ما هذا الجنون؟!
مدّ كاسيان يده وأمسك بشعري كأنه حبل، ثم أخذ يفركه على وجنته..
“…شكرًا لكِ.”
بل وقالها بنبرة هادئة مليئة بالامتنان!
‘ماذا بحقك! هذه ليست شخصيتك على الإطلاق…!’
صرختُ داخليًا، وفي نفس اللحظة، أدركتُ مجددًا أنه مهما كانت الظروف، ما فعله الإمبراطور بكاسيان كان ظلمًا فادحًا..
لم أستطع منع نفسي من رؤية التعاطف الذي بدأ يتراكم تجاه سموه وهو ينهار تمامًا.
لأنه من غير المنطقي أن يتمنى طفل في السابعة من عمره الموت.
سارعتُ بالقول:
“لا، ستعيش.”
“…لماذا؟”
بدلًا من أن يبدو مرتاحًا، تساءل الطفل ببراءة حائرة.
هل يحتاج المرء إلى سبب ليعيش..؟
لكل شخص الحق في السعي وراء السعادة، والحق في الحلم بالغد، فلماذا يجب على طفل في السابعة من عمره أن يشكك في ذلك؟
لم أكن أعلم..
ربما لأنني لست فيلسوفة عظيمة، ولا زعيمة ذات أهداف سياسية كبرى.
لكن مهما كان الهدف عظيمًا، إذا كان يتطلب موت طفل لم تتساقط أسنانه اللبنية بعد، فهل يستحق التحقيق؟
بالنسبة لي، كان هذا مستحيلًا.
لكن معرفتي كانت ضحلة للغاية، ولم أستطع سوى قول كلمات بسيطة ومكررة.
أخرجتُ منديلي ومسحتُ العرق المتصبب من جبين كاسيان ووجهه بلطف، ثم تحدثتُ بحذر:
“عليّ مقابلة سموك.”
“…حاصدة أرواح؟”
آه، بعد الشيطان، أصبحتُ الآن حاصدة ارواح؟
لكنني قررتُ التغاضي عن ذلك، نظرًا لأنني أكبر منه وكاسيان الصغير كان بائسًا للغاية..
“لستُ كذلك.”
“إذًا، من تكونين؟”
مع كل سؤال، بدأت عيناه الحزينتان تتلألآن بفضول متجدد.
إذا كان حديثي المتردد والبسيط يمنحه القوة، فسأستمر بالكلام..
على أي حال، ليس الأمر وكأن كاسيان لم يسخر مني من قبل!
“عليّ أن أصبح شيطانًا مع سموك لاحقًا.”
ربما لم تكن هذه أروع جملة يمكنني قولها، لكنها ما خرج مني.
وعندما فكرتُ في الأمر، أدركتُ أن إخبار طفل في السابعة بأنه سيصبح شيطانًا حين يكبر قد يكون محبطًا جدًا…
“…متى؟”
لكن سيدي المستقبلي، بدلاً من الذعر، نظر إلي بعينين أكثر بريقًا..
لماذا يفرح بسماع هذا؟
“حين يكبر سموك ليصبح قويًا، وحين تتجاوزني طولًا بكثير.”
“…بعد مئة ليلة؟”
لرؤيتي مرة أخرى، عليه أن يتحمل أربع سنوات فقط، لكن لكي يُلقب بـ”شيطان قصر الشتاء”، عليه أن ينتظر 14 عامًا إضافية…
ثم تذكرتُ كيف كان جويل الصغير يستخدم “مئة” للتعبير عن شيء ضخم جدًا..
بالنسبة لطفل في السابعة، حتى مئة ليلة قد تكون مدة لا نهائية..
جويل الصغير بكى وهو يسأل إن كان يستطيع رؤية الإمبراطورة تريشا بعد عشر ليالٍ فقط…
ابتلعتُ شعوري بالأسى، وأدركتُ أن من أمامي هو كاسيان الطفل، فقررتُ إخباره بالحقيقة رغم قسوتها..
“بعد أن تمر مئات الليالي عشرات المرات.”
“….”
تبادلنا النظرات بصمت، وهو غارق في التفكير، رغم رأسه المثقل بالحمى..
ثم سأل مجددًا:
“حقًا، هل سأراكِ حقًا؟”
بوجه مليء بالرجاء، أمسك يدي بيده الصغيرة بإحكام.
“نعم، أعدك.”
وفي اللحظة التي أجبتُه فيها، ابتسم… وبتلك الابتسامة، كاد قلبي يتوقف لسبب آخر تمامًا.
‘لم تكذب، سموك…’
كانت ابتسامة قاتلة الجمال..
أجمل حتى من ابتسامة الأمير جويل.
لكن حين بدأتُ ألاحظ تشوّه الفراغ حولي، أدركتُ فجأة…
انتظر لحظة، هذا يعني أنني سأظهر فجأة في غرفة سموه الآن؟!
هذا ظلم! أنا مجرد إنسانة عادية! أليس من المفترض أن يكون هناك مستوى صعوبة متوازن؟!
***
النتيجة، باختصار…
“…روز؟”
فشلتُ في الهروب في الوقت المناسب.
“…حتى لو كنا مخطوبين، أليس هذا مفاجئًا بعض الشيء؟”
وأصبحتُ فجأة… شخصًا عديم الحياء.
يا لسوء الحظ! عدتُ إلى هنا بالضبط بعد أن أخبر كاسيان الحراس برسالته، ثم خرج من الحمام بعد أن استحمَّ..
كان لدي خياران: إما أن أفشل في الهروب وأجعل كاسيان يعتبرني مجردة من الحياء، أو أن أظهر فجأة أمام باب غرفته وأترك الفرسان في حالة من الذهول.
لكن، وبما أنني مجرد إنسانة عادية تمامًا، لم يكن لدي أي خيار من الأساس، انتهى بي الأمر محاصَرة داخل غرفة كاسيان.
“…لماذا خرجتَ من الحمام قبل أن ترتدي ملابسك بالكامل؟”
بمجرد أن وقعت عيناي على منحنيات جسده الصلبة والمتناسقة… لا، أعني، على الجزء العلوي من جسده، استدرتُ فورًا.
أنا لست منحرفة بإرادتي، أقسم!
“لأنني لا أطلب من الخدم مساعدتي في الاستحمام، هذا كل شيء.”
“…أنا آسفة، لم أقصد النظر، حقًا.”
شكرًا جزيلًا على تغطية الجزء السفلي على الأقل..
كنتُ سأقدم استقالتي على الفور.
حقًا، الفرق كان صادمًا!
قبل قليل، كنتُ أمام كاسيان الطفل، ملاك في السابعة من عمره بلطافته البريئة. ثم في لحظة، وجدتُ نفسي أمام كاسيان البالغ، في الثالثة والعشرين، طويل القامة، ذو ملامح خبيثة كشيطان، لكنه لا يزال جميلًا بشكل جنوني..
اللعنة على هذا العمل الأصلي…
بينما كنتُ أحدّق في الفراغ بذهول، سحبني فجأة نحوه.
“لقد ارتديتُ ملابسي الآن.”
“…آسفة.”
رغم أنه لم يبدُ منزعجًا، اعتذرتُ مرة أخرى.
بالطبع، لا بد أن الأمر كان مزعجًا بالنسبة له. ظهوري المفاجئ في غرفته كان كافيًا، فكيف وقد رأيته نصف عارٍ؟
“ليس الأمر وكأنه يحدث لأول مرة، لماذا التصنع؟”
“…لكن في السابق، كنتَ أنتَ من أظهر لي، وليس العكس.”
“وهذه المرة، أنتِ من رأتني؟”
“لم يكن بإرادتي!”
“يمكن أن يكون كذلك، لا بأس.”
تمتم كاسيان بجملة مريبة، وكأنه كان يفضّل لو أنني نظرتُ بإرادتي..
لو لم أكن مشغولة بالشعور بالخجل، لسألته إن كان قد أصيب بمرض استعراض الجسد!
ما زلتُ أغطي وجهي بحرج، لكن فجأة، شعرتُ بشفتيه تلامسان وجنتي ثم أذني..
“همم، إذن وجودكِ هنا يعني ذلك الأمر، صحيح؟”
“…نعم.”
“إذًا، لم يكن مجرد حلم.”
عند سماع إجابتي، طبع قبلة أخرى على خصلات شعري، مصدِرًا صوتًا مسموعًا..
“…عذرًا؟”
“لقد أوفيتِ بوعدكِ على أكمل وجه.”
“أه…؟”
رفعتُ رأسي بصدمة وحدّقتُ فيه، بينما هو يتأملني بنظرة هادئة..
“وبهذا، حصلتُ على إجابة أخرى كنتُ أبحث عنها.”
أنا أيضًا، بصراحة…
عيناي اتسعتا أكثر فأكثر مع إدراكي للحقيقة.
إذًا، لم يكن الأمر مجرد عودة إلى الماضي فحسب…؟!
***
“لم تخبرني بذلك من قبل.”
“لأنني لم أكن أعلم أنكِ روز.”
بعد أن هدأنا قليلًا وتحدثنا بهدوء، أدركتُ أن كاسيان كان يتذكر كل شيء..
بالنسبة لي، كان ذلك مجرد لحظات مضت، لكن بالنسبة له، مرت عشرات المئات من الليالي منذ ذلك الحين..
“حقًا كنتُ أعتقد أنه مجرد حلم… حلم رائع حيث جاءت إليّ حاصدة أرواح جميلة لتأخذني معها. كنتُ سعيدًا بذلك.”
“…لكنَّك كنتَ مهووسًا بفكرة الشياطين، وبأننا سنكون معًا كزوجين.”
تمتمتُ بامتعاض، فابتسم كاسيان ضاحكًا..
“لأنني كنتُ سعيدًا. بدا وكأنه حلم طفولتي يتحقق أمامي. لكن لو كنتِ مكاني، ألا كنتِ ستشعرين بنفس الشيء؟”
وجدتُ نفسي أوافق بصمت.
لو كنتُ طفلةً ورأيتُ شخصًا جميلًا مثله، ثم اختفى فجأة مثل السراب، لكنتُ علقتُ به أيضًا.
عندما لاحظ ترددي، أظهر لي كاسيان تلك الابتسامة المحببة مجددًا، تمامًا كما في الماضي.
“شكرًا… لأنكِ لم تتخلي عني.”
سمعتُ منه كلمات مشابهة عدة مرات من قبل..
لكن هذه المرة، كان وقعها مختلفًا تمامًا.
لو كنتُ قد اخترتُ مسارًا آخر قبل ساعات قليلة فقط، فكيف كانت ستبدو هذه اللحظة الآن؟
هل كنتُ سأعيش حياة هادئة في إقليم ساليس البعيد، كفتاة نبيلة عادية؟
دون وعي، مددتُ يدي نحو وجهه..
لم يقاوم لمستي، بل استسلم لها بثقة كاملة، وكأنه أرادني أن أشعر بذلك.
كان دائمًا يقول إنني أنقذته، وكان يشكرني باستمرار، لكن…
“إيان.”
“نعم؟”
نطقتُ باسمه، رغم أنه لم يكن مألوفًا بعد على لساني، لكنه خرج بسهولة، وكأنه ينتمي إلى هذه اللحظة تمامًا.
“لستُ وحدي من أنقذك.”
“ماذا تعنين؟”
“أنتَ أيضًا جئتَ إليَّ… وأنقذتني.”
في هذا القصر، حيث الألم والوحدة والعبء الذي لا يُحتمل، صمدتُ وتمسكتُ بالحياة.
في التاسعة من عمري، التقيتُ بك، وقادني ذلك اللقاء إلى حيث أنا الآن.
وأنتَ أيضًا، تحملتَ سنوات من الألم والمعاناة، وبحثتَ عني حتى وجدتني مجددًا.
حياتي الآن ليست سوى نتيجة لقوة إرادتك أيضًا.
“لهذا، شكرًا… لأنك لم تتوقف عن البحث عني.”
لأنك تحمّلتَ حقيقةً كانت قاسية للغاية على طفلٍ في السابعة من عمره..
“وشكرًا… لأنك انتظرتني عبر آلاف الليالي.”
***
في تلك الليلة، رأيتُ على وجه كاسيان تعبيرًا لا يمكن وصفه بأي كلمات..
كأنه شيء لا يُنسى أبدًا، وجه لا يمكن تكراره مرة أخرى.
بعد انتهاء حديثنا، شعرنا ببعض الإحراج، ولجأنا بشكل طبيعي إلى الحديث عن العمل، كما نفعل دائمًا.
لكن رغم ذلك، في أعماقي، شعرتُ بشيءٍ يتسلل إلى قلبي… كأنه اخترق روحي تمامًا.
التعليقات لهذا الفصل " 89"