“حسناً، ربما لم يكن الأمر أنك لم تُبلِّغي عني، بل لأنك لم تجدي دليلاً قاطعاً بعد.”
شهقت بشدة من شدة الخوف، وهززت رأسي بعنف.
“أبداً! لم أفكر في ذلك ولو لمرة واحدة!”
ضاقت عيناه مثل أفعى وهو يتفحص ملامحي بدقة، ثم ما لبث أن خرجت من شفتيه ضحكة قصيرة بلا روح.
“جيد، استمري هكذا فقط. على أي حال، حتى لو وجدتِ الدليل وحبستِني في السجن، فلن يجدي ذلك شيئاً.”
أومأت برأسي بقوة، وحاولت أن أستشف من عينيه النصف مغمضتين إن كان الأمر انتهى عند هذا الحد.
كدت أن أتنفس بارتياح، لكنه فجأة جذب كتفي بقوة وأرغمني على السقوط في صدره.
لم أستوعب المفاجأة بعد، حتى شعرت بصدمة الألم في وجهي.
لقد ضرب خدي بصدره الصلب بقوة جعلت وجهي يختنق من الضغط.
وبينما أخذ الألم يتلاشى تدريجياً، بدأت أعي ببطء أن وجهي الآن ملتصق بصدره.
توقفت عن الحركة تماماً، حتى عن التنفس.
لكن كيد لم يهتم بي، بل تابع حديثه بصوت غليظ جعل صداه يهتز في أذني مباشرة عبر صدره.
“آه، صحيح… كنت أريد أن أخبرك منذ قليل. ارتداء أشياء كهذه بلا فائدة. لكن إن كان يروقك ما هو غير مريح، فلست أمنعك.”
تكسرت ملامحي في لحظة، وتملكتني القشعريرة، حتى أن دموعي سالت رغماً عني.
لم يعد لدي حتى الحق في ارتداء أدوات الوقاية.
عضضت شفتي المكبوتتين وهمست:
“……سأفعل كما تريد.”
هز رأسه بخفة كأنه راضٍ بإجابتي.
لم أجرؤ حتى على الحركة، فيده لا تزال تثقل كتفي.
أنفاسي خرجت متقطعة وقصيرة.
ثم فجأة زال الضغط.
فشهقت بعمق شهقت بعمق.
ظننت أنه سيبعد يده تماماً، لكنه مررها على ظهري.
بدأ يربت بخفة على ما بين كتفي، فارتجف جسدي بشدة.
لم أستطع أن أراه من تلك الزاوية، لكن إحساس اللمس وحده أشعل حواسي كأنني فريسة أعطت ظهرها لوحش مفترس.
“ششش.”
أصدر صوتاً مهدئاً، ثم شدّني مرة أخرى إلى صدره.
اقتربت يده من وجهي المرتجف، فأغمضت عيني تلقائياً.
بدا أن غايته كانت تقتصر على تغطية عيني، فما أن فعلت حتى سحب يده سريعاً ليعود ويربت على ظهري.
“كمديح لك، لن آخذ منك دَين الأمس.”
“……شكرًا… لك.”
“نامي بسلام.”
نامي بسلام؟!
لو خرجت من هنا فقط، لكان ذلك السلام الوحيد الذي سأحظى به! أردت أن أصرخ بهذا، لكنني لم أملك سوى حياة واحدة، فلم أتفوه بشيء.
لم أستطع النوم طبعاً، لكن قواي خارت تماماً.
مجرد حديثي معه قبل قليل استنزف نصف عمري.
والأسوأ… أن كيد كان يجيد التربيت والتهدئة.
لم يكن غريباً أنني خلتُه “أُماً” للحظة.
استسلمتُ كلياً، وجسدي يذوب من التعب حتى غلبني النعاس في حضنه.
استيقظت مفزوعة وكأنني سقطت من هاوية.
أول ما وقعت عليه عيناي كان وجه شخص على مقربة شديدة.
كدت أن أصرخ، لكن سرعان ما أدركت أن الرجل أمامي صرخ هو الآخر بذعر.
‘يا إلهي! ما هذا الوضع؟!’
بعد أن التقطت أنفاسي تذكرت لماذا كان سينييل أمامي.
نعم… البارحة، بعد ذلك الحديث المجنون عن الدَين وكل ما جرى، انتهى بنا المطاف هكذا.
‘يعني… هل نمنا طوال الليل على هذه الهيئة؟ أي مجنون يجلس أحدهم على ركبتيه وينام بهذا الشكل!’
*أي زوج عادي مع زوجته مثلا؟*
شحب وجه سينييل شيئاً فشيئاً، كما لو تجمدت أوصاله، تماماً كما حدث البارحة حين أجلسني كيد على ساقيه.
صمته المرتبك جعل رأسي يؤلمني.
ومع ذلك، جزء مني شعر بالراحة لرؤية سينييل هذا الصباح.
على الأقل، وجهه الخالي من الجنون كان أهون كثيراً من كيد.
ومع ذلك، جزء آخر لم يستطع إلا أن يحمل شيئاً من الضيق.
‘شخصيتك الأخرى سيئة جداً، أتدرك ذلك؟’ تذمرت في سري وأنا أتمتم له بفتور:
“صباح الخير.”
لم أرغب أن أُخرج غضبي على سينييل.
سواء أحببته أم كرهته، سأضطر على الأرجح لتحمل وجوده لشهرٍ كامل.
“هل نمت جيداً؟”
“…….”
لم يستطع سينييل الإجابة، وكأنه ما زال تحت وقع الصدمة.
أجل، لو كنتُ مكانه أيضاً، لاستيقظت مذهولة لو وجدتُ أحداً مسترخياً فوق ركبتيّ بكل أريحية.
أشفقتُ عليه وهو يتلعثم بصمته، فاعتدلت في جلستي.
صحيح أنني نمت متكوّرة في مكان ضيق، لكن جسدي لم يشعر بالتيبّس.
وإن لم أشأ الاعتراف، فربما يعود ذلك إلى أن كيد قد أسندني بطريقة ثابتة ومريحة.
أو ربما لأن سينييل بالأمس استخدم قوته المقدّسة عليّ، فجعل جسدي أخف وزناً.
قلت له بنبرة تجمع بين الاستسلام وشيء من الراحة المرهقة:
“أعرف أن الوضع محرج منذ الصباح.”
ارتجف كتفه عند سماعي.
فأضفت وأنا أختصر الحديث اختصاراً شديداً:
“باختصار… كيد هو من أجبرني على النوم و… أراحني بيده.”
ربما اختصرتُ الأمر أكثر مما ينبغي، إذ رأيتُ عيني سينييل تضطربان بعنف تحت وطأة الحيرة.
‘لو شرحت كل شيء، لكان عليّ أن أقول له أيضاً أن كيد فجأة كشف لي هويته… لكن لا، هذا كلام لا يصلح لسينييل المسكين. لو عرف الحقيقة لظلّ يعتذر طوال اليوم وهو يرتجف، وأنا لا أملك القدرة على مواساته باستمرار. الأفضل أن أتجنّب هذه المتاهة منذ البداية.’
“إن لم تفهم، فلا بأس. أنا نفسي لا أفهم. قد تكون ساقك قد تنمّلت، فهيا قف.”
مددت يدي إليه، لكنه لم يمد يده بالمقابل.
ظل ينظر إليها مرتبكاً.
عندها قبضت على يده دون تردد وسحبته لأوقفه.
استسلم بسهولة ليدي المرتعشة، رغم ارتباكه.
راودني شعور متناقض.
جزء مني أشفق عليه لرؤيته متوترًا، وجزء آخر شعر براحة غريبة، كأني أقول له: على الأقل جسدك هذا أستطيع أنا أن أسيطر عليه، على عكس كيد الذي عبث بي كما يشاء.
وقف سينييل متفاجئاً، لكن سرعان ما عاد وجهه إلى شحوبه المعتاد.
عيناه الزائغتان ثبتتا عليّ.
حرّك شفتيه متردداً، ثم أمسك يدي فجأة وهمس بقلق:
“هل طلب منك كيد شيئاً مبالغاً فيه؟”
“هم… لا.”
‘مع أنه فعل، لكنني لست مجبرة على قول الحقيقة.’
“إذن… لماذا كنتِ على تلك الأريكة معه؟ أم أن… أم أن فيفي… هي شريكة كيد؟”
توقفت عيناي عند كلماته المبتورة. ماذا؟ شريكة كيد؟
تحدّثت بعينيّ وحدهما مطالبة إياه أن يُكمل.
عضّ على شفته بتردد، ثم قالها:
“أأنتِ… شريكة كيد؟”
لم أعرف إن كان يجب أن أغضب أو أضحك.
صحيح أن الظن بأنني عشيقته أسوأ، لكن هذه التهمة لم تكن أقل وطأة.
سألت بفتور:
“هل أبدو لك وكأنني أقتل الناس؟”
ربما بدت نجاتي المتكررة إلى جانبه مثيرة للريبة، خصوصاً أنني في كل صباح أستيقظ في وضع غريب.
تفهّمتُ أنه قد يظنّ بي ذلك.
لكن سينييل أجاب بسرعة وحزم:
“لا. لا يمكن أن تفعلي ذلك أبداً.”
‘إذاً لماذا سألتني أصلاً؟’ فكرتُ بمرارة، لكنني أدركت أنه مجرد تعبير عن يأسه.
سينييل المسكين.
هذا الوجه الحائر الدائم… متى سينعم ببعض الطمأنينة؟ على الأقل أنا أستطيع التفكير بالهرب.
أما هو… فقد يظن أنه سيظل حبيس هذه الحياة إلى الأبد.
لم يعد له مستقبل هادئ، خصوصاً بعدما كنتُ السبب غير المباشر في إقصاء البطلة التي كان يمكن أن تجلب له نهاية سعيدة مع كيد.
غمرني الذنب، فمددت يدي الأخرى لأربّت على يده بحنان.
“أدرك لماذا راودتك هذه الأفكار. لكن كما قلت لك من قبل… لا تقلق. فقط… حاول أن تثق بي. اتفقنا؟”
“أنا أثق بك، فيفي.”
قالها على الفور، وكأنه لم يشك بي منذ لحظة.
ابتسمتُ بخفة، لكن قلبي كان مثقلاً.
خفض بصره إلى يدي وهو يتمتم بصوت متهدج:
“أتمنى… كما أثق بكِ، أن أكون أنا أيضاً شخصاً يمكنكِ أن تثقي به. أريد أن أكون ذا فائدة… لكنني… لا أستطيع.”
غطى وجهه بيده الأخرى وارتجف صوته:
“آسف… أنا فقط…”
رأيتُ اليأس ينهش روحه.
قبض على يدي بقوة، كأنه يتمسك بآخر خيط.
أجل، كان محقاً.
في كل مرة يفتح عينيه يجد نفسه في مكان غريب، وزوجته تبدو بخير لكنها في الحقيقة غاضبة أو متوترة.
أي شخص يقرأ الإشارات بعمق مثل سينييل سيُدرك أن قلبي بعيد عنه.
أنا على الأقل يمكنني الهرب يوماً ما.
أما هو، فيظن أن حياته كلها ستظل سجناً مع كيد… ومعي.
معاناة لا نهاية لها.
لم أعد أستطيع إنكار الأمر.
قبضت بكلتا يديّ على يده المرتجفة بقوة، كأنني أواسيه عن المستقبل الذي سلبته منه.
♤♧♤♧♤♧♤
الفصول لغاية الفصل 45 بقناتي تلغرام الرابط بتعليقات الرواية
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 30"