كان من الجيد أن كيد لم يأتِ.
وكان من الجيد أيضًا أنني ما زلت على قيد الحياة.
لكن هذا لم يبدّد خوفي، بل زاد منه أكثر فأكثر.
ألم يقولوا أن الهدوء يسبق العاصفة؟
وبعقلٍ مثقَل بالإرهاق، قضيت ليلةً أخرى بلا نوم، ثم تمددت على السرير بجسدي المرهق.
ربما كان بإمكاني أن أفكر في الأمر بإيجابية:
كيد وعدني ألا يقتلني حتى أتمكن من استمالة سينيل بالكلية.
ربما لهذا السبب لم يأتِ.
لكنني سرعان ما نفيت ذلك.
فكيد لا يثق بالبشر.
هل سأبقى على قيد الحياة هذه الليلة؟
لم يبقَ سوى أربعة أيام على موعد الهروب عبر البحر… لكن الطريق بدا أطول من أي وقت مضى.
ضغطت بكفيّ على عينيّ حين جاء صوت طرق على الباب.
كان سينييل على الأغلب.
لم يكن من السهل عليه أن يأتي كل صباح ليطمئن علي ، لكنه يفعلها بإصرار.
“فيفي، هذا أنا. هل أستطيع الدخول؟”
نهضت من مكاني كأنني شبح.
“نعم، ادخل.”
دخل سينيل وهو يعقد شعره للخلف.
أنزلت يدي عن عينيّ ورفعت كتفيّ متظاهرة بالتماسك.
“أترى؟ ما زلت على قيد الحياة.”
ارتسم الارتياح على وجهه الشاحب.
لا بد أنه كان يسمع صوتي من وراء الباب ويعرف أنني بخير، لكنه لم يهدأ إلا بعد أن رآني بعينيه.
غطى وجهه بكلتا يديه.
يداه طويلتان، بيضاوان، جميلتان… لكنهما تثيران في داخلي شعورًا غير مريح، إذ تذكرت تلك النسخة الصغيرة المرعبة التي رأيتها في الطابق الأول.
ثم أنزل يديه ببطء.
كنت أظن أنني سأراه يبكي كما اعتاد، لكنه لم يفعل.
عوضًا عن ذلك، كانت عيناه تلمعان بدموعٍ متحجرة لا تسقط.
كنت قد نهيته عن البكاء، لكنه إذ امتنع، أقلقني الأمر بطريقة مختلفة.
لو أراد البكاء، فليبكِ فحسب.
أشحت بوجهي، متجاهلةً نظرته.
لا بد أنه توقف عن البكاء بسبب كلماتي بالأمس.
تذكرت برامج وثائقية عن الحيوانات كنت أشاهدها.
كنت أصرخ دومًا للمصوّر: “أنقذوا ذلك الحيوان المسكين!” لكنهم لم يفعلوا، حفاظًا على السلسلة الطبيعة”.
والآن صرت أفهم شعورهم.
عليّ بدوري أن أترك القصة تسير وفق قواعدها الأصلية.
رغم أن مجرد بقائي على قيد الحياة يُفسد القصة تمامًا.
لكنني أقنعت نفسي: طالما أنا لا أتدخل لأُفرّق الأبطال عن بعضهم، فالأمر ليس خطيرًا.
*احلفي عاد*
رغم تعاطفي معه، لم يكن بوسعي أن أقدّم له أي شيء.
ناهيك عن أنه في النهاية هو نفسه كيد، حتى لو بدا منفصلًا عنه.
فلا يمكنني أن أنظر إليه بعين الشفقة فقط.
قلت وأنا لا أكاد أنظر إليه:
“اطمأننت الآن، يمكنك الانصراف.”
لكن لا إجابة… ولا صوت خطوات مغادرة.
رفعت عيني إليه باستغراب، فرأيته يتردّد، يحاول الكلام ثم يصمت.
حين أمعنت النظر فيه، تكلم أخيرًا:
“أثق بكِ يا فيفي… لكن اليوم بالذات، أظن أن من الأفضل أن أبتعد قليلًا.”
“ولماذا؟”
لم أفهم قصده إلا متأخرةً لحظة.
اليوم هو ذكرى وفاة والده… وهو يعرف أن كيد يهيج في هذا اليوم أكثر من المعتاد.
حدّق بي بعينين مثقلتين بالأسى، وقال:
“لم أخبرك مسبقًا… لكن اليوم ذكرى والدي. وفي هذا اليوم يفقد كيد صوابه أكثر من أي وقت آخر. لهذا أظن أن بقائي بعيدًا…”
“مستحيل!”
قاطعته بعصبية، وأمسكت معصمه دون وعي.
كان ذلك خطًا قاتلًا.
أن أتركه يغيب في ليلة كهذه؟ معناه أن أرسل حياتي معه إلى الهلاك.
عليّ أن أُظهر لكيد أن سينيل يقف إلى جانبي.
أن بيننا ثقةً وعلاقةً تتوطد.
نظر إليّ بدهشة، وقد تفاجأ بمدى إصراري.
عيناه، اللتان كانتا مغمورتين بالذنب، اتسعتا بارتباك.
“لا، لا. الليلة أيضًا، عليك أن تأخذ الزهور التي أعطيك إياها وتخلد إلى النوم بسلام. وألا تفعل أي شيء آخر.”
كنت خائفة من أن يرتكب حماقة بدافع رغبته في حمايتي.
أمسكت يديه بكل قوتي وأمطرته بتحذيرات صارمة:
“ممنوع أي سلوك مؤذٍ لنفسك. ممنوع أن تسهر طوال الليل لمجرد المقاومة. وأرجوك… لا تكتب رسالة استجداء إلى كيد. هذا محظور قطعًا.”
“… ن-نعم.”
أجاب بارتباك، وعلى وجهه ملامح الدهشة: كيف عرفت ما كان يفكر فيه؟
أما قلبي فقد خفق بجنون.
لو لم أحذّره، لكان فعلها كلها؟!
شعرت بالدوار وأنا أنظر إلى ملامحه البريئة.
شدّدت على يديه أكثر، وقلت:
“أيا يكن، لا تفعل شيئًا غير ذلك. تمامًا كما البارحة: تذهب إلى المعبد، تعود، نتناول العشاء معًا، تأخذ الزهور وتزين بها غرفتك. فقط، مفهوم؟”
ارتسمت على ملامحه خيبة طفيفة، وقال بصوت منخفض:
“… حاضر. فهمت. آسف… لأني عديم الفائدة.”
انحدرت كتفاه العريضتان بأسى، غارقًا في شعوره بالعجز.
رؤية رجلٍ ناضجٍ يبدو بهذا الانكسار لم تُشعرني بالراحة.
بالأخص… أن رجلاً وسيمًا بدا بهذا الضعف.
أغمضت عيني متظاهرة بالتجاهل.
لكن صورة عينَيه المتلألئتين بالدموع لم تفارقني.
وهذه المرة، لم أستطع أن أتجاهله كليًا.
“يكفي. لماذا تعتذر؟ المهم أنك حاولت أن تساعدني.”
“لكنني لم أكن ذا فائدة على الإطلاق…….”
“النية هي ما تهم. ثم إنك يا سينييل تساعدني بالفعل بما يكفي. لذا استعد عزيمتك.”
لم أكن أعلم إن كان وجود سينييل، وهو نفس الشخص الذي يُدعى كيد، عونًا لي أم لا.
لكنني قررت أن أعتبره عونًا لي على طريقتي الخاصة.
سينييل ليس كيد بالضبط، فحتى لو قلت أنه لا يساعد فلن يتغير شيء.
من الأفضل أن أراه كشخص آخر مستقل.
ربّتُ على يده كما لو كنت أواسيه.
“هيا، لنحاول أن نعيش بجدٍّ من جديد. مفهوم؟”
“……بجدٍّ……. نعم، سأفعل.”
لقد كان مطيعًا حقًا، كفتى جيد يسمع الكلام.
شعرت أن الأمر يكفي، ففتحت له الباب وطلبت منه أن يذهب ليستعد للخروج إلى عمله.
ابتسم سينييل ابتسامة خفيفة وغادر.
كان يبدو كمن يتظاهر بالقوة ويبتسم رغمًا عنه، لكنها على أي حال كانت أفضل من ذلك الوجه المكتئب.
بعد أن غادر سينييل، ارتميت مجددًا على السرير.
كنت أرغب فقط في الاستلقاء طوال اليوم.
فمنذ أن تجسدت في جسد فيفي، لم أنعم بيوم واحد من الراحة.
أما بقية المتجسدات في الروايات الرومانسية، فإما أن إمبراطورا طاغية يقع في حبهن، أو أن يعشن سعادةً مع البطل الثاني، أو أن يربين أطفال الأبطال الصغار ويستمتعن بوقتهن ههه، فلماذا أنا وحدي أعيش في فيلم بقاء متطرف؟
آلام جسدي كانت تزداد، وشيئًا فشيئًا شعرت بقواي تخور.
ما زال أمامي وقت قبل موعدي مع إيزيت، لذلك طلبت من إحدى الخادمات أن توقظني قبل وقت الغداء بقليل.
وما أن انهيت طلبي حتى أغمضت عيني وغرقت في النوم فورًا.
حتى بعد أن نمت، لم أشعر أن طاقتي قد امتلأت.
لهذا السبب يجب تجنّب السهر ليلًا.
بل أوصي به فقط لأولئك الذين يرغبون فعلًا في تجربة كيف ينهار الجسد أمام أعينهم.
هل أنا أهذي من شدة التعب؟
صحيح أنني كنت كثيرًا ما أسهر بسبب الواجبات الدراسية، لكنني لم أسهر يومًا خوفًا على حياتي.
لذا بدا أن قواي تنحدر أسرع من المعتاد.
***
تنهّدت بصوت متعب وأنا أستعد للخروج.
وحتى حين صعدت إلى العربة أطلقت نفس الصوت.
كان الخدم يرمقونني بنظرات غريبة.
تحركت العربة، وبدأ المنظر خارج النافذة يتغير بسرعة. نظرت إليه بعينين خاويتين من التركيز.
كنت أظن أنني حين أخرج من القصر سأستفيق قليلًا، لكن العكس حدث:
مع ارتخاء أعصابي صرت أشعر بمزيد من النعاس.
وفوق ذلك، كنت في طريقي لملاقاة “إيزيت”.
قد يكون طلبها للقائي مريبًا، لكنها تظل البطلة الرئيسية.
والبطلة هي الوحيدة التي يمكن أن تمدّ لي يد العون.
لقد تخلصت من وسائل الحماية المرهقة، فأنا الآن أكثر راحة.
لم يكن ثمة داعٍ للتسلح أو التظاهر بالقوة في طريقي لملاقاتها.
لذلك ارتديت ملابس مريحة وحرة .
وبينما العربة تسير، أخذ رأسي يتمايل وأنا أغفو، حتى وصلنا إلى وجهتنا.
عندما توقفت العربة، كدت أرتطم بالمقعد المقابل.
مسحت لعابي الذي سال على شفتي بظهر كفي ونزلت من العربة.
كما توقعت من عالم رومانسي، المقهى هنا أنيق جدًا.
للوهلة الأولى بدا كأنه بناء حديث لا يختلف عن مقاهي زماننا، وإن اختلفت بعض التفاصيل.
دخلت إلى الداخل أبحث عن إيزيت.
جُلت بنظري في المكان لكنني لم أرَ وجهًا مألوفًا.
هل أخطأت في الموعد؟
لا، جئت في الوقت الصحيح. أين إذن؟
ألقيت نظرة أيضًا على الغرف الخاصة، إذ كان بابها من زجاج شفاف يتيح رؤية الداخل دون فتحه.
وجدتها.
كانت إيزيت تجلس هناك. كانت ترتدي ثيابًا بسيطة كالتي يرتديها العامة، لكن وجهها المشرق طغى حتى جعل مظهر الثياب الرثة بلا معنى.
قبل أن أفتح الباب، التقت عيناها بعيني.
فقامت فورًا واقتربت مني بخطوات حثيثة، وملامحها متصلبة من شدة التوتر.
ما الأمر بحق السماء؟
شعرت بالتوتر يعديني أنا أيضًا.
هل اكتشفت أن سينييل هو نفسه كيد؟
لو كان الأمر كذلك، لدعتني إلى مكان أكثر سرية لا إلى هنا.
أم أنها تخطط لخيانتي مقابل بعض المال؟
هل تفتقر البطلة الآن للتمويل اللازم لملاحقة سينييل؟
الأفكار لم تتوقف.
دخلت الغرفة متوترة بدوري.
ما أن دخلت حتى رمقتني إيزيت بوجه جاد للغاية.
كنت على وشك أن أدعوها للجلوس كي نتحدث بهدوء، وفجأةً انخفض طولها أمامي.
نظري الذي كان على مستوى وجهها، انحدر فجأة إلى الأسفل.
لم أستطع إخفاء صدمتي.
“اللورد فيلاكسيس، ما الذي تفعله؟”
إذ فجأة، ركعت إيزيت أمامي.
كنت أظن أنها ستساومني أو تطلب أن أصبح حليفتها.
لكن لم يخطر ببالي أبدًا أنها ستجثو أمامي.
كانت منحنية برأسها، فلم أتمكن حتى من رؤية تعابيرها.
“أحتاج إلى مساعدتك.”
ما نوع المساعدة التي تستدعي منها أن تركع هكذا؟
“سأستمع إليك، لكن اجلس أولًا وتحدث.”
إلا أنها لم ترفع رأسها.
بقيت ثابتة، وأصرت على مواصلة حديثها.
“ما حدث سابقًا قد نسيته منذ زمن، لذا لن أبتزك به. على العكس، سأفعل كل ما تأمرينني به.”
“لكن عليّ أن أفهم السبب أولًا كي أجيبك، لورد.”
رفعت رأسها ببطء، وحين وقع بصري على وجهها شهقتُ لا إراديًا.
ما الذي أصابها؟
كان وجهها مليئًا باليأس والمهانة والرجاء الشديد.
حتى مريض على وشك الموت لم يكن ليبدو أكثر بؤسًا منها.
وأخيرًا، تكلمت إيزيت ببطء:
“أحتاج إلى المال.”
♤♧♤♧♤♧♤
باقي الفصول لغاية الفصل 26 على قناتي بتلغرام، لا تنسوا تنضموا لنا 👀
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 15"