السبب الوحيد الذي يجعلني قادرة على جمع الأدلة
على جرائم كيد بثقة، هو شخصيته المريضة تلك.
كيد لم يكن يتورع عن أي وسيلة حين يتعلق الأمر
بتعذيب سنييل.
لقد كان يعلم كم يُعذِّب سنييل نفسه لأنه مضطر إلى تحمّل جرائمه، لذلك كان يتعمّد أن يستعرض تلك الجرائم أمامه بأساليب شتّى.
يضع على مكتبه الصحف التي تتصدرها أخبار جرائم القتل، أو يزين غرفته بأدوات القتل والأدلة، وذلك بالنسبة له مجرد أساسيات.
بل إنه مضى أبعد من ذلك، فلكي يضاعف عذابه، خصّص غرفة في الطابق الأول من القصر، أقصى اليمين، وأخفى بداخلها سرًّا مظلمًا: مكانًا يحفظ فيه يتفاصيل كل جريمة ارتكبها، واحدة تلو الآخر.
وبحسب ما ورد في القصة الأصلية، كان ينوي، بعد أن يُنهي سلسلة جرائمه، أن “يدعو” سنييل إلى ذلك المكان.
“لا أفهم حقًا…”
كأنه يعاملها كصالة عرض أو متحف… يا للسخف.
لكن، على أية حال، إن أردتُ جمع أدلة دامغة، فلا مفرّ من زيارة تلك الغرفة.
صحيح أنّ في غرفة سنييل بعض الشواهد، لكنني كنت أحتاج شيئًا أقوى كي أتمكّن من محاصرة كيد حقًّا.
ولهذا، كان عليّ أولًا الحصول على المفاتيح.
فالغرفة تُفتح بمفتاحين: الأول لباب الطابق الأول نفسه، والثاني للباب السري الذي يقود إلى الحجرة الخفية داخله.
كيد كان قد أخفى هذين المفتاحين في أرجاء القصر، إذ لم يكن بوسعه حملهما دائمًا في جسده، بما أنّه يتبدّل مع سنييل.
“لحسن الحظ… ما زلتُ أتذكر مكانيهما.”
كم مرة سخرت وأنا أقرأ: “أيّ مجنون يخفي الأشياء هنا؟”، وها أنا اليوم أستفيد من ذلك.
ابتسمت ابتسامة مصطنعة للخدم الذين صادفتهم، ومضيت بخطى ثابتة نحو الجناح الخلفي.
في الطابق الثاني من الجناح الخلفي، دخلتُ غرفة تُشرف نوافذها مباشرة على نافورة الحديقة.
على الرغم من أنها تبدو مهجورة، فقد كانت نظيفة ومرتبة بشكل يثير الدهشة.
“جيد أنه لا يوجد أحد… لكن المكان يوحي بالقشعريرة.”
صحيح أنني وفّرت على نفسي عناء طرد خادمة التنظيف، لكن الوحدة في غرفة غريبة جعلتني أرتجف قليلًا.
أحسست للحظة وكأن جثة قد تخرج من السرير، فضممت ذراعي حول نفسي.
ثم ألقيت نظرة خاطفة على الباب، وتقدّمت بحذر نحو الخزانة.
فتحت الدرج الثاني وأدخلت يدي عميقًا، أتحسس سقف الدرج من الداخل.
شعرت بجيب صغير مخفي. لمسته بلطف، فإذا بمفتاح ينزلق إلى يدي.
“ها هو… تمامًا كما توقعت.”
كان مفتاحًا صغيرًا نقشتْ عليه وردة، وهو الذي يفتح غرفة الطابق الأول. وضعته بعناية في جيب سترتي.
“لكن لِمَ جُعل الطابق الأول بأسره محظور الدخول؟”
في القصة الأصلية لم أذكر أنهم منعوا الوصول إلى
كل غرف الطابق… ربما خانتني الذاكرة.
على أي حال، ما عليّ سوى الدخول والتقاط صور للأدلة باستخدام أداة التسجيل البصري التي ابتعتها بالأمس.
تنفست الصعداء وأنا أُحكم قبضتي على المفتاح. خطوة أولى موفّقة. والآن، حان وقت البحث عن المفتاح الثاني، مفتاح الغرفة السرية.
أغلقت الدرج وغادرت الغرفة بخفة.
كانت وجهتي التالية “الجناح المنفصل”.
أما الذهاب إلى الجناح الخلفي فكان يسيرًا، إذ يتصل مباشرة بالمبنى الرئيس. لكن للوصول إلى الجناح المنفصل، كان عليّ مغادرة ذلك كله.
لم يستغرق العثور عليه وقتًا طويلًا. عبرت ممرًا مرصوفًا بالحجارة، فتراءى أمامي المبنى المستقل.
الجناح بدا أكثر كآبة من المبنى الرئيس. واجهتاهما متشابهتان من حيث الطراز، لكن الألوان الداكنة واللوحات المعلقة على الدرج الوسطي، بملامحها القاتمة، جعلت الجو أثقل وأشد انقباضًا.
مجرد الوقوف هناك جعلني أرغب في المغادرة.
تسلّقت الدرج حتى الطابق الثاني، وتوقفت أمام لوحة لأسلاف عائلة ماككورت، تحديدًا للماركيز الراحل. كانت ملامحه تشبه سنييل قليلًا، لكنها أشد صلابة وحدّة.
رفعت اللوحة بحذر ونظرت خلفها.
“هاه؟”
لم أجد شيئًا.
أعدت العدّ لأتأكد من رقم الدرَج، ثم فتشت الجدار بيدي.
لا شيء.
انحنيت أكثر، حتى صارت عيني بمحاذاة الحائط، فلمحت فقط حلقة معدنية صغيرة، يُفترض أنها حامل المفتاح… لكن المفتاح نفسه لم يكن هناك.
“اللعنة… لقد أُخذ.”
تذكرت أن كيد أحيانًا كان ينقل المفتاح إلى مخبأه الخاص. يبدو أن هذا ما حصل.
“إذن،لن أرى هذا المفتاح قريبًا…”
وهكذا انقلبَت البداية الواعدة إلى خيبة.
لكن لم يكن الوقت وقت استسلام.
فالمفتاح السري له نسخة أخرى.
كما قلت من قبل، كان كيد يستمتع بدفع سنييل إلى حافة اليأس.
كان يُسعده أن يتركه في مواجهة أشياءٍ لا يملك السيطرة عليها، فقط ليرى إحباطه.
ولهذا، أخفى نسخة احتياطية من المفتاح في مكتب سنييل. كان يريد من سنييل أن يجدها، ليرى ردة فعله.
لم أفهم أبدًا ما المغزى، فـ سنييل لن يعرف أصلًا ما وظيفة المفتاح، وبالتالي لن يظهر أي ردّ فعل يستحق.
ربما كان كيد قد نقش على المفتاح عبارات مُرعبة أو شيء من هذا القبيل… لكن أياً يكن، فهذا لا يعنيني.
المهم أنّ نسخة المكتب لم تتحرّك من مكانها قط.
هذا ما قيل، وهذا ما سأعتمد عليه.
نزلتُ الدرجات بسرعة، وأمرت أحد الخدم أن يُعد لي عربة فورًا.
كانت الرحلة من القصر إلى المعبد تستغرق ساعتين بالعربة.
حين غادرت كنت ما أزال في الصباح، لكن مع وصولي كاد وقت الظهيرة أن يحين.
سيمر وقت طويل قبل أن أتمكن من تناول الغداء، ربما لن يكون إلا عند الثالثة بعد الظهر.
“حسنًا… أين يقع مكتب سنييل بالتحديد؟”
لحسن الحظ، ذكريات فيفي تركت لي تلميحات باهتة للطريق، فقد زارته قبل الوجبات عدة مرات فيما مضى.
“إن كان سنييل داخل المكتب، فعليّ أن أجد طريقة لأصرفه.”
وبينما كنت أتسكع في أروقة المعبد، أحاول أن أبدو طبيعية، أحسست بيد تربّت على كتفي من الخلف.
“هذه منطقة لا يُسمح للعامة بالولوج إليها. إن كنتِ قد ضللتِ الطريق، أستطيع أن أدلّكِ…”
لا يُسمح لي بالدخول؟ لكن لم يمنعني أحد من المرور عند المدخل الرئيسي.
رجل بشَعرٍ أخضر فاتح وعينين بنيتين وديعتين فتح عينيه دهشة.
“تشرفتُ برؤيتكِ يا سيدتي.”
كان يحمل في ملامحه مسحة رقيقة، وابتسم بهدوء وكأنه قد تعرف علي.
“تتذكرينني؟ لقد تشرفتُ بإلقاء التحية عليكِ من قبل. أنا سانشي نِيفِن، مساعد الكاهن الأكبر.”
“آه…”
سانشي نِفِن.
كيف أنساه؟ لمَ بدا مألوفًا هكذا… الآن فهمت.
كان حاضرًا في ذاكرتي أنا و فيفي الأصلية معًا. في الرواية الأصلية، هو الذي ساعد إيزيت في القبض على كيد.
وهو أيضًا أول من اكتشف أن بطلة القصة ليست رجلًا، بل امرأة. شخصية محورية لا يمكن تجاهلها.
ابتسم سانشي بلطف وهو يتابع:
“هل أنتِ في طريقكِ إلى الكاهن الأكبر؟ أيمكنني أن أدلّكِ على مكتبه؟”
لم يكن هناك سبب لأرفض.
” أخشى أن أُثقِلَ عليك. لكن… إن لم يكن في الأمر ما يزعجك، فسأكون شاكرة.”
“أبدًا. كنتُ ذاهبًا إلى مكتبه أصلًا. فلنذهب سويًا.”
ابتسم سانشي بابتسامة مشرقة وهو يمشي أمامي.
رغم أنه في أوائل الثلاثينات، إلا أن حيويته جعلته
يبدو وكأنه في العشرينات.
طرق سانشي باب المكتب بيدٍ معتادة. لكن…لم يأتِ أي رد. فطرق مرة ثانية.
“سيدي الكاهن الأكبر، أنا سانشي نِيفِن. سأدخل.”
فتح الباب على مصراعيه ونظر حوله. أتبعتُه بخطوة مترددة، وألقيت نظرة سريعة إلى الداخل.
لم يكن أحد هناك.
كان المكتب أبسط بكثير مما تصورت.
مكتب من الخشب، رف كتب ضخم يغطي جدارًا كاملًا بخمس طبقات، أريكتان، وعلى الحائط شعار الكنيسة الإمبراطورية: الوردة المقلوبة. هذا كل شيء.
لم يبدُ وكأنه مكتب الرجل الذي تبجّله الدولة بأكملها.
“يبدو أن الكاهن الأكبر قد غادر مكتبه منذ فترة قصيرة.”
جيد.
“ليس من عادته أن يخرج في مثل هذا الوقت… لكن ربما غادر لأنه وقت الغداء. سيعود خلال عشر دقائق على الأكثر. هل ننتظره هنا؟”
جلس سانشي على الأريكة دون تكلف، وأشار إليّ لأجلس أيضًا. بدا أن العلاقة بين رجال الدين في المعبد أقل رسمية مما توقعت.
لكني لم أجلس، بل اكتفيت بإرسال نظرة مترددة نحوه.
أريد فقط أن آخذ المفتاح وأغادر بسرعة…
رفع سانشي رأسه نحوي:
“ألن تجلسي؟ آه، وبالمناسبة، إن لم تتناولي الغداء بعد، فابقي لتأكليه هنا. يقولون أن طعام اليوم مميز.”
إنه كما وصِف في القصة الأصلية: ودود، لطيف، يجيد فتح الحديث. لكنه أثقل عليّ.
“آه… هل جئتِ لتتناولي الغداء مع الكاهن الأكبر؟ بالفعل، تبدوان كزوجين متحابين.”
“…لستُ متأكدة.”
كيف أتخلص منه الآن؟
و بينما هو يثرثر بلا توقف، التقطت عيناي شيئًا. هناك… نعم.
اقتربت من المكتب وأخذت قارورة ماء فارغة وهززتها.
“آه، عطشتُ بعد هذه المسافة… يبدو أن لا ماء هنا. من أين أستطيع أن أجلبه؟”
انتفض سانشي فورًا:
“سأجلبه لكِ.”
“لا داعي لذلك حقًا…”
لكن بالطبع، أنا السيدة هنا. من الأفضل أن يخرج هو بنفسه.
“لن أتأخر. اجلسي وارتاحي.”
ابتسم كالشمس وخرج دون تردد. شعرتُ بوخزة في قلبي، وكأني أستغل طيبة إنسان صالح.
و بمجرد أن أُغلق الباب، أسرعتُ نحو رف الكتب.
جلستُ القرفصاء وأخرجتُ كتابًا من أسفل الرف.
لم يُمس هذا الكتاب منذ زمن طويل، فقد كان مغبرًا
بشدة. عطستُ بخفة، ثم فتحت الغلاف بسرعة.
لامس شيء معدني صلب أصابعي. قلبتُ الكتاب، فسقط منه المفتاح.
ها هو.
كان عليه فقط كلمة: نيكتار. لا نقوش ولا تعاويذ، مجرد كلمة.
أعدت الكتاب إلى مكانه ونفضت الغبار عن يدي.
وقفت، وفي تلك اللحظة…
“طَق.”
فتح الباب فجأة.
تبًا، لقد أرعبتني…!
رغم أني لم أرتكب جرمًا، تسارعت دقات قلبي.
حاولت أن أتمالك نفسي وتظاهرت بالهدوء.
“…سيدتي… لا. فيفي؟”
استدرتُ لأجد سينييل واقفًا أمامي، وعيناه تحدّقان بي.
“آه، هذا…”
“ما الذي جاء بكِ إلى هنا؟ لا تخبريني… هل كيد هو السبب؟ هل حدث شيء؟”
“لا، لا. جئت فقط لأقضي بعض الوقت في الصلاة، وفكرت في أن ألقي عليك التحية قبل عودتي.”
قلت ذلك ببراءة، وتراجعتُ خطوة عن رف الكتب.
“المكتبة هنا ضخمة… فألقيت نظرة سريعة. لكن كل الكتب صعبة للغاية.”
“…حتى أنا لم أقرأها.”
“آه، فهمت.”
ابتسمتُ بتكلف وأنا أتجه ببطء نحو الباب. كان الجو بيننا مشحونًا بتوتر غريب.
مددت يدي نحو المقبض. بدا وكأنه أراد قول شيء، ففتح شفتيه قليلًا.
“الغداء…”
انتظرت رغما عني، وكأني أرجو أن يُكمل.
“لا… لا شيء.”
شعرت بخيبة أملٍ غريبة. فأجبتُ ببرود مبتسم:
“أنت مشغول بلا شك. سأذهب الآن. نلتقي مساءً على العشاء.”
التفتُّ وغادرتُ، دون أن أعرف هل هزّ رأسه ردًا عليَّ أم تركني أرحل بصمت.
♤♧♤♧♤♧♤
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 11"