رغم أنه ألقى عباءته الممزقة، إلا أن مظهر كاسيان كان لا يزال في حالة يرثى لها..
كان واضحًا أنه قد مرّ بمعاناة لا توصف.
زفر ببطء ليستعيد أنفاسه، ثم أخرج من طيات ردائه كيسًا ممتلئًا.
“لهذا تمكنت من العودة بهذه السرعة.”
على عكس حالته الفوضوية، كان الكيس نظيفًا تمامًا، مما كشف عن مدى حرصه على الحفاظ عليه.
بإشارة منه، تقدم أطباء القصر وبعض الفرسان لتلقي كيس الأعشاب الطبية من يديه.
أمر قائد الفرسان مجموعة منهم بمرافقة الأطباء تحسبًا لأي طارئ.
وكان لافتًا أن أيًّا منهم لم يكن منتمياً إلى الجناح الإمبراطوري الأول، وهو أمر لم يكن محض مصادفة.
راقب كاسيان المشهد للحظة، ثم رفع يده ليمسح خصلات شعره المتناثرة قبل أن يواجه الإمبراطورة الأولى مباشرة.
“يبدو أن جلالتكِ لستِ سعيدة بعودتي، رغم أنكِ كنتِ تدّعين اهتمامكِ العميق بصحة والدي الإمبراطور.”
كان صوته باردًا، وطريقته في طرح السؤال مباشرة وصريحة..
“ألا يبدو أن كلماتكِ السابقة لم تكن سوى كذب؟”
ساد الصمت القاعة، وتركزت الأنظار على الإمبراطورة الأولى.
حدّقت في كاسيان للحظة، ثم رفعت منديلها بحركة طبيعية تمامًا.
“الأمير كاسيان، أعتقد أنك قد أسأت فهم مشاعري كثيرًا.”
كان صوتها هذه المرة مشحونًا بالحزن، وكأنها لم تكن منذ لحظات غارقة في الغضب العارم تجاهي..
“لقد كنتُ فقط… مصدومة للغاية. كنتُ أدعو يوميًا لعودتك سالماً.”
مسحت بعناية زاوية عينها—التي لم تكن تدمع على الإطلاق—ثم استأنفت بصوت ناعم متحكم فيه:
“لذلك فقط شعرتُ بالذهول، لم أتوقع مثل هذه البشرى السعيدة، كنتُ أتساءل إن كان هذا مجرد حلم أم حقيقة.”
أجابها كاسيان بصوت هادئ، يحمل في طياته اعتذارًا مهذبًا:
“لقد كنتُ قاصرَ التفكير، كما تذكّرني جلالتكِ دائمًا، فما زلتُ أفتقر إلى النضج اللازم، لذا أرجو تفهّم تقصيري.”
“بالطبع، لطالما كنتُ قلقة عليك… أعتبرك كابني تمامًا.”
بالطبع، لم يكن هناك سوى قلة قليلة في القاعة يمكن أن تأخذ هذه الكلمات على محمل الجد، لكن أداءهما التمثيلي كان بارعًا بلا شك..
ومع ذلك، لم يكن من طبع رئيسي أن يسمح لها بالإفلات بهذه السهولة.
“وأنا أصدق صدق مشاعر جلالتكِ.”
ثم قلد كاسيان حركتها، مائلًا رأسه بحزن مشابه، وكأنه يشعر معها.
“لذلك أرجو من جلالتكِ توضيح ما قاله ذلك الرجل الوقح قبل قليل.”
رفع نظره ببطء، وأضاف بصوت مملوء بالإخلاص:
“لا أريد تصديق أن جلالتكِ، التي تحب الإمبراطور بصدق، قد أمرت بتسميمه.”
في تلك اللحظة، ظهر انقباض طفيف في حاجبيها، بينما خيّم الصمت الجاد على القاعة..
لقد قاتل كاسيان في ساحات القتال مرارًا.
وخاض معارك لا حصر لها أثناء أدائه لمهامه أمير.
لكن لم يكن يبدو بهذا الإرهاق من قبل.
لقد صدّقتُ أنه سيعود خلال ثلاثة أيام، لكن لا يمكنني تخيّل ما الذي فعله ليختصر المدة إلى يومين فقط..
ولهذا، كان عليّ أن أنهي هذه المهزلة بسرعة.
“وأنا أوافق الأمير كاسيان. جئتُ اليوم ومعي دليل واضح على زيف ادعاءات هؤلاء.”
“لذا، أرجو من جلالتكِ أن توضحي أمام الجميع… الحقيقة.”
لم يعد أمامها مجال للهرب عبر الدموع المصطنعة أو الكلمات العذبة..
كان عليها الآن أن تختار.
هل ستُضحّي بنفوذ دوقية جاموتي، التي بنت مجدها على حساب دماء الآخرين؟
أم ستُضحّي بمكانتها كالإمبراطورة الأولى، والسلطة التي جمعتها على مدار السنين؟
حدّقتُ بها بثقة، منتظرة كيف ستجني ثمار البذور التي زرعتها بنفسها.
***
الصمت الذي لفّ الإمبراطورة الأولى، سكارليت، طال أكثر من اللازم.
حتى خدم وجنود جناحها، قصر الورود، لم يتمكنوا من إخفاء قلقهم..
لم يكن هذا موقفًا اعتادت عليه—أن تجد نفسها عاجزة عن الرد أمام هذا العدد الكبير من الحضور.
“مساعدة، ساليس.”
نطقت أخيرًا، وقد بدا على وجهها الإرهاق، ثم واصلت:
“لقد تماديتِ كثيرًا. جلالة الإمبراطور سقط مريضًا، وبدلًا من أن تُظهري أي قدر من التعاطف، سارعتِ إلى فتح تحقيقاتكِ.”
آه، إذًا الآن ستُحوّلني إلى شخص قاسٍ يضطهدها رغم ضعفها؟
“والآن، كل ما تملكينه ضدي هو مجرد كلمات شخص متهم، ومع ذلك تضغطين عليّ وكأنكِ—”
عند هذه النقطة، أخذت تلهث وكأنها تعاني صعوبة في التنفس، ثم انحنت وأمسكت بمساند العرش بشدة..
“—وكأنكِ تأمرينني بالتخلي عن عائلتي…! هل كرهتِني إلى هذا الحد؟”
حسنًا، يمكنني أن أتخيل الجملة التالية بالفعل.
“أنتِ متحالفة مع الإمبراطورة الثانية، أعدتِ نبش حادثة سقوط المحظية الملكية السابقة من فوق الحصان رغم مرور وقت طويل عليها، وبعد أن أضعفتِ دوقية جاموتي، لم تكتفي بذلك!”
ستحاول تصويري وكأنني الشخص الذي دبّر كل شيء.
“والآن تريدين القضاء عليّ أو على عائلتي بالكامل! هل هذا هو هدفكِ الحقيقي؟!”
ولكن… لقد ارتكبتْ خطأ فادحًا.
حتى لو كنتُ أنا من دبّر كل هذا، لم أكن سأشعر بأي نوع من الظلم!
“معذرةً، جلالتكِ.”
حاولتِ تلطيخ سمعتي، لكن هل تعتقدين أنني كنتُ معروفةً كشخص لطيف في المقام الأول؟
ألا تعرفين ألقابي؟
“أنا جرد مساعدة تقوم بطرح الأسئلة اللازمة. وإن كنتِ بريئة، فلتثبتي ذلك.”
بعض الفرسان ينادونني بلقب بطلة النصر، وأعتقد أن الوقت قد حان لأُثبت أنني أستحق هذا اللقب.
“لكن طريقتكِ هذه تجعل الأمور تبدو مريبة أكثر، جلالتكِ. لقد اضطررتُ لتفنيد العديد من التهم الزائفة في الأيام القليلة الماضية، و—”
رفعتُ وثيقة وأريتها إياها مباشرةً..
“أكثر من وجّه تلك الاتهامات ضدي، كان أنتِ.”
“بل حتى جعلتِني أجثو على ركبتي.”
“مساعدة ساليس! ألا يمكنكِ محاولة فهم موقفي؟!”
والآن، بعد أن استنفدت جميع الحيل، تحاول استغلال مكانتها لإخافتي؟
“حتى أمام جلالة الإمبراطور، سأطرح الأسئلة التي يجب طرحها. هذه مسؤوليتي كمساعدة الأمير الثاني وكضابطة في الحرس الملكي.”
قبضت سكارليت على يديها المرتعشتين، ونقلت أنظارها إلى الفارس المتهم الذي يحمل اسم دوقية جاموتي، وكأنها تعاني ألمًا لا يحتمل..
“أنا فقط… أردت حماية من كان قريبًا مني.”
ثم أدارت نظرها نحو الكونتيسة التي زارت اقصر الشتاء فور مغادرة كاسيان..
“أنا آسفة… عزيزتي…”
“جلالتكِ!”
صرخت الكونتيسة وقد بدا عليها الذعر..
في عيني، كانت مجرد شخص يتعرض للاتهام ظلمًا، لكن في أعين الآخرين، بدت وكأنها شخص مذنب قد انكشف أمره.
“أنا آسفة، آسفة حقًا… لم أعد أستطيع التحمل…!”
“لا، لا! جلالتكِ، كيف يمكنكِ فعل هذا بي؟!”
بكت الكونتيسة بحرقة، بينما كانت سكارليت تغطي وجهها بمنديلها وكأنها تخفي دموعها..
“ذلك الفارس… كان مجرد متدرب في بيت الكونت. لقد أُرسل إلى دوقية جاموتي تحت رعايتها.”
صرخة الكونتيسة كانت مخنوقة بالألم، لكن الإمبراطورة الأولى اقتربت منها بخطوات مترنحة، وأمسكت بكتفها بقوة.
“لماذا؟ لماذا ارتكبتِ مثل هذه الحماقة؟! لم أكن أعلم! لماذا؟!”
“لا، لا! لم أفعل أي شيء! جلالتكِ، أنتِ من—!”
لكن كلماتها لم تجد لها صدى..
“لم تكتفي بارتكاب هذا الفعل الغبي، بل تحاولين الآن إلقاء اللوم عليّ؟!”
كان أداؤها مقنعًا لدرجة أن العديد من الحاضرين تأثروا بمشهدها المأساوي.
أما أنا، فقط كنتُ أراقب هذا العرض المسرحي بوجهٍ خالٍ من التعابير.
‘هكذا إذًا… ستخرجين من هذا المأزق دون أن يمسكِ خدش واحد؟’
لسوء حظها، حتى لو لم أتمكن من إسقاطها تمامًا اليوم، على الأقل سأُجردها من منصبها.
كنتُ أفكر في الخطوة التالية، لكن فجأة—
“جلالة الإمبراطور قد استعاد وعيه!”
… والآن، استيقظ من يملك السلطة الحقيقية لإصدار الحكم.
التعليقات لهذا الفصل " 94"