كان التنزه في الحديقة مع البارون ساليس وقتًا ممتعًا للغاية بالنسبة لكاسيان.
لأنه كان يستطيع أن يلمح ملامح روزليتا من خلال بعض تصرفاته وعاداته بين الحين والآخر..
باستثناء أنه كان يتساءل ما إذا كان من غير اللائق أن يربط كل شيء بها.
“ذاك، همم، كما تعلم، سموك.”
“نعم؟”
كان صوت البارون ساليس، الذي كان يتحدث في البداية بأحاديث مجاملة تتضمن الاطمئنان على الأحوال، قد أصبح فجأة أكثر عمقًا وثقلاً..
بما أن كاسيان جاء إلى إقليم البارون ساليس، فقد توقع أن يتلقى توبيخًا لكونه تقدم للخطبة دون إذن منهم.
كان مستعدًا تمامًا لسماع اتهامات بأنه استدرج ابنتهم البريئة..
فقد كان يعلم، من الطريقة التي كانت روزليتا تفكر بها دائمًا في عائلتها، مدى العناية الفائقة التي تلقتها أثناء نشأتها.
وبغض النظر عن كونها مجرد خطوبة تعاقدية ستنتهي يومًا ما، كان هو من اقترحها، لذا كان من الطبيعي أن يتحمل أي كلام سيئ يُقال عنها..
“هاه….”
مع التنهد العميق الذي تبعه من البارون ساليس، استعد كاسيان أكثر، حتى كاد يركع جزئيًا.
“روز خاصتنا حازمة وذكية، وهذا ليس لأنني والدها، بل لأن أي شخص يراها سيقول الشيء ذاته.”
“بالطبع، الجميع في البلاط الإمبراطوري يعترفون بقدراتها في العمل.”
أجاب كاسيان بسرعة، لأن ما قاله البارون لم يكن مجرد تفاخر أبوي، بل كان حقيقة بديهية..
في الواقع، كان يعتقد بصدق أن وصفها فقط بـ”الحازمة والذكية” فقط يقلل من شأن قدراتها.
‘ربما من الأفضل إضافة ‘شديدة الدهاء’ و’مخادعة بمهارة’ ليكون الوصف أكثر وضوحا؟’
لم يكن كاسيان، تمامًا مثل روزليتا، يقصد بهذه الصفات أي إهانة على الإطلاق.
“أنا سعيد لأنك تدرك ذلك. عندما أقرأ الأخبار، ورغم علمي بأنها لا يمكن أن تكون صحيحة، لا أستطيع منع نفسي من القلق من احتمال تعرض روزليتا لأي مضايقات…”
ثم تمتم البارون ساليس، “رغم ذلك، لكن بالطبع، لا يمكن أن تكون شخصًا يسمح لنفسه بالتعرض لأي أذى…”، كاشفًا عن موضوعيته الحادة عندما يتعلق الأمر بابنته..
“لكن هذا في العمل، أما في الأمور الأخرى، فقد كانت دائمًا قليلة الاهتمام ببعض الأشياء منذ صغرها، وهذا ما يقلقني قليلاً.”
“قليلة الاهتمام…؟”
“وأنا لا أقول هذا فقط لأنها ابنتي، لكن روزليتا جميلة جدًا، أليس كذلك؟”
لم يكن يريد تصحيح كلامه
كاسيان تمالك نفسه بصعوبة واكتفى بهز رأسه..
“بصراحة، في إقطاعية ساليس، الجميع يشارك في الزراعة ويتعايش مع السكان، لذا كانت روزي منذ صغرها تختلط بالأطفال دون أي حواجز.”
“نعم، وهي لا تزال جيدة في التعامل مع الناس حتى الآن.”
“بالطبع، فهي فتاة دافئة القلب… على أي حال، لهذا السبب كان هناك كثيرون يحاولون لفت انتباهها لأنهم معجبون بها.”
كان كاسيان يشعر بأنه يعرف بالفعل كيف انتهت قصص هؤلاء دون الحاجة لسماعها حتى النهاية..
“…لكن بعضهم تجاوز الحد وأزعج روزي قليلاً، غير أن الأمر لم يحتج إلى تدخل الكبار، فقد حلت روزي المشكلة بنفسها.”
تردد كاسيان للحظة، غير متأكد مما إذا كان عليه إظهار موافقته..
هو يعشق هذا الجانب من روز، لكن هل سيبدو الأمر وكأنه يوافق على كلام قد يُعتبر انتقادًا في نظر والدها؟
“على أي حال، بعد أن جعلت ابن كونت تيروديم يبكي بحرقة عندما كانت في العاشرة، هدأت الأمور. ومنذ ذلك الحين، لم تُبدِ أي اهتمام بهذا النوع من الأمور على الإطلاق…”
قال البارون ساليس ذلك بقلق واضح، قبل أن يتابع حديثه بحماس.
“ثم ذات مرة، أظهر فتى من دار الأيتام يُدعى ويسلي بعض الاهتمام بها، لأنه كان ذا ملامح جميلة، فقررنا أن نجعله رفيقًا لها في اللعب…”
عند هذه النقطة، أطلق البارون تنهيدة عميقة،
وكاسيان، الذي كان يعرف تمامًا ما لم يُقال، فكر في الأمر:
‘قالت إنها ظنت أنه فتاة…’
من المؤكد أن روز كانت ساذجة بعض الشيء في هذا الجانب.
فهي تلتقط التغيرات في مشاعر الآخرين بسرعة مذهلة، لكنها في الوقت نفسه تصدق تمامًا أي تبرير يُقدَّم لها.
في الآونة الأخيرة، بدأ كاسيان يعتقد أن هذه الطريقة قد تكون مريحة لها.
ولحسن الحظ، كانت هذه السذاجة مريحة له أيضًا، لذلك لم يشعر بالحاجة إلى تحليل الأمر أكثر من اللازم.
“على أي حال، حتى عندما حان وقت ظهورها في المجتمع، لم تُظهر أي اهتمام يُذكر، لدرجة أنني وزوجتي فكرنا في إبقائها معنا للأبد إن لزم الأمر.”
‘ربما كان ذلك حلم روز الحقيقي…’
أخفى كاسيان مرارة هذا التفكير تحت لسانه، وهو يحدق في البارون ساليس..
“لذلك، لا يسعني سوى الإعجاب بسموك لكونك تمكنت من خطبتها، كما أنني ممتن لدعمك لها في العاصمة.”
“لا، ليس—”
“لكن، بصفتي والدها، لا يمكنني السكوت عن هذا الأمر!”
“ماذا؟”
تفاجأ كاسيان بالحزم المفاجئ في صوت البارون ساليس، وشعر للحظة وكأنه قد يُرغم على التراجع أمام عزمه..
وربما كان السبب ببساطة هو كونه والد روز، ما جعله يشعر بضغط مسبق دون أن يدرك.
“حتى من خلال المقالات الصحفية، يبدو أنكما تقضيان الكثير من الوقت معًا في أماكن مختلفة. كما أنني لاحظت أن المنزل الذي تقيم فيه روز، جلالتك من وفره لها.”
“هذا… صحيح، ولكن…”
حتى أثناء إجابته، شعر كاسيان بقشعريرة خفيفة في مؤخرة رأسه..
“أنا ممتن لك حقًا، ولكن، أرجوك… أرجوك فقط…! رجاءً حافظ على علاقة عقلانية معها! مهما كان الأمر، سموك شخص ذو مكانة عالية، كما أنك أقوى منها بكثير!”
أنهى البارون ساليس كلماته وكأنه قد استنفد كل شجاعته، ثم انحنى لكاسيان باحترام قبل أن ينسحب بسرعة…
أما كاسيان، الذي تُرك وحيدًا في الحديقة، فقد تابع ببصره الاتجاه الذي اختفى فيه البارون، قبل أن يتمتم بمرارة..
“…لا أظن أن بإمكاني التصرف بمزيد من العقلانية أكثر مما أفعل الآن.”
بالطبع، لم يكن بوسعه الادعاء بأنه لم يستسلم أبدًا لرغباته، لكنه شعر ببعض الظلم رغم ذلك..
‘أنا دائمًا من يكون حذرًا، وهي من تضعني في اختبارات صعبة.’
نقر كاسيان لسانه بخفة ثم نظر نحو نافذة غرفة روز.
وكأن التوقيت كان مثاليًا أكثر من اللازم، فقد خرجت لتوها من الحمام، وشعرها لا يزال مبللًا، وعندما التقت عيناهما، ابتسمت له ولوّحت بيدها..
“…حقًا، البارون ساليس، المشكلة ليست عندي، بل عند ابنتك.”
ورغم قوله ذلك، فإن فكرة تجاهل تحيتها لم تكن خيارًا مطروحًا بالنسبة له. لذا، رسم كاسيان ابتسامة جميلة ولوّح لها بدوره، بينما يخطر بباله قلق آخر
‘إن لم تجفف شعرها بسرعة، فقد تصاب بالبرد.’
***
كان طعام المنزل، الذي لم أتذوقه منذ مدة، لذيذًا بحق.
لم تكن المكونات فاخرة كما في العاصمة، لكن مذاق الألفة الذي افتقدته طويلاً كان بمثابة التوابل الأهم..
بالطبع، كان والداي والخدم جميعًا متوترين، قلقين من أن الطعام قد لا يروق لكاسيان، لكن رؤية كاسيان يتناول وجبته بشهية جعلتهم يهدؤون بسرعة..
‘لكن… هل من المقبول أن تكون مشاعر عائلتنا واضحة جدًا على وجوههم؟’
للحظة، تساءلت عما إذا كان والدا روزليتا، اللذان كانا يعيشان في العاصمة في القصة الأصلية، قد شعرا بالسعادة لمجرد بقائهما بجوار ابنتهما..
صحيح أنه لم يرد أي ذكر في الرواية عن شكوى البارون وزوجته من معاناتهما،
‘لكنني متأكد من أنهما تعرضا للإهانة في المجتمع الراقي بقدر ما تعرضت له روزليتا.’
فكرة وضع أشخاص بهذه البراءة وسط مجتمع كالغابة، حيث لا ينجو إلا الأذكى، لم تكن تعجبني على الإطلاق.
بالطبع، أنا واثقة من أن والدي سيتحملان أي صعوبة من أجلي، لكن لست بحاجة لذلك، فأنا لم أكن ضعيفة إلى هذا الحد.
‘في الواقع، لم تكن روزليتا الحقيقية ضعيفة أيضًا.’
ففي القصة الأصلية، كان كاسيان هو من أحضرهما سرًا إلى العاصمة، مقتنعًا بأنها ستشعر بالوحدة والمعاناة من دونهما.
كنت ممتنة مرة أخرى لأن رئيسي لم يكن ذلك الشخص الساذج من القصة الأصلية، بل كان ذكيًا وماكرًا ويجيد الحسابات..
لكن…
‘لماذا ينظر إلي هكذا؟’
في وقت العشاء، لاحظت أن نظرة كاسيان نحوي كانت مختلفة بعض الشيء عن المعتاد..
وجهه بدا وكأنه يحمل كلامًا يريد قوله، لكنه لم يكن واضحًا تمامًا.
ظل يحدق بي للحظة، ثم ابتسم بلطف ووضع على طبقي قطعة الستيك الأكثر سماكة..
“أشعر أن شهيتكِ أقل من المعتاد اليوم، والطعام لا يبدو غير لذيذ، فما الأمر؟”
ثم اقترب وهمس لي بنبرة ماكرة بعض الشيء
“هل لأنه لا يوجد نبيذ؟”
…حقًا؟ هل يظن أنني لا أستطيع التحكم في نفسي إلى هذه الدرجة؟
حدقت فيه بذهول، لكنه ضحك بخفة كما لو كان يستمتع بالأمر..
أما والداي، فبدت عليهما راحة غامضة وهما يراقباننا.
…لا تقل لي أن والديّ يجدان الطمأنينة في رؤية ابنتهما تتعرض للمضايقة من رئيسها؟
***
لأن كاسيان وأنا كنا نتصرف كالمعتاد، فقد مر وقت العشاء بأجواء دافئة ومريحة..
باستثناء الجزء الذي بدأ فيه والداي بسرد قصص عن طفولتي، بل وأخبرا كاسيان بأنهما احتفظا بالكثير من الصور واللوحات لي…
بعد العشاء، قررنا أنا وكاسيان أن نأخذ جولة قصيرة للمشي، كنوع من المساعدة على الهضم.
كنت مستعدة لتوقع الحديث عن العمل، إذ لم يكن بالإمكان تجنبه تمامًا، لكن كاسيان، بدلاً من ذلك، نظر إليّ بنظرة متحسرة وسألني فجأة بنبرة يشوبها بعض الاستياء
“إذن، روز… هل كان ابن الكونت تيروديم جميلًا؟”
الفصول تنزل أولا على واتباد💞 ki_lon2
التعليقات لهذا الفصل " 76"