“كيف تجرؤين، كيف!”
تعالى صوت الإمبراطورة الأولى أكثر من أي وقت مضى.
“كيف تجرؤين على إدخاله!!”
ثم خطت الإمبراطورة نحوي بخطوات واسعة ورفعت يدها.
قد يكون هذا مؤلمًا جدًا… رغم هذه الفكرة، لم أشيح بنظري عنها.
لأن مجرد إظهار الضعف يعني النهاية.
لكن…
صفعة!
سمعت الصوت، لكن لم أشعر بأي ألم.
“ش، تشارلي…؟”
“اهدئي، أمي.”
كان ذلك بفضل تشارلي، الذي دخل قاعة الاستقبال مسرعًا ليقف بيني وبين الإمبراطورة الأولى.
…لكن هل كان الأمير تشارلي دائمًا بهذه السرعة؟
كنت أظن أنه بالكاد متوسط المهارة في الأمور الجسدية.
“لم أكن أنوي ضربك، تشارلي.”
“أعلم ذلك، وأعلم أيضًا أنكِ تحبينني كثيرًا.”
ثم مال الأمير تشارلي قليلًا ومدّ يده نحوي.
“همم، أشعر أن كاسيان سيوبخني لاحقًا بسبب هذا.”
حتى في هذا الموقف الخطير، بدا تمامًا كما هو دائمًا.
رغم كلماته، لم يكن هناك أي قلق في ملامحه، بل مدَّ بيده كما لو كان يطلب مني الإمساك بها..
نظرت إلى الإمبراطورة الأولى التي بدت مذهولة خلفه، ثم أمسكتُ بيده بكل سرور.
“أمي تحبني كثيرًا، لذا أرجو أن تتفهمي ذلك، مساعدة ساليس.”
رفعني تشارلي من وضعيتي الراكعة ثم نفض برفق تنورة فستاني..
“ت، تشارلي… لماذا أنت…؟”
“لأن الأمر يتعلق بأبي، فكان من الطبيعي أن آتي. وأيضًا، أعتقد أن ما قالته المساعدة ساليس منطقي.”
“منطقي؟!”
على عكس غضبها نحوي، بدت الإمبراطورة الأولى محبطة وهي تمسك بكتفي تشارلي..
“أنت! أنت الطيب واللطيف دائمًا، لا يوجد سبب لك للإضرار بوالدك الإمبراطور!”
حسنًا، لا أنا أيضا لا أملك سببًا حقًا، صاحبة الجلالة.
صحيح أنه كان أبًا سيئًا لكاسيان، لكن قتله؟ أفضّل أن أتركه يتذوق معاناة هذا العالم بدلًا من ذلك. هل يمكن لرأي الحصول على بعض الاحترام ؟
بينما كنت أجادل داخليًا، غير راغبة في قول ذلك بصوت عالٍ، جاء الرد الصادم من جهة أخرى..
“إذا نظرنا إلى الأمر بهذه الطريقة، أمي، فقد أشعر أنا أيضًا بالقلق مؤخرًا من اهتمام أبي المتزايد بكاسيان.”
“م، ماذا…!؟ ما هذا الكلام…!؟”
“هذه القاعة تنتمي للعائلة الإمبراطورية، أليس كذلك؟”
“لا يجوز قول مثل هذه الأمور! كيف يمكنك التفوه بشيء لا تشعر به حقًا…! هل ترغب في رؤية قلب أمك يتحطم؟”
عند كلمات الإمبراطورة المؤثرة، أشار تشارلي بعينيه إلى الخادمات القريبات لمساعدتها، ثم تراجع خطوة إلى الوراء.
“بالطبع لا. لكن لو لم تكن أمي موجودة، لكان من الممكن أن يختلق أحدهم مثل هذا الاتهام.”
“تشارلي!”
“ببساطة شديدة..”
تمتم تشارلي وكأنه يعترف بأنه ليس بارعًا في هذا النوع من الأمور، ثم نظر إلى الإمبراطورة مرة أخرى.
“لا يمكننا اعتبار الإمبراطورة الثانية أو المساعدة ساليس مجرمتيْن بناءً على مكان نمو الأعشاب فقط.”
كان استنتاجًا واضحًا ومنعشًا للغاية..
بدت الإمبراطورة الأولى وكأنها على وشك الانهيار من التدخل غير المتوقع لابنها.
“لذا، أمي، ماذا لو استمعنا لما ستقوله المساعدة ساليس، المسؤولة عن التحقيق؟”
أرسل تشارلي إليّ نظرة غامضة..
“بالتأكيد، ستقدم لنا تقريرًا عادلًا عن نتائج التحقيق.”
***
“هل يمكنني اعتبار هذا دَينًا صغيرًا للمساعدة ساليس؟”
تمتم تشارلي بهذه الكلمات بصوت خافت وهو يمر بجانبي بعد أن هدّأ الإمبراطورة الأولى..
“أو ربما هذا ليس كافيًا؟ أتمنى أن تنظري إليه بإيجابية.”
لم يكن في كلماته أي إكراه، ولم يلمح حتى إلى استيائه من وضعي له ضمن قائمة المشتبه بهم. فقط عاد ببساطة إلى جانب الإمبراطورة الأولى..
شعرت ببعض الارتباك بسبب تصرفه، لكنني قررت تجاهل كل التساؤلات، متذكرة ما قاله لي كاسيان ذات مرة
“التفكير في ما يفكر فيه أخي يعني الخسارة.”
في هذه اللحظة، فهمت تمامًا ما كان يشعر به كاسيان حينها.
على أي حال، بفضل تدخل تشارلي المفاجئ، أصبح من السهل علي تقديم نتائج التحقيق التي أعددتها..
كانت الإمبراطورة الأولى تستمع بهدوء، رغم أنها لم تكن تبدو متفاجئة حتى الآن.
“-وبناءً على هذه الإفادات، نرى أن الشخص الأكثر احتمالًا لوضع السم في كوب جلالة الإمبراطور هو الخادم باري.”
صرخ باري، وكأنه تعرض لظلم فادح
“م، مستحيل! مساعدة ساليس، هذا ليس ما اتفقنا عليه!”
“ليس ما اتفقنا عليه؟”
“أنا لم أضع السم…!”
تمامًا كما توقعت، فتح فمه وقالها بنفسه..
“هل كنت تنوي الادعاء بأنني أنا من أمرتك؟”
“نعم! لقد قلتِ لي إنك ستكونين المسؤولة عن التحقيق، لذا ظننت أنني سأكون في مأمن!”
عمّت الهمهمات قاعة الاستقبال عند كلماته..
لحسن الحظ، لم يظهر الفرسان أي ردود فعل غير اعتيادية، وكأن هذا مجرد يوم عادي لهم.
“وأين دليلك؟”
“د، دليل؟! كيف يكون هناك دليل؟! لقد أخبرتِني أن أتلف أي شيء قد يكشف الأمر!”
بدأ باري يضرب صدره بقبضته، متظاهرًا بالإحباط والغبن..
“مشاعدة ساليس، ألا يجب علينا مراجعة سجل هذا الرجل أيضًا؟”
تحدثت الإمبراطورة الأولى بنبرة بدا أنها تستمتع بالفوضى..
“بالطبع، يمكنني عرضه متى شئتِ.”
دخل باري القصر قبل ثلاث سنوات، وكانت مسقط رأسه منطقة تابعة لنبالة منخفضة بالقرب من مقاطعة تيروديم.
“ما هذا!؟ مسقط رأسه قريب جدًا من مقاطعة بارون ساليس!”
حدّقت الإمبراطورة الأولى نحوي وكأنها تتساءل كيف أجرؤ على الوقوف هنا بعد هذا الكشف..
اغتنم باري الفرصة فورًا وبدأ يتحدث.
“هذا صحيح! في الأصل، كنت أنا والمساعدة ساليس أصدقاء طفولة.”
يا له من هراء..
“دخلنا القصر بفارق زمني بسيط، وكانت رتبنا الاجتماعية متقاربة، لذا كنت أحاول التحدث معها، لكن…”
توقف للحظة، ثم خفض رأسه بحزن مصطنع..
“لكنني مجرد خادم، وهي المساعدة الأولى للأمير الثاني. أخبرتني أنني لا أستحق التظاهر بأننا أصدقاء. ومع ذلك، حاولت أن أبقى بجانبها كصديق من مسقط رأسها.”
“يا له من تصرف وقح منها!”
“هل تتجاهل وجوده تمامًا لمجرد أن خادم؟!”
كانت وصيفات الإمبراطورة الأولى سريعات في إلقاء تعليقاتهن لدعمه..
واصل باري اختلاق القصة بسلاسة، لكنه كان يقول أشياء بعيدة تمامًا عن الواقع، لذا لم أعرها اهتمامًا.
“هل انتهيتَ من سرد قصصك الوهمية، باري؟”
“إنها ليست كذبة! روز، كنا أصدقاء!”
الآن أصبح يخاطبني وكأنه مقرب مني..
صديقي من الطفولة كان باول، فتى مسكينا يعمل بجد لكنه غير محظوظ في الحب، وليس هذا الأحمق.
لكنني أدركت أنه لن يصدق أي تفسير مني، لذا قررت تقديم الدليل مباشرة..
“كنت متأكدة من أنك ستحاول التنصل، لذا قررت أن أريك بنفسك.”
صفّقت بيدي، وفي اللحظة التالية، دخل شخص مكبّل بالأصفاد إلى القاعة..
كان وجهه شديد الاحمرار تحت أنظار الجميع—إنه صامويل موتي.
***
انطلقت الأداة السحرية فوق قاعة الاستقبال.
“هل، هل فعلتُ ما طُلب مني؟ سأخرج من هنا سالمًا، صحيح؟”
كانت الأداة السحرية، التي صمّمها السحرة المجرمون الذين يعيشون تحت شعار “حياة السجن الفعالة” بالتعاون مع صامويل، تعتمد على تسجيلات بصرية باستخدام روح الضوء..
ظهر المشهد داخل السجن بوضوح مذهل، وكأنه قد تم التقاطه في أعماق الليل.
في التسجيل، ظهر أحد فرسان القصر وهو يسلّم باري ورقة صغيرة.
“هذا ما ستقوله عندما يتم اتهامك. لا أستطيع ضمان حياتك بعد ذلك.”
“د، ديني… ماذا عن لقب عائلتي…؟”
“سيتم حلّ كل شيء، لا تقلق.”
“فهمتُ، سأفعل كما طُلب مني. ساليس كانت شوكة في خاصرتي منذ دخولها القصر على أي حال.”
كان الصوت صوت باري، والوجه وجهه..
لم يكن في حديثه أي إشارة إلى قصة “صداقة الطفولة” التي اختلقها قبل لحظات. بل لم يُظهر في التسجيل سوى كراهية خالصة تجاهي.
عندما انتهى العرض، سقط فارس القصر، الذي ظهر في التسجيل، بجانب باري وهو مقيّد بالأغلال.
كان وجه كلٍّ منهما قد شحب تمامًا.
نظرتُ إلى الفارس المقيّد وقررت منحه فرصة أخيرة.
“إذن، هل ستقدّم لنا إجابة ذات قيمة؟ من الذي أصدر الأوامر؟”
“س، س، مساعدة ساليس—”
في اللحظة التي حاول فيها قول ذلك، صدر صوت طفيف من الخلف: “تِك.”
“أنا ممتن لعائلة دوق جاموتي، لن أنسى فضلهم.”
بوجه يكاد ينفجر من الغضب، قام صامويل موتي بتشغيل تسجيل آخر دون تردد..
وبالتزامن مع ذلك—
“إذن، يبدو أن الوقت قد حان لتقديم تفسير، جلالتك الإمبراطورة الأولى.”
دوى صوت كاسيان في قاعة الاستقبال.
“كيف… كيف حدث هذا بهذه السرعة…؟”
بدا على الإمبراطورة الأولى الذهول التام وهي تحدّق في كاسيان الذي دخل إلى القاعة، وقد ألقى عباءته الطويلة الممزقة أرضًا..
أما رئيسي العزيز، فقد بدا كما لو أنه عاد للتو من تدريب صباحي، متظاهراً بالبراءة التامة وهو يرد عليها بكل وقاحة:
“ما يحدث هو مجرد نتيجة لحبي العميق لجلالة الإمبراطور، يا جلالة الإمبراطورة الأولى.”
التعليقات لهذا الفصل " 93"