“لا، لا. الليلة أيضًا، عليك أن تأخذ الزهور التي أعطيك إياها وتخلد إلى النوم بسلام. وألا تفعل أي شيء آخر.”
كنت خائفة من أن يرتكب حماقة بدافع رغبته في حمايتي.
أمسكت يديه بكل قوتي وأمطرته بتحذيرات صارمة:
“ممنوع أي سلوك مؤذٍ لنفسك. ممنوع أن تسهر طوال الليل لمجرد المقاومة. وأرجوك… لا تكتب رسالة استجداء إلى كيد. هذا محظور قطعًا.”
“… ن-نعم.”
أجاب بارتباك، وعلى وجهه ملامح الدهشة: كيف عرفت ما كان يفكر فيه؟
أما قلبي فقد خفق بجنون.
لو لم أحذّره، لكان فعلها كلها؟!
شعرت بالدوار وأنا أنظر إلى ملامحه البريئة.
شدّدت على يديه أكثر، وقلت:
“أيا يكن، لا تفعل شيئًا غير ذلك. تمامًا كما البارحة: تذهب إلى المعبد، تعود، نتناول العشاء معًا، تأخذ الزهور وتزين بها غرفتك. فقط، مفهوم؟”
ارتسمت على ملامحه خيبة طفيفة، وقال بصوت منخفض:
“… حاضر. فهمت. آسف… لأني عديم الفائدة.”
انحدرت كتفاه العريضتان بأسى، غارقًا في شعوره بالعجز.
رؤية رجلٍ ناضجٍ يبدو بهذا الانكسار لم تُشعرني بالراحة.
بالأخص… أن رجلاً وسيمًا بدا بهذا الضعف.
أغمضت عيني متظاهرة بالتجاهل.
لكن صورة عينَيه المتلألئتين بالدموع لم تفارقني.
وهذه المرة، لم أستطع أن أتجاهله كليًا.
“يكفي. لماذا تعتذر؟ المهم أنك حاولت أن تساعدني.”
“لكنني لم أكن ذا فائدة على الإطلاق…….”
“النية هي ما تهم. ثم إنك يا سينييل تساعدني بالفعل بما يكفي. لذا استعد عزيمتك.”
لم أكن أعلم إن كان وجود سينييل، وهو نفس الشخص الذي يُدعى كيد، عونًا لي أم لا.
لكنني قررت أن أعتبره عونًا لي على طريقتي الخاصة.
سينييل ليس كيد بالضبط، فحتى لو قلت أنه لا يساعد فلن يتغير شيء.
من الأفضل أن أراه كشخص آخر مستقل.
ربّتُ على يده كما لو كنت أواسيه.
“هيا، لنحاول أن نعيش بجدٍّ من جديد. مفهوم؟”
“……بجدٍّ……. نعم، سأفعل.”
لقد كان مطيعًا حقًا، كفتى جيد يسمع الكلام.
شعرت أن الأمر يكفي، ففتحت له الباب وطلبت منه أن يذهب ليستعد للخروج إلى عمله.
ابتسم سينييل ابتسامة خفيفة وغادر.
كان يبدو كمن يتظاهر بالقوة ويبتسم رغمًا عنه، لكنها على أي حال كانت أفضل من ذلك الوجه المكتئب.
بعد أن غادر سينييل، ارتميت مجددًا على السرير.
كنت أرغب فقط في الاستلقاء طوال اليوم.
فمنذ أن تجسدت في جسد فيفي، لم أنعم بيوم واحد من الراحة.
أما بقية المتجسدات في الروايات الرومانسية، فإما أن إمبراطورا طاغية يقع في حبهن، أو أن يعشن سعادةً مع البطل الثاني، أو أن يربين أطفال الأبطال الصغار ويستمتعن بوقتهن ههه، فلماذا أنا وحدي أعيش في فيلم بقاء متطرف؟
آلام جسدي كانت تزداد، وشيئًا فشيئًا شعرت بقواي تخور.
ما زال أمامي وقت قبل موعدي مع إيزيت، لذلك طلبت من إحدى الخادمات أن توقظني قبل وقت الغداء بقليل.
وما أن انهيت طلبي حتى أغمضت عيني وغرقت في النوم فورًا.
حتى بعد أن نمت، لم أشعر أن طاقتي قد امتلأت.
لهذا السبب يجب تجنّب السهر ليلًا.
بل أوصي به فقط لأولئك الذين يرغبون فعلًا في تجربة كيف ينهار الجسد أمام أعينهم.
هل أنا أهذي من شدة التعب؟
صحيح أنني كنت كثيرًا ما أسهر بسبب الواجبات الدراسية، لكنني لم أسهر يومًا خوفًا على حياتي.
لذا بدا أن قواي تنحدر أسرع من المعتاد.
***
تنهّدت بصوت متعب وأنا أستعد للخروج.
وحتى حين صعدت إلى العربة أطلقت نفس الصوت.
كان الخدم يرمقونني بنظرات غريبة.
تحركت العربة، وبدأ المنظر خارج النافذة يتغير بسرعة. نظرت إليه بعينين خاويتين من التركيز.
كنت أظن أنني حين أخرج من القصر سأستفيق قليلًا، لكن العكس حدث:
مع ارتخاء أعصابي صرت أشعر بمزيد من النعاس.
وفوق ذلك، كنت في طريقي لملاقاة “إيزيت”.
قد يكون طلبها للقائي مريبًا، لكنها تظل البطلة الرئيسية.
والبطلة هي الوحيدة التي يمكن أن تمدّ لي يد العون.
لقد تخلصت من وسائل الحماية المرهقة، فأنا الآن أكثر راحة.
لم يكن ثمة داعٍ للتسلح أو التظاهر بالقوة في طريقي لملاقاتها.
لذلك ارتديت ملابس مريحة وحرة .
وبينما العربة تسير، أخذ رأسي يتمايل وأنا أغفو، حتى وصلنا إلى وجهتنا.
عندما توقفت العربة، كدت أرتطم بالمقعد المقابل.
مسحت لعابي الذي سال على شفتي بظهر كفي ونزلت من العربة.
كما توقعت من عالم رومانسي، المقهى هنا أنيق جدًا.
للوهلة الأولى بدا كأنه بناء حديث لا يختلف عن مقاهي زماننا، وإن اختلفت بعض التفاصيل.
دخلت إلى الداخل أبحث عن إيزيت.
جُلت بنظري في المكان لكنني لم أرَ وجهًا مألوفًا.
هل أخطأت في الموعد؟
لا، جئت في الوقت الصحيح. أين إذن؟
ألقيت نظرة أيضًا على الغرف الخاصة، إذ كان بابها من زجاج شفاف يتيح رؤية الداخل دون فتحه.
وجدتها.
كانت إيزيت تجلس هناك. كانت ترتدي ثيابًا بسيطة كالتي يرتديها العامة، لكن وجهها المشرق طغى حتى جعل مظهر الثياب الرثة بلا معنى.
التعليقات لهذا الفصل " 15"