وصلت إلى السوق بعربة، واشتريت كل أدوات الحماية التي وقعت عليها عيناي.
صحيح أن المال مال سينيل، لكنني اعتبرته تعويضًا عمّا فعله بي، فلم أشعر بأي حرج في إنفاقه.
اشتريت عدة سيوف بسيطة يسهل على المبتدئ استخدامها، إضافةً إلى واقيات للعنق.
كما ابتعت جرعات سحرية تساعد على الركض بسرعة.
ثم دخلت متجر الخواتم السحرية، أتأمل بضاعته.
كانت هناك خواتم تتيح الحماية من قدر معيّن من الطاقة المقدسة.
‘هل يمكن أن يستخدم كيد الطاقة المقدسة؟ ربما…’
قيل أن من ينحرف طبعُه يصعب عليه تفعيل قواه، لكن لا يعني ذلك أنه يستحيل عليه استخدامها.
لذا، ربما كان قادرًا.
وإن فعل، هل سأقدر على صده؟
بعد تردد، اشتريت أيضًا خاتمًا واقيًا من الطاقة المقدسة.
لم أدرك إلا بعد حين أن يدي اليمنى قد ازدحمت بأكثر من ثلاثة خواتم.
نظرت إلى الأغراض الكثيرة التي ملأت ذراعي، وأطلقت تنهيدة طويلة.
القلق ظل قائمًا، لكن بموضوعية، هذه الكمية أكثر من كافية.
بل إن المبلغ المنفق يكفي لشراء أرض كاملة.
ومع ذلك، لم أشعر بأي متعة في هذا التبذير.
لم يتبقّ سوى خمسة أيام على موعد الهروب، لكن شعوري كان أكثر قتامة من أي وقت مضى.
وبينما كنت أجرّ قدمي عائدة إلى العربة، لمحت وجهًا مألوفًا.
كانت إيزيت تسير بخطوات راسخة مرتدية درعًا لامعًا.
‘يا لها من وسيمة بحق.’
شعرها الأبيض الناعم كالكريمة تراقص مع الريح، وعيناها العميقتان الخاليتان من أي طيش عكستا وقارًا خاصًا.
كنت قد لاحظت ضخامة جسدها من قبل، لكن الدرع جعله يبدو أكثر رهبة.
‘هل هذا ما يسمّى بالرفاهية؟’
سينيل أيضًا كان قوي البنية ووسيمًا، لكن الوسامة لها أنواع، وكل منهما ينتمي لنوع مختلف.
لذا، في كل مرة أراها فيها، لا يمكنني إلا أن أعجب بها.
آه… يا للخسارة كون رونان الذي مات مبكرًا.
كيف خطف الموت مثل هذا الرجل؟
*أنا بدون ما اقرا الفصول اللي بعد، ادري ان هذا رونان و مش ايزيت*
على كل حال، بما أنها ترتدي درعًا، فلا بد أن إيزيت كانت في مناوبة.
أكانت تقوم بدورية؟ لكن الدوريات عادةً من اختصاص الحراس، لا الفرسان المقدسين.
‘لكن لماذا يبدو وجهها شاحبًا هكذا؟’
لا أذكر أن إيزيت كانت تسير بوجه يكسوه هذا الكم من الكآبة.
في الرواية الأصلية، البطلة كانت دومًا ممتلئة بالعدالة والحماسة، مشتعلة بالغضب والإصرار.
حتى لو لم تكن مفرطة النشاط، فإنها لم تكن يومًا من النوع الذي يناسبه الكسل أو الوجوم.
أما الآن… فتبدو كمن ملّ الحياة.
حين التقيتها المرة الماضية كانت فاقدة للحيوية كذلك، لكنني ظننت أنها فقط منزعجة بسببي.
فكرت قليلًا في السبب، ثم هززت رأسي.
‘لا بأس، فالإنسان لا يمكن أن يكون مفعمًا بالنشاط طوال الوقت.’
أدرت وجهي لأكمل طريقي، لكن فجأة التقت عيناي بعينيها.
حينها، أشرقت نظراتها للحظة، قبل أن تخبو ثانية.
أومأت برأسي تحيةً خفيفة حتى لا أعرقل عملها.
لكنها بدت مترددة، ثم رمشت بهدوء وأبعدت بصرها عني.
هل هي مريضة؟ تابعت بعيني خطواتها حتى غابت عن ناظري.
***
أخفيت أدوات الحماية وما ابتعته في أماكن مناسبة، ثم رميت نفسي على السرير.
ما زال الوقت طويلًا حتى عودة سينيل من عمله، فقررت أن أغفو قليلًا.
ربما بسبب شدة التعب، لم يتسع لي المجال للشعور بالخوف أو الشفقة أو أي من تلك المشاعر المتشابكة التي لاحقتني ليلة أمس.
أرخيت جسدي حتى انغمر في الفراش.
طلبت من الخادمة أن توقظني قبل السادسة، فاستسلمت للنوم مطمئنة.
***
“سيدتي، حان وقت الاستيقاظ.”
فتحت عيني بمساعدة الخادمة، وتوجّهت إلى العشاء.
بدا جسدي كله متصلبًا بعد نوم مشدود الأعصاب.
دخلت قاعة الطعام، فرأيت سينييل مرتديًا زي رئيس الكهنة.
وجهه بدا أكثر صفاءً من الأمس.
وكان في ملامحه الصغيرة تلك لمحة قدسية جعلتني أكاد أميل إلى الصلاة.
العشاء لم يختلف كثيرا عن عشاء الأمس.
بدا على سينيل أنه يرغب في قول شيء، لكنه كتمه.
اكتفيت بطرح أسئلة يومية بسيطة، منشغلة أكثر بملء معدتي.
ليس لأنني كنت جائعة، بل لأنني أردت جمع بعض القوة.
بعد الطعام، ناولته زهرة.
لم أعد بحاجة حتى لطلب ذلك، فقد اعتاد على أخذها تلقائيًا.
“سأضعها في المزهرية أيضًا. آه، والزهور السابقة، هل أتركها أم أرميها حين تذبل؟”
“أمم، كما تشاء. أبقها حتى تذبل ثم تخلص منها.”
“حسنًا، سأفعل.”
بجدية شديدة، نظر سينيل إلى الزهرة كما لو كان قد تلقّى مهمة عظيمة.
ربما لأنني كنت مرهقة، لكن منظره بدا للحظة… لطيفًا.
حين هممت بالمغادرة، بدا وكأنه أراد أن يقول شيئًا.
رفع يده قليلًا، ثم أنزلها مرتبكًا.
“هل لديك ما تود قوله؟”
“… لا. فقط، إلى اللقاء.”
حقًا؟ أهذا كل شيء؟ حدّقت فيه، لكنه اكتفى بابتسامة محرجة وتظاهر بأن الأمر لا يستحق.
رأيت أنه لا جدوى من الإلحاح، فعُدت إلى غرفتي سريعًا.
***
كانت الساعة تقترب من الثامنة مساءً.
حان وقت الاستحمام والاستعداد للنوم.
ولكي أضع واقي العنق، تظاهرت أمام الخادمة بأنني أصبت بزكام في الحلق، وطلبت منها أن تُحضِر لي منامة برقبة عالية أو وشاحًا.
لم أكن واثقة من وجود منامة برقبة عالية في عالمٍ كهذا، لكن بما أنه عالمٌ فانتازيّ، فكل شيء يبدو متاحًا.
وهكذا ارتديت واقي العنق بإحكام.
كان دافئًا، لكنه خانق بعض الشيء.
جلست على السرير أحدّق بالباب.
عادت إليّ من جديد حقيقة أنني أصبحت وحدي.
لقد استبدّ بي الخوف إلى حدّ أنني كدتُ أتشبث بساق الخادمة التي ملأت حوض الاستحمام، متوسلةً إليها ألا تتركني وحدي هذه الليلة.
لكن بقيةً من عقل راجح جعلتني أكتفي بتوديعها بهدوء.
‘لو أنني أمسكت بها، لكان على سينيل أن يُحضّر تابوتين صباح الغد.’
إن لم يظهر كيد حتى هذه الليلة، فكيف سيكون حال الغد؟
لم أستطع حتى أن أتخيّل الوضع.
لم يمضِ سوى بضعة أيام منذ أن حَلَلْتُ في هذا الجسد، ومع ذلك أشعر أن عقلي وبدني قد تآكلا بالفعل.
أردت الهرب قبل أن أنكسر تمامًا.
كان عليّ أن أنجح في التسلل على متن السفينة.
بينما كنت أُجدّد عزيمتي على الهرب، طَرق… طَرق… طَرق.
جاء صوت طرقٍ على الباب.
فزعتُ لدرجة أنني أصدرت صوتًا غريبًا، ونهضت عن السرير كمن طار في الهواء.
‘لكن… لم يحن وقت قدوم كيد بعد!’
وكيـد… لا يطرق الأبواب!
ارتجفت من الخوف المجهول، إلى أن جاء صوت بشري من خلف الباب:
“سيدتي، أنا الخادم هَربِن. وصلت رسالة باسمك وأردت إيصالها لك.”
بمجرد أن أدركت أنه الخادم، انفكّ كل التوتر من جسدي دفعةً واحدة.
كدتُ أُزهِق روحي قبل أوانها.
“ادخل.”
دخل هَربِن بخطوات ثابتة.
كان جميع الخدم منشغلين بالاستعداد للمغادرة بعد انتهاء عملهم، أما هو، فلم يُظهر أي عجلة.
إنه حقًا خادم مخلص محترف.
“ضعها على الطاولة وانصرف. أحسنت.”
“أتمنى لكِ ليلةً هانئة، سيدتي.”
ليتني أنعم بها فعلًا.
ما أن تأكدت من أنه أغلق الباب حتى نزلت عن السرير.
بدا أنه جلب حتى سكين رسائل صغيرة بعناية منه.
على الطاولة وُضِع الظرف مع أداة لم أرها من قبل.
‘رسالة؟ لم أنتبه لهذا من قبل… هل كان هناك أحد قد يبعث برسالة إلى فيفي؟’
بحثتُ في ذاكرة “فيفي”، لكن لم يخطر ببالي أحدٌ بعينه.
تأملت الظرف قبل أن أفتحه.
لم يكن عليه أي ختم عائلي.
مجرد ظرف ورقي بسيط.
وذلك ما أثار ريبةً أكبر.
‘من يا ترى أرسلها؟’
لم أُطل التفكير، وأمسكت بسكين الرسائل لأشق الظرف بهدوء.
في الداخل، كانت هناك ورقة عادية، كما يوحي مظهرها الخارجي.
‘ما هذا الخط؟’
قبل أن أقرأ، أسرني انتظام الحروف على الورق.
لم تكن جميلة أو فاخرة، لكنها كانت نظيفة، واضحة، وصريحة.
‘من يبعث رسالة إلى فيفي بهذا الشكل يا ترى؟’
دفعني الفضول لأنزل بعيني مباشرة إلى نهاية الرسالة.
‘المخلص، رونان فيلاكسيس.’
“ماذا؟! رونان فيلاكسيس؟ أهو ذاك الذي أعرفه؟ البطلة هي من بعثت بها؟!”
لم أصدق عيني. أغمضتهما وأعدت فتحهما، لكن الاسم ما زال هناك: «رونان فيلاكسيس.»
‘لماذا تراسلني؟ هل تنوي ابتزازي بسبب محاولة الهرب؟ هي ذاتها؟ هذا غير معقول…’
عضضت أظفاري بلا وعي، ورفعت عيني لأقرأ الرسالة بتمعّن.
إلى السيدة فيفي ماككورت المحترمة،
أنا رونان فيلاكسيس، الذي رافقك في حمايتك في شارع رودوالد.
هل تستطيعين الآن الإيفاء بما وعدتِ به من مكافأة؟ فأنا في حاجة إلى عونك.
أرجوكِ أن تأتي غدًا في الساعة الثانية ظهرًا إلى مقهى ريفيتا في شارع ألبترو.
أدرك أن طلبي وقح، لكنني لا أجد شخصًا آخر ألجأ إليه. أعتذر.
سأكون في انتظارك.
المخلص، رونان فيلاكسيس.
قلبت الورقة مرارًا أبحث عن أي سطر إضافي أو تهديدٍ مستتر، لكن لم أجد سوى ما كُتب أمامي.
‘لا تهديد، لا ابتزاز… مجرد طلب للمساعدة؟ أم هو تهديد مبطّن؟’
توقفت يداي عن تقليب الورقة بعصبية.
‘هل هي صادقة فعلًا وتطلب المساعدة… أم أنها عرفت شيئًا وتختلق هذا اللقاء؟’
لكنني حين تذكرت شخصية إيزيت الصريحة، خطرت ببالي فكرة أن الرسالة قد تكون كما كُتبت، بلا لفّ ولا دوران.
ومع ذلك، لم أستطع أن أُبدّد شعوري الغامض بالريبة.
‘أياً يكن، فسأعرف حين أذهب.’
أن يكون اللقاء في يومٍ مصيري أمرٌ مريب بلا شك، لكن لا سبيل لتجاهله.
طويت الورقة بعناية وأعدتها إلى الظرف، ثم وضعتها في درج الخزانة، وعدتُ بهدوء إلى السرير.
غلفت نفسي بالغطاء حتى بدوت كدودة في شرنقتها.
وفي حصني الصغير ذاك، ظللت أحدّق في الباب.
ثم أغمضت عيني بإحكام، وأطلقت دعاءً مخلصًا:
‘أرجوك، دعني أرى وجه سينيل صباح الغد.’
ويبدو أن دعائي قد استُجيب.
ففي تلك الليلة أيضًا… لم يظهر كيد.
♤♧♤♧♤♧♤
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 14"