على الرغم من طقس الربيع الصافي، كان القصر يبعث على الوحشة بشكل غريب. فقد تسلّقت كروم اللبلاب* جدرانه الرمادية المائلة إلى الزرقة، وغطّى سقفه الأخضر الكئيب البيت كما لو كان عباءة ثقيلة.
*بحط لكم صورته نهاية الفصل*
“كيف يمكنني الهرب من هنا؟”
في الرواية لم يُذكر بالضبط متى تلتقي صاحبة هذا الجسد، أي فيفي، بـ “كيد”.
“يبدو أنها عاشت حوالي أسبوع…”
لكن لم يكن واضحًا إن كان أسبوعًا كاملًا أو أكثر قليلًا. فقط جاء الوصف: “بعد حوالي أسبوع، ما إن التقت به حتى ماتت فورًا”. ولهذا السبب كان خوفي يزداد أكثر.
“هل سيكون الأمر مقبولًا إن شعرتُ بوجوده أولًا، وهربتُ قبل أن نلتقي وجهًا لوجه؟”
تدريجيًا بدأت العربة تبطئ سرعتها. كانت أطراف أصابعها وقدمها باردة منذ زمن، وبينما كانت تمسك بتوتر أطراف فستان الزفاف، جاءها صوت رخيم بجوارها:
“…… الآنسة جازلَين، أو بالأحرى، …السيدة.”
“…… ن-نعم؟”
فقد صارت الآن سيدة “ماكنرت” لا آنسة “جازلين”، لكن سينييل بدا وكأنه يرفض الاعتراف بذلك. التفتت إليه بقلق، فوجدت أن عينيه ترتجفان كذلك باضطراب.
تبادلت نظرات مرتجفة معه.
“أعلم أن من المؤسف أن أقول هذا يوم الزفاف، لكن… لا أستطيع البقاء هنا الليلة. يجب أن أذهب إلى معبد في منطقة أخرى. قد يستغرق رجوعي أسبوعًا كاملًا.”
“ح، حقًا؟ ش، شكرًا…! لا، أعني… ليس هذا ما أقصده……”
خرجت مشاعرها الحقيقية بلا قصد، فهزت رأسها بسرعة محاولة ضبط تعابيرها.
“يا إلهي، لا بد أنك مشغول جدًا! لا وقت لديك، يجب أن تذهب فورًا!”
…… لقد أفسدت الأمر.
ارتبك سينييل قليلًا من رد فعلها المبالغ فيه، لكن فرحتها لم يكن من الممكن كبتها. سفره إلى معبد آخر يعني أنها لن تموت اليوم على الأقل.
“نعم، الكاتب مهما كان شريرًا، فلن يجعل شخصية ثانوية تُقتل في يوم زفافها الأول، صحيح؟”
ظل سينييل ينظر إليها في صمت، ثم خفّض بصره ثانيةً. بدا كما وصفه الكتاب: خجولًا، ضعيف العزيمة.
“…… شكرًا لتفهّمك. سيهتم الخادم بإرشادك في القصر. آسف لعدم تمكني من البقاء معك.”
“لا بأس أبدًا! لا ينبغي أن أُثقل على شخص مشغول مثلك!”
كان الحماس ظاهرًا في نبرتها، لكن لم يكن لديها طاقة للتصنّع. لولا عجزها عن النجاة بنفسها خارج القصر، لكانت هربت بالفعل من هنا.
وقبل أن يغادر، أضاف سينييل بجدية غير مألوفة في عينيه الرقيقتين:
“قبل أن أرحل… أرجو أن تعديني بشيء. لا تخرجي من غرفتك أبدًا بعد التاسعة مساءً. حتى لو سمعتِ أصواتًا غريبة، لا تفتحي الباب.”
هي لم تكن تفكر في فعل ذلك أصلًا، لكن تحذيره زادها إصرارًا على البقاء مختبئة في غرفتها.
“قد يشرح لك الخادم الأمر، لكن الخدم يغادرون عند المساء، فلا أحد يبقى ليلًا. لذلك لا تحاولي البحث عنهم ليلًا. أعلم أن هذا يبدو غريبًا، ولكن……”
ترددت كلماته وتضاءلت. أي شخص آخر كان سيطرح أسئلة كثيرة، لكن هي أومأت بقوة.
“لا، لا، فهمت. هذا فقط لحفظ ساعة الصمت، أليس كذلك؟”
كانت “ساعة الصمت” قاعدة كنسية تُفرض بعد التاسعة مساءً. لكنها بالطبع لم تكن السبب الحقيقي؛ إنما لأن “كيد” يتجول ليلًا، ومن الأفضل تجنّبه.
“… نعم. لحفظ ساعة الصمت.”
ارتجفت عيناه الحمراوان وهو يكذب، فأدركت كم هو سيئ في الكذب.
*احساسي بيقول لي انه بيطلع زي دييلو اللي الرواية وصفته كخجول ضعيف ارادة و هو بالواقع العكس، اللي ما تعرف دييلو تسأل ريري*
توقفت العربة.
ابتسمت له وأشارت بيدها مودعة. كانت تعرف أن التلويح باليد يُعد تصرفًا غير لائق هنا، لكن لم يكن لديها طاقة للاهتمام بالآداب.
“عليك الذهاب بسرعة، نلتقي بعد أسبوع.”
رغم أن الأفضل ألّا نلتقي أبدًا.
دقّ أحدهم على باب العربة من الخارج وفتحه. نزلت دون أن تلتفت خلفها.
فمهما كان سينييل طيبًا، هو في النهاية الشخص الذي سيؤدي إلى موتها، لذا لم ترغب في قضاء لحظة إضافية معه.
***
حين دخلت القصر بصعوبة مرتدية فستان الزفاف الثقيل المتدلي، وقعت عيناي على صف من الخدم مصطفّين للترحيب بي.
في المقدمة وقف رجل في منتصف العمر، ذو شعر أبيض، بدا أنه كبير الخدم الذي ذكره سينييل.
قال وهو ينحني بوقار:
“نرحب بقدومك إلى قصر ماكّرت يا سيدتي. أنا هَربَن، كبير الخدم الذي سيخدمك من الآن فصاعدًا.”
فتردّد خلفه صوت الخدم الآخرين وهم ينحنون معًا:
“أهلاً بقدومك، سيدتي.”
تجاهلت تحيتهم على عجل، وبدأت أتفحّص المكان بعيني. لم تكن التحية تعنيني بقدر ما كان يعنيني شكل القصر من الداخل.
القصر اتّسم بلون بني محمَر موحَّد، والأثاث كذلك بنفس الطابع، حتى بدا أن أي تحرك فيه عند حلول الظلام دون مصابيح سيكون صعبًا. ثريا فخمة في منتصف السقف تنير المكان بسطوع، لكنها بدت عديمة الفائدة لو اضطُررت لخوض مطاردة ليلية.
خلف الثريا ظهرت قوس جدارية يتكشف من ورائها بهو واسع، وعلى جانبي القوس وقفت شمعدانات ضخمة تعلو قامة الإنسان. في نهاية الجدار ارتفعت درجات تؤدي إلى الطابق العلوي، متشعبة يمينًا ويسارًا. لا أدري إن كان هذا التصميم سيُسعفني في الهرب أم لا.
قلت بهدوء متعب:
“أفضل أن تتم جولة التعريف بالقصر بعد أن أستريح في غرفتي. هذا اللباس أثقلني كثيرًا.”
أجاب كبير الخدم بانحناءة خفيفة:
“حسنًا سيدتي، سأرافقك إلى غرفتك. تفضلي من هنا.”
تبعته بينما كنت أسترق النظرات إلى أرجاء القصر. كانت النوافذ كثيرة يدخل منها الضوء، لكن الجو العام حمل مسحة كآبة مبهمة. إحدى الوصيفات رفعت ذيل فستاني لتسهل عليّ السير، إذ لم يكن لدي وصيفة خاصة بي؛ فقد أوصاني سينييل بألّا أحضرها معي، ربما حتى لا تثير انتباه كيد، أو تجلب مشكلات إقامة.
تساءلت في داخلي: أهذا خير لي لأني سأكون أقل مراقبة؟ أم شر لأنني بلا سند ولا مساعدة؟
فتح هَربَن بابًا خشبيًا ضخمًا يمتد حتى السقف، فانفرج بصمت وسلاسة.
قال بابتسامة رسمية:
“هذه هي الغرفة التي ستقيمين فيها يا سيدتي. هل تروق لك؟”
لكنني لم أشعر بالراحة. لم يكن السبب في الأثاث أو الزينة، بل لأن الغرفة تقع في الطابق الثالث.
إن اضطررت للهرب من النافذة فالقفز من هذا الارتفاع سيكسر عظامي حتمًا، وجسدي هذا هشّ للغاية.
سألت على الفور:
” أليس هناك غرفة شاغرة في الطابق الأول؟”
تغيرت ملامح ابتسامة هَربَن للحظة، ثم أجاب:
“للأسف سيدتي، أمرنا السيد ألا نفتح غرف الطابق الأول. وكذلك الطابق الثاني لا يمكن الانتقال إليه إلا بموافقته. هل تريدين أن أستأذنه؟”
قطّبت جبيني بضيق. هممت بالإلحاح، لكنني عدلت في اللحظة الأخيرة. لم أرغب في إثارة ضجة قد تُغضب ذلك “السيد”.
قلت بلا اكتراث:
“حسنًا، سأبقى هنا إذن.”
أجاب باحترام:
” شكرًا لتفهمك سيدتي. اسمحي لي أن أقدّم لك وصيفتك الجديدة، هذه جاين.”
انحنت جين بأدب، وانسدل شعرها البني الطويل على كتفيها. بدت أكبر مني سنًّا قليلًا، وقد علت عينيها بعض التجاعيد الخفيفة.
قالت:
“بعد أن تبدّلي ثيابك سأرافقك في جولة للتعريف بالقصر. لكن وجب التنويه أننا الخدم نعمل حتى الثامنة مساء فقط، لذا أرجو أن تستدعيني قبل ذلك.”
نظرت إلى الساعة، كانت السادسة تمامًا. لم يبقَ الكثير من الوقت قبل انصرافهم.
أشرت بيدي إلى كبير الخدم ليتوقف قبل أن يغادر:
” لدي سؤال. متى يبدأ دوامكم صباحًا؟ وكم عدد الخدم في القصر؟”
أجاب بانحناءة:
“نبدأ العمل عند السادسة صباحًا، وعدد الخدم في القصر عشرون شخصًا.”
تأملت الرقم في صمت. قد يكون كثيرًا، وقد يكون قليلًا. لكن باعتبارهم عيونًا تراقبني، فهو عدد مقلق. مع ذلك لم ألمح في وجوههم اهتمامًا بي، بل أقصى ما بدا أنهم يفكرون فيه هو “متى يحين وقت الانصراف؟”.
ربما لو أعلنت أني سأخرج، لما شكّوا في أنني أنوي الهرب. فهم أصلًا يجهلون أن سينييل هو “كيد” الشهير، وبالتالي لا يتوقعون أي سبب يدفعني للفرار.
مسحت جفنيّ المثقلين بتعب النهار، ولوّحت بيدي إلى هَربَن أن ينصرف.
“يكفي. يمكنك الذهاب الآن.”
فانحنى مجددًا وقال:
“أتمنى لك راحة هانئة يا سيدتي.”
᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽
هذي هي صورة اللبلاب
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات