اقتربت جاين بسرعة لامحة، وبدأت بمساعدتي على تبديل الملابس. خلعتُ فستان الزفاف الذي كان يجرجر خلفي، وجلستُ أخفّ جسداً أمام طاولة الزينة.
ومنذ أن تقمّصت شخصية فيفي قبل ساعات، كانت هذه هي المرة الأولى التي أرى فيها وجه هذا الجسد.
بسبب انحناءة عينيها نحو الأعلى قليلاً، أو ربما بسبب بؤبؤيها الوردِيَّين اللافتين، كانت ملامحها العامة توحي ببرودٍ ساخر.
بشرتها بيضاء، وكأنها لم تخرج إلى الخارج كثيراً، وأنفها صغير لكن مستقيم ومرتفع. أما شعرها الوردي الباهت المائل إلى الحليب فكان متموجاً قليلاً ويتدلى حتى سرّتها.
بينما كانت جاين تزيل مساحيق التجميل عن وجهي بمنشفة دافئة، سألتني:
ـ “هل آمر بتجهيز العشاء؟”
ـ “لا، لا حاجة.”
كنت جائعة فعلاً، لكن شهيتي منعدمة. فحتى لو كان سينييل قد غادر القصر، لم أستطع أن أتخلص من الشعور بأن كيد سيقتحم المكان فجأة، فلم أستطع الاسترخاء.
ـ “حضري مياه الاستحمام.”
ـ “نعم، مفهوم.”
قالت جاين، وهي ترمقني بنظرات مترددة، كلمات عزاء عن أسفها لعدم وجود سيدها (زوجي) في ليلة الزفاف. لكن بالنسبة لي لم يكن ذلك مهماً.
أغمضتُ عيني نصف إغماضة من شدة التعب، حتى خفت صوت جاين شيئاً فشيئاً.
وقبيل أن أغفو تماماً، خطر في بالي أنه إن أردت الهرب ليلاً، فلابد أن تكون ثيابي الليلية وأحذيتي مريحة.
يجب أن أنزع الأقراط والعقد. من الأفضل ألا أرتدي أي شيء على الإطلاق.
فقد يجرّ كيد الأقراط لأسفل بعنف أو يخنقني بجذب العقد فجأة.
‘حتى لو كان بعيداً، فإن الاستعداد المسبق أفضل من لا شيء.’
ـ”حضّري لي ثوب نوم مريحاً قدر الإمكان. وجهّزي أيضاً حذاءً مناسباً للركض.”
ـ”ماذا؟ … نعم، سأجهّز ما يلائم مقاس سيدتي.”
كنت أعلم أنّ كل تلك التحضيرات ستكون بلا فائدة أمام أعين كيد، لكن على الأقل عليّ أن أجرب.
أبعدتُ الوصيفة التي أرادت أن تخدمني أثناء الاستحمام، وجلست وحدي داخل الحوض. ورغم أن جسدي غمرته مياه دافئة، إلا أني كنت أرتجف.
زوجة سينييل في القصة الأصلية بقيت على قيد الحياة أسبوعاً واحداً على الأقل. ربما لأن سينييل كان يترك لها بعض الوقت بمغادرته القصر.
‘لكن… ما الذي جعل فيفي تموت في النهاية؟’
لو ظل سينييل يبتعد بين الحين والآخر، لما كان هناك ما يهدد حياتها. فخدم القصر أيضاً لا يموتون طالما التزموا بقوانينه.
ما داموا بعيدين عن أنظاره فقط.
‘حتى لو سافر سينييل طويلاً، يكفي أن يعود كيد، وينتهي الأمر. ربما خرجت فيفي ليلاً من غرفتها؟ أم أنه جاء فقط لأنه وجد وجودها مزعجاً؟’
أخذتُ أسترجع الأحداث الأصلية للرواية، وكل ما أعرفه عن سينييل، محاولَةً إعادة تركيب الصورة.
رواية «ذوقان مختلفان» تحمل عنواناً مباشراً، فهي تدور حول سينييل المصاب بانفصام الشخصية، والبطلة إيزيِت التي تتنكر في هيئة أخيها.
السرّ الذي يجب ألّا يُكشف هو لبّ القصة: كلاهما يخفي حقيقة عن الجميع.
لكن البداية الحقيقية كانت من سينييل نفسه، إذ إن إصابته بانفصام الشخصية كانت هي المحرّك الأساسي للأحداث. فلو لم يكن مصاباً، لما وُجدت القصة أصلاً.
وكان سبب إصابته مرتبطاً بوالده، كيس ماككورت، المركيز السابق. فقد كان طموحاً حدّ الجنون.
ذلك أن القوة المقدسة هنا تعني السلطة المطلقة. ومن يصبح كاهناً ينال شرفاً يحسده عليه الجميع، أما منصب الكاهن الأكبر فهو القمة التي تفوق حتى عرش الإمبراطور بالثروة والمجد.
ولعلّ من يتساءل: إذا امتلكوا تلك القوة، فلماذا لم يحاول الكهنة يوماً القيام بانقلاب؟
الجواب أن قوة النور (القوة المقدسة) تعتمد على نقاء الفطرة والنية. فمن يملك قلباً أنانياً، لن يستطيع تفعيل سوى أقل من 10% من قوته، حتى لو وُلد بمواهب عظيمة.
وفوق ذلك، تلك القوة تضمحل مع التقدم في العمر.
لهذا، كان الكهنة أبعد الناس عن فكرة التمرد… إلا إن اعتقدوا أن «التمرد» نفسه فعل من أفعال العدالة.
كان كيس، والد سينييل، كاهناً أكبر أيضاً. وقد عاش حياته في خدمة الآخرين.
لكن مع تراجع قوته المقدسة، بدا أنه يتغيّر تدريجياً؛ هل ضعفت قوته بسبب أنانيته المتزايدة مع العمر؟ أم صار أنانياً لأنه فقد قوته؟ لم يكن واضحاً.
ما كان واضحاً هو أن كيس بدأ يكره حقيقة أنّ القوة المقدسة مشروطة بالنية والإيثار.
لم يشأ أن يتخلى عن منصب الكاهن الأكبر. أراد أن يحصل على «شمس أبدية».
حينها خطرت له فكرة: ‘لو تمكنتُ من التحكم بالقوة المقدسة مدى الحياة، ألا يمكن أن أصبح حاكما؟’
زندقة محضة، لكنه سعى إليها بجدية، فجمع أتباعه وبدأ بتجارب شيطانية.
شعاره كان: «إذا محونا الشر من البشر، نصبح حكاما أبديين.»
لكنها كانت فكرة سخيفة؛ فمن دون الشر، لن يسعى أحد لاستغلال الناس أصلاً. إلا أن عينيه المظلمتين بالهوس لم ترَ ذلك.
بدأ بتجارب على الأيتام. كانت واسعة النطاق، لكنها كلها باءت بالفشل.
[لماذا لا ينجح الأمر؟!]
بعد أن عُزل عن منصبه، بدأ المرض يفتك بجسده. باتت أيامه معدودة. وكان عليه أن ينجح سريعاً، فنجاح التجربة وحده قد يمنحه الشفاء ويمكّنه من العودة، لا ككاهن أعظم هذه المرة، بل كحاكم.
وإذ استبد به اليأس، مدّ يده أخيراً إلى ابنه.
لم يستطع سينييل مقاومة الطقوس الجماعية السرية.
ذات يوم، شعر أن حلقه يحترق وكأن صوته يتمزق. و في يوم آخر، كانت أبسط نسمة هواء تجعله يصرخ لأن جلده يتقشر ألماً…
ومرّت عدّة سنوات على ذلك.
بسبب عقاقير كايس انقسمت شخصية سينييل إلى جانب خير وجانب شر. وبكلمة أخرى، فهذا يعني أن التجربة قد فشلت.
وهكذا وُلد “كيد”. أول ما فعله كان قتل والده، ثم قتل كل شخص شارك في تلك التجربة. بل حتى أي شخص وقف في طريقه أو شكّل عائقًا له لم يَسلم منه.
لكنّه لم يكن يقتل الناس قتلاً عاديًا. بل كان يمزّق جثثهم ويشوّهها، وينثر الدماء والأشلاء على الجدران والأسقف حتى غطّت المكان بالقذارة.
وبسبب سلسلة تلك الجرائم الوحشية، بدأ الناس يطلقون على الحوادث اسم “قضية كيد”.
وذلك لأن مسرح الجريمة بدا وكأن طفلاً لم يتعلّم آداب الأكل بعد، سكب الكاتشب وما شابهه في كل مكان.
*مدري وين وجه الشبه بين تشويه الجثث و الكاتشب *
ومع مرور الوقت، صاروا يسمّون القاتل نفسه كيد. حتى في الرواية، كانت الشخصية الأخرى التي تمثل الوجه الآخر لـ سينييل تُدعى كيد.
‘منطقيًا، من الصعب الجمع بين “طفل” و”قاتل”، لكن….’
على كل حال، سينييل كان يكره القاتل كيد كرهاً شديدًا.
كان يريد إيقافه، لكنه لم يستطع منعه بالكامل. فعلى الرغم من أنهما شخص واحد، إلا أنّه لم يتمكّن من إحباط خططه كليًا.
ذلك لأن سينييل و كيد لم يكونا يتشاركان جميع الذكريات.
لقد كان لتبادل الذكريات بينهما شرط محدّد: “المشاعر القوية”. فقط عندما يختبر أحدهما عاطفة شديدة، تنتقل تلك الذاكرة للآخر.
ولهذا السبب، أدرك سينييل منذ اللحظة الأولى أنّ كيد قد وُلد. لأن كيد شعر بلذّة مفرطة في جريمة القتل الأولى.
حاول سينييل القضاء على كيد بإجراء تجربة عكسية للتجربة التي قام بها كايس.
فلو كان سينييل إنسانًا نقيًا مئة بالمئة، لكان اختار الانتحار لإنهاء الأمر.
لكن سينييل لم يكن خيرًا خالصًا. وبسبب التجربة الناقصة، كان يميل إلى الخير، لكنه لم يكن نقيًا بما يكفي ليضحي بنفسه.
وفي الجهة الأخرى، لم يكن كيد أيضًا شرًا مطلقًا منزوع الرحمة بالكامل.
لكن مع ذلك، لم يكن من الممكن منحه أي شفقة أو تعاطف. صحيح أنه ليس “شرًّا صرفًا”، لكنه كان أقرب ما يكون إليه.
على أي حال، بذل سينييل كل الطرق: جرّب العقاقير، وعذّب نفسه، في محاولة للسيطرة على كيد.
‘لكن كما ترون، فشلت المحاولات.’
ثم اكتشف أن كيد لا يظهر إلا في الليل. لذلك حاول جاهدًا أن لا ينام. صحيح أنّ القوة الإلهية تستطيع إزالة الإرهاق الجسدي، لكنها لا تستطيع إيقاف الإنهاك العقلي.
والأسوأ أن حرمان نفسه من النوم جعل كيد أكثر توحشًا، فصار يقتل بوحشية أشد. فاضطر سينييل للتخلّي عن فكرة السهر القسري.
وفي خضم ذلك، نزل الوحي بضرورة أن يتزوّج’.
كان على سينييل أن يتزوج.
وإلا فسيكون عاصيًا للوحي.
وهكذا تزوّج سينييل من فيفي. لكن لم تمضِ فترة طويلة حتى لاقت حتفها.
عندها غرق سينييل في تأنيب الضمير وفكّر بالانتحار… إلى أن التقى بالبطلة إيزيت التي كانت متخفية في زيّ رجل.
لم يكن لقاءً رومانسيًا، بل كان لقاء القاتل بمُطارده.
السبب في سعي إيزيت وراء كيد كان مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بتنكّرها في زيّ رجل.
فكيد كان يستهدف الكهنة رفيعي المستوى والنبلاء، ولو استطاعت القبض عليه ستتمكن من إعادة مجد عائلتها المنهارة بضربة واحدة، ومن ثم كشف حقيقة وفاة أخيها الذي مات مظلومًا.
‘ولكي تُطمس الحقيقة، حُظر حتى إعلان وفاته رسميًا، فظلّت حالته على الورق “مفقودًا”.’
كان عدد الذين يعرفون بموته قليلًا للغاية، وبشكل رسمي ما زال في عداد المفقودين.
ولهذا السبب، ولكي تتمكّن إيزيت من التحقيق بحرية في كل ما يتعلّق بأخيها، استعملت القلادة المقدّسة لعائلتها والتي تُمكّنها من التنكّر تمامًا بزيّ شقيقها الذي كان فارسًا مقدسًا.
بفضل قوة القلادة، كان مظهرها الذكوري كاملاً بلا ثغرات. لم يشكّ فيها أحد، وكانت قادرة على التنقّل والعمل متخفية تحت هويات مختلفة.
وبهذا تعلّقت قصتها بـ سينييل، ومن هنا تبدأ أحداث الرواية.
لكن أكثر ما كان يثير نفوري أنّ موتي هو البداية الفعلية لتلك القصة.
‘هل يُعقل؟ لقد متُّ للتو، ثم أعود للحياة لأموت مرة أخرى!’
ربما مجرّد متغيّر بسيط مثلي لن يغيّر مسار القصة كثيرًا. بل في الحقيقة، لا يهمّني إن تغيّر المسار أم لا. حياتي أثمن من قصّة حبّهم.
‘هل أبلغ المعبد وأُخبرهم بأن سينييل هو المجرم؟’
هناك بالفعل أدلّة يمكن أن تُدين سينييل. لكن حتى لو فعلت، هل سيتمكنون من القبض على كيد بهذه السهولة؟
‘قد يحدث العكس: قد أتحوّل أنا إلى المشتبه بها.’
فـ سينييل هو الكاهن الأعظم، المُعترف بقداسته ونُبل أخلاقه.
وبحسب منطق هذا العالم، لو كان الكاهن الأعظم هو من ارتكب تلك الجرائم البشعة عشرات المرات، فلن يكون قادرًا على استخدام القوة المقدسة أبدًا. وهذا صحيح بالفعل من الناحية العملية.
‘ حتى لو رحّب سينييل بالعقوبة، فهل سيبقى كيد مكتوف الأيدي؟’
لقد كان يقدر على ارتكاب جريمة كاملة في وضح النهار بلا أثر، فهل سيعجز عن الهروب من السجن؟
‘لماذا كان لا بد أن أولد في جسد فيفي بالذات؟’
هل السبب أن آخر كتاب قرأته قبل موتي كان عنها؟ أم لأني تمنيت أن أولد من جديد كشخص غني لكن بلا تأثير كبير؟
هاه… هذا ليس وقت الانغماس في مثل هذه الأفكار.
أعدتُ استرجاع ذكريات فيفي ومحتوى الرواية.
الهرب عبر السماء مستحيل، فليس هناك طائرات.
ولا وجود للسحر الشائع في قصص الفانتازيا مثل “الانتقال الآني”.
‘الخيار الوحيد إذن هو مغادرة الإمبراطورية، سواء عبر الحدود البرية أو البحر’
لكن لم يكن بوسعي السفر علنًا وبلا قيد.
بما أنني زوجة الكاهن الأعظم، فأنا بمثابة أسيرة المعبد. ولا يمكنني مغادرة الإمبراطورية من دون إذن رسمي.
إذن لا مفرّ: كان يجب أن أهرب خفية.
لكن اجتياز الحدود برًا مستحيل في الوقت الحالي.
فحسب ذكريات فيفي، كانت هناك توترات حديثة بين إمبراطورية ألبِتا والدول المجاورة، مما جعل الحراسة على الحدود أكثر صرامة.
وبهذا الجسد الواهن الضعيف، الذي بالكاد يطيق صعود ثلاثة طوابق، لن أستطيع مراوغة الجنود.
لم يبقَ إلا خيار واحد.
الهروب عبر البحر – التسلّل خلسة على متن سفينة.
᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 3"