“هـه-!”
قبل أن أفهم ما يجري، نهض جسدي بفعل الغريزة والتصق ظهري برأس السرير.
حتى الصاعق المقدس تحت الوسادة لم يخطر ببالي، فالصدمة من رؤية كيد أمامي لحظة استيقاظي كانت كفيلة بشل عقلي.
بعد بضع ثوانٍ فقط أدركت أنني جالسة على الوسادة.
آه… صاعقي المقدس…
“ع.. عذرًا! كنت أظن أن الأمر مجرد حلم… لم أكن أقصدك أنت، أبدًا، أقسم!”
تلعثمت، لا أعرف بأي لقب أناديه.
كيد رفع حاجبيه وكأنه وجد الأمر مثيرًا للاهتمام، يراقبني بصمت كمن يستمتع بالعرض.
قلبي دق بجنون، أنفاسي انقطعت دون أن أبذل أي جهد.
أصابني الهلع وأنا أراقب يديه، خشية أن أجد فيهما سكينًا كما بالأمس.
لكن المفاجأة؟ لم يكن بيده سوى زهرة توليب صفراء.
لماذا يحمل تلك؟
بدت مشابهة جدًا لتلك التي أهديتها لسينييل.
انشغلت بالتفكير، وفجأة ضاق نظر كيد نحوي بابتسامة غامرة فضول.
“تقولين أنت… كأنك لا تعرفين من أكون حقًا.”
ثم أضاف وهو يتلذذ باللعبة:
“برأيك، من أنا؟”
الموت كان يتراقص فوق عنقي.
فكي ارتجف، وراودتني ندامة قاتلة: ليتني ارتديت عدة طبقات أخرى من الدروع…
“أ.. أعتقد أنني لا أعرف من تكون…” تمتمت بصوت مبحوح.
“حقًا؟”
كانت عيناه تفحصانني بتركيز، كأنهما تحاولان تمزيق وجهي بحثًا عن كذبة.
العرق انساب على ظهري، فانعقد جسدي أكثر بلا وعي.
“إما أنك عمياء… أو أنك تدّعين الغباء.”
كلماته مسمومة، لكنني هززت رأسي نفيًا شديدًا.
كان عليّ أن أتمسك بالجهل.
بين أصابعه، دارت التوليب كأنها لعبة. ثم فجأة قربها من وجهي، فأغمضت عيني بشدة…
لم يأتِ الألم، بل وخزة خفيفة، لمسة رقيقة على خدي.
هذا الإحساس…
نفس ما شعرت به في الحلم. نعم، لا شك أنه كان يضرب خدي بالزهرة وأنا نائمة.
أيها الحقير… أتضرب حتى بالزهور؟!
لكنني لم أستطع منعه، و ظلت الزهرة تلامس وجهي بين حين وآخر.
قال بابتسامة ساخرة:
“ذلك الشخص لا يهوى الزهور، ولا يملك أصدقاء ليهدوها له… إذن هذا من صنعك، صحيح؟”
“…ن.. نعم. أردت فقط أن أتقرب من سينييل، فأهديته…”
حتى في هذه اللحظة المهينة، أجبرت نفسي على الاعتراف.
التوليب صارت تداعب خدي برفق أكبر، فيما ارتسمت على شفتيه ابتسامة قاتلة.
“أحسنتِ التدبير.”
“…!”
“جعلت ذاك الذي يرفض كل الهدايا، يقبل زهورك بل ويزين بها غرفته. هذا ليس أمرًا هيّنًا.”
ضحك بخفة، بصوت أجش متخلله السرور. لم أسمعه يومًا بهذا القدر من الابتهاج.
لكنني لم أشعر بالارتياح، بل بالخوف يزحف في عروقي.
لو لم أهدِ التوليب لسينييل… لكنت الآن جثة.
فهمت أخيرًا أن أي غلطة صغيرة قد تودي بحياتي، وأنَّ عليّ أن أكون دقيقة في كل تصرف.
تطلعت إلى الزهرة وكأنها حامية، ثم إلى كيد الذي بدا في مزاج جيد.
الآن عليّ أن أظهر له أن لي فائدة، وإلا… سيستبدل الزهرة بخنجر.
ارتجف صوتي وأنا أحاول التمسك بالحياة:
“…لم أكتفِ بالتوليب. لقد أمسكت يده اليوم… وناداني بلقب خاص… وتناولنا العشاء سويًا. أعلم أنني لست مهمة بعد، لكن خلال أشهر سأصبح حقًا شخصًا عزيزًا عليه.”
فقط دعني أعيش أسبوعًا واحدًا، أرجوك.
الكلمات انسابت دفعة واحدة، ولساني يسبق عقلي. ربما الخوف خفف شيئًا من رهبة المواجهة.
لكن كلما تكلمت، صرت أبدو أكثر بؤسًا. الكبرياء لا قيمة له أمام الموت، ومع ذلك شعرت بالمهانة.
ثم، فجأة، توقف التوليب وسقط.
هل… انتهى الأمر؟
الزهرة استقرت بهدوء في كأس زجاجي فوق الطاولة الجانبية. يبدو أن الخادمة وضعته هناك مسبقًا.
قال كيد بهدوء:
“حسنًا. أعترف بأنك نافعة. لقد تجاوزت توقعاتي.”
“شكرًا… شكرًا جزيلًا…”
“كنت أظنك سترتجفين بلا حول ولا قوة.”
طرق بأصابعه على الكأس بخفة. بدا راضيًا أكثر من الأمس.
لا أسلحة في يده هذه المرة…
تجولت عيناي باحثة عن خنجر مخبأ، لكن جيوبه بدت فارغة.
هل يقول لي إنه قادر على قتلي حتى دون سلاح؟ أم أنه جاء بلا نية قتل اليوم؟
تذكرت صرختي البارحة: أيها الحقير!
وظننت أنها ستكون نهايتي… لكنه تجاهلها. ربما لن يقتلني قبل أن أنال ثقة سينييل.
فهل أجرؤ وأسأل…؟
مسحت كفي المبتل بالعرق في الغطاء، وأقحمت يدي قرب الوسادة، مستعدة لأي طارئ. ثم تمتمت بصوت واهن:
“ه.. هل هناك معيار… لأكون شخصًا عزيزًا على سينييل؟”
ضحك كيد باستهزاء:
“لماذا؟ أتريدين التملق قليلًا ثم الفرار في الوقت المناسب؟”
بالطبع أيها اللعين.
“لا… بالطبع لا!”
ترك زجاجة الماء تسكب في الكأس، وصوت الماء بدا كهدير في أذني المرتبكتين.
قال بلطف متصنّع:
“حتى لو شرحت، فلن تفهمي. لكن بما أنك مفيدة قليلًا… سأكون كريمًا وأوضح لك.”
نعم، أرجوك. فقط حتى لا أتجاوز الخط الأحمر.
ابتسم كيد وهو يرمقني مباشرة. ابتسامته ناعمة، لكنها أبرد من الجليد.
على عكس سينييل الذي لم يبتسم يومًا، كان كيد يبتسم كثيرًا… وكانت ابتسامته هي أكثر ما يرعبني.
تحرّكت شفتا كيد الناعمتان في انسياب رشيق وقال:
“حين يقع سنييل في حبك تمامًا.”
انتظرتُ أن يُكمل كيد كلامه، أن يضيف شيئًا آخر.
“أيمكن أن يكون هذا فقط؟”
لكن كيد بدا وكأنه قد قال كل ما أراد قوله، بل كان وجهه يزداد صفاقة كأنما هو مقتنع تمامًا بأن ذلك يكفي.
“إذن هذا هو المعيار؟”
كان تهديدًا، لكن حتى “المعيار” فيه محض هوى واستبداد.
نظر إليّ، ثم أطلق بسخرية خفيفة صوت استهجان وهو ينقر بلسانه بأسلوب مستفز، وكأنه يقول: “ألا تفهمين؟”
ثم تمتم ببرود:
“لقد تأكدتُ من قيمتك، لذلك كما وعدت، حتى ذلك الحين سأُبقيك على قيد الحياة.”
وكما دخل، خرج أيضًا على هواه.
خطواته المديدة ارتطمت بفراغ الغرفة الواسعة، صداها بدا أوضح من اللازم في السكون الثقيل. كان طويل القامة إلى حد أنّه اجتاز الغرفة الرحبة في بضع خطوات سريعة فقط.
تابعته بعيني مستندة إلى الضوء الخافت. رأيت الباب الملتصق بالسقف العالي ينفتح، ثم صوته الهادئ ينساب:
“أحسني التدبير.”
لم يُغلق الباب خلفه، بل تركه على حاله ومضى. كان الكارديغان الأسود الطويل يتماوج خلفه كذيلٍ مظلم.
بقيتُ ممددة على الوسادة، أتابع الظلام الدامس خارج الغرفة من خلال فتحة الباب. كان صوت تشقق اللهب في المصباح ينساب في هدوء.
“الآن… لقد منحني وعدًا صريحًا بأن يبقيني حيّة، أليس كذلك؟”
“إن اجتزتُ هذا الأسبوع على هذا النحو فقط، فبوسعي النجاة…”
ما إن سمعت ذلك التأكيد من فمه حتى اجتاحتني راحة غامرة. ارتخى جسدي كليًا، وسقطتُ على الفراش مطلقة أنينًا متعبًا.
بعد أن تلاشت التوترات، غرقت في نومٍ عميق على غير العادة. كنتُ قد ودّعت كيد، والآن استيقظتُ مع انبلاج الصباح وأنا أتمطّى في راحة.
قبل قدوم الوصيفة، سارعتُ إلى إخفاء جهاز الصعق المقدّس داخل أحد الأدراج بعناية، ثم فتحتُ الستائر على مصراعيها. اندفعت أشعة الشمس إلى الغرفة كالسيوف المذهبة، تضرب بصري بعنف.
“قلتُ إني سأحيّي سنييل صباحًا… إذن، عليّ أن أذهب الآن إلى الجناح المنفصل.”
لكنني لم أكن أعرف مكانه بالضبط… ربما يمكنني أن أسأل أحد الخدم حين يصادفني.
كنت ما أزال أفكّر في الأمر بهدوء حين دوّى طرقٌ متسارع على الباب. لم أحتج أن أفتح لأعرف من يكون الطارق؛ فليس في هذا القصر من يطرق بهذه اللهفة والاضطراب سوى شخصٍ واحد.
ثم جاءني صوته من وراء الباب:
“… سيدتي؟ هل أنتم في الداخل؟”
“كم مرة قلتُ له أن يناديني بفيڤي لا “سيدتي”! ثم إني امرأة متزوجة، فلم أعد “آنسة” أصلًا…”
تمتمتُ في داخلي بضجر بينما تقدمتُ ببطء لأمسك بمقبض الباب. كنتُ أجرّ قدميّ بتكاسل، لكن قبل أن تطال يدي المقبض، إذا بالباب يُفتح فجأة من الخارج بعجلة.
أوّل ما ارتسم في عيني كان صدرًا عريضًا يملأ الأفق أمامي. رفعت رأسي، فواجهني وجه سنييل الشاحب، شعره مبعثر في فوضى، كأنه قد أسرع للقدوم دون ترتيب.
كان صدره يرتفع ويهبط بحدة، أنفاسه لاهثة تدل على أنه ركض بكل طاقته.
في الحقيقة، لم أكن أحمل مشاعر طيبة نحوه بعد ما جرى البارحة… لكن رؤية مظهره المرهق البائس جعلت غضبي يلين قليلًا.
“تِس تِس…” زممتُ على أسناني في داخلي، ثم قلتُ له بنبرة نصفها هزل ونصفها تبرّم:
“هل اعتدتَ أن تقتحم غرف الآخرين بهذه الفظاظة؟ ثم كم مرة عليّ أن أكرر، ناديْني فيڤي لا “سيدتي”.”
كنتُ واثقة أنه سيعتذر على الفور. لكنّه لم ينبس ببنت شفة، ظلّ واقفًا كتمثال جامد، يحدّق بي في صمت وذهول.
هممتُ أن أسأله عمّا دهاه، فإذا بدمعةٍ كبيرة تسقط من عينه فجأة. ثم تتابعت الدموع، تغمر وجهه بسرعة. كان مذهولًا مرتبكًا إلى حدّ أنه بدأ يهذي بكلمات غير مترابطة:
“حين استيقظتُ هذا الصباح… لم أجد الزهرة… أصابني الفزع… لذا… اندفعتُ إلى هنا… من دون… استئذان…”
“يا إلهي…!”
أمسكت بذراعه وسحبته إلى الداخل، فأذعن في طواعية. أغلقتُ الباب بإحكام ثم التفتّ إليه.
“لقد أوفيتَ بالوعد، فكيف تبكي هكذا الآن؟”
تنفّس تنهيدة طويلة، أقرب إلى زفرة ارتياح:
“الحمد لله… الحمد لله…”
ثم عجز عن الكلام، واكتفى بأن يجهش صامتًا بالدموع. كان هذا المشهد على النقيض تمامًا من كيد الذي ملأ الليل بالضحكات الباردة.
بدا سنييل الآن هشًا إلى حدّ يُثير الشفقة.
“مفارقة عجيبة… هذا الرجل هو نفسه الذي هدّد حياتي، ومع ذلك، ها أنا أشفق عليه…!”
لكن الحق أن مظهره وسلوكه حين يكون “سنييل” يختلف جذريًا عن حاله حين يصير “كيد”. بل حتى ملامحه بدت مختلفة وكأنهما شخصان منفصلان لا يجمعهما جسد واحد. كنتُ أؤمن أنهما وجهان لذات الشخص، غير أني الآن شعرت كأنني أتعامل مع كيانين متباينين تمامًا.
رفعت يدي لأواسيه، ثم تراجعت. “أنا لستُ بطلة رواية رومانسية… لا أريد أن أتورط عاطفيًا. هدفي واحد: النجاة والهرب من هنا.”
قلت ببرود مقصود:
“ما دمتَ تفعل ما طلبتُه منك، فلن يحدث شيء سيئ، مثلما جرى أمس.”
أومأ رأسه بعجلة، كجرو مطيع:
“سأفعل كل ما تأمرين.”
“حسنًا إذن. في الوقت الحالي لا أطلب شيئًا جديدًا، فلتذهب إلى عملك. واجفف دموعك، كفى بكاء.”
مددت يدي إلى مقبض الباب لأفتحه، لكن قبل أن يخرج نظر إليّ بعينين ما تزالان مبتلتين وقال بهدوء:
“شكرًا لك.”
“نعم، أشكُرني كثيرًا…” لوّحت له بيدي حين خرج:
“أراك مساءً على العشاء.”
توقف فجأة في العتبة، ثم استدار إليّ بوجهٍ جاد مهيب، وقال بصوت متعهد:
“نعم، نلتقي مساءً.”
لكنه لم يغادر فورًا، بل ظلّ يتردّد قليلًا، نظر إلى الأرض بخجل، ثم رفع بصره نحوي وهمس بتردد:
“…فيڤي.”
لقد لبّى أخيرًا طلبي، وناداني باسمي. كان محرجًا حين فعلها، ثم أسرع بالخروج.
“واو…!”
كدت أذوب لوهلة وأنا أحدّق في ملامحه. لم يكن الموقف مناسبًا لأي إغراء، ومع ذلك كاد يسحرني بجماله. هززت رأسي بقوة محاوِلةً أن أستعيد وعيي.
“ما قيل عن “حُسن يُسقط الممالك” ليس من فراغ…”
كنت على وشك أن أنسى موقفي وأستسلم لجاذبيته.
بعد مغادرته، بقيتُ أحدّق في زهرة التوليب التي كان كيد قد غرسها في غرفتي دون استئذان. وددت أن أتخلص منها على الفور، لكني لم أجرؤ.
“لو فعلت، لربما أثار ذلك حفيظة كيد.”
تشابكت ذراعاي عل ى صدري وأنا أمعن النظر في الزهرة الصفراء. لم أتوصل إلى قرار، فأبقيتها مكانها كما هي.
بدلًا من ذلك، انشغلت بتنفيذ خطتي لليوم. وحين سمعت أنّ سنييل غادر إلى عمله، خرجتُ بدوري من الغرفة في هدوء.
كان هدفي واضحًا:
اليوم، سأبدأ بجمع الأدلة على جرائم القتل التي ارتكبها كيد.
♤♧♤♧♤♧♤
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 10"