انعكس وجهي العابس على المرآة المصقولة بعناية.
حثتني الخادمة على الابتسام، قائلة أنها المرة الأولى منذ فترة طويلة التي أخرج فيها، فلماذا أبدو بهذا التعبير؟
رفعت زاوية فمي بفتور، فتحركت بشرة وجهي المصقولة بشكل خفيف.
“يبدو أن وجهي أصبح في أفضل حالاته.”
بعد خمسة أيام من العزلة، أصبحت بشرتي ناعمة ولامعة.
خلال تلك الفترة، كنتُ هادئة جدًا كما أمرني المبتز.
صحيح أنني هززت الخدم مرة أخرى في منتصف المدة، لكن هذا يُعتبر سلوكًا متحفظًا نسبيًا.
كنت أرغب بشدة في العثور على ذلك المبتز وهزّه من رقبته، لكنني قررت أن الوقت لم يحن بعد للتحرك بتهور، فانتظرت اللحظة المناسبة.
لم تصلني أي رسائل أخرى بعد ذلك.
حتى هذه اللحظة، وأنا أستعد للخروج مع سينييل لحضور حفل البيانو، لم يكن هناك أي خبر.
بينما كنت أواجه المبتز في صراع خفي، كنت داخل المنزل أتعامل مع سينييل وكيد.
توقعت أن مواجهتهما دون القدرة على الخروج ستكون مرهقة، لكن، يا للعجب، كانت الأيام الخمسة الماضية هي الأكثر هدوءًا منذ أن انتقلت إلى هذا العالم.
كنت أتساءل: ‘هل يُسمح أن يكون الأمر بهذه الراحة؟’
الشخص الذي ساهم أكثر في هذا الهدوء لم يكن سوى كيد.
مجرد توقفه عن التصرف بعنف جلب إلى حياتي سلامًا يشبه سطح بحيرة هادئة.
لكن هذا لا يعني أن كيد توقف عن زيارة غرفتي.
لا، بل كان يأتي كل ليلة.
كان يعبر الغرفة مباشرة نحو السرير حتى دون إلقاء نظرة على المصباح، ويقول:
“[أبلغيني].”
لكنه كان يبدو غير مهتم حقًا بتقريري، ويستلقي على السرير فورًا.
ثم يربت على المكان بجانبه بطبيعية، محاولًا بطريقة ما إجباري على النوم.
نعم، كلمة إجباري على النوم تبدو غريبة… لكن هذا ما كان يحدث مرارًا وتكرارًا.
بما أن كيد متقلب المزاج، توقعت أن يستمر هذا يومًا أو يومين فقط.
حتى أنني فكرت بجدية في تعلم مهارة جديدة غير العزف على البيانو لأبقى على قيد الحياة. لكن في اليوم الثالث، استلقى كيد على السرير دون إضاءة المصباح، وأجبرني على النوم مجددًا.
“هل جن هذا الرجل أخيرًا؟”
*هو مجنون من قبل ما يعرفك*
في الليلة الرابعة، فكرت في إعداد وسادة إضافية له.
لم أفعل ذلك في النهاية، لكن الفكرة راودتني.
بالطبع، كنت لا أزال أرتجف كلما جاء.
لكن مقارنة بالماضي، كان الوضع أكثر استقرارًا الآن، على الأقل من ناحية صحتي البدنية.
في السابق، كان عليّ إجراء محادثات مشحونة بالتوتر مع كيد أو العزف على البيانو عندما يأتي.
أما الآن، فهو يجبرني على النوم فور وصوله.
“هل قرر الآن أن يراقبني فقط؟”
ربما لأنني أبدو مطيعة، وبما أن شخصية كيد لا تسمح له بتركي دون مراقبة، قرر أن يبقيني قريبة منه لمجرد المراقبة.
ربما كان مجرد شعور، لكنني لم أعد أشعر بتلك الهالة الحادة والعدائية من كيد مؤخرًا.
مهما كان الأمر، بدأت أتوقع أن يستمر كيد في القدوم فقط للنوم ثم المغادرة.
إذا استطاع تقليل هذا الغموض غير المتوقع في تصرفاته ولو قليلاً، فسأتمكن من التنفس بسهولة أكبر.
أما سينييل، فقد بدا مرتبكًا من تصرفات كيد في اول يومين، لكنه في اليوم الثالث أظهر قدرة مذهلة على التكيف، حتى أسرع مني.
كان يتحقق من سلامتي بهدوء، يغطيني بالبطانية، يغلق الستائر، ثم يغادر دون إيقاظي.
في كل مرة أفتح عيني، يكون قد اختفى، مما جعلني أشعر أن سينييل أصبح هو الغامض الآن.
في المساء، يأتي سينييل مبتسمًا بمرح وبأكبر قدر من البهجة، وفي الصباح، يختفي.
بدا سينييل وكأنه يعيش بجدية دون أن يغرق في الحزن أكثر.
وبفضل تجنبه التام لأي تصرف قد يغضب كيد، قلّت الحاجة لأن آمره بما يجب أو لا يجب فعله.
كان هذا تغييرًا إيجابيًا بالنسبة لي.
صحيح أنه، أحيانًا، كان يظهر على وجهه شعور بالإحباط يبدو وكأنه سينهار فجأة، لكنه لم يتمكن من إخفائه تمامًا.
…ربما لأن انطباعي الأول عن ضعفه كان قويًا جدًا.
“أنا قلقة بشأن سينييل.”
لو كان يريد البكاء، فليبكِ.
أو، كما كان يفعل دائمًا، لو كان سعيدًا بأنني على قيد الحياة، فليقل ذلك بوضوح.
كان من المفترض أن يشك في وجودي بجانب كيد كل صباح، لكنه لم يسأل عن أي شيء.
هل يكفيه مجرد أنني على قيد الحياة؟
كشخص سلب منه نهايته السعيدة دون قصد، لم أستطع إلا أن أكون قلقة بشأنه من نواحٍ عديدة.
لكنني لم أستطع التدخل في محاولات سينييل للتعامل مع مشاعره بمفرده.
أنا شخص سيرحل قريبًا، ومنحُه أملًا زائفًا سيكون أسوأ ما يمكنني فعله.
“آه.”
تنهدت دون وعي أمام الخادمة.
“ألا يعجبك المكياج؟”
اعتبرت جين تنهيدتي أمرًا خطيرًا، فاتسعت عيناها.
وهي تمد يدها لتعديل المكياج، أشرت لها بالتوقف.
“لا، فقط هناك شيء يقلقني. المكياج رائع، هذا يكفي.”
“إذن، سأتركه كما هو.”
أصرت جين، التي تطوعت لمساعدتي في تجهيز نفسي للخروج، على ألا تسمح بأي خطأ.
عندما أخبرتها أنني راضية عن المكياج، أنزلت فرشاة المكياج وانتقلت للعناية بشعري.
لفّت جين شعري من الخلف بعناية وثبتته بزخرفة على شكل ورقة شجرة.
بعد أن وضعت قبعة الفورك بونيت*، انتهت من تسريح شعري.
*كالعادة بحط لكم صورتها بالأخير ان شاء الله *
بمجرد أن انتهيت من الاستعداد للخروج، توجهت مباشرة إلى العربة.
كان سينييل مشغولًا بالعمل، لذا اتفقنا على اللقاء مباشرة في قاعة الحفل.
جلست بالقرب من نافذة العربة وفتحتها لأستنشق الهواء.
بينما كنت أشعر بالنسيم، قررت تأجيل الأفكار المعقدة.
أردت، خلال حفل البيانو، الهروب من هذا الواقع القاسي بشدة.
* * *
عندما وصلت إلى قاعة الحفل، تمكنت بسهولة من رؤية سينييل واقفًا بين الحشود.
توقعت أن يكون يرتدي زي الكاهن، لكنه ربما غيّر ملابسه في المعبد، إذ كان يرتدي معطفًا طويلًا وصدرية أنيقة.
“يا لجماله…”
في مكان مزدحم بالناس، أدركت مجددًا مدى تميز مظهره.
كان سينييل يبدو محرجًا بسبب الأشخاص الذين يتعرفون عليه.
لم أمانع رؤيته متأثرًا داخل المعبد، لكن رؤيته يتأثر هكذا في الخارج جعلتني أشعر بعدم الارتياح.
“لماذا يبدو متورطًا حتى هنا؟ إنه يثير الشفقة.”
تحركت بحذر لتجنب الانجراف مع الحشد.
“انتظرني يا فتاي الطيب، سأنقذك!”
مشيت بخطوات واثقة نحو المكان الذي كان يقف فيه سينييل.
لكن…
“مهلاً؟”
ضللت الطريق وسط الحشد.
كان سينييل، الذي كان بارزًا بطوله بين الناس، قد اختفى فجأة.
يبدو أن اندفاعي الأعمى كان خطأً كبيرًا.
ماذا أفعل؟ لا يمكنني الاتصال به لأخبره أنني هنا، ولا يمكنني الصراخ باسمه بصوت عالٍ.
في تلك اللحظة، شعرت برائحة مألوفة.
كانت تشبه رائحة الشخص الذي كان يعانقني ويربت عليّ في الليل.
قبل أن ألتفت إلى مصدر الرائحة، أمسك أحدهم بيدي.
“فيفي.”
تأثرت أذناي بنبرة النداء اللطيفة.
تحول القلق من فقدان الطريق إلى شعور بالراحة.
استدرت لأجد نفسي وجهًا لوجه مع سينييل.
عندما رأيت ابتسامة الارتياح على شفتيه، لم أستطع قول شيء للحظات.
‘هل كان قادرًا على الابتسام هكذا؟’
أدركت على الفور أن الابتسامات التي رأيتها منه حتى الآن كانت مجرد درع دفاعي.
هذه الابتسامة، التي كشفت عن مشاعره بشكل كامل ودون تحفظ، كانت ساحرة حقًا.
ويشمل ذلك شعوره بالارتياح لرؤيتي.
كان سينييل الآن تجسيدًا للبراءة المغلفة بسحر خالص.
“الكاهن الأعلى؟ ما الذي جاء بك إلى هنا؟”
“الكاهن الأعلى!”
بدأ الحشد من حولنا يضج مجددًا بعد أن لاحظوا تحرك سينييل.
اختفت ابتسامته.
عندما زال ذلك السحر، استعاد عقلي وعيه.
هززت رأسي قليلاً وأمسكت يده بقوة أكبر دون وعي.
كان هذا هو الوقت المناسب للهروب، لكن إخفاء سينييل، الطويل كالعمود، والهرب معه كان مستحيلاً.
لم يدم التردد طويلاً.
سحبت ذراع سينييل بقوة، مما جعله ينحني.
كان هذا قد يُحرجه اجتماعيًا، لكن إذا لم أفعل ذلك، فسوف يظل محاصرًا بالناس طوال اليوم.
فككت أربطة قبعتي بعنف ووضعتها على رأس سينييل.
بسبب الحافة الكبيرة، اختفى وجهه تقريبًا.
“هيا بنا بسرعة!”
تعهدت في نفسي بأن أعتذر لسينييل لاحقًا، ثم ركضت إلى داخل قاعة الحفل.
دخلنا بسلام.
كان الناس داخل القاعة أكثر هدوءًا مقارنة بالحشد في الخارج.
قبل البحث عن المقاعد، خلعت القبعة التي وضعتها على رأس سينييل.
كنت أنوي الاعتذار، لكن بدا أن الجلوس في المقاعد كان الأولوية.
سحبته مرة أخرى دون تردد.
رغم هدوء الناس داخل المسرح، كنت أخشى أن يتعرفوا عليه ويسببوا ضجة.
تفقدت التذكرة ووجدت مقاعدنا.
بينما كنت أجلس، تركت يده التي كنت أمسكها طوال الوقت.
“آسفة لأنني وضعت القبعة عليك فجأة. لقد كنت مستعجلة دون أن أدرك—”
فجأة، انطفأت الأنوار.
هل بدأ العرض بالفعل؟ هل تأخرنا إلى هذا الحد؟
لم أكد ألتقط أنفاسي وأنا مضطرة لمشاهدة العرض.
كنت أريد الاعتذار، لكنني شعرت أيضًا بضرورة الحفاظ على الجو الرسمي، فتاهت نظراتي في ارتباك.
قرأ سينييل نظراتي المضطربة وابتسم بخفة.
ثم انحنى نحوي وهمس بهدوء في أذني:
“لا بأس. بالمناسبة، فيفي، أنتِ تبدين جميلة جدًا اليوم.”
“…”
“بالطبع، أنتِ دائمًا جميلة، لدرجة أنه لا يمكن المقارنة… أعني، فقط أردت أن أقول أنكِ جميلة.”
نظرت إليه بدهشة بسبب هذا المديح غير المتوقع.
كان الظلام قد خيم، فلم أستطع رؤية تعبيرات وجهه بوضوح.
صعد أحدهم إلى المسرح، فانفجر التصفيق.
استيقظ عقلي الشارد من صوت التصفيق.
لم أتمكن حتى من شكر سينييل، فتبعت الحشد وصفقت بدوري.
—
Folk Bonnet ✧ تعني القبعة الشعبية أو البونيت التقليدي الشعبي، وهي نوع من أغطية الرأس التي كانت ترتديها النساء في المجتمعات الريفية في أوروبا خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
✧ كانت تُعتبر جزءًا من اللباس الشعبي (folk costume) الذي يعكس هوية المجتمع أو المنطقة، وغالبًا ما كانت تُخاط يدويًا وتزيَّن بتطريز أو شرائط مميزة.
✧ كانت القبعة الشعبية تؤدي وظائف عملية ورمزية في آن واحد:
✦ لحماية الشعر والوجه من الشمس والغبار أثناء العمل في الحقول أو الحياة اليومية.
✦ في بعض الثقافات (مثل المجتمعات البروتستانتية)، كانت تغطية الشعر تعبيرًا عن التواضع أو الورع.
✦ في بعض المناطق، كانت النساء يزينّ البونيت بالدانتيل أو الأزهار في المناسبات، فتصبح جزءًا من اللباس الاحتفالي الشعبي.
••••◇•••••••☆•♤•☆•••••••◇••••
ترجمة : 𝑁𝑜𝑣𝑎
تابعونا على قناة التلغرام : MelaniNovels
التعليقات لهذا الفصل " 38"