وبما أن سينييل كان أمامي مباشرة، استطعت أن أرى بوضوح تام كل مراحل ارتباكه: اتساع بؤبؤ عينيه الحمراوين الزاهيتين، تصلب شفتيه، توقف أنفاسه، وحتى الشعيرات الناعمة التي بدت وكأنها تنتصب قليلاً.
كان من الممتع بشكل خفي مشاهدة وسيم مثل سينييل وهو يتلقى ضوء الصباح ويبدو مرتبكًا.
بل بدا لطيفًا بعض الشيء.
‘هل جننت؟’
فوجئت بأفكاري الداخلية، فبدأت أمحوها بعنف.
كنت أدرك منذ الأمس أنني لست في حالة عقلية طبيعية، لكن يبدو أن النوم لم يعِدْ عقلي إلى رشده.
‘هل فقدت صوابي تمامًا بسبب تهديدات شخص مجهول؟’
أم أن تعاطفي مع سينييل قد ازداد عمقًا؟ بدأت أفكر بجدية في حالتي العقلية، ثم قررت أن أضع هذه الأفكار جانبًا.
لألهي نفسي، بحثت عن هدف، ثم أدركت أن سينييل لم يزل يمسك بي.
بدأت أنخز ذراعه برفق.
“أشعر وكأنني سأختنق قليلاً.”
“آه، آه!”
قفز سينييل كالزنبرك المشدود.
اختفى الدفء الذي كان يغمر جسدي.
نهضت من السرير متابعة إياه.
شعرت بخفة في جسدي، كما لو أنني حظيت بنوم عميق.
تمطيت وألقيت نظرة على سينييل الذي بدا شاردًا.
كنت أتوقع أن يبكي أو يعتذر في هذه اللحظة، لكنه بقي صامتًا.
كسر سينييل الصمت بسؤال هادئ:
“هل هناك مكان يؤلمك أو أصبت فيه…؟”
“لا، كما ترى، أنا بخير.”
مددت ذراعيّ أمامه بشكل مبالغ فيه ليطمئن.
تفحص سينييل جسدي بعناية.
‘لو كنت ستبكي، فلتبكِ. شخصية ضعيفة مثلك تقطع وعودًا لا تستطيع تحملها.’
شعرت بالحرج من الصمت الذي عاد مجددًا.
لتغيير الجو، ربتّ على ذراع سينييل.
“بالمناسبة، لم تنسَ أنك ستحضر تذكرة ثانية لعرض اليوم، أليس كذلك؟”
لمعة خفيفة عادت إلى عيني سينييل اللتين كانتا غارقتين في الهدوء.
واصلت النظر إليه وابتسمت بخفة.
“يجب أن تأخذ إجازة وتذهب معي مهما حدث.”
شعرت أنني استوليت على إجازته دون إذن، لكن في هذه الحياة القاسية، كنت أرغب في القليل من التدلل.
أومأ سينييل برأسه بجدية عند سماع خبر الإجازة المفروضة، كأن الخمول الذي كان يعتريه قد اختفى.
حتى جنرال تلقى أمرًا بحماية بلاده لم يكن ليحمل هذا القدر من الإحساس بالواجب.
“سأفي بالوعد، بالتأكيد.”
لم يكن عليه أن يلتزم بهذا القدر من الجدية.
شعرت بثقل الموقف، لكن بما أنه لم يكن ليضرني، لم أمنعه.
“إذا احتجت إلى شيء آخر، أخبرني في أي وقت.”
عادةً، عندما يقول الآخرون مثل هذا الكلام، تكون مجرد مجاملة، لكن مع سينييل، شعرت بصدق حقيقي.
‘شيء أحتاجه؟ ما أحتاجه الآن هو التعامل مع ذلك المبتز، لكن لا يمكنني طلب مثل هذا الشيء.’
ومن باب التسلية، كنت أرغب أيضًا في التعامل مع كيد.
“إذا احتجت إلى شيء آخر لاحقًا، سأخبرك. الآن، لا شيء سوى العرض الموسيقي.”
بدا سينييل محبطًا قليلاً.
أمسكت بيده الرقيقة ونهضت من السرير.
قام سينييل بمساعدتي دون قصد.
أشرت بإصبعي إلى الساعة.
أطلق سينييل تعجبًا بسيطًا: “آه.”
أمسكت بيده وخرجت لوداعه بنفسي.
تبعني سينييل وهو يُسحب من يدي.
‘لا يمكنني لوم كيد بعد الآن.’
لم يكن عليّ أن أسحبه هكذا، لكن بدا أنني وجدت متعة في انتزاع يده وسحبه كما أشاء.
عندما فتحت الباب أخيرًا، تركت يده.
لوحت له، فرفع سينييل يده بشكل غامض يقلدني.
ضحكت على مظهره المربك، ودون وعي، أمسكت بيده مجددًا.
هززت يده يمينًا ويسارًا بمرح وقلت:
“مع السلامة، أراك في المساء.”
احمر وجه سينييل قليلاً من الخجل.
لكنه لم يطلب مني التوقف، بل رد التحية بنفس الطريقة:
“…أراكِ في المساء.”
“هل بالغت في مضايقته؟”
شعرت بالندم المتأخر بعد تحيته الخجولة.
* * * لم يمض وقت طويل بعد أن استلقيت على السرير مجددًا حتى سمعت طرقًا على الباب، “طق طق”.
لم يسبق أن جاء زائر يحمل أخبارًا سارة، لذا لم يكن صوت الطرق مرحبًا به.
‘جويل… هل وصلت رسالة من ذلك المبتز؟’
“تفضل بالدخول.”
فتح الباب ودخل الخادم.
“سيدتي، لقد وصلتكِ رسالة.”
كنت قد لاحظت الرسالة في يده حتى قبل أن يخبرني، فانتزعتها منه بحماسة.
“شكرًا لجلبها.”
ألقيت تحية سريعة للخادم وأشرت له بالعين ليخرج.
قبل أن يغلق الباب، بدا وكأنه قال شيئًا، لكن صوت إغلاق الباب طغى عليه فلم أسمعه.
فكرت ببساطة أنه إذا كان شيئًا مهمًا، فإنه سيعود ليخبرني، ثم فتحت الرسالة بعنف.
“أوه، رائحة العطر!”
ما أن أخرجت الورقة من الظرف المختوم حتى طعنت رائحة عطر الورد القوية أنفي.
كيف يمكن أن يفشلوا في العثور على المرسل مع هذه الرائحة المتسلطة؟ يبدو أن بإمكانك العثور على الشخص فقط باتباع الرائحة!
بسبب العطر الذي تحول إلى رائحة كريهة، توقفت عن قراءة الرسالة وفتحت النافذة.
وقفت متكئة على النافذة وقرأت الرسالة مجددًا.
فيفي جيزلاين،
أنتِ لا تصغين لكلماتي، أليس كذلك؟ توقعتُ ذلك، لكن لم أكن أتخيل أنكِ ستتجاهلين كلامي في أقل من يوم. مع ذلك، سأتغاضى عنكِ هذه المرة فقط. كوني هادئة. هادئة جدًا.
أظهر الفراغ الواسع في الرسالة أنه لا يوجد المزيد من المحتوى.
ضحكت ضحكة جوفاء وأنا أشعر بالذهول.
“أكل هذا الهراء هو ما أرسل رسالة من أجله؟”
شعرت بقوة في يدي دون وعي.
أمسكت الرسالة بقبضتي وارتجف جسدي من الغضب.
“سأقضي على هذا الوغد مهما كلفني الأمر.”
* * *
في داخل بيت زجاجي، كان الهواء أكثر حرارة ورطوبة من الخارج، مما جعل الورود تتفتح مبكرًا.
كان هناك من يدندن بأغنية وهو يلمس الورود بحنان.
الوردة التي لامست يده تفتحت بالكامل، ووصلت إلى ذروة جمالها.
“لا يوجد من يخدم سيدي بشكل صحيح سواي. سينييل، كيد.”
“الآن، يجب أن تكون الرسالة قد وصلت بسلام.”
ارتسمت ابتسامة فخورة على وجه المبتز.
على الرغم من حرارة البيت الزجاجي التي كان يمكن أن تسبب التعرق، كانت بشرته ناعمة وجافة.
“لولا تلك التكهنات الملعونة، لما حدث شيء من هذا.”
على عكس وجهه الذي كان يبتسم بنعومة، كانت كلماته خشنة.
“لهذا أكره أولئك العجزة الجاهلين. لقد مر أكثر من مئة عام منذ اختفت الكائنات الاسطورية، ومع ذلك، لم يدركوا ذلك. التفسيرات العشوائية التي يقدمونها لأساطير غير موجودة مقززة.”
تذكر أولئك الكهنة الذين أصروا على أنهم تلقوا نبوءات.
“مزيفون.”
استنكر الكهنة وهو يصدر صوت استهجان.
كان لديه سبب لاستنكارهم.
حتى قبل مئة عام، كان الكهنة يتلقون التكهنات فقط من خلال الأثر المقدس، المرآة.
لم تكن هناك استثناءات.
ولكن، و بسبب تغطرسهم، ظهرت تكهنات متنوعة.
قال أحدهم أنه سمع كلاما في حلمه، وقال آخر أنه رأى حروفًا تتشكل في الغيوم، وادّعى آخر أنه تلقى تكهنا من خلال انعكاس على سطح بحيرة.
“هراء.”
اعتبر كل تلك التكهنات هراءً وتنهد بحسرة.
“متى ستعودان إلى مكانكما الأصلي؟”
*أنا مش عارفة مين يقصد هنا بس غالبا كيد و سينييل، بس انا مش متأكدة*
تدفق الماء الصافي من إبريق الري.
واصل التحدث إلى الوردة وكأنها سيده نفسه.
“في البداية… ظننت أنكما تريدان فقط جسدًا للعيش. لكن لم أكن أتوقع أنكما أحببتما حياتكما الجديدة كبشر.”
تذكر آخر تكهن سمعه:
[هل ستتخليان عنا وترحلان، أم ستتفهماننا؟]
كان ذاك التوقع هو الأكثر إثارة للجدل.
لم يكن واضحا كفاية ليعلموا من يفعل ماذا وأين، لذا حتى مع نهاية عصر، لم يتمكن كبار المعبد من تفسيرها بسهولة.
لاحقًا، سمعوا عن ابن غير شرعي لمملكة أنقذ مملكة متداعية بدلاً من التخلي عنها، فخلصوا إلى أن هذا هو معنى التوقع.
*اللغة الكورية ما فيها ضماير، عشان كذا مش واضح بالعبارة هل هي هل ستتخلى او تتخليان او تتخلون*
لكن جويل لم يكن يشاطرهم الرأي.
لم يكن ذلك التوقع تتحدث عن شؤون البشر.
كانت رسالة من المستقبل لنا.
لم تنزل تكهنات بعد ذلك.
إذن، هل تخلى عنا منقذنا حقًا لأنه لم يتفهمنا؟
لم يعتقد ذلك.
المنقذ لم يكن ليتخلى عن البشر ويغادر.
وضع التركيز على الجزء الثاني من التكهن.
“يتفهمنا.”
من؟ نحن.
يتفهم ضعفنا بدلاً من التخلي عنا.
“لكن كل هذا مجرد اختبار، أليس كذلك؟ سأقدم كل التضحيات التي يريدها سيدي، لذا أرجوكما، عودا إلى مكانكما السامي، ولو بتضحيتي أنا.”
لم يكن يجب أن يتخلى المنقذ عنا.
ابتسم بخفة وهو يلمس بتلات الورد مجددًا.
أولاً، كان عليه التخلص من تلك المرأة المزعجة.
لكن ليس الآن، بل بعد أن تنتهي فائدتها.
فالمنقذ موجود لخدمة الجميع، وليس ليُمتلك.
امرأة لا تستطيع حتى استخدام القوة المقدسة لا يمكن أن تتجرأ على الاقتراب من سيده.
امتلأ قلبه باعتقاد مشوه.
خرج من البيت الزجاجي وسار تحت سماء صافية.
***
أتمنى تحريف الإلحاد يكون نال اعجابكم، لأن نص الفصل إلحاد 💀💀
***
الفصول لغاية الفصل 62. بقناتي تلغرام، الرابط بتعليقت الرواية
التعليقات لهذا الفصل " 37"