استيقظ كيد من نومه وهو يزفر بحدة، كأنه لم يصدق ما يحدث، فنهض من على السرير المتهالك الذي أطلق صريرًا مزعجًا.
اليوم لم يكن يومًا عاديًا بالنسبة له.
بالنسبة لـ”سينييل” ربما لم يكن سوى يوم لإقامة حفل زفاف تافه، أما بالنسبة لـ”كيد”، فكان يومًا بالغ الأهمية… يومًا خطط فيه لارتكاب جريمة قتل.
لم يكن له وقت ليُهدره في مكانٍ كهذا.
جال بعينيه الحادتين في أرجاء الغرفة.
غرفة صغيرة لا تحتوي سوى على سرير ومكتب، وعلى الجدار ارتسم شعار كنيسة الإمبراطورية: وردة مقلوبة. لم يعرف أين هو تحديدًا، لكن كل ما فكر فيه هو أنّ المكان قذر وتافه. مدّ يده إلى شعره المربوط بإحكام فحلّه بعنف.
تمتم بغيظ:
“قلت له ألا يقوم بأي تصرف متهور … لكنه لا يسمع حتى النهاية. تبا له.”
لم يكن هناك ضوء قمر يتسلل إلى الغرفة، لكن بصر “كيد” الليلي الحاد مكّنه من رؤية كتاب مفتوح على المكتب. سواء كان كتابا عاديا أو كتابًا مقدسًا لم يهمه، كل ما احتاجه هو شيء يفرغ فيه غضبه. همّ بتمزيقه.
غير أن ما أثار استغرابه هو خط خافت تحت بعض الجمل. “سينييل” لم يكن من النوع الذي يضع خطوطًا تحت النصوص.
الجملة كانت تقول:
“أحيانًا يكون الالتفاف متعة أكبر. مثل العلاقة التي لا تعمق إلا بعد أن تمرّ بجميع التجارب. مثل الطيور التي تشرب الدموع معًا… اصبح إنسانًا تشارك روحك مع إنسان آخر.”
وقد وُضع خط تحت عبارة: “مثل الطيور التي تشرب الدموع معًا.”
بغضب بصق:
“هراء.”
هذا المريض اللعين، المبتلى بعقدة حرمان عاطفي.
تمتم باللعنات وهو يمزق الكتاب بيديه نصفين، ثم ألقاه أرضًا بلا مبالاة.
وحين خرج أخيرًا، أدرك أن المكان الذي أُقيم فيه لم يكن قصرًا، بل نزلاً بعيدًا عن القصر.
لو كان في القصر لوجد عربة توصله إلى وجهته بسهولة، لكن من هنا؟ سيستغرق وقتًا أطول بكثير، وسيؤدي ذلك إلى إفشال الخطة التي أعدّها منذ شهر كامل. كل شيء ضاع.
شعر بالغضب يتفجر بداخله. لم يكن “سينييل” يعرف بالخطة، لكن تصرفه الأحمق هذا كاد ينسفها كلها.
وكان “كيد” من النوع الذي لا يحتفظ بغضبه طويلًا. الغضب إن لم يُفرّغ فورًا أكل قلبه.
وإن كان سبب هذا كله زوجة “سينييل”، فليكن. عليه أن يذكر “سينييل” مرة أخرى بأن أفعاله منذ البداية وحتى الآن لا قيمة لها.
عندما وصل إلى القصر بعد أن استقلّ عربة بسيطة، كان الليل قد تجاوز منتصفه بكثير.
طَحَن أسنانه بغضب، ملامحه لم تحمل شيئًا من ضعف “سينييل”، بل قسوة قاتل بارد.
كيف أوجه له تحذيرًا هذه المرة؟
دخل إلى المطبخ، عيناه تجولان بين أدوات التقطيع المختلفة. سكاكين حادة قادرة على فصل اللحم عن العظم بضربة واحدة، وسكاكين عريضة وسميكة… لكنه لم يلتفت إليها.
القتل السريع لم يكن من طبعه.
اختار سكينًا فضيًا صغيرًا، رشيقًا، يناسب قبضته تمامًا.
وبينما كان يصعد الدرج، أخذ يمرر السكين على طول الجدران بخطوط حادة، تُصدر صريرًا مرعبًا.
أين خبأ زوجته يا ترى؟
ابتسم باستهزاء. إن كان “سينييل” هو من وضعها، فلا شك أنه وضعها في أجمل غرفة.
فتح الباب، وإذا بجسدٍ صغير يرتجف. المرأة جمدها الرعب، كأنها شعرت بقرب موتها.
أشعل عود ثقاب، وأضاء وجه “فيفي”. المنظر كان مضحكًا، محاولتها البائسة لتظاهر النوم.
توقف فجأة. لم يتحرك، بل أخذ يراقبها في صمت. كان يتساءل: إلى متى ستستمر في التظاهر؟ وكيف سيقتلها بحيث يجعل “سينييل” يرتعد حتى عظامه؟
تردد صوت عقارب الساعة ببطء. مرت لحظات طويلة ولم تتحرك.
شعر بالملل، فأدار السكين بين أصابعه بخفة.
ممل للغاية…
إذن، لمَ لا يجعله ممتعًا؟
التقط كأسًا زجاجيًا وألقاه على الأرض. تحطم الزجاج إلى شظايا مبعثرة.
صمت…
ما زالت لا تتحرك؟ ضاق عينيه باهتمام. هذا أصبح ممتعًا قليلًا.
ضحك بخفوت:
“هل ما زلت تتظاهرين بالنوم؟”
عندها اهتز جسد “فيفي” من الخوف. فقط من عمق صوته.
زاد شوقه لرؤية وجهها حين تفتح عينيها وترى من أمامها. أي ردة فعل ستظهر؟ ستصرخ غاضبة لظنها أنه لص؟ أم ستبكي وتترجاه أن ينقذ حياتها؟
أياً يكن… فسيكون المشهد مثالياً لتحذير “سينييل”.
اقترب منها، وقال ببرود لاهث:
“تمثيلك متقن جدًا. إن لم تنهضي عند العد إلى ثلاثة…”
لكنها لم تحتمل، فانتفضت جالسةً قبل أن يكمل.
كان وجهها شاحبًا، والعرق البارد يتصبب منها. في ضوء المصباح الأصفر انعكست عيناها المليئتان بالرعب… وعينا “كيد” المجنون.
تبادلا النظرات، فارتعش حاجبه. هناك شيء خاطئ.
رأَت وجهي… فلماذا لم تُبدِ أي دهشة؟ كأنها كانت تعرف منذ البداية…
ذلك جعله يشعر بالاشمئزاز.
زمجر:
“ترتجفين من الخوف، ومع ذلك لا تسألين حتى من أنا؟”
قالت متلعثمة:
“لـ… لا. أنا لا أعرف من أنت.”
ثبت نظره عليها بتمعن. لو كان “سينييل” قد كشف هويته لها، لما تَركها هنا، بل كان سيُرسلها بعيدًا حيث لا يصل إليها. هذا ما يعرفه.
لا، “سينييل” لم يكن يجرؤ على ذلك.
إذن، فهي بالفعل لا تعرف.
خفض بصره نحوها، دموعها تلمع وهي تقاوم البكاء. بدت مثيرة للشفقة، لكنها لم تحرك فيه سوى فتات من الرأفة. ربما أعجبه أنها لم تصرخ حتى الآن.
لكنه ما إن أنهى تأمله حتى شدد قبضته على السكين.
لقد حان الوقت لكي يُمرر النصل النحيل على عنقها.
لكن فجأة، توقف كِيد، والسكين على وشك أن يقطع عنقها.
لطالما كان يقتل ليُذَكِّر سينييل ألا يجرؤ على مثل هذه الأفعال الحقيرة مجددًا. لكنه، في كل مرة، لم يكن يفعل سوى البكاء وإلقاء اللوم على نفسه، ثم يواصل نفس السخافات من جديد.
وبالنظر إلى الماضي، حتى لو قتل هذه المرأة الآن، فالأرجح أن سينييل سيستمر بعرقلة مخططاته.
‘فماذا عساي أفعل يا ترى؟’
إن لم يفهم من التحذيرات، فربما الأسوأ هو الأفضل. أن يحطم يومه، بل حياته بأكملها، حتى تصبح غير قابلة للإصلاح.
جفنا فيفي كانا يرتجفان من شدة الإطباق.
قال ببرود:
“سِفر المزامير، الإصحاح 23، العدد 20. ردديه.”
“……م، ماذا؟ ماذا قلت؟”
قفزت بيبي مذعورة من نبرته الآمرة. كانت لا تزال مشغولة بالنجاة المفاجئة من الموت فلم تستوعب ما طلبه. للحظة، خطر في بال كِيد أن يقطع حنجرتها فورًا، لكنه تراجع، كأنه يمنحها فضلًا إضافيًا.
“المزامير 23:20. هيا، رتليها.”
“……الم، مزامير…… 23…… ت، تارة يكون الرجوع أكثر لذةً…… مثل الطائر الذي يشرب الدموع مع رفيقه…… واصنعوا من أرواحكم بشرًا واحدًا…….”
ترددت ثم تمتمت، وكأنها تستحضر ما قرأته بخوف. أسقطت جملة في المنتصف، لكن بالنسبة لكِيد كان ذلك تذكّرًا جيدًا على كل حال.
“همم. أنا الآن في صراع. أتساءل إن كان عليّ فعل أمرٍ لم أفعله من قبل.”
انعكس ضوء المصباح على عينيها المبللتين بالدموع، لتتوهج بلون أحمر كالدم.
ثم أبعد السكين عن عنقها فجأة. عندها فقط، أفلتت من بين شفتيها شهقة حادة، وكأنها استردت الهواء بعد غرق طويل.
لكنها أدركت في الحال أن ابتعاده لا يعني أمانًا. فلو غير رأيه ثانية، فلن يحتاج إلا إلى ثانية واحدة ليعيد السكين إلى موضعها.
لذلك تماسكت، متحفزةً.
غير أن ما خرج من فمه كان أغرب من أي تهديد:
“هاتِ يدك.”
“…عفواً؟”
“لا أحب أن أكرر كلامي.”
ترددت ثم أخرجت يدها من تحت اللحاف المرتجف. شاحبة، باردة، وملطخة بالعرق.
كِيد قبض على يدها وأجبرها على امساك السكين. كانت تحدق في النصل ثم في وجهه، بذهول: ما هذا الجنون؟
عينيه الحمراوين تألقتا بنشوة ملتوية وهو يطبق يده على يدها، مثبتًا السكين في قبضتها.
“قتلك… سأؤجله قليلًا.”
كادت تسأله “ماذا؟” لكنها عضت لسانها.
لكنه تابع ببرود يبعث القشعريرة:
“أغوي سينييل. اجعليه يظن أنه لا يستطيع العيش من دونك. كما في تلك الآية التي رددتِها.”
كذلك الطائر الأبله الذي يشارك الدموع مع رفيقه.
“سأمهلك وقتًا كافيًا. وسأعود بين الحين والآخر لأتفقد إلى أي مدى وصلتِ.”
“…….”
“وإياك أن تفكري بالهرب. صدقيني، لن ينتهي بك الحال بخير.”
أفضل خيار لكِ أن تلعبي دور العشيقة المطيعة وتنتظري موتك بصمت.
كِيد كان يعرف كم أن سينييل مريض بالحرمان العاطفي. رجل يتظاهر بالصلاح لأنه يكره أن يكرهه الآخرون، بينما في حقيقته ليس سوى منحرف مثله.
مثير للسخرية أنه بسبب هذا التمثيل الحقير كان والدهما يواصل معاقبته بلا رحمة. ومع ذلك، رؤية سينييل يرضخ لذلك “الجَزَر” بكل خنوع… جعل كِيد يرى في هذه المرأة قيمة صغيرة.
“آه، وإن عجزتِ عن رد الدين مقابل حياتك… فذلك سيجعلك تنالين عقوبة أسوأ.”
أنا لا أرحم من لا فائدة ترجى منه.
في عيني فيفي اجتمع الذعر واليأس… ومع ذلك، خيط ضئيل من الأمل. على الأقل لم يقتلها فورًا. أمهلها وقتًا.
لكنها تساءلت بذهول: كيف سيتأكد من تقدمي؟ هل سيطلب مني أن أصف له كم موعدًا كان؟ أي قدر من اللمس؟
على الأقل… هذا يمنحني وقتًا…
حين شردت بأفكارها، أمسك كِيد بذقنها ورفع رأسها بعنف.
“الجواب.”
“……ن، نعم! س، سأفعل… كما تريد! شكرًا لأنك أبقيتني حيّة…!”
ابتسم بخبث:
“سأزورك من حين إلى حين بلا إنذار، فتدبري أمرك.”
ابتسامة قاتلة بكل معنى الكلمة.
“واحتفظي بالسكين. اعتبريه… هدية.”
هدية؟ من يهب شيئا كهذا؟ لكن بيبي ابتلعت اعتراضها وأومأت بخنوع.
غادر كِيد الغرفة وهو يبتسم برضا.
وبقيت بيبي متحجرة في مكانها، قابضة على السكين حتى اختفى صوته تمامًا. عندها فقط، انهارت أنفاسها الثقيلة، تهاوت على الوسادة، وشعرت بالدوار يغمرها.
هل هكذا كان في القصة الأصلية؟ هل متُّ لأني فشلت في إغواء سينييل؟
شيء ما حدث خلال أسبوع… لكن أليس من المفترض أنني مت فورًا؟
تسرب الضعف إلى أطرافها. أغمضت عينيها غارقة في الأفكار.
حياتي لعنــة.
وغابت عن الوعي، والسكين لا يزال في قبضتها.
لكنها لم تكن تعلم:
في القصة الأصلية، لم يسافر سينييل إلى الهيكل البعيد، لأنه رضخ لتوسلاتها المرتجفة بألا يتركها وحيدة في القصر الخالي. بقي قربها حتى نامت، ثم خرج مسرعًا، فلم يبتعد كثيرًا.
وبسبب ذلك، نفّذ كِيد خطته الحقيقية وقتل في مكان آخر، دون أن يغلي غضبه كما الليلة.
وفي الأصل، ماتت فيفي لأنها لم تحتمل الوحدة في غرفتها، فخرجت تهيم في الممرات، وهناك اصطادها كِيد. ولو لم تفعل ذلك، ربما لما اهتم بوجودها من الأساس.
لكنها، من حيث لا تدري، رفعت مستوى الخطر بنفسها. ومع ذلك… كانت لا تزال حيّة.
استسلمت للنعاس مثقلة، مطمئنة على الأقل لهذه الحقيقة الصغيرة: أنها كسبت بعض الوقت.
᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 5"