فقدت شهيتي تمامًا حتى لم أعد أشعر بالجوع
إطلاقًا.
بمظهرٍ بائس وضعت المفتاح في مكانه.
يا للجنون… أيّ عقلٍ كان لدى الكاتب حين صنع هذا المكان؟
عدت إلى غرفتي وألقيت بجسدي مترهلًا على السرير.
لماذا لم يقم كيد بالتخلص من ذلك منذ زمن؟
أعني بذلك التجربة.
لم يكن ثمة داعٍ لتركها هكذا معلّقة أمام العين.
سجلات التجربة كانت معروضة كأنها لوحة للزينة.
من المستحيل أن يكون كيد لم ينتبه إليها، بل وكأنّه عمد إلى جمعها وتعليقها.
لم أفهم أبدًا ما الذي كان يخفيه في داخله.
هل كان قصده أن يبقى متذكرًا جرحه، كما يفعل من يمضغ مرارته كي لا ينسى ثأره؟
جلست وحدي في المطعم الفارغ واضعة يدي على رأسي.
كم تمنيت لو أن سينييل أو أي أحد آخر يأتي بسرعة، فالوحدة كانت مخيفة جدًا.
خطر لي فجأة مشهد من أفلام الرعب: الشخص الذي يفقد صوابه دائمًا ما يبقى متسمّرًا في مكانه… ثم ينتهي أمره في لحظة واحدة.
عليّ أن أتماسك.
صفعت وجنتي بقوة.
إن فقدت وعيك، فليكن ذلك على متن سفينة تهريب! عليك أن تعيشي لتفعلي شيئًا بعد النجاة!
وبعد قليل، دخل سينييل.
استقبلته بابتسامة جافة ومتوترة:
“أأهلا… أأتيتَ؟”
” هل انتظرتني طويلًا؟ أعتذر.”
“لا، لا، أنا أيضًا وصلت للتو. اجلس.”
الاعتذار صار عادةً على لسانه.
ظللت أحدّق فيه شاردة كما كنت أحدّق في سجلات التجربة.
وانحدر بصري لا إراديًا إلى أصابعه الطويلة المرتبة.
أجل… تلك الأصابع التي…
“فيفي، وجهك شاحب. هل أنتِ مريضة؟”
أنا؟! بل يداك أنت هما ما يجب أن تؤلماك… فقد بُتِرتا ذات مرة…
*يعني التجارب اللي سووها الكهنة على كيد باختصار هي بتر أطرافه و معرفة ان كانت ستنمو مجددا أم لا، و طبعا واضح ان الاخ عنده قدرة تجدد خارقة*
“لا… لا. أحيانًا أبدو هكذا فقط. لا تقلق. على كل حال، صرت تنطق اسمي بأُلفة الآن. وهذا يعجبني.”
وصلتني نظراته المتوترة القلقة، فابتسمت بتصنّع ومررت أصابعي فوق يدي أتأكد منها، كأنني فجأة صرت أشك إن كانت أصابعي ما تزال مثبتة في مكانها.
حين قُدِّم الطعام بدأت آكله ببطء وبحركات متبلدة.
إنه مسكين حقًا.
كيد مسكين أيضًا، لكن ذاك كان يهددني ويبتزني.
فلم أستطع أن أتعاطف معه كثيرًا.
أما سينييل… فكان يبعث على الشفقة أكثر مما ينبغي.
أتمنى أن يلتقي البطلة سريعًا ليجد خلاصه… هذا البائس.
“هل عَلِق شيء ما على وجهي؟”
يبدو أنني كنت أحدّق به طويلًا بلا وعي.
حتى صار يتلمس وجهه مرتبكًا وهو يتابع حركات عينيّ.
“لا. فقط لأنك… وسيم.”
“هاه؟”
“هاه؟”
ما الذي قلته؟!
كنت في شرودٍ كامل فلم أدرِ حتى ما تفوّهت به.
فاكتفيت بهزّ رأسي كمن يقول: نعم، افهمها هكذا فحسب.
ظلّ يتأملني بذهول، يحرك شفتيه كسمكة ثم سرعان ما عاد إلى هدوئه.
انتهت الوجبة بصعوبة، بلا حديث تقريبًا.
لم يفتح فمه إلا عند النهاية:
“هل لديّ مهام أخرى اليوم؟”
“آه، صحيح… هذه.”
أخرجت زهرة كنت قد وضعتها على الكرسي المجاور.
رغم أن أعصابي كانت محطمة، لكنني لم أنسَ تجهيز الزهرة.
قطفت نوعًا مختلفًا هذه المرة، كي لا يعترض كيد على كونها مطابقة للتي قدمتها بالأمس.
لا أعرف ما هي بالضبط، فقط اقتطفت أي شيء من الحديقة.
“ضعها في المزهرية مثل الأمس.”
“حسنًا.”
أخذها بجدية وملامح عازمة.
يا له من طيب! يا له من مسكين!
لم أستطع الأكل أكثر، فوقفت عن الطاولة.
معدتي لم تحتمل.
وكالعادة، تبعني هو أيضًا بخطواته.
توقفت فجأة في منتصف الطريق، واستدرت نحوه، ومددت يدي.
ظلّ يحدق فيها متسائلًا.
“لنتصافح.”
“…ماذا؟ آه، نعم.”
هو مليء بالشك والحذر، لكنه يطيعني دومًا بلا مقاومة.
مدّ يده الكبيرة القوية وأمسك بيدي.
ما أن شعرت بحرارتها حتى أفلتت مني عبارة عفوية:
“لقد عشتَ حياةً شاقة.”
نظر إليّ بوجهٍ حائر كمن لم يفهم، فأشرت برأسي: لا شيء.
شدّدت قبضتي قليلًا وحركت يدينا ذهابًا وإيابًا.
“فلنواصل العيش بجدّ يا رفيقي.”
ربتُّ على كتفه بخفة، ثم غادرت.
إنه شاب مسكين… ربما أشدّ بؤسًا مني أنا ذاتي.
وأنا أصعد الدرج تساءلت عما إن كان من الصواب أن أشجع شخصًا مثل سينييل أو حتى كيد على “العيش بقوة”.
لكنني لم أسحب كلماتي.
ففي عيني الآن… صار مجرد إنسان مختلف، منفصل عن الماضي.
***
حين حلّ الليل، خيّم جوّ بارد على الغرفة.
رغبت في إشعال شمعة، لكنني لم أجرؤ خوفًا من أن أثير غضب كيد.
كالأمس الأول، التحفت اللحاف بإحكام وارتجفت من البرد والخوف.
راودتني أفكار عن كيد، عن طرق القتل المتعددة التي استخدمها، وعن كل ما فعله الناس به أيضًا.
بدأ العرق البارد يتصبب مني.
‘لم يُكتشف أمري… صحيح؟’
خفت أن يكون كيد قد أدرك أمر دخولي إلى تلك الغرفة.
إذ أنه شديد الملاحظة، ويستطيع أن يلتقط أي شيء غير طبيعي على الفور.
ندمت بمرارة على ذهابي هناك.
‘أمي…’
بل وتمنيت لو أن كيد جاء سريعًا، وهددني بأي شيء ثم رحل فورًا.
أما أن أبقى هكذا، أرتجف بلا أي حدث، فذلك كان أشبه بالموت البطيء.
الوقت أخذ يمضي… عقارب الساعة تواصل طرقها البارد.
***
‘ها… هاهاها…’
وأخيرًا، تسلل نور الشمس عبر الستائر نصف المفتوحة.
لم يأتِ كيد. ظللت طوال الليل مرتجفة من الخوف حتى غلبني النعاس. كنت منهكة للغاية.
طرقٌ خفيف على الباب.
‘أيعقل أن يكون كيد في هذا الصباح؟’
لكنني سرعان ما بددت الفكرة.
كيد لم يكن من النوع الذي يطرق الأبواب بأدب.
أخفيت صاعق الطاقة المقدسة بتثاقل، وقلت بصوت خافت:
“تفضل بالدخول.”
وكما توقعت… كان سينييل.
اقترب بخطوات بطيئة، طويل القامة كعادته، لكن عينيه كانتا دامعتين حتى كادت تنهمر منهما.
والغريب أن دموعه بدت ملائمة لوسامته.
أيًا يكن… يا له من فتى طيب.
ما أن رأيت وجهه حتى شعرت بقواي تتلاشى، وكأنني أستطيع التنفس أخيرا.
أأنت سعيد برؤيتي أيضًا؟ نعم، وأنا بدوري سعيدة أن أراك صباحًا.
صحيح أن سينيل هو كيد، وكيد هو سينيل، فلا ينبغي أن أفرح برؤيته.
لكن… فرحت.
نجوت يومًا آخر.
على خلاف صباح البارحة حين كان شعره مبعثرًا، بدا سينيل اليوم أنيقًا، مربوط الشعر.
يبدو أن كيد لم يظهر طوال الليل.
وهو بلا شك يدرك ذلك، ومع ذلك هرع إليّ باكيًا كالأطفال.
مشهد يثير الشفقة.
نظرت إليه، وكدت أربّت على كتفه مواسية، لكنني تراجعت.
فذلك لم يكن دوري.
وإن حدث، بلا قصد مني، أن تعلق بي عاطفيًا، فسيكون الأمر كارثة.
الأفضل أن تبقى علاقتنا عند هذا الحد، بلا تجاوزات.
“إن انتهيت من البكاء، غادر الآن. عليك بالذهاب إلى عملك.”
“أعتذر… عن قلة لياقتي.”
وكأن اعتذاره صار لازمة في حياته.
رفع رأسه بعد أن تمتم بكلمات خافتة.
لكن المدهش أنه لم يظهر أي جرح من برودي، بل بدا مرتاحًا، بل حتى ابتسم ابتسامة باهتة كأن شيئًا انزاح عن صدره.
كنت أعرف كل ما يمرّ به، ورغم ذلك تظاهرت بالجهل.
ضميري وخزني، لكن ما الفائدة؟
“تذكر، مساء اليوم أيضًا، صحيح؟”
“نعم، سأشاركك العشاء حتمًا. شكرًا لكِ، فيفي.”
شكرًا؟ على ماذا.
لوّحت بيدي مودّعة إياه، فخرج بهدوء، على عكس دخوله.
تنهدت وأنا أراقب ظهره يبتعد.
قضاء الليل بلا نوم أمر يمكن احتماله، لكن قضاؤه مرتجفة من الرعب؟ كان العذاب الأليم.
ظللت ممددة على السرير أحدّق في الفراغ.
‘غدًا ذكرى وفاة المركيز السابق…’
المركيز السابق، والد سينيل، وأحد كبار الكهنة.
رجل جشع للسلطة، استغل قوة ابنه، وأخضعه لتجارب وحشية.
لو كان هناك من منعه حينها، لربما ظل سينيل ذلك الفتى الطيب، بلا وجود لكيد.
واصلت هذياني في الفراغ، ثم توقفت.
تلك فرضية لا أساس لها. هذه مجرد رواية.
لو لم يختر الكاتب هذه الحبكة، لما وُجد هذا العالم أصلًا.
فكّرت بعقلانية مجددًا.
‘في ذكرى الوفاة سيظهر كيد، بلا شك. وستعمّ الفوضى في الأرجاء قبل أن يرحل.’
الرعب ملأني. إلى أي حد سينفجر؟ وإن لم ينفجر… فذلك سيكون أشد غرابة.
فكيف يصمت، وهو ابن ضحية تلك التجارب؟
‘بل الأعجب… أن يظل سينيل طيبًا رغم كل ما قاساه.’
صحيح أن التجارب صنعت الخير والشر بداخله، فصار سينيل هو الخير.
لكن قبل ذلك؟
لماذا لم يقاوم بعنف؟
بقواه، كان يستطيع أن يفتك بالجميع ويهرب.
أم أن مجرّد التفكير بالقتل جعله عاجزًا عن استخدام قواه؟
لكن ألم يشارك الكهنة أنفسهم في الحروب؟
ربما كان مقيّدًا بأغلال ما، جعلته عاجزًا.
أفكاري لاحت بعيدًا مجددًا.
في النهاية، كونه طيبًا أو لا… لا يخصّني.
جررت جسدي المثقل ونهضت.
كان عليّ أن أجهّز نفسي أكثر لمواجهة جنون كيد المرتقب.
يجب أن أشتري واقيًا للعنق، وأن أزيد عدد صواعق الطاقة المقدسة لديّ.
♤♧♤♧♤♧♤
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 13"