عند سماع كلمة “لنتعشّى معًا” وكأن الأمر مجرد نزهة عابرة، تعطّل عقل سينييل مجددًا. أما أنا، فاكتفيت بالتحديق فيه بوجه وقح متصنّع.
لو أخبرته عن تهديد كيد، لربما انحلت كل تساؤلاته، لكن… لم تكن لديّ أي نية في ذلك. فهل يُعقل أن أجلس أمامه وأقول: “عليّ أن أغريك، فتظاهر بأنك منسجم معي، إتفقنا؟” … هذا غريب جدًا.
وفوق ذلك، لا أريد أن أنطق بكلمة قد تجرّ عليّ سوءًا، أو تورطني معه أكثر مما أنا فيه.
قلت وأنا أرسم ابتسامة مصطنعة:
“غيّر طريقة مناداتك لي أيضًا. نادني فيفي. وأنا بدوري سأناديك سينييل.”
مرة أخرى تجمّد في مكانه، بينما أنا أومأت برأسي راضية وكأنني حققت انتصارًا صغيرًا.
إن سمع كيد أن سينييل يناديني بلقب غير رسمي، وأننا تناولنا العشاء سويًا وأمسك بيدي، فسيمرّ اليوم بسلام…
لا أعرف متى سيظهر ذاك الوغد فجأة ليراقبني، ولا متى سأتمكن من الهرب بحرًا، لذا كان عليّ أن أمهد الطريق من الآن.
طبعًا، بإمكاني الكذب على كيد. لكن قلبي المرتجف بحجم حبة فاصولياء لا يقوى حتى على قول الحقيقة أمامه، فكيف بالكذب؟ إذن كان هذا أفضل حل.
“هذه كل مطالبي منك يا سينييل. ستفي بها، صحيح؟”
ألقى عليّ نظرة مترددة، وكأن ما أقوله بلا جدوى. ومع ذلك، لم يكن لديه بديل آخر، فاضطر إلى أن يومئ برأسه. لكنه ظلّ غير مطمئن، فعضّ شفته وأطرق رأسه قائلاً:
“… فكّرت مليًا، لكن لا أظن أن هذا حلٌّ جيّد.”
قاطعت كلامه ببرود:
“أجب.”
تنهد مستسلمًا:
“… حسنًا، سأفعل.”
ابتسمت في وجهه:
“جيد. إذن، أراك على العشاء، سينييل.”
لكن سينييل ظلّ منكمشا على نفسه، وكأن ثقلاً يسحق كتفيه. كان كحمل صغير مرتبك لا يجرؤ حتى على التنفس. لوّحت له بيدي إشارة إلى أن ينصرف بسرعة. فتردد قليلًا قبل أن يغادر بخطوات ثقيلة.
بمجرد أن خرج، جلست على السرير وأسندت ظهري وأطلقت تنهيدة طويلة.
إن سارت الأمور كما خططت، فسأظل حيّة إلى حين أتمكن من الهرب بحرًا. … لكن كيد هدّد أنه قد يظهر في أي لحظة، لذا المبيت خارج القصر مستحيل.
تساءلت: لِمَ قُتلت “فيفي” في القصة الأصلية؟ أ لأنها لم تفكر في الهرب؟ أم لأنها لم تنجح في إغواء سينييل بما يكفي لإرضاء كيد؟
من خلال ذكريات فيفي، يبدو أنها كانت خجولة جدًا. على الأرجح لم تتمكن حتى من محادثة سينييل بشكل مناسب، فكان موتها على يد كيد النتيجة الحتمية.
ولو لم أوقف سينييل بنفسي، لكان اكتفى بتحية سريعة وغادر كما فعل بالأمس.
هل الخجل ينفع الآن؟
أنا لست مثل فيفي. لا أخاف من الاندفاع. بل دومًا أقتحم كالجرافة. وربما يكون هذا أسلوبي للبقاء أطول قليلًا على قيد الحياة.
بعد أن تأكدت أن سينييل قد غادر نحو المعبد، استدعيت خادمتي وبدأت أستعد للخروج. أما الزجاج المكسور، فادعيت أنني حطمته خلال نومي، فتم تنظيفه بسرعة.
قبل أن أغادر، التقطت بعض الحلي البسيطة من غرفتي.
كان الجو جميلاً على نحو مزعج. ربيع بحق! لو أن الهرب ممكن اليوم، لكان اليوم مثالياً.
لكن حتى لو سنحت الفرصة اليوم، فهناك عائق كبير.
فمن هنا إلى الميناء، نحتاج أربع ساعات متواصلة بالحصان أو العربة.
ولو كنت محظوظة، قد أصل قبل أن يكتشف كيد اختفائي. لكن إن استيقظ قبل وصولي… ستتعقد الأمور كثيرًا.
ذلك الوحش لا يترك فريسة أفلتت من بين أنيابه.
حتى إن لم يوجد نقلٌ آني في هذا العالم، فهناك أدوات سحرية تنقل الرسائل أو الصور فورًا لمسافات بعيدة.
فإن تظاهر كيد بكونه سينييل وأرسل أمرًا إلى الميناء، قد أمسك بي فور وصولي. أو قد يستخدم سلطته بصفته “الكاهن الأعظم” ليغلق خط الملاحة يومًا كاملًا.
ربما تكون هذه فرصتي الأولى والأخيرة للهروب. ولا مجال لإضاعتها بحماقة. لذا كان عليّ أن أجد ما يشغل كيد عني يومها.
وصلت العربة إلى شارع “رودوالد”. حييت السائق ونزلت. وما إن ابتعدت العربة، حتى أسدلت رداءً غامقًا ووضعت القبعة بإحكام.
إن أردت تشتيت انتباه كيد، فإما أن أعطيه خيطًا عن شخص يود قتله، أو أن أضعه في موقف يهدد بكشف هويته الحقيقية.
وأنا أعلم جيدًا من هو عدوه الأكبر: “جويل”. أحد القساوسة الكبار، وأحد المشاركين الأساسيين في التجارب التي أنجبت كيد.
لكن هذه المعلومة وحدها ضعيفة. ربما هو يعرفها أصلًا.
بقي الخيار الثاني: جمع أدلة تثبت أن سينييل هو كيد، ثم تمريرها لشخص موثوق.
لكن لمن أعطيها؟ إن سلمتها لأحد ضعيف النفوذ أو ممن يؤمنون ببراءة الكاهن الأعظم، فلن تفيد. ولو أوصلتها لمثرثر أو صحفي فضولي، قد يطير الخبر وتطير معه حياتي.
يجب أن يكون الشخص كتومًا، يعرف كيف يحفظ سرًا.
أفضل حل؟ أن أسلم الأدلة لبطلة القصة. بذلك تسير الأحداث كما في الأصل، وأهرب أنا في الوقت ذاته.
كنت للتو أفكر في الأمر حين…
“عذرًا!”
اصطدم بي أحدهم بقوة وفرّ هاربًا.
ارتفع صوتي بالدهشة:
“مجوهراتي!”
خرجت بلا حرس لأني أردت أن تكون زيارتي سرية، ولم أتوقع أن أُسرق في وضح النهار. أعلم أن البطلة كانت تتنكر أحيانًا كفارس مقدس لتسيطر على هذا الحي سيئ السمعة، لكن لم يخطر ببالي أن أكون أنا الضحية.
صرخت ولعنت بصوت مرتفع، وركضت خلف السارق. لكنه تسلل بسرعة وسط الحشود، ولم أتمكن من الإمساك به.
كانت تلك المجوهرات من بيت سينييل، أخذتها بصفتي “تعويضًا عن تهديدي بالقتل”، فلم أشعر بالذنب، لكن خسارتها الآن كارثة. فهي كل ما أحتاجه للهرب بحرًا.
يا لي من تعيسة حظ!
كنت أعبث بشعري بغيظ وأنا أفكر إن كان علي العودة إلى القصر، حين دوى فجأة صراخٌ حاد من مكان قريب.
“آآآآآخ!”
رفعت رأسي بسرعة. الصوت جاء من الاتجاه الذي اختفى فيه النشّال قبل قليل، لكن ازدحام الناس حال بيني وبين رؤية ما حدث بالضبط.
لم أعره أهمية، وكنت على وشك أن أصرف تفكيري عن الأمر، لكن فجأة اقترب مني شخص بخطوات واسعة وسريعة.
جسده العريض والمتين سدَّ نظري حتى إنني لم أرَ وجهه في البداية، بل صدره المهيب هو الذي بدا أمامي أولًا.
“هل أنتي صاحبة هذا الشيء؟”
قلبي قفز فرحًا. جواهري! رفعت رأسي بعجلة لأشكره.
شَعرٌ أبيض ناصع كالحليب، عينان زرقاوان صافيتان كالسماء، قامة طويلة مشدودة العضلات، وملامح جادة لا تعرف الخفة. مجرد نظرة منه تكشف أنه رجل لا يطلق الكلام عبثًا.
“آه… نعم! شكرًا جزيـ…”
لكن عيني اتسعتا في لحظة.
‘إنها البطلة… متنكرة في هيئة أخيها!’
مدّت إليّ الجوهرة. يده الكبيرة الخشنة، التي تبرهن على سنوات طويلة أمسك فيها السيف، غلّفت يدي بلحظة ثقيلة.
نظرت إليّ بثبات، بعينيها اللتين تحاولان اختراق الحجاب الذي أخفيت به وجهي.
“ألستِ زوجة الكاهن الأكبر؟ لم يُتح لي شرف التعريف عن نفسي أمس. أنا الفارس المقدّس رونان فيلاكسيس، كنت ممن تولوا حماية حفل الزفاف.”
إذن كان حاضرًا بالأمس؟ يا لحدة ذاكرته! كيف تذكّر وجهي من مجرد لمحة؟
كنت على وشك إنكار الأمر، لكنني عدلت سريعًا. لا حاجة لي بإنكار معرفتها بي، بل على العكس… هذه فرصة ذهبية.
“تشرفت بلقائك يا سيدي فيلاكسيس. لولاك لكنت فقدت هذه الجوهرة، أنا مدينة لك.”
كلمات بسيطة تكفي لتكون مدخلًا. ما عليّ سوى أن أضيف إليها دليلًا صغيرًا فيما بعد، لتُصبح البطلة شريكة في حمل العبء بدلًا مني.
*احساسي و خبرتي يقول لي ان هذا اخ البطلة الاصلية و ليس البطلة الاصلية، و احتمال تكون هي اللي ماتت، لاني شفت هذي اللقطة بمانهوا من قبل*
ابتسم بخفة وقال بجدية:
“لم أقل سوى بواجبي. غير أن هذا المكان غير آمن. الخروج بلا حراسة يُعرض حياتك للخطر. اسمحي لي أن أرافقكم حتى الخارج.”
“إلى الخارج؟”
ارتبكت. لو أخرجتني الآن، فسيفسد مخططي. أردت فقط أن أُحمِّلها الأدلة لاحقًا، لا أن تشغل نفسها بي الآن.
أسرعت ألوّح بيدي نافية:
“لا داعي، لدي عمل مهم هنا. أقدر قلقك لكن لا أستطيع المغادرة الآن. سنلتقي لاحقًا وسأكافئك حقًا.”
استعددت للانسحاب بسرعة، قبل أن تصر أكثر. لكن ما هي إلا لحظة حتى وقفت أمامي مجددًا، تسد طريقي بعزم لا يقبل النقاش.
“سأرافقك.”
“ها؟ لستَ مضطرًا إلى ذلك…”
“ترك السيدة وحدها معرّضة للخطر أمر لا يليق بي. أرجو أن تتفهمي.”
صمتُّ قليلًا. لو رفضت بإصرار فقد أثير شكوكًا لا داعي لها. ثم إن وجودها… ربما يكون في صالحي.
‘البطلة لا تلهث وراء المال ولا الشرف، بل همّها الأول عودة مكانة عائلتها والانتقام لأخيها. لو عرضتُ عليها المال مقابل صمتها، فلن ترفض.’
بل ربما أُقنعها بأن سفري السري ومخططي للهروب إنما يفتح لها بابًا آخر للشك في الكاهن الأكبر. ليس سيناريو سيئًا أبدًا.
ابتسمتُ بخفة قائلة:
“حسنًا… أعتمد عليك إذن. وسأكافئك كما وعدت.”
أومأت دون أن تُبدي اهتمامًا بالمكافأة، عينيها بقيتا باردتين ساكنتين.
دخلنا مقهى “باي”. رائحة الشاي العطرة ملأت المكان، والجو بدا عاديًا تمامًا، هادئًا ومليئًا بزبائن يضحكون ويتسامرون.
تقدمتُ من النادل وكررت الجملة التي قرأتها في الرواية:
“أريد كوبًا من شاي الليمون الذي يصنعه باي.”
ساد صمت لحظة. بضع نظرات جانبية انطلقت نحوي، قبل أن يبتسم النادل ويجيب:
“…شاي الليمون الذي يصنعه باي؟ للأسف نفد مخزوننا. تفضلي من هنا حتى نجهزه لك.”
ثم توقف مترددًا، عينيه تتنقلان بيني وبين البطلة، كأنه يسأل بصمت: ماذا عن المرافق؟
لكنها حسمت الأمر بلهجة جادة:
“وحدها سيكون الأمر خطرًا.”
أطلقتُ ضحكة قصيرة:
“إذن اجعلها كوبين.”
“مفهوم. من فضلكما، تفضلا من هنا.”
قادنا خلف الكاونتر، حيث ممر ضيق انتهى بدرج حجري يقود إلى الأسفل.
ترددتُ لحظة:
هل كان من الأفضل أن أتركها في الخارج؟ لكن خطواتها الواثقة خلفي جعلتني أشعر بطمأنينة غريبة.
‘يا ليتني رأيت رونان الحقيقي… لا هذا التنكّر. كيف لرجل كهذا أن يموت باكرًا؟’
*حدسي يقول انه هو*
وصلنا إلى باب حديدي في نهاية الدرج. النادل طرق عليه ثلاث طرقات قصيرة متتابعة، ثم فتحه بخفة.
“أتمنى لكما وقتًا طيبًا.”
انحنى وغادر عائدًا للأعلى. دخلتُ وأنا ألوّح له بيدٍ متكاسلة، لتتلقفني مساحة أوسع مما توقعت…
᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 7"