داخل العربة أثناء العودة، بدأ كاسيان بالتذمر علي علنًا..
كان يفعل ذلك حقًا، لكن ليس لأنه كان مستاءً، بل فقط ليستمتع بإغاظتي..
“كنتُ فقط أحاول رد الجميل، لكن يبدو أنني كنتُ مجرد محتال بالنسبة لكِ. هذا قاسٍ جدًا.”
لم أستطع سوى تجنب النظر إليه بصمت، محدقة عبر النافذة.
“حسنًا، عدم الثقة بشخص مجهول الهوية هو في الواقع تصرف جيد.”
لكن بمجرد أن قال ذلك، سارعتُ للرد عليه بهدوء:
“ألم تكن تعلم أنني سأرفض عرضك، لذا فعلت ذلك عمدا؟”
“بالطبع لا، إنكِ حقًا لا تفهمين قلبي.”
“لكنني أعتقد أن أميرًا ماكرًا مثلك قد يفعل ذلك عمدًا.”
“لإحضاركِ إلى جانبي؟”
حين قالها بتلك الطريقة، شعرتُ وكأنني كنتُ أبالغ في تقدير نفسي..
“أنا أتصرف بصدق وإخلاص معكِ، قدر استطاعتي.”
لكن الكلمات التالية التي خرجت من فمه جعلتني أعبس لا إراديًا..
“الإخلاص”؟ لم يكن هناك كلمة تبدو أقل ملاءمة لوصفه من هذه.
ذلك كان وصفًا قد ينطبق فقط على “نحن” في الأيام التي كنتُ أطهو له بيضًا مخفوقًا مدمرًا بالكاد يصلح للأكل..
بينما كنتُ أتمتم في رأسي بهذا التفكير، متذمرة، شدّني كاسيان بين ذراعيه فجأة.
“بالمناسبة، بخصوص الألقاب…”
“… الرجال المهووسون بالتفاصيل ليسوا محبوبين.”
“إذن، هل هذا لا يناسب ذوقكِ، يا روز؟”
توقفت للحظة. لا، لا يمكنني القول إنه لا يعجبني أيضًا…
حين بقيتُ صامتة، اقترب كاسيان أكثر، وبدأ بطرح أسئلة غريبة مجددًا..
“إذًا، ما الذي يعجبكِ؟ لقد حاولتُ جاهدًا مطابقة ذوقكِ عندما كنتِ في التاسعة.”
“… هل هذه أيضًا إحدى حيلكِ لإبقائي بجانبكِ كالمساعدة الأبدية؟”
“لو كان هذا كل شيء، لكان الأمر بسيطًا جدًا.”
“… ماذا؟”
ابتسم كاسيان بلطف.
“تلقيتُ نصيحة جيدة أثناء زيارتي لمقاطعة ساليس.”
يا ترى، من هذا الشخص المزعج الذي همس له بتلك الكلمات غير الضرورية؟
بينما كنتُ أحاول تحديد قائمة الأشخاص المشبوهين، حاولتُ بصعوبة الابتعاد عنه ولو قليلًا..
“مهما فعلتُ، يبدو أنكِ ستتظاهلين بعدم معرفتكِ بأي شيء.”
“ماذا تعني؟”
“لذا، قررتُ أن أفعل ما يحلو لي. في الواقع، هذا يناسبني تمامًا.”
لا داعي لأن أكبت نفسي أكثر.
كان ذلك ما همس به كاسيان، مما جعل قشعريرة خوف تسري في جسدي..
لكن… ألا يبدو أنه بالفعل لا يكبت الكثير من الأمور الآن؟ إذًا، ماذا يمكن أن يكون أكثر من هذا؟
وكعادته، كاسيان أرتيز كان يقرأني تمامًا، لكنه اكتفى بالابتسام بمكر، متجاهلًا تساؤلاتي..
بالطبع، لا شك أن هذا الرئيس الماكر الذي أمامي الآن أفضل بكثير من كاسيان في القصة الأصلية، ولكن…
الحقيقة أن كونه هكذا يجعل وضعي أكثر تعقيدًا، وهذا محبط نوعًا ما.
يبدو أنه لا مفر—عليّ أن أكتب رسالة.
{إلى: نفسي ذات التسع سنوات.
يُرجى ملاحظة أن نهجي في التعليم المبكر لكاسيان كان فاشلًا تمامًا.
من: نفسي ذات الواحد والعشرين عامًا.}
***
شعرتُ وكأنني فقدتُ أشياء كثيرة، لكن رغم ذلك، كان صدري مرتاحًا..
لسببٍ ما، منذ وقتٍ ما، توقف كاسيان عن محاولة اختبار مشاعري وبدأ يكون مراعيا لي.
في النهاية، كنتُ أنا من اختار هذا الطريق، وهو لم يكن سوى شخصٍ انجرف معه..
ولكن إذا كان سيتحمل وحده المسؤولية والذكريات وحده، ويعتذر لي، فذلك سيكون أكثر ما سأكرهه.
لم أرغب أن أكون شخصًا عديم المسؤولية إلى هذا الحد.
أما المستقبل، فسيأتي لاحقًا، كما كنتُ دائمًا أواجه الأمور وأتجاوزها، سأكون مستعدة لما هو قادم أيضًا..
سبع محن؟ مقارنةً بـ “روزليتا” في الرواية الأصلية، فأنا بالكاد أعاني.
لم أُسجن، ولم أصعد إلى منصة الإعدام،
بل إنني الآن، إلى جانب كاسيان، أمتلك دعم العديد من الأشخاص في قصر الشتاء.
لأننا اكتسبنا أخوّةً من خلال العمل الشاق معًا.
أما حاليًا، فأنا…
“يا إلهي، هذا رائع حقًا! اختيارُ صاحب السمو مذهل! كنتُ قلقةً عندما قررتِ الذهاب إلى العاصمة للعمل، لأنكِ دائمًا ما تكونين غير مبالية بهذه الأمور.”
…كنتُ أستعد لحضور الحفل بينما أتعرض لتعليقاتٍ لاذعة من والدتي.
“أنتِ لستِ عديمة الذوق، لكنكِ تختارين كل شيء بعشوائيةٍ لأنكِ تجدين الأمر مزعجًا! عليكِ أن تكوني ممتنةً لأنكِ ولدتِ بهذا الجمال، لذا لا تتركي وجهكِ الجميل يضيع باختيار ملابس غير مناسبة.”
كانت انتقادات والدتي الحادة تجعلني أقدّر مجددًا لطف وصيفات قصر الشتاء اللواتي كنَّ يساعدنني في التزين بالعاصمة..
“لكن على الأقل، لقد اخترتِ خطيبًا مناسبًا، وهذا أمرٌ مريحٌ حقًا، سيدتي!”
“عزيزتي، هل تعتقدين أنها اختارته؟ لا بد أنها انجرفت مع التيار! فهي ليست مجتهدةً إلى هذا الحد، وليس الأمر وكأنه عملٌ من أعمالها.”
“هذا صحيح.”
حتى جين، التي جاءت لمساعدتي اليوم، بدت أكثر صراحةً من ذي قبل في تعليقاتها اللاذعة..
“يبدو أن صاحب السمو يعرفكِ جيدًا، يعلم أنكِ تجدين الاختيار متعبًا، لكنكِ تحبين الأشياء الجميلة!”
“أوه، بالمناسبة، عندما ألقيتُ التحية عليه في الطريق إلى هنا، كان لا يزال في ثيابه العادية، لكنه بدا أنيقًا كعادته!”
“صحيح، سمعتُ أن الخدم يقولون إنهم لم يروا صاحب السمو بمظهرٍ غير مرتبٍ أبدًا، وهذا يعني أنه يعرفكِ جيدًا.”
أنا رأيتُه غير مرتب، بل رأيته في حالٍ فوضوية تمامًا!
فلقد كانت أول مرة التقينا فيها أشبه بالفوضى الكاملة.
لماذا يصورونه وكأنه رجلٌ سطحيٌ لا يهتم إلا بالمظاهر؟
ناهيك عن أن خطوبتنا ليست حقيقية، بل كانت مجرد صفقة مالية!
كلما فكرتُ في الأمر، شعرتُ أنني الأسوأ هنا، لذا فضّلتُ الاستسلام والتعرض لتعليقاتهم اللاذعة بهدوء..
“على أي حال، إذا بقيتِ صامتة، فستبدين كالسيدة المثالية أينما ذهبتِ!”
قالت جين بإعجابٍ وهي تضع زينة شعري وتساعدني في ارتداء الأقراط..
“يا له من شعورٍ رائع! لم أرى ظهوركِ الأول في العاصمة، لكن هذا التعويض رائع!”
قالت والدتي وهي تضبط شعري وملابسي بعناية قبل أن تعانقني برفق، متجنبةً أن تتسبب في فوضى في زينتي..
“لذا، روزي…”
“نعم؟”
قررتُ، على الأقل اليوم، أن أكون متعاونةً مع مزاج والدتي العاطفي، فأجبتُ بنبرةٍ لطيفة.
“على الأقل، اليوم، لا تجعلي ابن الكونت تيروديم يبكي، فهمتِ؟”
عند سماع كلمات والدتي، ابتسمتُ بسخرية خفيفة.
أي مزاج عاطفي؟ كدتُ أنسى للحظة أنني ابنة أمي حقًا.
***
بينما كنت أستعد، لاحظت أن كاسيان قد اختار لي فستانًا ورديًا هادئًا مزينًا بأحجار الألماس الفضية والشفافة، مع ياقة من الدانتيل ليست رقيقة جدًا، مما يوفر قليلًا من الدفء.
وكالعادة، لم ينسَ تحضير معطف أبيض طويل لإكمال الإطلالة بعناية فائقة.
وكما فعل في العاصمة، كان ينتظرني أمام باب غرفتي بمجرد أن أنهيت استعدادي. وعندما وضع المعطف على كتفي بنفسه، أطلقت جين، وصيفتي، صيحة إعجاب..
“يا آنستي، وأنتِ هكذا، تبدين كأميرة خرجت للتو من إحدى القصص الخيالية!”
حتى والدتي انضمت إلى الإطراء وأومأت موافقة..
“لو كانت هناك مملكة تحكمها روزي، فأنا أرغب فقط بأن أكون أحد رعاياها.”
هل هذا… مديح؟
بينما استمعت إلى هذا الحوار الودي والمبهم، لاحظت أن كاسيان كان بالكاد يحافظ على ابتسامته الرسمية، مما جعلني أشعر بإحساس غريب ومعقد..
هل عشتُ هنا بشكل سيئ إلى هذا الحد؟!
كل ما فعلته هو محاولة عيش حياة هادئة وسعيدة، ومع ذلك، الجميع يتصرف وكأنني صنعت لنفسي إمبراطورية خاصة بي..
لكن، بدلاً من المجادلة، قبلت ذراع كاسيان وصعدت إلى العربة التي أرسلها الكونت تيروديم. كانت العربة فخمة وواسعة، مما يدل على مدى الاهتمام الذي أولوه لهذه المناسبة..
وفي الداخل، بينما كنا نجلس، علق كاسيان بابتسامة..
“الآن فهمتُ كيف تمكنتِ من العيش بشكل جيد في العاصمة.”
أجبتُ وأنا أرفع حاجبي بفضول
“لكنني لم أكن كذلك عندما كنت طفلة… ومع ذلك، فجأة بدأ الجميع يتصرف بهذه الطريقة تجاهي.”
“هذا لأنهم تأقلموا معكِ، تمامًا كما فعلتُ أنا.”
قال ذلك وهو يرسم ابتسامة جميلة على وجهه.
“صاحب السمو…”
“بل، إيان.”
يا له من إصرار مزعج..
“إيان، لا تظن أنك ستتجاوز الأمور بسهولة بمجرد أن تبتسم هكذا.”
“إذن، هل يجب أن أقدم مكافأة صغيرة مع كل كلمة أقولها لكِ؟”
“…هل نحن في العيد؟ هل تنوي إعطائي مصروفًا مقابل انتقادي؟”
“أنا فقط أحاول منحكِ الأشياء التي تحبينها، لا أكثر.”
هل يعني ذلك أنه يحاول أن يجعلني إنسانة بلا ضمير الآن؟
ثم أضاف بصوت هادئ، وهو ينظر إليّ بتمعن
“على أي حال، الآن فهمتُ لماذا أردتِ العيش بسلام في مقاطعة ساليس.”
“لأن العيش هنا مريح.”
لمعت في عينيه نظرة من الحزن الطفيف، وكأن فكرة أنه مهما فعل، لن يتمكن من منحي ما أريده، بدأت تتسلل إليه.
ربما كان يتعمد إظهار هذا الشعور لي أيضًا..
ولأنني لم أرغب في تلقي توبيخ من والدتي أو جين حول إفساد شعري، فقد انحنيت قليلاً وأسندت رأسي على كتفه بلطف قبل أن أقول..
“لكن، طالما كنتُ بجانبك في العاصمة، شعرتُ بنفس القدر من الراحة، لذا لا تبدُ بهذا الوجه الحزين.”
“…حقًا؟”
“نعم، وأيضًا، من الواضح أنك تحاول التأثير على مشاعري.”
في الواقع، مشاعري كانت دائمًا ضعيفة أمامه..
عندها، ضحك كاسيان بصوت خافت وهمس بنبرة مرحة:
“يا للأسف، لقد كشفتِ خطتي… هل تعلمين؟ حتى جلالة الإمبراطور يستخدم هذه الحيلة مع جلالة الإمبراطورة.”
حسنًا، على الأقل، من الجيد أن رئيسي لديه مستوى عالٍ جدًا من الإدراك الذاتي..
***
بفضل العربة الفاخرة، وصلنا إلى قصر كونت تيروديم أبكر من المتوقع.
عندما نظرتُ إلى الأضواء المبهرة والزينة الفاخرة، أدركتُ مدى الجهد الذي بذله الكونت وعائلته استعدادًا لزيارة كاسيان.
على الأقل، هذا ما كنتُ أظنه… حتى تحدث الكونت أخيرًا.
“مر وقت طويل، روزي! على أي حال، ها هي السجلات المفصلة لمصاريف الزينة الخاصة بحفل اليوم. لم أضيع أي أموال بلا فائدة، لذا أرجوكِ، لا تظهري ‘لطفك المعتاد’ بانتقاد حاد من البداية!”
التعليقات على الفصل " 80"
التعليقات