بعد أن انتهيت من الاستحمام، ارتديت رداء الحمام، ولففت شعري المبلل بالمنشفة.
ناديت على “جين”، فجاءت لتجفف شعري وسألتني إن كنت أحب ثوب النوم الجديد.
لقد اختارت لي ملابس مريحة للحركة، لكن في هذه اللحظة لم يكن لها أي فائدة.
قلت لها:
“أريد أن أخرج قليلًا، فحضري لي ثوب الخروج والعربة.”
توقفت يد جاين التي كانت تجفف شعري، وجاء صوتها المرتبك:
“لقد أوصى السيد أن لا يسمح لك بالخروج ليلًا، لذلك لا أستطيع تنفيذ طلبك.”
“لماذا؟”
“لا أدري… لم يشرح لي السبب.”
‘بما أن السيد غير موجود، ألن يكون من الممكن أن تغضّي الطرف هذه المرة؟ ثم إني، شئتِ أم أبيتِ، زوجة سينييل. أليس هذا يجعلني في مكانة مساوية له؟’
جاين راقبتني بقلق، كأنها تخشى أن أتجاهل أوامر سينييل وأخرج بالقوة.
‘يبدو أن سينييل خاف من أن ألتقي بـ”كيد” عند عودتي ليلًا… لكنه لم يتوقع أنني قد لا أعود أصلًا، بل أبقى خارج المنزل.’
‘كان يجدر بي أن أصارحه بأنني أعرف هويته، وأطلب منه أن يساعدني على الهرب مقابل كتم السر…’
‘… لا. هذا خطر جدًا. إن امتزجت العاطفة بالموضوع، وعرف كيد ما في ذاكرة سينييل، سأموت على الفور.’
تراجعت عن تلك الفكرة المروعة.
وبينما كانت جين تجفف شعري ببطء، ترددت قليلًا ثم قالت:
“… لهذا السبب، فإن السائق أيضًا غادر مبكرًا بإذن من السيد. لكن… إن كنتِ مصممة على الخروج، يمكنني أن أذهب سرًا إلى القرية وأستأجر عربة.”
أضافت:
“صحيح أن الطريق من هنا إلى بوابة القصر يستغرق نصف ساعة مشيًا… لكن إن انتظرتِ قليلًا سأعود بسرعة.”
تنهدتُ بعمق، وعينَي جاين كانتا مليئتين بالقلق والشفقة.
هي تظن أنني أريد أن أهرب لأبحث عن السيد، وتشفق على وضعي كزوجة مهجورة.
‘لكن هذا القصر بعيد جدًا عن القرية، حتى بالعربة يستغرق وقتًا طويلًا… كيف يمكنها أن تصل إلى هناك سيرًا على الأقدام؟’
المكان معزول وموحش، ولو خرجت مشيًا فلن تعود قبل منتصف الليل.
صحيح أن سينييل لن يعود الليلة، ولن يهم إن خرجت، لكن إحساسًا باردًا في داخلي كان يصرّ عليّ بألا أغادر.
‘… في القصة الأصلية، فيفي صمدت أسبوعًا كاملًا. لا داعي أن أتعجل بهذا الشكل.’
أخيرًا هززت رأسي بالرفض. عندها ظهر الارتياح على وجه جاين. يبدو أنها رغم عرضها المساعدة، لم تكن راغبة في المشي حتى القرية.
قلت:
“إن كان الأمر سيستغرق وقتًا طويلًا، فلا داعي. يمكنك الانصراف.”
تراجعت جاين خطوة إلى الخلف وقالت:
“وضعت هنا إبريق ماء لتشربي في منتصف الليل إن شعرت بالعطش، وسأترك لك مصباح الزيت مع أعواد الثقاب.”
ثم انحنت احترامًا:
“إذن، ليلة سعيدة يا سيدتي. نلتقي صباح الغد.”
ليلة سعيدة…؟ لست واثقة من أن الليلة ستكون كذلك.
أُغلِق الباب، وساد الصمت التام.
حتى أصوات الحشرات لم تكن موجودة. والجو الذي كان كئيبًا أصلاً صار أكثر كآبة.
ارتديت ثوب النوم بسرعة، وألصقت جسدي بالسرير مرتجفة. لم يكن بوسعي فعل شيء آخر.
لم يمر وقت طويل حتى غرقت في النوم، فقد كنت مرهقة جدًا.
لكن ربما خوفي من التراخي هو ما أيقظني سريعًا.
‘كم الساعة الآن؟’
الستائر كانت مسدلة بإحكام، فلا القمر ولا النجوم تُرى، ولا حتى الساعة أستطيع التحقق منها.
إن أردت معرفة الوقت، كان عليّ أن أنهض من السرير لأتفقدها عن قرب.
لكن في هذا السكون المطبق، كان حتى صوت احتكاك الأغطية يبدو مرعبًا. خفت أن يُسمع أي صوت مني.
تذكرت أن الخدم غادروا جميعًا، وأنني وحدي في هذا القصر الموحش… فشعرت بالقشعريرة والعرق البارد يسيل على ظهري.
شدَدت الأغطية حتى أنفي، وحاولت النوم مجددًا.
غير أن قلبي همس لي بأن الباب المغلق سيُفتح فجأة.
‘لو أنني فقط طلبت من جين أن تحضر لي عربة…’ ندمت بشدة.
انخرطت في البكاء وأنا أهمس باسم أمي.
كيي—
سمعت فجأة صوتًا غريبًا.
شهقت وانتفضت، قابضة على اللحاف بقوة.
‘أ-أكيد تخيلت الأمر، صحيح؟’
كما يحدث بعد مشاهدة فيلم رعب، تُضخَّم الأصوات العادية وتبدو مخيفة… حاولت إقناع نفسي بذلك.
لكن دقات قلبي الصاخبة منعتني من التركيز.
‘أمي…’
ولم يتكرر الصوت بعدها. ربما كان مجرد نافذة تهتز مع الريح… أو خيالًا صنعه خوفي.
لكن دموعي انسابت رغمًا عني.
كيييك—
“أمّـــاه!”
هذه المرة كان الصوت أوضح. لم يكن وهمًا.
قفزت من مكاني مذعورة، وأسرعت أسد فمي بيدي كي لا أصرخ.
ثم… سُمِع في أرجاء الصمت صوت خطوات ثقيلة، متوترة، تقترب.
‘مجرد وهم… مجرد وهم…’ حاولت إقناع نفسي.
لكن فجأة—
الباب انفتح.
***
لأول مرة في حياتي عرفت أن الخوف حين يبلغ ذروته قد يمنع الإنسان حتى من أن يُغمى عليه، فلا يبقى سوى أعصاب مشدودة حدَّ الانفجار.
أطبقتُ عينيّ بإحكام متظاهرة بالنوم. لا، بل الأصح أنني لم أستطع إلا التظاهر بالنوم.
لأن الحقيقة كانت ببساطة:
“جسدي متصلب… لا يتحرك!”
تمنيتُ لو كان القادم شبحًا لا إنسانًا.
لكن الصوت الذي كان يقترب شيئًا فشيئًا كان بشكل مزعج وواضح صوت خطوات بشرية.
سُمعت حركات حادة، كأن أحدهم يعبث بسكين جيب، يقلبها بين يديه.
ثم: تشّيك … صوت عود ثقاب يُشعل، يتبعه دلق! صوت فانوس يُفتح.
“أمي…”
في تلك اللحظة أيقنت. لم يكن سوى كيد. لا يمكن أن يكون غيره.
انهارت أمنيتي البائسة بألّا يكون إنسانًا بل شبحًا.
كان لديه عادة حقيرة قبل أن يشرع في القتل؛ أن يُظهر وجهه عمدًا. فقط ليستمتع برؤية رد فعل ضحيته.
في البداية يشعرون بالراحة.
إذ كيف يمكن أن يقتلهم “سينييل”، ذلك الكاهن العظيم؟
لكن مباشرة بعد ذلك، تبدأ أفعال كيد المريعة. فيرتبكون، يتساءلون: “ما الذي يحدث؟”.
وحين يهوى بسكينه ليقطع جزءًا من أجسادهم، ويصرخ طربًا بذلك… حينها فقط يدركون الحقيقة المفجعة: إن من أمامهم ليس “سينييل” بل القاتل الشهير كيد. عندها يسقطون في هاوية اليأس.
وكان كيد يجد متعة خاصة في مشاهدة وجوههم لحظة انطفاء الأمل.
خطواته الثقيلة كانت تقترب أكثر فأكثر. كنت أستشعر الموت يزحف إليّ.
“هل كان الأمر هكذا في الرواية؟ حقًا؟ هل جنّ الكاتب؟”
لا يمكن. في الرواية كانت “فيفي” تموت بعد أسبوع تقريبًا من لقائها الأول بكيد. لم يكن هناك أي لقاء قبله.
“هل سأموت هكذا الآن…؟”
كأنني مصابة بشلل النوم، قاومت بكل قوتي لأُحرك جسدي.
لكن أصابع يدي لم تتحرك قيد أنملة.
ثم فجأة… أدركت أن المكان قد خيَّم عليه الصمت.
لقد توقف عن السير. وكأنه يراقبني… يترقب ردة فعلي.
تَــشَرَّخ!
صوت زجاج ينكسر بقسوة دوّى في الغرفة. من مكان الصوت خمّنت أنه كسر الكأس الزجاجي الذي تركته “جاين” بجانب سريري.
بمعنى آخر، كيد يقف الآن…
“أتظنين نفسك بارعة في التظاهر بالنوم؟”
ارتجف جسدي كله بقوة عند سماع صوته المفاجئ.
في صوته كان مزيج من السأم والقسوة. لدرجة أنني كدت أتبول خوفًا.
كنت أود أن أستجديه أن يخفف قتلي… أن يجعل موتي أهون قليلًا.
لكن حتى ذلك لم أستطع فعله. منذ أن دخل الغرفة، لم يتحرك جسدي سوى بتلك الرجفة المرعوبة.
كل محاولاتي السابقة—حتى ارتداء ثياب نوم مريحة للهروب—لم تُغنِ شيئًا.
“أعلم أنك مستيقظة. ومع ذلك لا تنهضين.”
أنا لا أستطيع!
ظلّ واقفًا فوق رأسي. حتى وإن كنت مغمضة العينين، كنت أشعر بظله يخيّم عليّ.
شهقتُ بصوت مكتوم.
شعرتُ بشيء حاد ولين في الوقت نفسه يضغط على خدي. ليس حادًا كالسكين، لكنه ليس لينًا كالقطن.
“هل… هل يضغط على وجهي بأصابعه؟”
كنت أرتعش في كل مرة يغرز إصبعه في خدي.
“أداؤك في التمثيل… ممتاز.”
باتت ضرباته على وجهي أسرع وأكثر إلحاحًا.
“سأعدّ إلى ثلاثة. إن لم تنهضي…”
ولم أكمل سماعه. فجأة اندفع جسدي منتصبًا كالمجنون. يا لسخريته، لقد كان طبيبًا معجِزًا بالفعل… طبيبًا من الجحيم.
“أ… أنا استيقظت!!”
هواء ساخن، أنفاسه، لامست أنفي مباشرة.
كل ما ملأ مجال بصري كان لونًا أحمر قانٍ… عيناه.
ولم يطل الأمر حتى استوعبتُ أن ما أواجهه هو نظرات كيد.
“هـ… هااا!”
ارتددت إلى الخلف مذعورة، لم أتوقع قربه الشديد مني. هو لم يتحرك، بل اكتفى بملاحقتي بعينيه.
كان “سينييل”، ومع ذلك لم يشبهه أبدًا.
شعره المجعد كان منفلتًا، عيناه تتقدان جنونًا. يقلب خنجره بين أصابعه بخفة مريعة، وهو يتمتم بفتور:
“ليس بيني وبينك ضغينة. لكنني الآن… في غاية الغضب.”
لم أنطق.
“غريب. ترتعبين هكذا، ومع ذلك لا تسألينني: من أنا؟”
ضاقت عيناه، وغشاهما ظلّ غضب عارم. وجهه تشوه كمن يريد سحق كل ما حوله.
“هل ذكر لك سينييل شيئًا عني؟”
مع زمجرة صوته، طار السكين ليكاد يلامس عنقي. أي ميلان بسيط وكان جرحًا مفتوحًا سيشق حلقي.
“لـ… لا. أنا لا أعرف من أنت!”
كنت أعلم أنه يكره الخلط بينه وبين سينييل، فكان الإنكار هو الخيار الوحيد.
رمقني طويلًا، يفتش في ملامحي: أكذب أم أصدق؟
“ربما. لو كان قد أخبرك… لكان هرّبك بعيدًا بدل أن يتركني معك. اللعنة.”
نعم، بالضبط! صحيح تمامًا! أنت عبقري، وأنا لا أعلم شيئًا.
“على أي حال… هذا لا يهم. سواء عرفتِ أم لم تعرفي، فمصيرك أن تموتي الآن.”
كلمات الاستغاثة علقت في حلقي. عينيّ امتلأتا دموعًا.
فجأة… ارتسمت على محيّاه ابتسامة مرعبة، ابتسامة بعينين نصف مقوستين على هيئة هلال.
“بما أنك لم تصرخي، ولم تُزعجيني… فسأمنحك رحمة نادرة. موتًا سريعًا بلا ألم. فأنا أبغض الضوضاء. قولي… ما آخر ما تريدين قوله؟”
“مـ… مهلاً، انتظر قليلاً!”
“هذا هو آخر ما لديك؟ حسنًا. سأنقل تحياتك إلى زوجك.”
أطبقت جفوني بقوة، استسلمت.
᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 4"