في الحياة، هناك مواقف تنطبق عليها كلمة “يا للمصادفة البائسة ” تمامًا.
مثل أن تحرص كل يوم على أخذ المظلة معك، ثم “بالصدفة” في اليوم الماطر تتركها في البيت.
أو أن تؤدي عملك بإتقان وبشكل منتظم، ثم “بالصدفة” في اليوم المهم ترتكب خطأ، فتتدهور سمعتك وتصبح أسوأ من زميلك الكسول الذي لا يؤدي عمله.
في مثل تلك الأوقات، كثيرًا ما تنتهي بي الأفكار إلى الهاوية.
“آه… ليتني لم أبدأ من الأساس.”
وهذا بالضبط ما أشعر به الآن.
كنت أقرأ الكتب كهواية وباستمرار، ثم “بالصدفة” وجدت نفسي متجسدة داخل مثل هذا الكتاب.
“يا للجنون… ليتني لم ألمس هذا الكتاب من الأساس!”
من خلال النوافذ الشفافة، كانت أشعة الشمس تتدفق. وكانت موسيقى الأورغن المهيبة تتردد في الأرجاء.
رأيت وجوهًا تغمرها البهجة.
وفي وسطهم، كنت أنا الوحيدة التي أقف بارتباك فوق البساط الأحمر.
التفتُّ لأنظر إلى الرجل الواقف بجانبي، زوجي.
وجهه بدا وكأنه خُلق ليناسب قدسية هذا المعبد.
شَعر أسود مربوط بعناية، وعيون عميقة حمراء تتلألأ وكأنها تحمل قصة حزينة. ملامح وسيمة، وقوام متناسق مثالي.
“…هاه.”
انفلتت مني ضحكة ساخرة. بعينين دامعتين، رفعت بصري نحو النور المتلألئ المتساقط خلف الكاهن الذي يترأس المراسم. آه، يا إلهي…
زوجي المرتقب هذا قاتل سفّاح.
إنه يمزق الناس إربًا.
قبل عشر دقائق تقريبًا، كنت قد تلقيت إعلان وفاتي.
“17 مارس 2021، الساعة 12:03 ظهرًا، توفيت.”
كنت في الحادية عشرة من عمري حين فقدت والديّ باكرًا، وعشت تحت رعاية عمي وزوجته، أتناول لقيمات العيش من خلال نظرات الاحتقار.
كان والداي يمتلكان ثروة لا بأس بها، لكن عمي وزوجته استوليا عليها بالكامل بحجة أنهما سيديرانها لأجلي، ولم أرَ منها شيئًا. بل إنهما لم يسمحا لي حتى بالذهاب إلى الدروس الخصوصية بشكل لائق.
رغم ذلك، كنت أبحث جاهدة عن عمل جزئي – على الرغم من أن القُصَّر نادرًا ما يُقبَلون فيه – لأجمع بعض المال. ومع ذلك، لم أتخلَّ عن دراستي.
لأنني لم أتهاون ولم أتكاسل، تمكنت من دخول الجامعة التي حلمت بها دومًا.
وبما أنني كبرت قليلًا، فقد بدأت أتشاجر مع عمي وزوجته يوميًا على ميراث والدي.
جمعت كل ما استطعت من مال، حتى إنني استعنت بمحامٍ. لكن ذات يوم، أصابني ألم حاد في بطني.
ظننت أنه مجرد ألم سببه التوتر، لكن مع مرور الوقت أصبح الألم لا يُحتمل. وعندما لم أعد أطيقه، ذهبت إلى المستشفى… ليخبروني أنني مصابة بسرطان البنكرياس.
في مثل هذا العمر الصغير… سرطان بنكرياس؟
قال الطبيب إن المرض كان قد انتشر بالفعل لدرجة لا يمكن فعل شيء حياله.
حاولت أن أقاوم بشراسة وأتمسك بالحياة.
لكن الجهد لا يجلب دائمًا النتيجة المرجوة.
لو كنت أعلم أن النهاية ستكون هكذا، لحرقت بيت عمي على الأقل قبل موتي. لكن الندم جاء متأخرًا.
يقولون إن السمع يبقى للحظات بعد توقف القلب. ربما لهذا استطعت أن أسمع إعلان وفاتي وأنا أغرق في العدم.
بعد ذلك، انقطعت كل ذكرياتي. كأن شيئًا ما قد قُطع فجأة.
حتى سمعت دقات جرس ضخمة ومهيبة، تفيض قداسة.
“ما هذا؟”
وبينما أنا في حيرة، ضربني شعاع من الضوء.
فتحْت عيني بسبب سطوعٍ لا يُحتمل، فرأيت معبدًا شاهق الارتفاع، لا أستطيع أن أحدد أين ينتهي سقفه.
“فستان؟ لماذا أرتدي فستانًا أصلاً؟”
وليس مجرد فستان عادي، بل فستان مفرط الطول واللمعان، أقرب ما يكون إلى فستان زفاف.
هل الطريق إلى الجنة يكون عادةً بهذه الضوضاء والمبالغة؟
وسط كل هذا الارتباك، تسلّل إلى داخلي شعور غريب لم أستطع تجاوزه. مع أول خيط من الشك حيال هذا الوضع، بدأت يدي اليمنى – التي لم أشعر فيها بشيء قبل لحظات – تبدو ثقيلة بشكل غير مبرر.
أحسست بحرارة دافئة في راحتي، كما لو أن أحدًا يمسك بيدي. التفتُّ بخفة، فرأيت رجلاً وسيماً يشبك يده بيدي.
“م… ما هذا بحق السماء!”
في الظروف الطبيعية كنت سأصفّر إعجابًا في داخلي، لكن في هذه اللحظة كان الأمر مربكًا جدًا. كدت أصرخ باندفاع، لكن لحسن الحظ لم أفعل.
نظرتُ إلى الرجل بعينين متسعتين من الذهول. هو الآخر كان متأنقًا كما أنا. ومع انقشاع أول صدمة، بدأت أميز ملامحه الحادة بوضوح أكبر.
شعره الأسود الطويل كان مربوطًا بإحكام إلى الأسفل حتى وصل قرب كتفيه. عيناه الحمراوان – بعمقٍ شجي يثير الحزن والرهبة – حدّقتا بي مباشرة.
كان يبدو وكأنه رجل صالح، لكن تحيط به هالة من الحكايات المظلمة التي تخفيها نظراته. قامته ممشوقة، وأطرافه طويلة تنسدل بثقة مع كل خطوة، وجسده المخبأ تحت ثيابه يكشف عن قوة متينة يصعب إخفاؤها.
“هل يجب عليّ أن أمسك يد شخص غريب كي أعبر إلى الجنة؟ لم أسمع عن شيء كهذا من قبل.”
بصمت صرخت بعيني نحو الكاهن الواقف على المنصة. من هذا الرجل؟ صحيح أنه وسيم، لكن الوضع غير طبيعي إطلاقًا!
لكن للأسف، لم يكن لدى ذلك الرجل القدرة على قراءة أفكاري. تجاهل ارتباكي ببرود، ثم فتح فمه بصوت مهيب، مفعم بالرهبة:
“سيُقام اليوم طقس الزواج في إطار قدّاس المعبد. نتمنى لهذين الزوجين السعادة من خلال هذا السرّ المقدّس، وأن يبارك اتحادهما.”
……ماذا؟
“ماذا قلتَ الآن؟”
قلبي يخفق بعنف، عيني تجولان حول المكان بحثًا عن تفسير. شعرت فجأة بشدٍّ في شعري. مددت يدي لأتحسس فروة رأسي… وإذا بي أمسك بطرحة خشنة، طرحة زفاف!
“كيف يمكن أن يُجرى أمر بهذه الخطورة دون أي موافقة مني؟”
رفعت يدي لأعترض فورًا، لكن…
“آه… رأسي…!”
انفجر صداع مرير في جمجمتي، حتى كاد يمزقها. عبست وصرخت بصمت، بينما ذكريات غريبة ومجهولة تتدفق بعشوائية إلى داخلي.
[لقد جاء الوحي من السماء، يا فيفي! يجب أن تتزوجي بالكاهن الأعظم! كم من مرة تعطّل العرس سابقًا، والآن نرى أن كل ذلك كان إعدادًا لهذا اليوم العظيم!]
[انظري، إنه الكاهن هناك! يا إلهي، إنه أكثر وسامة مما سمعنا! هيا، أسرعي وحيّيه!]
[حين تصعدين إلى العاصمة، كوني حذرة ليلًا. هناك شائعات عن سلسلة جرائم قتل مروّعة لا تتوقف. لكن لا تقلقي، فالكاهن الأعظم سيحميك.]
“لحظة… لا يعقل…”
بينما أنا أترنح من هول الذكريات، واصلت كلمات الكاهن تتردد من بعيد:
“نحن مجتمعون اليوم في معبد إلبيرادو لنشهد زواج الكاهن الأعظم (سينييل ماككورت) والآنسة (فيفي جيزلين). لنبارك هذا اليوم السعيد.”
تجمدت.
“انتظروا…! اسمه سينييل ماككورت… وأنا… أنا فيفي؟”
اصطفت الخيوط فجأة داخل ذهني. وقبل أن أفهم كل التفاصيل، غمرتني قناعة واحدة: لقد هلكت.
صفير إنذاري دوى في رأسي.
“هذا…! هذا مطابق تمامًا لرواية “ذوقان مختلفان” !
أخيرًا فهمت.
الرجل الوسيم ذو الملامح الكئيبة، المعبد المقدس، الاسم الذي يطابق النص، والذكريات التي غزت عقلي… كل شيء يصرخ بالحقيقة: لقد دخلت داخل الرواية.
“ليشارك الجميع بالدعاء من أجل هذين الزوجين المباركين.”
لكن كيف ولماذا دخلت جسد هذه البطلة، لا أعلم. كل ما أعلمه الآن أنني أقف على حافة هاوية.
فالنهار للكاهن الأعظم “سينييل” الطاهر، والليل للمجرم السفاح “كيد” الذي يمزق ضحاياه إربًا. شخصيتان في جسد واحد.
والمصيبة؟ في الرواية، مجرد أن تقع عينا “كيد” على هذه الفتاة فيفي، يكون موتها حتميًّا.
“يجب أن أهرب فورًا!”
الآن، والجموع قد أغمضت أعينها للصلاة، هذه فرصتي الوحيدة.
التفتُ مذعورة، فرأيت البوابة الخلفية مفتوحة على مصراعيها.
“بعيدة… لكن لا يهم، فلأجرّب.”
قبضت على أطراف الفستان بكل قوتي، وبدأت أتحرك بخطوات مترددة نحو المخرج، مارةً بين صفوف الحاضرين الذين ما زالوا مطأطئي الرؤوس.
“إن فتحوا أعينهم الآن… انتهيت.”
فهذا عالم يتنفس الدين والطاعة للحكام. والعروس التي تهرب من أمر الحاكم؟ سيعتبرونها ملعونة بلا شك، وسيلاحقها الجميع حتى تموت.
ارتجفت حتى سقطت قدمي في غير موضعها. وفي تلك اللحظة…
“هممم!”
“يا إلهي!”
شدّ الكاهن صوته فجأة. وكأنها إشارة، فتحت الجموع أعينها.
ارتبكت، فمالت نظرات بعضهم نحوي. بسرعة، تظاهرت أنني فقط أعدّل ثوب زفافي، مع ابتسامة باهتة ومرتبكة.
زاوية فمي ترتعش. قلبي يخفق كطبول حرب حتى شعرت أنني سأقيء.
“فليجمع الحاكم هذين الزوجين برباط الحب، وليجعل زواجهما سعيدا أبديا.”
(لا، أيها الكاهن. أنتم مخطئون. العروس ليست أنا. هناك خطأ فادح. لقد متُّ لتوي، ولا أريد أن أموت مرة ثانية. ثم إن هذا الرجل… هذا الرجل يمزق البشر إربًا ويمثل بجثثهم!)
لكن الواعظ المبتسم لم يكن ليسمع أنيني الداخلي.
“و الآن، نسأل كلا الزوجين عن رضاهما التام بهذا الاتحاد.”
لا تسألني… أرجوك لا تسألني…
ابتسم الكاهن برفق وهو يوجه نظره نحو سينييل:
“سينييل ماككورت، هل تقبل الزواج من الآنسة فيفي جيزلين بكامل إرادتك، ودون أي إكراه؟”
قال بصوت منخفض: “… نعم.”
كان وجهه شاحبًا.
طبيعي. أليس هو نفسه الذي يقف دائمًا ضد كيد السفاح؟
سينييل إنسان صالح، يعارض القتل بكل قواه. ولأجل ذلك، كان يعيش عذابًا دائمًا وهو يحاول السيطرة على “كيد” داخله. ومن المؤكد أنه الآن يشعر بالمرارة وهو عاجز عن إيقاف هذه الزيجة.
لكن في هذه اللحظة، لم أشعر تجاهه بأي شفقة.
ثم جاء دوري:
“فيفي جيزلين؟ هل تقبلين هذا الزواج بإرادتك الحرة؟”
“آه؟ أنا؟ أ… أجل.”
ارتعش فمي. فتحتُه لأقول “لا”، لكن سرعان ما أطبقت شفتي. لو أنكرت، فلن يحترم أحد اختياري، بل سيجرّونني مكبلة بتهمة الكفر.
غصصت بدموعي، ثم أجبت بصوت متهدج:
“… نعم.”
فغشت دموعي ناظري.
هل هكذا يبدو الأمر حين يدخل المرء إلى الجحيم بقدميه؟
من نافذة العربة، كنت أحدّق بالقلعة الفخمة التي تلوح شامخة أمامي.
“إذًا… هذا هو المكان المشؤوم…”
بعد زفافٍ تملؤه الدموع، لم يكن هناك حفل استقبال، ولا مأدبة، ولا تهاني. وكأنهم يتعمدون قطع الطريق أمام أي فكرة للهرب.
أُقحمت داخل عربة فاخرة، ونُقلت مباشرة إلى قصر سينييل.
المسافة من البوابة الخارجية إلى المدخل بدت طويلة بلا نهاية. انطلقت العربة بخطى ثابتة عبر ممر مهيب تحيطه حدائق متناظرة بدقة، تنتصب فيها تماثيل تحمل هالات دينية.
لم يكن في نفسي مكان للإعجاب بجمالها، بل كنت أتمعّن فيها بحثًا عن أي سبيل نجاة.
وأخيرًا، خلف الامتداد الواسع من العشب الأخضر، ظهر القصر المهيب بكل جبروته.
᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات