أنقذتها للتو وأعطيتها دواءً، فإذا بزوجة سينييل تظن أنني سممتها؟
كان ذلك مضحكًا بالنسبة له، فقرر أن يصحح وهمها.
“ليس سمًّا، إنه دواء.”
“لا تكذب، أرجوك…”
كانت فيفي، التي أثقلها الألم وتأثير الدواء، تهذي وتقول ما يجول في خاطرها دون وعي.
نظر إليها كيد مذهولًا للحظة، ثم لاحظ أنها تمد يدها المرتجفة نحوه.
حاولت أن تمسك يده، لكن ضعفها جعل قبضتها تفلت مرارًا، ومع ذلك أصرت على التشبث بأصابعه وكأنها متمسكة بشيء لا تريد أن تخسره.
حدّق كيد في يدها الصغيرة الملتصقة بيده بلا خوف.
امرأة تتوسل لتمسك بيد قاتل؟ هذا يحدث لأول مرة.
رفع حاجبيه بدهشة.
كان يفكر أن يحرر يده بلا تردد، لكنه استغرب من إصرارها الذي بدا وكأنها ترى فيه منقذًا.
أثار ذلك فيه رغبة غريبة في البقاء قليلًا.
ارتجفت يد فيفي من شدة الوهن، وكأنها ستسقط في أي لحظة.
وبينما كان يراقبها بفضول، شعر بدافع داخلي أن يرضخ لذلك.
وما أن حاول أن يحرر يده ويقوم من على السرير، حتى بدأت فيفي تبكي بصوت مرتجف.
زفر كيد بضيق، لكنه وجد نفسه يواسيها:
“لا تبكِ، ابقي هادئة. لن أذهب.”
جلس على حافة السرير مثل الليلة السابقة.
أحست فيفي بدفء حضوره بجوارها فتوقفت دموعها، وأغمضت عينيها كأنها أخيرًا وجدت بعض الطمأنينة.
لكن الألم لم يتركها بعد، وأنفاسها كانت متقطعة من شدة الحمى.
ظلّت مغمضة العينين تنتظر موتها، لكن المفاجأة أنها لم تمت.
لم يزد مرضها سوءًا، بل شعرت بتحسن طفيف جعلها تفتح عينيها بصعوبة وتنظر إلى كيد.
ثم سألت بخفوت:
“متى سأموت…؟”
“لن تموتي.”
“آه… فهمت. لكن متى سأموت إذن؟”
لم يجبها.
هل أقتلها فعلًا وأريح نفسي؟
بدت وكأنها فقدت عقلها تمامًا.
لم تكن تنظر إليه طلبًا لإجابة، بل فقط لتجد وجهًا بجانبها حتى لا تموت وحيدة.
انتقلت عيناها المرتخيتان من وجهه إلى يده.
أصابعه الطويلة، ومفاصله الحمراء قليلًا… كانت يده جميلة بشكل غريب لا يليق بقاتل.
وتذكرت أنها حين لمستها سابقًا، شعرت ببرودة مريحة.
أرادت تلك البرودة مرة أخرى.
وبلا تردد، طلبت منه:
“يدك كانت باردة جدًا قبل قليل… أعطني يدك ثانية.”
قالتها بجرأة غير متوقعة.
ارتبك كيد قليلًا، لكن الفضول دفعه إلى الاستجابة.
إلى أين ستصل بهذه الجرأة؟ مد لها يده.
وضعتها على جبينها المحترق بالحمى.
شعرت ببرودة مريحة، فألصقتها أكثر.
ثم وضعتها على خدها أيضًا، لكن سرعان ما دفعتها بعيدًا بعدما صارت ساخنة من حرارة جسدها، وطلبت بجرأة:
“أعطني اليد الأخرى…”
ضحك كيد بخفة وهو يمد لها اليد الثانية مطيعًا.
“أتعلمين يد مَن هذه التي تقولين أنها باردة ومريحة؟”
كانت صورة مثيرة للسخرية؛ امرأة تتدلل على يد لم تعرف سوى القتل.
ومع ذلك شعر بمزيج غريب من الفضول والانزعاج.
لكن فيفي لم تجبه.
راحت تتحسس يده قليلًا، ثم وضعت رأسها عليها كما لو كانت وسادة.
شعر بملمس وجهها الناعم وأنفاسها الدافئة على جلده.
بدأ الدواء يؤثر، وعيونها نصف مغلقة، والألم يتراجع تدريجيًا.
لكن مع تأثيره بدأت أيضًا ترى هلاوس.
وفجأة، خُيّل لها أن اليد التي تتكئ عليها ليست يد كيد… بل يد أمها.
كان عقلها المتبقي يعترض: أمي لا يمكن أن تكون هنا. إذن يد مَن هذه؟
لكنها رفعت رأسها بصعوبة، لترى وجهًا مألوفًا وسط دموعها.
وجه أمها التي لم ترها إلا في الأحلام.
“أمي…؟”
قبضت على يده بقوة.
الصورة لم تتلاشى.
“إنها أمي فعلًا… إذن متُّ؟ لا بد أنني مت.”
“ما الذي تهذين به الآن؟”
تأملها كيد بدهشة.
أعطيتها الدواء لتعيش، والآن تزعم أنها ماتت؟
لكن فيفي بدت مرتاحة رغم كل شيء.
ربما لأنها لم تعد تشعر بألم شديد.
في وسط اضطراب عقلها بفعل الدواء، وصلت إلى قناعة بسيطة:
الحمد لله، لم يعد الأمر مؤلمًا كما كنت أتوقع.
شدّت يده أكثر، تحاول سحبها إليها.
لم يتحرك، فعاودت سحبها بضع مرات، ثم قالت بلهجة طفولية وهي تكاد تبكي:
“أماه، تعالي استلقي بجانبي. اشتقت إليك، لا تجلسي بعيدًا فقط…”
أخذت تتوسل بصوت مرتعش.
زفر كيد ببطء، مترددًا.
لكن عندما رأى أنها تبكي كطفلة محرومة، شعر بشيء داخله يجبره على تلبية طلبها.
وما أو استلقى بجانبها حتى هدأت تمامًا، وارتسمت على شفتيها ابتسامة طفولية.
ثم ضحكت بخفوت، وهي تعانقه بشدة وكأنها لن تتركه.
خدّاها كانا يضغطان على صدر كيد، فارتبك على غير عادته.
“ما الذي تفعلينه الآن؟”
“أمي…….”
حاول كيد أن يبعدها عنه، لكن فيفي تمسكت بما ظنّت أنه أخيرًا بين ذراعيها: أمّها.
لم تكن تريد أن تتركها أبدًا.
وفي النهاية استسلم كيد، ليس لضعفها، بل لأنّها إن حاول الابتعاد انفجرت بالبكاء وكأن روحها ستزهق.
اندست فيفي أكثر في صدره.
“أمي… لقد تعبت كثيرًا، لماذا لم تأتي إلا الآن؟ رأيت أحلامًا غريبة، حتى هناك كنت أعاني…… لكن بما أن أمي هنا، فأنا بالتأكيد متّ حتى في الحلم.”
“قلت لك إنك لم تموتي.”
“لا…… أنا مت. لكن أمي، قبل أن أموت، كان عمي يضايقني باستمرار. لكن لا بأس الآن، كل شيء بخير……. أمي، أنا سعيدة برؤيتك.”
بخـير؟ أي بخير!
“أمي، اربتي على ظهري وقولي لي إني تعبت. بسرعة، ها؟”
بلا كلمة زائدة، بدأ كيد يربّت على ظهرها.
لم يفعل ذلك لأنه أراد، بل لأنه أراد أن يجعلها تغفو بسرعة ويخرج من هنا.
كان بإمكانه بكل بساطة أن يدفعها بعيدًا ويذهب،
لكنه منذ البارحة لم يستجب جسده لعقله، بل ظلّ ينقاد وراء اندفاعات غريبة.
لم يكن يعرف كيف يتحكم بقوة يده في شيء لم يجرّبه من قبل، لكن بدا أن فيفي أحبّت ذلك، إذ كفّت عن العناد وأغمضت عينيها بهدوء. وفي سكينة تلك اللحظة، احتكّت بخدّها في صدره بغير وعي.
“لكن أمي، هل كنتِ تتمرنين؟ جسدك صار قويًا…….”
سخافة محضة.
نظر كيد إلى فيفي التي دفنت وجهها في صدره، وأطلق ضحكة ساخرة.
التعليقات لهذا الفصل " 25"