ثم: تشّيك … صوت عود ثقاب يُشعل، يتبعه دلق! صوت فانوس يُفتح.
“أمي…”
في تلك اللحظة أيقنت. لم يكن سوى كيد. لا يمكن أن يكون غيره.
انهارت أمنيتي البائسة بألّا يكون إنسانًا بل شبحًا.
كان لديه عادة حقيرة قبل أن يشرع في القتل؛ أن يُظهر وجهه عمدًا. فقط ليستمتع برؤية رد فعل ضحيته.
في البداية يشعرون بالراحة.
إذ كيف يمكن أن يقتلهم “سينييل”، ذلك الكاهن العظيم؟
لكن مباشرة بعد ذلك، تبدأ أفعال كيد المريعة. فيرتبكون، يتساءلون: “ما الذي يحدث؟”.
وحين يهوى بسكينه ليقطع جزءًا من أجسادهم، ويصرخ طربًا بذلك… حينها فقط يدركون الحقيقة المفجعة: إن من أمامهم ليس “سينييل” بل القاتل الشهير كيد. عندها يسقطون في هاوية اليأس.
وكان كيد يجد متعة خاصة في مشاهدة وجوههم لحظة انطفاء الأمل.
خطواته الثقيلة كانت تقترب أكثر فأكثر. كنت أستشعر الموت يزحف إليّ.
“هل كان الأمر هكذا في الرواية؟ حقًا؟ هل جنّ الكاتب؟”
لا يمكن. في الرواية كانت “فيفي” تموت بعد أسبوع تقريبًا من لقائها الأول بكيد. لم يكن هناك أي لقاء قبله.
“هل سأموت هكذا الآن…؟”
كأنني مصابة بشلل النوم، قاومت بكل قوتي لأُحرك جسدي.
لكن أصابع يدي لم تتحرك قيد أنملة.
ثم فجأة… أدركت أن المكان قد خيَّم عليه الصمت.
لقد توقف عن السير. وكأنه يراقبني… يترقب ردة فعلي.
تَــشَرَّخ!
صوت زجاج ينكسر بقسوة دوّى في الغرفة. من مكان الصوت خمّنت أنه كسر الكأس الزجاجي الذي تركته “جاين” بجانب سريري.
بمعنى آخر، كيد يقف الآن…
“أتظنين نفسك بارعة في التظاهر بالنوم؟”
ارتجف جسدي كله بقوة عند سماع صوته المفاجئ.
في صوته كان مزيج من السأم والقسوة. لدرجة أنني كدت أتبول خوفًا.
كنت أود أن أستجديه أن يخفف قتلي… أن يجعل موتي أهون قليلًا.
لكن حتى ذلك لم أستطع فعله. منذ أن دخل الغرفة، لم يتحرك جسدي سوى بتلك الرجفة المرعوبة.
كل محاولاتي السابقة—حتى ارتداء ثياب نوم مريحة للهروب—لم تُغنِ شيئًا.
“أعلم أنك مستيقظة. ومع ذلك لا تنهضين.”
أنا لا أستطيع!
ظلّ واقفًا فوق رأسي. حتى وإن كنت مغمضة العينين، كنت أشعر بظله يخيّم عليّ.
شهقتُ بصوت مكتوم.
شعرتُ بشيء حاد ولين في الوقت نفسه يضغط على خدي. ليس حادًا كالسكين، لكنه ليس لينًا كالقطن.
“هل… هل يضغط على وجهي بأصابعه؟”
كنت أرتعش في كل مرة يغرز إصبعه في خدي.
“أداؤك في التمثيل… ممتاز.”
باتت ضرباته على وجهي أسرع وأكثر إلحاحًا.
“سأعدّ إلى ثلاثة. إن لم تنهضي…”
ولم أكمل سماعه. فجأة اندفع جسدي منتصبًا كالمجنون. يا لسخريته، لقد كان طبيبًا معجِزًا بالفعل… طبيبًا من الجحيم.
“أ… أنا استيقظت!!”
هواء ساخن، أنفاسه، لامست أنفي مباشرة.
كل ما ملأ مجال بصري كان لونًا أحمر قانٍ… عيناه.
ولم يطل الأمر حتى استوعبتُ أن ما أواجهه هو نظرات كيد.
“هـ… هااا!”
ارتددت إلى الخلف مذعورة، لم أتوقع قربه الشديد مني. هو لم يتحرك، بل اكتفى بملاحقتي بعينيه.
كان “سينييل”، ومع ذلك لم يشبهه أبدًا.
شعره المجعد كان منفلتًا، عيناه تتقدان جنونًا. يقلب خنجره بين أصابعه بخفة مريعة، وهو يتمتم بفتور:
“ليس بيني وبينك ضغينة. لكنني الآن… في غاية الغضب.”
لم أنطق.
“غريب. ترتعبين هكذا، ومع ذلك لا تسألينني: من أنا؟”
ضاقت عيناه، وغشاهما ظلّ غضب عارم. وجهه تشوه كمن يريد سحق كل ما حوله.
“هل ذكر لك سينييل شيئًا عني؟”
مع زمجرة صوته، طار السكين ليكاد يلامس عنقي. أي ميلان بسيط وكان جرحًا مفتوحًا سيشق حلقي.
“لـ… لا. أنا لا أعرف من أنت!”
كنت أعلم أنه يكره الخلط بينه وبين سينييل، فكان الإنكار هو الخيار الوحيد.
رمقني طويلًا، يفتش في ملامحي: أكذب أم أصدق؟
“ربما. لو كان قد أخبرك… لكان هرّبك بعيدًا بدل أن يتركني معك. اللعنة.”
نعم، بالضبط! صحيح تمامًا! أنت عبقري، وأنا لا أعلم شيئًا.
“على أي حال… هذا لا يهم. سواء عرفتِ أم لم تعرفي، فمصيرك أن تموتي الآن.”
كلمات الاستغاثة علقت في حلقي. عينيّ امتلأتا دموعًا.
فجأة… ارتسمت على محيّاه ابتسامة مرعبة، ابتسامة بعينين نصف مقوستين على هيئة هلال.
“بما أنك لم تصرخي، ولم تُزعجيني… فسأمنحك رحمة نادرة. موتًا سريعًا بلا ألم. فأنا أبغض الضوضاء. قولي… ما آخر ما تريدين قوله؟”
“مـ… مهلاً، انتظر قليلاً!”
“هذا هو آخر ما لديك؟ حسنًا. سأنقل تحياتك إلى زوجك.”
التعليقات لهذا الفصل " 4"