة البتة، وكأنها أعدّت نفسها سلفًا لمثل هذا الموقف.
“لقد أمرتك بوضوح أن تعيدي غسل هذه الملاءة.”
“لقد غُسلت.”
كذبة واضحة.
ربما نُفض عنها غبار الأرض، لكن البقع لا تزال شاهدةً على الإهمال.
تأملت رايلين الملاءة بعين باردة وسألت.
“وهل تبدو لك نظيفة بهذا الشكل؟“
“ماذا عساي أفعل إن لم تُزل البقع حتى بعد إعادة غسلها؟ هذا أفضل ما استطعت فعله.”
بدت آنا واثقة، بل ومتعالية.
وفي اللحظة التي التقت فيها أعينهما، ترددت آنا للحظة، لكنها ما لبثت أن تذكّرت أن هذه السيدة ذات المظهر الرقيق ليست سوى دخيلة لم يمضِ على وجودها في الدوقية سوى بضعة أسابيع.
ولم تكن أي دخيلة، بل واحدة من عائلة إرجين المكروهة أصلًا من قبل كل من ينتسب إلى بيدوسيان.
“حسنًا، إن كنتِ ترين أن هذه الملاءة نظيفة، فلا حيلة لي.”
ضحكت آنا سرًّا.
كانت تتوقع مزيدًا من التوبيخ أو أمرًا صريحًا بإعادة الغسل، لكن رايلين رفعت الراية البيضاء مبكرًا.
‘حتى لو أمرتني، النتيجة لن تتغير.’
لم يكن من السهل فصل خادمة.
فجميع الخادمات كنّ مترابطات، وفصل واحدة قد يفسد الروح الجماعية بأكملها.
لا بد أنها كانت تحاول كسبهن بالبداية.
اضطرت آنا إلى كتم ابتسامتها.
حتى أتاها أمرٌ غير متوقع من رايلين.
“إذًا استخدمن هذه الملاءة في أسِرَّة الخادمات.”
فتحت آنا شفتيها بدهشة وكأنها أساءت السمع.
“عذرًا…؟“
“قلتُ. استخدمن هذه الملاءة لكِ وللخادمات الأخريات.”
“ماذا تعنين؟ كيف لنا أن ننام على هذه القذارة…!”
ارتفع صوت آنا عن غير قصد، لكنها سرعان ما أطبقت شفتيها.
إلا أن رايلين التقطت المعنى الحقيقي في كلماتها.
“إذًا، أنتِ تعتقدين أنها متّسخة.”
“…”
“فأعيدي غسلها.”
قالت ذلك وهي تسحب الملاءة المتدلية من الحبل وتسقطها واحدة تلو الأخرى.
ازداد القماش اتساخًا وهو يرتطم بالأرض.
“إن لم تُغسل بشكلٍ صحيح في المرة القادمة، فستضطرين فعلًا للنوم عليها.”
ثم مشت رايلين وسط الملاءات المتساقطة، وتركت آنا خلفها ترتجف يداها.
لم تكن تتوقع أن تصل الأمور إلى هذا الحد.
‘لماذا تزوّج السيّد امرأةً كهذه…!’
حين علمت أن السيد آيدن أطاح بالدوق السابق من عائله بيدوسيان وأصبح سيد هذا القصر، كانت في قمة السعادة.
كان يُعرف بخلقه الرفيع، ومناقبه الكريمة، وأخلاقه التي امتدحها الفرسان والخادمات على حدّ سواء.
لكن كل تلك الفرحة تلاشت مع ظهور هذه المرأة المدعوة رايلين.
بكت آنا لعدة أيام، حتى تورمت عيناها كعينَي سمكة.
‘كنتُ أدعو كل يوم أن يتحرر سيدي آيدن، فيتزوج مباشرة؟!’
في الحقيقة، كانت آنا تُكِنّ الإعجاب لآيدن سرًّا.
لم تكن تحلم بأحلام عظيمة.
هي خادمة، وآيدن وإن كان سجينًا سابقًا، فقد بقي من نسلٍ نبيل.
فقد كانت تصلّي أن يظفر بعروس تليق به.
‘لا امرأة متغطرسة كهذه.’
خطر ببالها وجه رايلين البارد.
لم تتوقع منها هذه القسوة.
رغم محاولاتها لإثارة الفوضى بين الخادمات، إلا أن استمرار رايلين بهذا الحزم قد يُرهب حتى أضعف الفتيات ويعيدهن إلى رشدهن.
غلت دماؤها غيظًا، لكنها لم تجد ما تفعله الآن.
فهي لا ترغب في النوم على قماشٍ متّسخ.
لكنها لم تستسلم.
ستتظاهر بالخضوع الآن، فيما تمضي في تنفيذ خطّتها.
مهما كانت الأسباب السياسية لهذا الزواج، فإن حبّه لها سيذوي ما إن يتشوّه وجهها الجميل.
‘فقط انتظري وسترين.’
وبينما كانت تغوص في أفكارها، بدأت آنا تلف خصلةً من شعرها الأحمر القاني حول إصبعها.
***
تأملت رايلين الملاءة البيضاء كأنها ممتحِنة صارمة.
كانت تبدو نظيفة على غير ما كانت بالأمس.
لكن…
“هناك بقعة.”
قالت ذلك ثم أسقطت الغطاء على الأرض دون رحمة.
اتسعت أعين الخادمات دهشة، ولم تكن آنا استثناء، إذ كانت هي المسؤولة عن غسلها.
“لماذا…!”
“كما قلت. هناك بقعة أخرى، أليس كذلك؟“
التقطت آنا الملاءة عن الأرض.
“أين هي هذه البقعة؟“
“بما أنك ستعيدين غسلها على كل حال، فما الفائدة من معرفتك؟ وايضاً…”
مالت رايلين برأسها قليلًا.
“هل حقًا عليّ أن أريك؟“
صمتت آنا على الفور. فقد كانت النظرة تحت أهداب سيدتها الطويلة كفيلًا بأن يخترق أعماقها.
سحبت رايلين نظرتها الباردة، وراحت تتأمل ما حولها.
كانت بعض الخادمات تعضّ شفاهها قهرًا، وأخريات يُشحن أنظارهن بتوتر.
“يبدو أن آنا ترى أن لا حاجة لإعادة الغسل، ويبدو أنني أبدو وكأنني أفرض عليكم عبئًا لا ضرورة له.”
رغم أن كلماتها بدت وكأنها تتفهم، إلا أن نبرتها بقيت مثلجة.
“هل هناك من ترغب في إعادة غسل هذه الملاءة؟“
كان صوتها وكأنها تمنح فرصة لا تُفوّت.
تبادل الخادمات النظرات فيما بينهن.
ثم رفعت خادمة شابة ذات شعر بني يدها عاليًا.
“أنـ، أنا سأغسلها…!”
وما إن رفعت إحداهن يدها، حتى تبعتها أخريات تباعًا.
حينها فقط، خفت البرود من وجه رايلين وارتسمت عليه ابتسامة لطيفة.
“حسنًا، ابدأن بالغسل.”
غادرت نصف الخادمات تقريبًا لأداء المهمة من جديد، وبقيت آنا والباقيات مكانهن.
“هل ترين أن هذه الملاءة ليست متّسخة؟“
“…”
“أم أنكِ تعارضين أمري؟“
رمشت الخادمات بسرعة تحت وطأة السؤال المباشر.
ثم تجرأت خادمة صغيرة في الزاوية على الحديث، وقد ارتجفت شفتيها.
“نـ، نعارض؟ أبدًا…”
“إذن، لماذا لم تذهبي مع الأخريات للغسل؟“
راحت رايلين تسير ببطء أمام صف الخادمات، فيما بقين صامتات.
“هل أعتبر هذا الصمت تأكيدًا على التمرّد؟“
قالت كلماتها الأخيرة وهي تقف أمامهن بثبات.
“أنتن مفصولات، بدءًا من هذه اللحظة. عُدن إلى منازلكن.”
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات