كان سينييل، بحسّه المرهف وسمعه الحاد، قد استيقظ منذ الصباح الباكر على وقع خطواتٍ مضطربة تملأ أرجاء المكان.
لماذا أنا هنا…؟
الليلة الماضية، غادر القصر بلا وجهة محددة، ركب عربةً إلى مكان بعيد، ونزل في أي نُزلٍ عابرٍ ليقضي ليلته. لم تكن هناك رحلة عمل منذ البداية، وكان يظن أنه سيبيت هناك بهدوء. غير أنه لم يدرِ لماذا فتح عينيه الآن على سريره في قصره.
عيناه المرتبكتان راحتا تتفحّصان ما حوله.
شَعره – الذي اعتاد أن يُحكم ربطه حتى وهو نائم – بدا فوضويًا، وأزرار قميصه – التي كان يحرص دائمًا على إحكامها – فُكّت منها عدة أزرار. وعلى الطاولة، وُجدت زجاجة رمٍّ* لم يذقها قط.
*هذا نوع من الخمور*
قبل أن يستوعب تمامًا ما حدث، شحب وجهه، وتجمّدت الدماء في عروقه، وارتجفت أصابعه ارتجافًا خفيفًا.
نهض متعثرًا، فإذا به يلمح ورقة على المكتب، وقد كُتب عليها بخطٍ مألوفٍ وغريب في آن واحد:
“أما كان يجدر بك أن تحسن رعاية زوجتك؟”
كلمات ساخرة، مستفزة، غرزت في صدره كالخنجر.
غادر الغرفة مسرعًا، غير آبهٍ بنظرات الخدم الذين فوجئوا بطلّته المبعثرة. رمقوه بدهشة: متى عاد السيد؟ لكنهم تظاهروا بعدم رؤية شيء. أما هو، فكان قد انشغل بما هو أعظم.
وقف أمام الباب، يطرق بعجلةٍ وأنفاسٍ متقطّعة. لا جواب. ازداد وجهه بياضًا، حتى بدا كمن فارقته الحياة. لم يطق أكثر، فاندفع يفتح الباب.
استيقظتُ على وقع طرقٍ متلاحق. شهقتُ، ألهذا الحد؟ ماذا الآن؟
أشعة الصباح تسرّبت عبر ستائر الحجب الثقيلة، لتفضح أن الوقت لم يكن ليلًا بل نهارًا. رمشتُ بعينين فارغتين من الفهم.
لماذا أشعر بالارتباك…؟
ما زالت آثار النوم تُثقل عقلي، حتى أنني لم ألحظ أنني قضيت الليل قابضة على خنجر.
ولم يخطر ببالي سوى فكرة وحيدة، بائسة: إن كان هذا كيد، سأقفز من النافذة بلا تردّد.
لكن ما إن فُتح الباب بعنف، ورأيتُ أن الداخل ليس كيد، بل سينييل… حتى خارت قواي. لم يكن كيد ليسكب الدموع هكذا.
سينييل…؟ ما إن خطر اسمه في ذهني، حتى انقشع الضباب، واستيقظت تمامًا.
غير أن يقظتي هذه سرعان ما أوقدت الغضب داخلي.
أنا… البارحة بسبَبك…!
اقترب ببطء، بينما أنا – التي كنتُ دائمًا ضعيفة أمام الأقوياء وجريئة أمام الضعفاء – هممتُ أن أمسكه من ياقة قميصه. لكن الخنجر أفلت من يدي وسقط على الفراش، حيث تلألأ ببرودٍ تحت الضوء.
ارتبكنا كلانا أمام بريقه. تبادلنا نظراتٍ ثقيلة، قبل أن ينصرف بصره إلى أسفل، حيث تناثرت شظايا زجاجٍ مكسور.
لم أنوِ أن أخفي عن سينييل لقائي بكيد، لكنني أيضًا لم أرغب في الإفصاح عنه. كنتُ فقط أنتظر فرصة للهروب، للفرار بحرية.
وقف عند قدميّ، ينظر إلى الخنجر والقطع الزجاجية، فيما انحدرت دموعه صامتة على وجنتيه.
غريب، كيف أن ملامحه تشبه كيد، ومع ذلك مختلفة تمامًا. الغضب الذي غلّفني بدأ يخفت شيئًا فشيئًا.
وسط هذا الصمت الغريب، قال أخيرًا بصوتٍ مبحوح:
“هل مرّ أحدهم البارحة؟”
دارت عيناي بخفة. ولماذا أقول الحقيقة أصلًا؟
“لا… آه، هذه الأشياء؟ عادات قديمة… مثل السير أثناء النوم، نوعٌ من الاضطراب. كان عليّ أن أُخبرك من قبل… آسفة إن أفزعتك.”
رحت أنسج عذرًا واهنًا، خشية أن أُفضَح. لكن نظرته، الممتلئة بالشفقة وعدم التصديق، اخترقتني. ابتسمتُ ابتسامةً محرَجةً، آمِلةً أن يترك الأمر.
وفجأة، خفَض رأسه، وجثا على الأرض وسط الشظايا.
“أجننت؟!”
صرختُ، وهويتُ مسرعةً من السرير لأمنعه.
“سامحيني يا ليدي جازلاين. لقد خدعتُ العالم طويلًا. والآن فقط… قررت أن أقطع ذنبي من جذوره. أنا آسف.”
حدّقتُ به، مرتابة:
“ماذا تعني بهذا الكلام؟”
يقطع ذنبه؟ قلبي خفق بخوفٍ غامض.
“القاتل الذي زارك ليلة الأمس… كيد… ذاك الذي روّع الجميع…”
أسرعتُ أكمم فمه بكلتا يديّ.
أجنّ؟! الباب كان مفتوحًا على مصراعيه، وقد قال هذا بصوتٍ يسمعه المارّة!
أغلقتُ الباب بعجلة، قبل أن يتهوّر أكثر. ثم التفتُّ إليه محذّرةً، إصبعي على شفتيّ. لكنه ظلّ جاثيًا، ينظر إليّ بذهول.
ولمّا حاولتُ أن أرفعه عن الأرض، قاوم بعناد.
“أنا كيد.” قالها بنبرةٍ قاطعة.
“ذاك الذي هدّدك البارحة… كان أنا.”
ضجّ رأسي، كأن المطرقة هوت فوقه. كان يريد التكفير بقتل نفسه، لكنني عرفت – مهما قال – أنه لن يفعل.
لأنه كان يعرف قيمة حياته… حتى وإن انهار هذا الإصرار أحيانًا.
لقد اقترب غير مرّة من عتبة الموت، لكنه لم يستطع أن يموت.
ففي اللحظة التي يخيّل إليه أنه على وشك مفارقة الحياة، كان الخوف الفطري من الفناء يوقظ “كيد” من أعماقه.
لذلك فإن كل تصرفات سينييل، حين يزعم أنه سيدفع ثمن خطاياه، لم يكن لها عندي أي نفع.
بل كانت عائقًا بحتًا.
كيد لن يدعك تموت قبل أن يُنهي انتقامه. لا، أنت لا تستطيع أن تموت أصلاً!
ومتى ازداد كيد غضبًا من سينييل، فلن تنفعني أي اتفاقات أو وعود. سيكون ذلك اليوم هو يوم نعيي.
تماسكت، وأجبرت عقلي على التفكير بهدوء. لقد نجوت من كيد ليلة الأمس، فكيف أُفسد كل شيء هنا؟
الأجدى أن أعترف. نعم، ما رأيته بالأمس كان هو بالفعل.
ثم أُبقي سينييل تحت المراقبة حتى لا يرتكب حماقات، وأمسك به هذه الليلة حتى لا يفرّ.
يجب ألا أستفز كيد أكثر من اللازم.
قالت بصوت ثابت:
“هلّا جلست أولاً؟ إن رقبتي تؤلمني وأنا أنظر إليك من الأعلى.”
“لا… لعلّ وجودي يسبب لك ضيقًا، الأفضل أن أخرج حتى لا أرهقك أكثر…”
“اجلس.”
لم يستطع أن يعاندني طويلًا، فجلس أخيرًا. أحسنت، ولد مطيع.
*تذكرت انيوشا 😂😂*
حين جلس بجواري، انزلقت عيناي إلى ركبته. كانت ملطخة بالدماء. فكرة أن كيد هو من أصيب أعطتني شيئًا من البهجة، لكن الألم الذي أصاب سينييل جعل صدري يضيق.
“اعتنِ بركبتك، إنها تنزف بلا توقف.”
“… نعم.”
تردد قليلًا ثم أذعن. لمع نور أبيض من يده، فتساقطت شظايا الزجاج من اللحم، وبدأ الجرح يلتئم. كنت أعلم أن الوقت ليس وقت دهشة، ومع ذلك لم أملك إلا أن أتعجب.
رفعت بصري عن ركبته ونظرت مباشرة في عينيه:
“ناولني يدك.”
لم أدرك إلا متأخرًا أنني، بلا وعي، كررت ما فعله كيد حين أمرني أن أمد يدي له كالكلب.
لكن سينييل أطاع بهدوء ومد إليّ يديه. أحسنت، ولد مطيع.
“بما أنك كشفت الحقيقة بنفسك، حسنًا. لن أكذب عليك. بالأمس زارني شخص يشبهك تمامًا، لا شك أنه كان كيد.”
ارتجفت يداه، وامتلأت عيناه بالدموع التي جاهد كي لا تسيل.
“لكن كما ترى، لم يحدث لي شيء. نعم، انكسر كأس، لكن انظر، جسدي سليم.”
“لكن… السكين—”
“السكين كان بيدي. قال إنه هدية.”
هدية؟ نعم، من نوع خاص جدًا…
“لا أستطيع تصديق أنك أنت كيد، لكن بعد ما حدث بالأمس، لا أستطيع نفي الأمر كليًا.”
“شكرًا لتصديقك… إذن عليَّ أن—”
أمسكت يده بقوة حتى لا يفرّ. فعاد للجلوس مكرهًا.
“تقول إنك ستدفع ثمن خطاياك. حسنًا. لكن كيف؟”
خرج صوتي حادًا. حياتي مرتبطة بالموضوع فلا مجال للمجاملات.
ضعف قبضته وصمت طويلًا.
“أنت رجل ذو منصب، ولن يصدق الناس أنك هو. فكيف ستدفع الثمن علنًا؟ لو كان ممكنًا، لكانوا قد سجنوك أو أعدموك منذ زمن. أم أنك تنوي معاقبة نفسك بطرق أخرى… أكثر قسوة؟”
ظل صامتًا، وأنا أتابع النظر إلى معصمه الأيسر. سارع بإنزال كمه ليخفيه.
قلت ببرود:
“سمعت عن حالات انفصام الشخصية. حتى إن حاول أحدهم الانتحار، يظهر الآخر في اللحظة الأخيرة ويُفشل كل محاولة.”
كانت قبضته ترتجف، وعلى وجهه ارتسم يأس عميق.
أجل، بدا مثيرًا للشفقة قليلًا. لا يقدر أن يعيش بسلام، ولا أن يموت. عاجز في كل حال.
لكن شفقَتي لا تعني أنني سأحمل عبء حياته. أنا لست البطلة التي ستنقذه، بل مجرد إنسانة عادية تحاول البقاء.
تنفست بعمق وقلت:
“سأكون صريحة. قلت إنه لم يحدث شيء بالأمس، لكن كاد أن يحدث. ومع ذلك، لا يهمني كم شخصًا قتلت. كل ما أريده أن أنجو أنا.”
“… آسف.”
“لا أريد اعتذارك. لأنك لست من يجب أن يعتذر. ما أحتاجه هو مساعدتك. أنا أعرف كيف أعيش.”
اتسعت عيناه بدهشة، كان كأن عقله تعطّل لوهلة. كيف تعرف وسيلة وهو الذي فشل لسنوات؟
“أنا… ماذا أفعل؟ كيف أساعدك؟”
أخذت وقتًا لأصوغ كلماتي جيدًا، ثم ربتُّ على ظهر يده.
“لا تفعل شيئًا. فقط ابقَ ساكنًا.”
“… ماذا؟”
“لا تتسلل في الليل بدافع القلق عليّ. لا تحاول أن تبتكر طرقًا لتساعدني. أعلم كم تبذل جهدًا لمقاومة كيد، لكن الأفضل أن تظل ساكنًا.”
فقط هكذا أضمن ألا يستشيط كيد غضبًا ويقرر قتلي فجأة.
بدا مذهولًا، لم يفهم، ثم ازدادت نظرته ارتيابًا. ربما كان يفتش عما إذا كنت متواطئة مع كيد.
لكنني ابتسمت في سري. أيعقل أن أكون شريكته؟ أنت تعرف أن كيد لا يعرف معنى التعاون.
كان ولداً حذرًا ومطيعًا في آن واحد.
لكن لم يكن بوسعي الاكتفاء بهذا الشرط. اضطررت أن أضيف طلبًا آخر، حتى أجاري بعضًا من تهديدات كيد.
“لم أنهِ كلامي بعد. ما زال هناك ما أطلبه منك.”
تبدلت نظرته، وكأنه ينتظر أن أُفصح أخيرًا عن طلب عقلاني ذي فائدة.
ابتسمت بهدوء:
“هل لديك وقت هذا المساء لتناول العشاء معي؟”
᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 6"