“جلالة الإمبراطور…!”
بطبيعة الحال، لم تفوّت الإمبراطورة الأولى هذه الفرصة، فنهضت من مكانها على الفور..
أما أنا، فمع أنني قد تخلّيت عن صورتي تمامًا، لم أكن لأفكر في منعها في هذه اللحظة.
حتى قائد الفرسان لم يعترض على ذلك، ولم يكن لديها مكان تهرب إليه على أي حال.
لكن ما كان يقلقني أكثر من ذلك هو…
“…روز.”
إنه رئيسي، كاسيان.
لم أضع يدي على جبهته، بل أمسكت فقط بيده، ومع ذلك شعرت بنبضه السريع بوضوح.
‘ما هذه الحال التي أنتَ عليها….’
راودتني الكثير من الكلمات، لكنني ابتلعتها جميعًا.
فمعرفة الآخرين بحالة كاسيان الآن لن يكون في صالحنا أبدًا.
“هل تستطيع الصمود؟”
لذا، قلت له كلمات قاسية بلا تردد.
لم أشعر بأي تأنيب ضمير عندما استجوبت الإمبراطورة الأولى وأجبرتها على التبرير، لكن دفعي لكاسيان بهذا الشكل أشعرني بالذنب..
مع ذلك، ابتسم كاسيان كما لو أن شيئًا لم يكن، وأحكم قبضته على يدي.
كانت عيناه تخبراني بألا أقلق كثيرًا، بأن أثق به.
لذا، من دون أي كلام إضافي، قررت التوجه معه إلى غرفة نوم جلالة الإمبراطور.
حان الوقت لإنهاء هذه الأيام الطويلة.
***
“جلالتك، هل… هل تدرك كم كنتُ قلقة عليك! رؤية جلالتك تستيقظ أخيرًا بهذه القوة…”
بمجرد دخولنا إلى غرفة النوم، رأينا الإمبراطور الذي كان قد استيقظ للتو، يحتسي الدواء، وإلى جانبه الإمبراطورة الأولى تذرف الدموع بغزارة..
كان لا يزال في مرحلة التعافي من التسمم، لكن نظرًا لقوته الجسدية، لم يستغرق الأمر سوى بضع سعال خفيفة قبل أن يتحدث بهدوء.
“لتكفِّ الإمبراطورة الأولى عن البكاء، رأسي يؤلمني.”
“ج… جلالتك.”
في هذه اللحظة، لم أتمالك نفسي من الإعجاب بالإمبراطورة الأولى..
فبدلًا من أن تُظهر استياءً من قسوة كلماته، كان جسدها بأكمله يعكس مدى ارتياحها لأنها سمعت صوته مجددًا.
ومع ذلك، لم يُظهر الإمبراطور أي اهتمام حيال رد فعلها، بل بالكاد ألقى نظرة باردة عليها، ثم صرف بصره عنها تمامًا.
“كاسيان.”
بدلًا من ذلك، أشار نحونا، نحن الواقفين عند الباب.
“أنت… حقًا…”
كان سلوكه مختلفًا تمامًا عما أبداه قبل لحظات تجاه الإمبراطورة الأولى. توقّف قليلًا وكأنه يعجز عن التعبير، ثم نظر إلى كاسيان… وإلى يديَّ المتشابكتين معه.
في عينيه الزرقاوين، دارت مشاعر متشابكة..
ضغط شفتيه قليلًا، وكأن الحكاية لا تتعدى مجرد التهاب بسيط في الحلق، ثم تابع قائلًا
“لقد عانيتَ كثيرًا بسبب هذا الأمر السخيف.”
“هذا واجبي، لا أكثر.”
“واجب…؟”
تمتم الإمبراطور بكلمة كاسيان، كأنه يعيد التفكير فيها، ثم مدّ يده نحوي..
“قبل وصولكما، أبلغني قائد الفرسان بما حدث بعد سقوطي. لكن مساعدة ساليس، أظن أن لديك الوثائق الأدق حول الوضع.”
بمجرد سماع ذلك، أسرعت بتقديم الملف الذي كنت أحمله إلى جلالته.
لكن الإمبراطورة الأولى حاولت اعتراض الأمر..
“جلالتك، يمكنك التعامل مع هذا بعد استعادة عافيتك! التحقيق لم—”
“اصمتي، لم أطلب منكِ التحدث.”
بكلمات قصيرة، قمع الإمبراطور احتجاجها، فارتعشت شفتيها، كما لو أنها لا تستطيع تقبّل أن يتم تجاهلها بهذه الطريقة..
أخذ الإمبراطور الملف، وبدأ في تصفحه بسرعة.
كان يحتوي على تقرير مفصل عمّا جرى، بما في ذلك مسرحية الإمبراطورة الأولى والكونتيسة التي دوّنتها أثناء قدومي إلى هنا.
بعد قرابة عشر دقائق، أغلقه وأطلق تنهيدة طويلة.
“لقد تحملتم الكثير، أنتِ، قائد الفرسان، والفرسان الملكيون، والمساعدة ساليس.”
ثم، بعد أن وضع الملف جانبًا، وجّه نظرة باردة مباشرة نحو الإمبراطورة الأولى..
“أطلِقوا سراح الجميع، باستثناء الإمبراطورة الثانية، رئيسة الوصيفات، والخادم باري.”
“جلالتك!”
شهقت الإمبراطورة الأولى، متفاجئة..
“لكن… لم يتم القبض على الفاعل الحقيقي بعد! يجب—”
“هل يقلقك أمري، أم أنكِ تحاولين التخلّص من أي شخص قد ينافسكِ؟”
“كيف يمكنك قول شيء كهذا؟ كل ما أريده هو—”
طَرَقَ الإمبراطور الطاولة بقوة..
برغم أنه بالكاد نجا من التسمم، إلا أن قوته لم تكن توحي بذلك أبدًا.
“لم يعد هناك جدوى من الحديث معكِ.”
ابتسم بازدراء، ثم قال ببطء
“محاولة اغتيال الإمبراطور ليست سوى خيانة. لذا، سيتم إعدام الخادم باري، والفارس الذي ساعده، وكذلك—”
ثم وجّه بصره إلى الكونتيسة التي كانت ترتجف بجوار الإمبراطورة الأولى..
“—وبحسب كلام الإمبراطورة الأولى، العقل المدبر هو هذه المرأة… وعائلتها بأكملها.”
“ج… جلالتك! لا! لم أفعل شيئًا!”
أغمض الإمبراطور عينيه للحظة، ثم قال..
“ما عساني أفعل؟ لقد اخترتِ الجانب الخطأ.”
“أرجوك… أرجوك، حققوا في الأمر! أنا مظلومة! مظلومة تمامًا!”
توسّلت الكونتيسة، بينما كانت الإمبراطورة الأولى تنظر إليها بنظرة صارمة..
لكن الإمبراطور لم يتأثر، وأمر قائد الفرسان:
“أجْرِ تحقيقًا تفصيليًا بشأن الكونتيسة، وأبلغني بالنتائج. بعدها، سأقرر مصيرها.”
“أمرك، جلالتك. وماذا عن الآخرين؟”
“إعدامهم.”
بكلمة واحدة باردة، انهارت الكونتيسة، تبكي بحرقة بينما كان الجنود يسحبونها إلى الخارج، تصرخ مرارًا وتكرارًا نحو الإمبراطورة الأولى..
“لا يمكنكِ فعل هذا بي! لا يمكنكِ!”
لكن سرعان ما خفتت صرخاتها.
وعندما هدأ المكان، تحدثت الإمبراطورة الأولى:
“لقد أخفقتُ في إدارة من هم تحت إمرتي، جلالتك…”
“جيد أنكِ تدركين ذلك.”
لكن الإمبراطور لم يُظهر أي تعاطف، على عكس الماضي.
“بسبب تهوّركِ، سمحتِ بحدوث اضطرابات متكررة في القصر. والأسوأ، أنكِ سجنتِ أبرياء مرارًا، بناءً على افتراضات غير مدروسة.”
“أنا… سأتحمّل المسؤولية! لكن… لقد فعلتُ كل هذا بدافع القلق عليكَ—”
“من يتخذ قرارات غبية بدافع القلق لا يستحق هذا المنصب.”
“جلالتك!”
اتسعت عينا الإمبراطورة الأولى بذهول..
لم يسبق للإمبراطور أن مسَّ مكانتها من قبل.
‘لقد كنتُ زوجتكَ لعقود! كرّستُ نفسي لإدارة القصر والاعتناء بأبناء العائلة الإمبراطورية!’
لكن عينيه لم تعكسا سوى البرود، كأن كل لحظات التودد السابقة لم تكن سوى خدعة..
“الإمبراطورة الأولى، سكارليت جاموتي، تسبّبت بفوضى متكررة داخل القصر، وفشلت في أداء دورها كأكبر سيدة في البلاط أثناء غيابي.”
“ج… جلالتك!”
“بالإضافة إلى أن المتآمرين انطلقوا من تحت سلطتها، لذا لا يمكنني التغاضي عن ذلك.”
بدأت الأوعية الدموية في عينيها تبرز من الغضب..
“لذلك، أُخفض رتبتها إلى أدنى مرتبة بين المحظيات، المرتبة الرابعة. وسترتفع مكانة الأخريات وفق الترتيب.”
“جلالتك!”
عند صدور الحكم، لم تعد هناك أي بقايا للأناقة أو الهيبة في مظهرها..
كانت عالقة بين الرغبة في إثارة شفقة الإمبراطور أو الانفجار غضبًا من هذا القرار الظالم.
لكن الإمبراطور، بنبرة هادئة حاسمة، قال:
“إذا كنتِ مظلومة، فأثبتي براءتكِ، كما كنتِ تطالبين الآخرين بذلك.”
“…”
“وللبدء، اثبتي براءة الوصيفة التي كنتِ تتهمينها زورًا.”
أُغلقت كل مخارج النجاة أمامها..
لم تستطع سوى أن تخفض رأسها، ودموعها تنهمر بصمت.
“سأتقبل العقوبة، وأتنحّى.”
حتى مع هذا، لم يُعِرها الإمبراطور اهتمامًا، بل أمر الجميع بالمغادرة.
وقبل أن أخرج، شعرتُ أنه يريد أن يقول لي شيئًا، لكنه نظر إلى ابنه الصغير إلى جانبي، ثم أشار لنا بالمغادرة سريعًا.
هل لا يزال أبًا في النهاية؟
بمشاعر معقدة، شددتُ على يد كاسيان، وغادرنا معًا.
***
حينما شددتُ قبضتي على يده وسرّعتُ خطواتي، رفعني كاسيان فجأة بين ذراعيه دون مقدمات.
“سموك، أستطيع المشي! اذهب أنت أولًا.”
“لا أريد.”
حتى في هذه اللحظة، ما زال يعاند مثل طفل..
أشعر بقلق يعتصر صدري.
لكنني أعلم أنه حين يُصرّ على شيء، لا مجال لإقناعه بعكسه. لذا، استسلمتُ بين ذراعيه حتى وصلنا إلى مكتبه في قصر الشتاء.
بمجرد أن أغلق الباب خلفه، انهار على الأرض وكأن قواه قد خارت دفعة واحدة..
إذا كان سيصل إلى هذه الحال، فلماذا أصرّ على إرهاق نفسه؟
“لماذا ترهق نفسك بلا داعٍ؟ عليك أن ترتاح في سريرك!”
حاولتُ أن أهدئ نفسي قبل أن أتحدث، لكن رؤية وجهه المرهق—أكثر مما رأيته من قبل—أخرجت كلماتي محمّلة بالقلق والضيق.
“أرجوكَ، فقط—”
“روز.”
ما إن ناداني حتى جذبني إليه فجأة، يطوّقني بين ذراعيه بصوت خشن متوسل..
“أرجوكِ، روز.”
في مثل هذا الوضع، لماذا يهمّه كيف أناديه؟
تنهدتُ في سري، متذمرة بصمت، لكن حين رفعتُ عينيّ إلى نظراته المفعمة بالوجع، شعرتُ بغصّة في حلقي.
يمكنني أن أتخيل تمامًا ما مرّ به.
دون تفكير، أحطتُ ذراعيّ حوله بقوة، وكأنني أريد أن أطمئنه أن كل شيء انتهى الآن.
دق دق—
كان قلبه يخفق بقوة تحت جسده المنهك، وكأن كل جزء فيه يصرخ احتجاجًا على ما تحمّله..
ارتعش قلبي بين الشفقة والطمأنينة—على الأقل، ما زال ينبض، ما زال هنا.
“…إيان.”
ناديتُ اسمه، وكأنني أواسي نفسي أيضًا.
شعرتُ بيده الكبيرة تلامس مؤخرة رأسي، أصابعه تنزلق برفق بين خصلات شعري، لمسة مطمئنة رغم أنفاسه المضطربة..
“أنا هنا.”
رغم توتر أنفاسه، إلا أن صوته كان ثابتًا، كأنه يحاول أن يطمئنني أنا بدلًا من العكس.
وكعادته… حتى عندما يكون هو الأكثر احتياجًا إلى الطمأنينة.
“لم يعد عليكِ أن تتحملي كل شيء وحدك بعد الآن.”
بهدوء، حطّم الجدار الذي ظل متماسكًا به وحده طوال هذا الوقت.
التعليقات لهذا الفصل " 95"