استدعيتُ السائق ليوصلني إلى المكان الذي اتفقت فيه مع إيزيت.
عندما نزلتُ من العربة، كانت قطرات المطر تتساقط.
بدا وكأنه مطر ربيعي خفيف، لكن الجو كان يبعث على الكآبة بشكل غريب.
هل هذا لأن أعصابي مشدودة بسبب اقتراب الهروب؟
وبينما كنتُ أشق طريقي تحت المطر، رأيت إيزيت تنتظرني أمام المقهى.
لماذا تنتظر بالخارج بدل أن تنتظر في الداخل؟ يبدو هذا مشؤومًا جدًا.
لوّحت لها بيدي واقتربت.
“لماذا تنتظرُ هنا؟ لندخل، هناك الكثير لنتحدث عنه.”
لكنها لم تتحرك.
نظرت إليّ بارتباك، ولم تُبدِ أي نية للدخول.
حتى عندما أمسكتُ بذراعها لأدخلها، بقيت واقفة تحت المظلة، صامتة.
“ما الأمر؟”
ظننت لوهلة أن المقهى ممتلئ، لكن نظرتُ إلى الداخل ورأيت أن هناك مقاعد كثيرة شاغرة، فالوقت كان صباحًا باكرًا.
“لا وقت لدينا، فلندخل بسرعة.”
لكنها بقيت في مكانها، رافضة أن تخطو خطوة واحدة.
نفد صبري، وكنت على وشك دفعها للداخل بالقوة حين فتحت فمها أخيرًا:
“كل الرحلات البحرية أُلغيت.”
“……ماذا؟”
“لن تُبحر أي سفينة طوال الشهر القادم.”
تجمدت يداي، وسقط قلبي إلى أسفل معدتي.
ما الذي تقولينه؟
لا يمكن أن يكون هذا صحيحًا!
أمسكتُ بذراعها بقوة:
“اشرح بوضوح! ماذا تعني بِلن تُبحر السفن طوال الشهر؟!”
“ظهر وحش البحر كيتاكلوس ليلة أمس… سأُعيد لك المال الذي أقرضتني إياه بأي شكل.”
كيتاكلوس؟! مستحيل… هذا الحدث لم يكن يجب أن يقع الآن.
هذا هو الحادث الذي يُقتل فيه شقيق البطلة…!
تجمد بصري عليها.
إذن… من هذا؟ هل هي فعلًا إيزيت الحقيقية؟
لو كانت هي، لكانت على متن السفينة الآن أو لذهبت فورًا لمحاربة ذلك الوحش، لا لتمنعني من الذهاب.
ارتفع صوت المطر، يضرب الأرض بقوة.
لكن من تكون لا يهم الآن.
المهم أنني يجب أن أصل إلى الميناء.
اندفعتُ خارجة من تحت المظلة، أركض وسط المطر.
كنت قد صرفت العربة سابقًا، لذا كان عليّ أن أستأجر عربة عامة.
“إلى أين تذهبين؟!”
صرخت إيزيت وهي تركض خلفي، والمطر يجلد وجهي.
أمسكت بمعصمي لتوقفني، فهززت ذراعي بعصبية:
“اتركني! يجب أن أذهب إلى البحر وأتأكد بنفسي!”
“لن تستفيدي شيئا حتى لو ذهبت.”
“هذا ما سأحكم عليه بنفسي!”
كانت قطرات المطر تنهمر بغزارة.
استعددت لركلها إن لم تُفلِتني، لكنها بدلًا من ذلك فتحت المظلة التي تحملها، وغطّتني بها كليًا، بينما بقيت هي تتلقى المطر كله.
“سأذهب معك.”
كانت نظرتها صلبة، لا تحتمل نقاشًا.
“كما تشائين.”
لم يهمّني مرافقتها.
المهم أن أصل.
أخيرًا تركت معصمي، لكنها بقيت تسير بجانبي، تحميني بالمظلة وحدي دون أن تفكر بنفسها.
لو كنت أكثر هدوءًا، ربما كنت سأقترح عليها أن نشارك المظلة معًا، لكن لم يكن عندي ترف التفكير في ذلك.
كل ما أردته هو الإسراع إلى الميناء.
***
وصلنا إلى مكان استئجار العربات.
هرعتُ إلى السائق، ألهث دون أن أضبط أنفاسي:
“إلى رصيف لوال لشخصين، وسأدفع عشرة أضعاف السعر، فقط أوصلنا بأقصى سرعة.”
انحنى السائق مؤدبًا وقال:
“إن كنتم تفكرون بالإبحار، أنصحكم بالعودة. ألم تقرؤوا جريدة هذا الصباح؟”
تجاهلتُ تحذيره:
“يكفي كلامًا، فقط دلّني على أي عربة يمكننا ركوبها.”
استسلم أخيرًا وأشار:
“التي في المقدمة هناك.”
أسرعتُ نحوها، لكن السائق أوقفني مجددًا:
“انتظري! أنتما مبتلان تمامًا. إن جلستِ هكذا، سيتلف المقعد. ها، خذي هذه المناشف لتجففي نفسك قليلًا واجلسي عليها.”
ناولنا مناشف خشنة من مكان ما.
مسحتُ جسدي بسرعة وجلستُ داخل العربة دون تردد.
***
لم تكن عربة الخيول البسيطة مناسبة للذهاب لمسافات طويلة.
كانت تهتز بعنف، وأحيانًا تتباطأ وكأنها سقطت في حفرة صغيرة.
عدا عن ضوضاء العربة، كان الداخل صامتًا تمامًا.
حتى الوصول إلى الميناء لم يتبادل أحد كلمة واحدة.
أحيانًا، عندما تهتز العربة بقوة فأفقد توازني وأكاد أسقط، كانت إيزيت تمسك بي لتسندني وتسألني بصوت خافت:
“هل أنتِ بخير؟” — وكان هذا أقصى ما تمكنت من قوله.
وصلنا إلى الميناء.
توقفت الأمطار قليلًا، لكن الغيوم السوداء الثقيلة ظلت متراكمة، مما ينبئ بأنها ستنهمر من جديد قريبًا.
نزلت من العربة أولًا، وركضت بكل قوتي نحو المرفأ.
كان الناس على ظهر السفينة مشغولين بإنزال البضائع.
وكان الفرسان المدرعون يسيطرون على محيط المكان.
رؤية هذا المنظر أمام عيني جعلتني أستشعر بوضوح أن السفينة لن تُبحر.
الواقع الحقير قد صار حقيقة أمامي.
رأسي بدأ يدور.
“… لا يمكن.”
من غير وعي، ركضت نحو الشاطئ.
لكن إيزيت أوقفتني.
“سيدتي.”
“عليّ أن أذهب! ألا يمكنك فعل شيء؟ أنت فارس مقدس، أليس كذلك؟!”
“… سيدتي.”
“دعني! سأركب حتى طوفًا إن لزم الأمر!”
“الأمر خطير.”
في هذه الحالة المأساوية لم أجد حتى دموعًا أبكيها.
كان جسدي منهكًا تمامًا، حتى البكاء لم يعد لدي طاقة له.
‘لقد تحملت أسبوعًا كاملًا… كيف الآن؟’
ترنحت ساقاي وكادت أن تخونانني، فسندتني إيزيت.
نظرتُ شاردة عبر البحر.
السفينة هناك… والمال معي… لم يبقَ سوى أن أرحل.
لو رحلت، فلن أعود إلى هذا المكان أبدًا.
لكن… يا له من شعور بالفراغ.
حين انهار كل شيء بهذه السهولة والعبثية، لم تعد لدي أي رغبة في فعل شيء آخر.
أبعدت نفسي عن إيزيت، ثم حدّقت طويلًا في البحر قبل أن أستسلم للواقع في النهاية.
“لنعد إلى البيت.”
‘أي بيت؟ أين هو بيتي أساسًا؟’
كانت كلمات مضحكة حين خرجت من فمي.
كان السائق ما يزال ينتظرني، وكأنه توقع هذا مسبقًا.
ابتسم لي وكأنه يقول “كنت أعلم”.
رغم أنه رفض أخذ المزيد من المال، إلا أنني مددت له النقود على كل حال.
دخلت العربة وأسندت رأسي إلى الجدار.
لكن ما أن بدأت العربة بالتحرك واهتزت بقوة، حتى ابتعدت برأسي عنه.
بدأت أستعيد وعيي قليلًا، لكن لم يكن لدي أي دافع لفعل شيء.
العربة اهتزت مرة أخرى حتى كاد جسدي يرتفع في الهواء.
ولولا أن إيزيت أمسكني في اللحظة الأخيرة، لارتطم رأسي بسقف العربة.
حمَاني بحركة معتادة، ثم عاد إلى مكانه بهدوء.
تابعت النظر إليه دون أن أنبس بكلمة.
“… السير رونان فيلاكسيس.”
“نعم.”
تأملت إيزيت طويلًا.
لأول مرة بدأت أشكّ في حقيقته.
“هل يمكنك أن تُريني عنقك؟ هناك أمر أود التأكد منه.”
طلبي المباشر لم يجعله يجيب بسهولة.
لكنه، ربما لأنه رأى أنني في حالة غير طبيعية، رفع ياقة رقبته قليلًا.
لم يكن هناك شيء.
رقبته نظيفة بلا أي قلادة.
كنت قد توقعت أن لا أجدها، لكن رؤيتها خالية تمامًا جعلت عقلي يتجمد.
من غير وعي أمسكت بتلابيبه وتفحصت عنقه.
لكن… لا شيء.
نظر إليّ بنظرة تقول: “هل انتهيتِ؟”.
فسقطت يداي بلا قوة وجلستُ منهارة.
تمسكت بأمل أخير وسألته:
“… هل من الممكن أنك تحمل القلادة في جيبك؟ أو ربما لففتها حول كاحلك…؟”
“لا أحمل مثل هذه الأشياء.”
“لماذا…؟ فقط، فقط دعني أتأكد.”
رغم نظرته المستغربة، إلا أنه استجاب بهدوء.
رفع طرف سرواله وأظهر جيوبه الفارغة.
لا شيء بالفعل.
“لماذا… لماذا لا يوجد شيء؟!”
“لا أفهم ما الذي تعنينه.”
شعرت بالدوار، وكأن الحمى قد أصابتني.
بحثت بعينيّ عن أي علامة مميزة في جسده، لكن لم أجد شيئًا.
ضحكت بمرارة.
سألت آخر سؤال يائس:
“من الذي تطوّع؟ لا بد من وجود شخص يُقدّم كقربان لـ’كيتاكلوس’.”
عندها حدّق فيّ إيزيت بعينين حادتين.
“كيف… عرفتِ هذا؟”
“أجب فقط. من الذي تطوّع؟”
“… السير بيتا مينوتا هو الذي تطوع.”
‘من هذا أصلًا؟’
*للي ما فهم، بالقصة الاصلية رونان تطوع و صار قربان و مات، عشان يجيب فلوس لدواء امه و من هنا تبدا شرارة القصة الأصلية و ايزيت تتنكر و كذا، بس بسبب تدخل بطلتنا، تغيرت القصة *
ضحكتُ بمرارة، ثم وجدت الدموع تتجمع في عيني.
لم أعد قادرة على السؤال، وأطبقت شفتي.
“… من تكون بحق السماء؟”
سؤالي كان غريبًا، ومع ذلك أجاب بهدوء:
“أنا رونان فيلاكسيس. سيدتي، يبدو أنك في حالة اضطراب شديد.”
انهمرت دموعي بغزارة.
حين بكيت، تحطم برود إيزيت — أو بالأحرى، رونان.
فتح عينيه بدهشة، وارتبك وكأنه لا يعرف ما يفعل.
‘لماذا لستَ إيزيت؟ لماذا؟!’
لكني لم أجرؤ على طرح هذا السؤال بصوت عالٍ.
لقد أدركت أن الأمور قد انحرفت منذ البداية.
لا أعرف لماذا لم يُختَر رونان كقربان، لكن الحقيقة أنه لم يُضحَّ به.
وهذا يعني أنه لم يمت.
وأن أخته لم تضع القلادة.
بل وحتى القصة نفسها لم تبدأ بعد.
وبسبب أن رونان لم يصبح قربانًا، فلن تكون هناك أي لحظة تستخدم فيها إيزيت القلادة.
لقد انهار كل شيء.
“سأبحث عن طريق آخر للخروج إلى بلد آخر. لذا، أرجوكِ لا تبكي.”
رفع رونان يده مترددًا ثم أنزلها مرارًا، قبل أن تقترب يده من وجهي.
لكن كلمات “لا تبكي” جعلتني أبكي أكثر، بحرقة.
“حتى البكاء… لا يُسمح لي به؟”
كنت أعلم أن غضبي ليس موجهًا له، ومع ذلك شعرت بالاختناق.
‘وماذا عن حياتي بعد الآن؟ ماذا سأفعل؟ هو ليس حتى البطلة…’
“… إذن ابكِ كما تشائين، لكن دعيني أواسيك.”
قال رونان جملة غريبة.
لم أفهم تمامًا ماذا يقصد بـ”دعيني أواسيك”، لكن مجرد سماعه يسمح لي بالبكاء جعلني أصرخ باكية بكل صوتي.
مدّ يده بلطف ليمسح دموعي المتساقطة على وجهي.
ومع لمسته ازددت حزنًا، فأمسكت يده وانفجرت بالبكاء بين كفيه.
فربت هو بهدوء على كتفي.
♤♧♤♧♤♧♤
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 22"