“لم يكن ذلك بنيّة سيئة.”
بدأ كاسيان كلامه بتبرير غير معتاد، وكأنه كان يتوقع أن أغضب. نظر إليّ بعينين تلمعان مثل جرو ارتكب خطأ.
“كنتُ فقط أسأل بدافع الفضول.”
“…حقًا؟”
توسعت عيناه بدهشة طفيفة، مما زاد من استغرابي..
“إذا كنتَ تعتقد أنني سأغضب، فلماذا راقبتني إذًا؟”
لقد سألت فقط عما إذا كان يراقبني، لكنه بدا وكأنه أصيب في موضع حساس، مما جعلني أشك أكثر..
“لا تقل لي أنك كنتَ تراقبني لغرض المراقبة—”
“لا، روز!”
أجاب على عجل، وكأن مجرد الفكرة أرعبته.
أطلق زفرة خفيفة ومسح وجهه بيده بقوة. ثم، على غير عادته، لم يرد مباشرة، بل أظهر ملامح خجل نادرة.
لم يكن ذلك الرئيس المتغطرس الذي لا يفوّت فرصة لإزعاجي، بل بدا وكأنه مجرد فتى عادي.
شعرت بوخزة غريبة في قلبي عند رؤيته بهذا الشكل.
هل كان ذلك مجرد إحساس بالندم؟
لأنني، أثناء تدميري لأحداث القصة الأصلية، لم أتمكن من رؤية معظم فترة مراهقته؟
لذلك، في كل مرة يتصرف فيها بشكل خرقاء أمامي أو يظهر لحظة ضعف، أشعر، بطريقة لا أستطيع تفسيرها، بنوع من الرضا العجيب؟
“هل ستغضبين حقًا؟”
“أخبرني أولًا، وسأرى.”
“لقد غيّرتِ كلامك. قبل قليل، كنتِ تتصرفين وكأنكِ لن تغضبي.”
ثم، وكأنه مستاء، أمسك بيدي وبدأ يعبث بها..
“حتى اللقب تغيّر بعد عودتكِ من إجازتكِ.”
وكأنه قرر التخلي عن دوره كالأمير الثاني المثالي الذي لا يُعلى عليه..
شعرتُ بالضحك يتسلل إليّ رغمًا عني، فقد كان تعبيره الطفولي الصريح مضحكًا.
“هل هذا ما يزعجك؟”
“نعم.”
رفع يدي إلى شفتيه وطبع عليها قبلة خفيفة، ناظرًا إليّ بنظرة ثابتة..
“ظننتُ أنكِ تفهمتي على أن لقائي بكِ لم يكن لأول مرة عندما كنتُ في الحادية والعشرين.”
شدّ أصابعي بلطف بين يديه وهو يهمس بإخلاص:
“عندما تتحدثين وكأن كل شيء بدأ من هنا، أشعر وكأنكِ تنكرين ما كان قبل ذلك.”
كانت كلماته صريحة جدًا..
وفي الوقت نفسه، أدركتُ مدى أهمية تلك الذكريات له.
وبصراحة، بالنسبة لي أيضًا…
‘لا يمكنني القول إن الأمر مجرد تأنيب ضمير بسيط.’
كان من الصعب إنكار أن تلك الذكريات كانت ثمينة للغاية.
فصلٌ كامل من حياتي، وأنا في جسد فتاة في التاسعة، قضيتُه في محاولة يائسة لإنقاذه من دون أن يكتشف والداي..
ومنذ اللحظة التي رأيته فيها يقاتل من أجل البقاء، لم يكن خوفي الأكبر أن أُكشف، بل كان الأهم عندي أن يجد ذلك الفتى الصغير، الذي كان يحمل كل ذلك الألم، طريقه إلى السعادة..
لقد كنت أخفي هذه المشاعر وأحاول قمعها، خشية أن تجرفني دوامة القدر. لكن يبدو أن إنكارها لم يعد مجديًا.
منذ اللحظة التي رأيته فيها مجددًا بعد صعودي إلى العاصمة، كنت ضعيفة أمامه..
وكلما زاد تصرفه بطفولية معي بدلاً من كونه الأمير الرزين، كلما بدا لي أكثر ظرافة بدلاً من أن يصبح أكثر وسامة..
“لن أجعلكِ تشعرين بالحزن.”
كيف يمكنني رفض مثل هذا الطلب الصغير؟
“ولكن، إيان.”
“همم؟”
عندما ناديته بالاسم الذي اختاره، أشرق وجهه بابتسامة ناعمة..
لكن حتى مع ذلك…
“أعتقد أنني كنتُ أناديك ‘سمو الأمير’ عندما التقينا لأول مرة.”
في الواقع، أظن أننا التقينا لأول مرة عندما كنتَ في السابعة؟
طبعًا، ليس في ذكرياتي، بل في ذكرياتك.
ظهرت على وجهه لمحة من الذهول، لكن سرعان ما استعاد تعابيره المألوفة، بل وارتسمت على شفتيه ابتسامة مشاكسة..
“إذن، هل يجب أن أناديكِ بحاصدة الأرواح الجميلة؟”
وكما هو متوقع، ردّ الصاع صاعين..
انظروا إليه، ليس لديه أي نية للخسارة حتى الآن.
رغم الأفكار الصغيرة الطفولية التي راودتني، لم أتمالك نفسي وانفجرت ضاحكة.
ثم، في لحظة غفلة منه، أمسكتُ بيده مجددًا وسألته:
“إذن، منذ متى كنت تراقبني؟”
هل كان يظن أنني سأتجاهل الأمر لمجرد أنه حاول التغاضي عنه بمزحة لطيفة؟
عند كلماتي، ظهرت على وجهه تلك الابتسامة الجميلة التي أعرفها جيدًا، لكنه تنهد بعمق..
ومن النادر أن أرى ذلك، لكن بدا أن احمرارًا خفيفًا قد تسلل إلى أسفل عينيه وأطراف أذنيه..
***
بينما كنتُ في إجازتي، يبدو أن فرانسيس وبقية الإداريين قد عملوا بجد لدرجة أن كاسيان وجد وقتًا كافيًا للدردشة معي حول الماضي..
بوجه متردد ومذنب بعض الشيء، بدأ حديثه ببطء.
“همم، عرفتُ أنكِ ابنة عائلة البارون ساليس منذ أن كنتِ في الكوخ.”
“…ماذا؟”
“كنتُ أراقبكِ.”
حدّقتُ فيه بنظرة باردة بعض الشيء، فزمّ شفتيه وكأنه يهمس مع نفسه، “لهذا لم أكن أريد أن أخبرها”…
“كنتَ تعرف أنني لن أكون سعيدة بسماع هذا، ومع ذلك قررتَ أن تكون صادقًا؟”
“لأنني إن كذبتُ بشأن هذا، كنتِ حقًا لن تسامحيني.”
أحسنت، على الأقل لديك حس سليم.
شعرتُ بقليل من القشعريرة، لكن بالنظر إلى طفولة كاسيان، كان من الممكن تفهم تصرفه إلى حد ما..
حينها، لم يكن يرى سوى أعداء يحاولون قتله، ناهيك عن أن المكان الذي كاد يُقتل فيه كان المكان الذي أرسله إليه الإمبراطور، والده..
وفي خضم ذلك، ظهرتُ من العدم وساعدته دون أن أطلب أي مقابل..
كما أنني أنا نفسي ظننتُ أن رسالته الأولى لي كانت عملية احتيال، فمن المنطقي أن يكون قد شكّ في نواياي أيضًا.
خاصة إذا كنتُ مجرد طفلة، فمن الطبيعي أن يتساءل عمّا إذا كان هناك شخص بالغ خفي يحاول خداعه من خلالي..
“أشعر أن روز تفكر بأفكار غريبة الآن.”
“ماذا؟”
كنتُ فقط أحاول أن أكون متفهمة! أهذا جزائي؟
ضيّقتُ عينيّ قليلًا وأنا أنظر إليه، فارتسمت على شفتيه ابتسامة ماكرة..
“ببساطة، كنتُ أجدكِ لطيفة، لذلك كنتُ فضوليًا.”
“…ماذا؟”
لطيفة…؟
في ذلك الوضع البائس، كان هذا هو السبب الذي دفعك إلى ملاحقتي؟
بدا تفسيري أكثر منطقية وأقل كآبة بكثير من تفسيره.
نظرتُ إليه بصدمة، فأطلق تنهيدة عميقة وكأنه يلومني..
“كما تعلمين، قبل أن ألتقي بالسيدة الصغيرة روزليتا، لم أكن شخصًا داهية أو ذكيًا جدًا.”
“آه…”
“من الطبيعي أن أتساءل عن هوية الطفلة اللطيفة التي كانت تحضر لي الحساء البارد ووجبات البيض الفاشلة، أليس كذلك؟”
“همم…”
لم أكن مقتنعة تمامًا، لكنني قررتُ التظاهر بالموافقة.
“لهذا لم أكن أرغب في الحديث عن الأمر، قلبي الصغير كاد يتحطم.”
نظر إليّ بنظرة مظلومة، مما جعلني أشعر بمزيد من الإحباط..
ما الذي فعلتُه لأستحق هذا؟!
أليس من الطبيعي أن يكون المرء أقل تعبيرًا عن مشاعره؟!
“على أي حال، كنتُ مصممًا على لقائكِ مجددًا، ولكن ليس في وضع بائس كما كان حينها.”
فجأة، اختفت النظرة الطفولية من عينيه، وعاد إليّ كاسيان الذي أعرفه جيدًا..
“كنتُ أريد رؤيتكِ وجهًا لوجه، عندما أكون قادرًا على ذلك.”
أمسك بيدي مرة أخرى وانحنى قليلًا.
كانت رموشه الطويلة تلمع وكأنها تحمل قطرات ندى.
“لأنكِ أنقذتِني، تمكنتُ من النمو بشكل صحيح. كما تمنّيتِ لي، استطعتُ أن أصل إلى هنا دون أن أخسر أي شيء ثمين.”
بصمت، ضغطت شفتاه على ظهر يدي..
على عكس قبل، لم يكن هذا الفعل مجرد حركة لعوب، بل كان مليئًا بمشاعر صادقة..
شعرتُ أنه كان ينتظر هذه اللحظة منذ أن التقينا مجددًا في العاصمة.
“لهذا كنتُ أراقبكِ، منذ اللحظة التي لم يعد بإمكان أحد تجاهلي فيها.”
رفع رأسه ونظر إليّ بنظرة دافئة..
“لكن، لم أستطع أن أضع رجالي في أراضي عائلة ساليس إلا قبل عام من حفل تقديمكِ للمجتمع.”
بعبارة أخرى، عندما كنتُ في السابعة عشرة من عمري.
قال ذلك بملامح متحسرة..
“قبل ذلك، كنتُ أكتفي بسماع الأخبار من حين لآخر، للأسف.”
“أي أخبار؟”
“مثل أنكِ أصبحتِ صديقة لصبي لطيف يُدعى ويسلي موريل.”
اقتربت يده الفارغة ولمست وجنتي بلطف، مما جعلني أشعر بدغدغة خفيفة..
“أو أنكِ جعلتِ باول تيروديم يبكي، ثم استغللتِه بشكل جيد لتربيته كخليفة مثالي لعائلة تيروديم.”
“…إنّ من قام بتربيته هما الكونت وزوجته، بالمناسبة.”
إذا غيرتَ فجأة اسم ولي أمره بهذا الشكل، فسيشعر باول بالمزيد من الألم.
ليس أنني سأمانع، لكن…
ضحك كاسيان بخفوت.
“لكن أكثر ما أشعر بالأسف حياله، في الحقيقة، هو شيء آخر.”
“وما هو؟”
“أنني لم أتمكن من رؤية السيدة الصغيرة اللطيفة من عائلة ساليس وهي تكبر لتصبح سيدة ناضجة وذكية.”
شعرتُ وكأنه ضرب قلبي مباشرة..
لأنني، بدوري، شعرتُ بالأسف لأنني لم أتمكن من رؤية فترة مراهقته أيضًا.
ابتسم كاسيان كما لو أنه قرأ أفكاري، بنظرة راضية تمامًا.
“لذا، أرجوكِ سامحيني، روز، لأنني راقبتكِ دون إذنكِ، فقط لأطمئن أنكِ بخير.”
رغم نبرته الهادئة، كان هناك رجاء خالص في صوته.
وكأن كلماته لم تكن مجرد اعتراف، بل طلبًا صادقًا لأتفهمه.
ضحكتُ بهدوء..
“لقد قلتُ لك، كنتُ فقط فضولية، لا أكثر.”
لو كان قد أجرى تحقيقًا كاملاً عن عائلتي، لربما كنتُ سأغضب.
لكن كل ما فعله كان مجرد مراقبتي من بعيد بدافع القلق.
وبصراحة، معرفة أنه كان مهتمًا بي إلى هذه الدرجة…
‘… تعجبني هذه الفكرة.’
تمامًا كما كنتُ، رغم كل محاولاتي للهروب من قدري، أتساءل كيف كان يكبر.
كنتُ أريد أن يكون مجرد عابر سبيل في حياتي، وأردتُ أن ينساني…
لكن الحقيقة هي أنني لم أرد ذلك حقًا.
يا لي من شخص جشع ومتناقض.
“لذا، لا داعي لأن تطلب المغفرة، لأنني لم أنزعج من الأمر أبدًا.”
أردتُ أن أريحه من شعوره بالذنب غير الضروري، لكن…
“لكنني ما زلتُ قلقًا.”
“قلق؟ بشأن ماذا؟”
“ماذا لو قام شخص سيئ بإغرائكِ بالمال؟”
—وهكذا، حطم كاسيان الأجواء العاطفية تمامًا.
“…هل هذا انتقام؟”
هل تحاول تدمير مشاعري كما دمّرتُ براءة طفولتك؟
نظر إليّ بوجه بريء تمامًا وقال بابتسامة مشرقة:
“كيف يمكنكِ قول ذلك؟ أنا فقط قلق حقًا بشأنكِ، روز.”
يا له من كاذب وقح…
***
مع دخول الربيع الكامل، بدأت الأزهار تتفتح وتذبل في حدائق القصر الإمبراطوري..
لكن هذا لا يعني أن العمل في قصر الشتاء قد قلّ.
بينما كنتُ أجلس في مكتبي، أتوقف بين الحين والآخر لأتأمل المشهد خارج النافذة، لاحظ كاسيان ذلك ودفع إليّ ببعض الأوراق..
“روز، اذهبي إلى جناح المحظية الأولى.”
الطريق إلى هناك، في هذا الوقت من العام، يكون في أجمل حالاته، حيث تتفتح الأزهار بغزارة، مما يجعله أحد أروع المناظر في السنة..
“في مثل هذه اللحظات، أشعر أنني محظوظة جدًا لوجود رئيس جيّد.”
“أتمنى لو كنتِ تفكرين هكذا دائمًا.”
عبّر كاسيان عن استيائه الطفيف، لكنه أرسلني دون اعتراض.
على الرغم من أن المسافة من قصر الشتاء إلى جناح المحظية الأولى، قصر البانسيه، لم تكن قصيرة—بل في الحقيقة، كل الأجنحة الإمبراطورية كانت بعيدة عن بعضها، إلا أن المشهد الجميل جعل المشي يستحق العناء.
وبما أن المنظر كان جميلًا إلى هذا الحد، كان من المفترض أن يكون مزاج الخدم جيدًا أيضًا، لكن…
“…همم؟”
لماذا الجميع يبدون… متوترين؟
عندما اقتربتُ من قصر البانسيه، لاحظت أن الخادمات يراقبنني بطرف أعينهن وكأنهن يدرسن تصرفاتي بحذر.
عادةً ما كانوا ينظرون إليّ بهذه الطريقة فقط عندما أغرق الإداريين بالعمل وأرحل، لكن…
وبينما كنتُ أفكر في سبب ذلك، دخلتُ القصر—
صفعة!!
تردد صوت حاد في الأرجاء.
وفي اللحظة التالية، سمعتُ صوتًا غاضبًا..
“كيف تجرؤين على الاشتباه بي دون أي دليل، المحظية الرابعة؟!”
وهكذا، وجدتُ نفسي مضطرة لمشاهدة مواجهة محتدمة بين المحظية الأولى والمحظية الرابعة.
التعليقات لهذا الفصل " 98"