في الرواية الأصلية، لم يكن هناك أحد يعرف هوية كيد.
“ألا أفسد خطط ذلك الشخص، وأني لا أليق به”.
منذ البداية، هذه الرسالة أنكرت علاقتي بسينييل، حتى وهي تخاطبني باسمي السابق قبل الزواج.
لم أخطئ حين أحسست أن صاحبها لا يراني بعين الرضا.
قبضتا يديّ ارتجفتا من الغضب.
وإلا فماذا؟ أنا نفسي لا أريد أن أقترب من خطط كيد، وأعرف أكثر من أي أحد أني لا أليق بسينييل! ولو حصل وارتبطت به، لكان ذلك أشبه بكابوس.
حتى لو تجاوزت ما أشعر به من ظلم، فهذه الرسالة بحد ذاتها كانت خارج نطاق استيعابي.
لقد زعزعت هدوئي بعنف.
“في الرواية الأصلية لم يكن هناك شيء كهذا. لو كانت حجة التهديد أني قد أفسد خطط كيد، لكانت البطلة قد تلقت رسالة مشابهة.”
لكن إيزيت لم تتلقَّ أي رسالة.
مع أنها نشرت أدلة كيد عند الناس جهارًا، ولم تُخفِ شيئًا.
كل ما يجري الآن صار بعيدًا جدًا عن أحداث الأصل، حتى بتّ أشعر بالذعر.
بدا الأمر وكأن الخطأ لم يظهر إلا لأنني أنا من أزحت البطلة عن مقعدها، وأصررت على البقاء حيّة في هذا العالم.
كلما حاولت سد الشقوق، ازداد الإناء تهشمًا.
كلما تخطيت خطرًا مميتًا، غرقت أعمق في الوحل.
وكأني فيروس غريب في هذا العالم، والجميع يتآمر للتخلّص مني.
حين كدت أنجرف تمامًا إلى نوبة هلع، هززت رأسي بعنف.
“تماسكي!”
قبضت على الرسالة بقوة حتى كادت تتجعد بين أصابعي.
لكن كلما ازداد الوضع انحدارًا، ازداد عنادي.
فالإنسان بطبعه يتمرد على ما يُمنع عنه، فكيف بي وأنا محاصَرة في زاوية ضيقة؟
بل صار لدي يقين راسخ: لا بد أن أخرج من هنا حيّة، مهما كلفني الثمن.
خلعت معطفي، وضعت ما اشتريته على الطاولة، وطلبت من الخادم أن يجمع الخدم جميعًا في غرفة الاستقبال.
كنت قد حددت لهم عشر دقائق، لذا جلست على الأريكة أنتظر.
أخرجت الرسالة ثانيةً، وأعدت التدقيق في الخط المزخرف.
والآن، بدأت أرجّح من يكون صاحبها.
“جويل.”
الشخص الوحيد الذي قد يُسمّي سينييل بـذلك السيد لم يكن سوى جويل، الخصم الحقيقي في الرواية.
بالطبع، هذا الاستنتاج قائم على افتراض أن كاتب الرسالة هو أحد شخصيات الرواية.
أما لو كان شخصًا لم يرد ذكره أصلًا، فلن أستطيع التقدم خطوة واحدة اليوم.
“وإن كان هو فعلًا، فربما كان يعرف هوية كيد. جويل هو من صمّم التجربة، فلا بد أنه يعرف أيضًا أعراضها الجانبية.”
صحيح أن الرواية لم تُظهر أي شخص يعرف حقيقة كيد، لكنها أيضًا لم تنفِ احتمال أن يكون جويل أحد العارفين.
بل لم تكشف حتى ما الذي كان يدور في ذهنه، أو أين يقيم، أو ما يخطط له.
عادةً ما كان يترك خيطًا صغيرًا يقود إلى ضحايا كيد، لكن هذه المرة…
لا شيء.
“مع ذلك، القول أنه جويل تحديدًا ليس مؤكدًا.”
جويل كان يحترم سينييل كالقدّيس.
لكن ذلك كان حين كان سينييل فقط.
أما التجربة فقد فشلت، وسينييل انفصلت شخصيته عن جسده وصار معه كيد.
فهل ما زال ممكنًا أن يستمر في تقديسه بعد ذلك؟
“لكن صاحب هذه الرسالة يبدو وكأنه يقدس كيد أيضًا. هذا مريب.”
التهديد بعدم عرقلة خطط كيد، والتحذير من لقاء رونان… كل هذا يدل أن الكاتب يعرف هوية كيد، ويقدّسه كما لو كان سيدا مطلقا.
“ربما يكون أحد أفراد طائفة… يعبدون الاثنين معًا.”
لم أشأ أن أغرق أكثر في هذا التفكير.
بالنسبة لي، الشخص الوحيد الذي يمكن أن ينطبق عليه هذا الوصف هو جويل.
لكن الرسالة صارت أغرب كلما أعدت قراءتها.
كيف يمكنه أن “يشي بي” إلى كيد؟ بأي وسيلة؟
ثم لماذا ذكر رونان تحديدًا، مع أني لم أفعل معه شيئًا بعد؟
“هل لأن رونان هو أول شخص التقيته بعد الزواج؟”
أم أنه رآه بجانبي ليلة محاولة الهروب؟
المعلومة الوحيدة المؤكدة التي يملكها عني، هي أنني حاولت الهرب.
فإن كان هدفه أن تظل خطة كيد قائمة بلا خلل، فمجرد شكوكه بي تكفي لتفسير هذه الرسالة.
“قد يكون مجرد شك، لا أكثر… لأنه رآني أحاول الهرب بعد زواجي مباشرة من الكاهن الأعظم.”
لكن إن كان يملك دليلًا قاطعًا على أني أعرف هوية كيد، فما الذي استند إليه؟ كيف حصل عليه؟ أن يزرع أحدهم عيونًا تراقبني ليلًا كان شبه مستحيل، مع فرط حساسية كيد في الليل.
“هل رآني أحد وأنا أحمل كرة التصوير وأنزل بها إلى الطابق الأول؟ ثم وشى بي؟”
كنت متأكدة أنه في ذلك اليوم لم يكن هناك شخص واحد في ذلك الممر.
حتى أنني ألقيت نظرة من النافذة لأتأكد من أن أحدًا لا يراقبني، لكن لم يكن هناك أحد.
“لا أريد أن أظن أن بين عشرين شخصًا بالكاد يعيشون هنا جاسوسًا.”
لكن حتى هذا الصباح، لم أصل إلا لنفس النتيجة.
وفي النهاية لم أجد بدًا من الذهاب إلى مقهى باي وشراء عقار الإقرار بالذنب.
“على كل حال، عندما أذهب، سيتضح الأمر.”
من الخارج، جاء صوت طرق الباب يتبعه صوت كبير الخدم يخبرني أن جميع الخدم قد اجتمعوا.
أخذت عقار الإقرار من فوق المكتب وتبعت الخادم.
“المُهدِّد ختم رسالته بقوله: <إن تعاونتِ معنا، سنساعدكِ على الخروج من قصر ماككورت بسلام>. لكن…”
لم يكن بوسعي أن أتوقع أن شخصًا يقدس ذلك الشخص بكل جوارحه، سيتركني أرحل بهدوء، وأنا أحمل سر هويته.
لا أعلم لماذا لم يقتلني ذلك الشخص على الفور، لكن لا أمل عندي في أنه سيتركني حيّة في المستقبل.
إذن، كان لزامًا عليّ أن أتعرف على صاحب الرسالة.
أعثر عليه وأمسك بضعفه، أو ألقي به في وجه كيد نفسه.
وإلا، حتى إن تمكنت من الهرب من هذا القصر، فسأظل مطاردة من ذلك الوغد حتى الموت.
“إن لم أتمكن… فليكن الموت لك ولي أيضًا. ألست وحدك من يستطيع الوشاية لكيد؟ أنا أيضًا سأشي بك.”
فلنمُت معًا إذن. لا يمكن أن أكون الضحية الوحيدة.
فُتح باب غرفة الاستقبال.
دخل الجميع بملابس غير مرتبة، لا يعرفون سبب استدعائهم المفاجئ.
بدا وكأنهم جاؤوا على عجل.
التقط بصري ورقة شجر عالقة ببنطال البستاني.
“قالوا أن مفعول عقار الإقرار يستمر قرابة عشر دقائق بعد تناوله.”
كنت قد جربته بنفسي وأنا بانتظار اجتماع الخدم، وتأكدت من فاعليته.
قلت:
“لقد تسلل لص إلى المنزل. وبما أننا لم نُدخل أحدًا من الخارج، فأنا مضطرة، للأسف، أن أبدأ بالشك فيكم أنتم أولًا.”
بدأت بكبير الخدم.
أخذ العقار الذي ناولته إياه دون أن يُظهر اعتراضًا، وابتلعه أمامي.
بعد أن تأكدت من ابتلاعه، وجهت سؤالي:
“هل استقال أحد مؤخرًا؟ أو هل جاء شخص جديد للعمل هنا؟”
“لا، سيدتي. كل الموجودين خدموا هنا لأكثر من خمس سنوات.”
إذن لا أحد غادر بعد زواجي، ولا أحد جاء حديثًا بغاية التجسس.
“هل خَدَمتَ سيدًا آخر غير سينييل، أو تواطأت مع أحد خارجيًا؟”
“يا سيدتي، هذا افتراء عظيم! لم ولن أفعل شيئًا كهذا أبدًا. كيف لي أن أخون الكاهن الأعلى؟ هذا المكان هو أفضل مكان عمل يمكن أن يحلم به أحد. لا يوجد عمل يوفر ساعات أقل وراتبًا أوفر من هنا!”
بدأ هاربن يتوسل بإصرار، والدموع تتلألأ تحت حاجبيه المتجعدين.
بدا وكأنه يخشى أن يُطرَد أكثر من أي شيء آخر.
قلت بهدوء:
“حسنًا… فهمت.”
لكنه تابع برجاء:
“إن وُجد جاسوس بيننا، فأنا أول من سيقبض عليه! بل وسأعاقَب قبل ذلك على تقصيري في إدارة الخدم، لكن أرجوكِ… أرجوكِ لا تطلبي طردي.”
لم أكن معتادة أن أرى هاربن بهذا الانفعال، فشعرت ببعض التأثر.
نعم، حتى أنا لو كنت خادمة هنا، لكنت تمنيت البقاء.
“هل رأيتني مؤخرًا في الطابق الأول؟”
أجاب وهو يمسح أنفه السائل: “نادراً ما أذهب إلى الطابق الأول، سيدتي، ولم أرك هناك من قبل.”
كان صادقًا في رده، فأعطيته منديلاً وربتُّ على كتفه لتهدئته.
التعليقات لهذا الفصل " 32"