لم ينظر سينييل إلى البطل على المسرح.
وكان ذلك، بطريقة ما، أمرًا طبيعيًا.
لأنه لم يكن لديه أي اهتمام على الإطلاق بالشخص الذي يقف هناك.
بل على العكس، بينما كان يستمع إلى عزف عازف البيانو، فكر أن عزف فيفي أفضل بكثير.
كان يعلم جيدًا أن مقارنة الناس ببعضهم أمر غير مهذب، لكن هذه الفكرة التي اندفعت في عقله بشكل لا إرادي كانت قريبة جدًا من اللاوعي، فلم يتمكن من منعها.
توقف عن تعليقاته القصيرة حول الموسيقى، وبدأ ينظر إلى فيفي دون أن يُلاحظ.
خشي أن يزعجها بنظراته، فلم يستطع أن يلتفت برأسه بشكل واضح.
لم تلاحظ فيفي هذه النظرات من سينييل على الإطلاق.
بل إن عينيها الورديتين كانتا تلمعان حتى.
‘هذه هي فانتازيا المتجول لشوبيرت، أليس كذلك؟ لماذا هي هنا؟ هل بسبب أن هذا عالم رومانسية فانتازيا؟ أم أن عالم الرؤية هذا مصمم ليحاكي الواقع؟’
كانت تعلم أي ألحان سيتم عزفها في حفل البيانو، لكنها اعتقدت أنها مجرد ألحان تحمل أسماء متشابهة.
شعرت فيفي بالإعجاب الشديد لأنها تستطيع سماع الألحان التي كانت تستمع إليها في عالما الأصلي هنا أيضًا.
كانت مشغولة تمامًا بالاستمتاع بالألحان الترحيبية والمألوفة.
لم يكن لدى عينيها اللامعتين مجال للنظر إلى أي شيء آخر.
فقد سينييل عقله للحظات في عيني فيفي المتلألئتين.
ثم، دون أن يدري، اندفعت في ذهنه فكرة عفوية:
لو كنتُ أنا عازف البيانو على المسرح، هل كانت فيفي ستنظر إليّ بهذه الإعجاب الشديد؟
‘يا إلهي، يالها من الأفكار السخيفة.’
ارتجف كتفا سينييل من صدمة فكرته الخاصة.
خشي أن يسمعها أحدهم، فمحاها بسرعة.
لكن الفكرة التي تظهر مرة واحدة لا تختفي بسهولة.
تمامًا كما أن قول لا تفكر في شيء ما يجعله يظهر أكثر.
مهما داس عليها سينييل، لم تختفِ، مما جعله في حيرة.
لم تكن هذه الحالة تحدث اليوم فقط.
كلما ظهرت مثل هذه المشاعر، كان يفحصها بعناية كما يفعل الآن.
لكن، للأسف، لم يكن لهذا أي تأثير تقريبًا.
قبل أيام قليلة، عندما أعطى فيفي تذكرة حفل البيانو وقال أنه يريد مساعدتها، كان الأمر نفسه.
كرر في ذهنه مرارًا أن نية مساعدتها كانت نقية تمامًا، دون أي نوايا خفية.
*اللي يسمعه يحسبه في علاقة… معها، و هم متزوجين اصلا*
لكن، هل كان الأمر كذلك حقًا؟
لم يتمكن من التأكيد بثقة أن كلامه كان يحتوي فقط على نوايا نقية.
وأيضًا، هذا الصباح فقط…
عندما وجد فيفي نائمة بهدوء في أحضانه، أراد أن يسألها عن علاقتها بكيد.
لم يتمكن من إيقاظها، فغادر بهدوء، لكن السؤال ظل معلقًا بعمق في أعماقه.
كان مجرد قلق على سلامتها، بلا نوايا خفية، هكذا برر لنفسه.
‘الوقوع في علاقة عميقة مع كيد… خطر جدًا.’
لكن، هل كان ذلك كل شيء حقًا؟
شعر سينييل وكأن أحدهم يسخر منه، فأصبح جادًا.
شد قبضته ثم فكها، ونظر إلى فيفي مرة أخرى.
لم يعد صوت البيانو يصل إلى أذنيه منذ زمن.
عندما رآها تركز على البيانو بعينين مسترخيتين، شعر بخدش في صدره.
كان الأمر يشبه بذور الدانديل* التي تتطاير داخل قلبه، تسبب حكة وحكة.
*كالعادة الصورة باخر الفصل*
…لم يكن قد واجه الأمر بعد، لكنه كان يعرفه بشكل غامض.
لم يرغب في مواجهته.
[هل تحبني حقًا؟]
كان خائفًا من الوضع بعد المواجهة.
كان يتوقع رد فعل فيفي.
كانت ستعامل الأمر كمجرد لطف منها، ثم تحتقرني لأنني تجاوزت حدودي وأحببتها.
كما كان خائفًا من أن يكتشف كيد مشاعره هذه ويؤذيها.
لم يكن يعرف إلى أي مدى يجب أن يقمع مشاعره ليخفيها عن الجميع.
مثل الشخص الذي يعتقد أن تغطية عينيه بيده ستخفي السماء، رفع يده محاولاً تغطية السماء وقرر ألا يزيلها أبدًا.
تصفيق، تصفيق، تصفيق، تصفيق.
متى انتهى العزف؟ انفجر صوت تصفيق كالرعد في القاعة.
ثم، فجأة، أُضيئت الأنوار.
بعد انتهاء العزف الإضافي، كان الناس مشغولين بالنهوض من مقاعدهم.
وسط الضجيج والصخب، أمسكت يد فيفي بيد سينييل فجأة.
“الآن، عندما يخرج الناس، نختلط معهم ونخرج!”
شعر سينييل بدهشة خفيفة من يد فيفي التي أمسكت بيده.
كيف استطاعت هذه اليد الصغيرة جدًا عزف البيانو، وكيف سحبته وأدارته؟ إنها صغيرة جدًا.
شعر فجأة بالفرق الكبير في الحجم.
*حاسة اني قاعدة اترجم واحدة من روايات ريري بالغلط، حسيت بالغدرة 😭😭*
سحبت فيفي سينييل بجهد.
نظرت حولها بحذر، ثم وضعت قبعتها بسرعة على رأسه بيدها الحرة.
“حقًا، آسفة جدًا!”
غطت القبعة التي كانت ترتديها رأس سينييل تمامًا.
كانت فيفي تعتذر، لكنها لم تزِل القبعة.
لحسن حظ فيفي، لم يكن سينييل مهتمًا بالقبعة على الإطلاق.
نظر سينييل إلى الرابط الهش بين يديهما.
كانت يدها صغيرة جدًا، كأنها ستنفصل فجأة إذا حاولت الإمساك بها وحدها.
أمسك سينييل يدها ببطء.
أصبح الإمساك المتشابك محكمًا أكثر بكثير مما كان عليه.
لم تلاحظ فيفي ذلك، مشغولة بالركض.
بدأ الناس يتجنبون الرجل الوسيم الذي يرتدي قبعة أنيقة.
صاحت فيفي عليهم، متهمهم بأفكار قديمة العهد، مطالبة إياهم بالتحرك جانبًا.
تراجع الناس مذهولين من صراخها، مما سمح لفيفي وسينييل بالوصول إلى العربة بسرعة فائقة.
“آه. أنا متعبة.”
اتكأت فيفي على نافذة العربة وأطلقت أنفاسها المتسارعة من الركض.
شعرت بإفراز الأدرينالين* بعد ركضة لم تفعلها منذ زمن.
رفع الركض المناسب مزاجها.
*هرمون الأدرينالين يكون إفرازه استجابة لأي نوع من أنواع الانفعال أو الضغط النفسي، كالخوف أو الغضب. *
عادةً، كانت ستغضب من مجرد الركض، لكن بسبب روعة العرض، شعرت حتى بالمتعة في الركض.
“آه، صحيح. القبعة. آه، حقًا آسفة.”
أعجبت بمظهر سينييل الذي يغطي حتى القبعة بجماله، لكن حركاته المذهولة جعلتها تضحك فجأة.
عندما تخيلت كيف ركض وراءها بهذه الحالة، انفجر ضحكها مرة أخرى.
“لا تضحكي. لا تضحكي.”
كان سينييل يمتلك قلبًا حساسًا جدًا.
حاول التلميح لها بعدم الضحك، لكن ذلك جعلها تضحك أكثر.
“لستُ أسخر منك. إنها تناسبك جدًا، سأستعيدها!”
أخذت فيفي القبعة بصعوبة وهي تكتم ضحكها.
وضعتها على رأسها نصف الطريق، ثم أخطأت الحركة.
توقعت فيفي أن يكون سينييل غاضبًا.
في هذا العالم حيث الفرق بين ملابس الرجال والنساء واضح، وضع قبعة نسائية عليه يهين كرامته ومكانته.
لكن وجهه المخفي تحت القبعة كان يبتسم، خلافًا لتوقعاتها.
ضحك سينييل متابعًا ضحك فيفي.
لم يكن يعرف السبب الدقيق لضحكها.
ربما كانت تسخر منه بسبب القبعة.
لكن، ما الفرق؟ فيفي تبدو سعيدة.
لذلك، ضحك معها فقط.
وفي الوقت نفسه، حَفِظَ ضحكتها في عينيه.
عيناها المليئتان بالحيوية، وموقفها الجريء دائمًا، ولا توجد حتى نقطة واحدة فيها لا تتلألأ.
فجأة، شعر برغبة في رؤية هذا الضحك إلى الأبد.
لكنه تذكر أن فيفي لا تستطيع أن تكون سعيدة بجانبه، فتلاشى ضحكه تدريجيًا.
يجب أن يرسلها إلى المكان الذي يناسبها لتكون سعيدة.
يعرف الإجابة التي تسمح بذلك.
قد يستغرق الأمر بعض الوقت، لكن.
سعلت فيفي سعالًا زائفًا وارتدت القبعة.
نظرت من النافذة متظاهرة بالانشغال، فلم ترَ تلاشي ابتسامة سينييل.
نظرت إلى المناظر خارج العربة ثم غيرت موضوع الحديث بلطف:
“أنا من اقترحت الذهاب معًا، لكن هل استمتعت أنت أيضًا؟ كيف كان العرض؟”
تساءلت إن كان الوقت مملًا جدًا لشخص لا يعرف شيئًا عن البيانو.
أدركت متأخرة أنها لم تأخذ رأي سينييل بعين الاعتبار، بل مجرد رغبتها في الحفل.
“استمتعت أنا أيضًا.”
راقبت فيفي وجه سينييل لتتأكد من صدقه.
لكن مهما نظرت، لم تجد أي تعبير يشير إلى الملل أو عدم الإعجاب.
“إذا استمتعت، فهذا جيد.”
في الواقع، لم يكن يتذكر إن كان العرض ممتعًا أم مملًا، إذ كان خاليًا تمامًا من أي شعور.
كل ما فعله هو التفكير في أن فيفي قالت أنه ممتع، لذا عندما فكر في الأمر مرة أخرى، شعر أنه كان ممتعًا بالفعل.
نظر سينييل إلى فيفي المتألقة الوجه وقال فجأة، مدفوعًا بنية خفية لم يكن يعرفها حتى هو نفسه: أنه يريد أن يُسعدها.
“إذا كان هناك عرض آخر، سأحضر التذكرة. لنذهب معًا.”
تصلب تعبير وجه فيفي قليلاً عند كلمة “التالي”.
لكنها ابتسمت بإشراق متعمدة لئلا يلاحظ.
“التالي أيضًا، معًا؟”
كانت فيفي تعلم جيدًا أنه لا يوجد “التالي” بالنسبة لها.
ستفر هي قريبًا وتعيش مختبئة كالفأر الميت، لذا لن تستطيع حضور حفلات مزدحمة كهذه حتى في أحلامها.
“……حسنًا. لنذهب معًا.”
تخيلت فيفي مستقبلها.
لن تستطيع حضور الحفلات، لكنها ستكون أفضل من الآن، هكذا طمأنت نفسها.
‘لا أريد التفكير في ذلك. الآن لا أريد التفكير في أي شيء.’
جاءت هنا للهروب من هذا الواقع، ولم ترغب في التفكير فيه حتى عودتها إلى القصر.
أرادت فيفي التمسك بالحفل الذي انتهى للتو.
لذا، بدأت تتحدث إلى سينييل، الذي ليس لديه أي اهتمام بالبيانو، عن أغنية عزفتها هي في الحفل اليوم، وهي حديث تافه.
“تتذكر الأغنية الرابعة التي عزفت للتو؟”
“……نعم.”
كان رده المتأخر قليلاً يشير إلى أنه لا يتذكرها.
أظهرت فيفي تعبيرًا يقول “لا بأس” وتابعت بهدوء:
“كانت آخر أغنية تدربت عليها قبل الزواج. بالاد رقم 4 لشوبان.”
كانت تتدرب عليها للحفل الختامي للتخرج عندما تم تشخيص إصابتها بالسرطان.
“أتذكر الجزء في الكودا، أي الختام، حيث ضربت المفاتيح بقوة شديدة لأصل إلى الذروة العاصفة، كأن يدي تتحطم.”
تعمقت عينا سينييل وهو ينظر إليها.
لم يبدُ كشخص لم يركز ولو قليلاً في الحفل.
“والآن، إذن… ماذا تتدربين عليه؟”
تردد سينييل قليلاً، لكنه لم يستطع مقاومة فضوله.
في الواقع، كان لديه الكثير من الأسئلة الأخرى.
كيف بدأتِ العزف على البيانو؟ من علمكِ؟ ما هي الأغنية المفضلة لديكِ؟ ومن هو ملحنك المفضل؟
هل لديكِ هوايات أخرى غير البيانو؟ وهي التي سألته عن حبه للزهور، هل تحبين الزهور أيضًا؟
“مؤخرًا، لا أتدرب، بل أعزف الأغاني التي تعلمتها سابقًا.”
لكن تلك الأسئلة تلاشت دون أن يتمكن من طرحها.
“……لماذا لا تتدربين،”
حاول سينييل جمع شجاعته ليتابع السؤال، لكن في توقيت سيء، توقفت العربة فجأة.
كانت فيفي مشغولة بنظرها إلى باب العربة الذي يُفتح، فلم تلاحظ تعبير الندم على وجه سينييل.
“أراكِ في المساء.”
لم تسمع سؤاله حتى، فألقت تحية خفيفة.
لم يتمكن سينييل إلا من اعطاءها إيماءة برأسه.
عند عودته إلى غرفته، أخرج سينييل مفتاحًا مخفيًا ودخل غرفة لم يزرها كيد.
بما أن القصر مليء بالغرف، لم يهتم كيد إلا بالأماكن الرئيسية، مما سمح لسينييل باستخدام هذه الغرفة.
بالطبع، كان دائمًا حذرًا لئلا يُكتشف.
كان هذا اليوم الثالث الذي يعود فيه إلى هذه الغرفة التي توقف عن زيارتها بعد قدوم فيفي.
فتح سينييل الدرج بسهولة وأخرج الملفات.
كانت الملفات مليئة بمحتويات تجارب تشبه الصيغ الكيميائية.
تخلى سينييل منذ زمن عن محاولة فصل نفسه عن كيد.
لأن ذلك… مستحيل. لأن…
هز رأسه بخفة ليطرد الأفكار، ثم تصفح الملفات.
هدف هذا التجربة واحد فقط: العثور على سم لا يتفاعل مع القوة المقدسة، ويقتل الإنسان في ثوانٍ.
توقف عن البحث بعد قدوم فيفي، لكن هذا كان بحثه الأساسي.
الفرق أن الآن يجب أن يتقدم بحذر، بخلاف السابق حيث كان يستخدم جسده بحرية.
الآن لا يمكنه ذلك، فقد يؤذي فيفي عن غير قصد، لذا يجب الحذر.
الفرصة واحدة فقط.
“……سأجعلكِ سعيدة.”
—
الدانديل (Dandelion) هو اسم شائع لنبات Taraxacum officinale، وهو نوع من الأعشاب البرية الصفراء التي تنتمي إلى عائلة الهندباء .
ينتشر هذا النبات في أنحاء كثيرة من العالم، ويُعرف بجمال أزهاره الصفراء وبذوره التي تتطاير مع الريح.
••••◇•••••••☆•♤•☆•••••••◇••••
ترجمة : 𝑁𝑜𝑣𝑎
تابعونا على قناة التلغرام : MelaniNovels
التعليقات لهذا الفصل " 39"