62
“بالطبع لدي ما أقوله، إن أذن لي جلالتكم بذلك.”
عند كلامي، ارتسمت على وجه الإمبراطور ابتسامة مسلية كما لو كان يشاهد عرضًا ممتعًا..
على العكس، كان وجه كلٍّ من الماركيز هانيلا وابنته مصعوقًا، ثم انفجرا بالصراخ متجهين نحو الإمبراطور.
“جلالتك، لا تنخدع بكلماتها! أدلة الخيانة واضحة وضوح الشمس! هذه الرسائل مليئة بمحتويات شنيعة لا تُغتفر!”
“هذا صحيح! الدعوة التي أُرسلت إليّ كانت تحمل اسم قاعة في القصر الإمبراطوري، وهي القاعة التي أمرني جلالتك بعدم دخولها أبدًا!”
لكن الإمبراطور لم يلتفت إلى احتجاجاتهما، بل بقي ينظر إليّ بهدوء، متأملًا..
“أنا متشوق لمعرفة كيف ستتمكنين من الخروج من هذا المأزق. لذا، لكِ الإذن بالتحدث.”
كما هو متوقع من رجل له زمن طويل في الحكم، يعرف تمامًا أن عدم إعطائي فرصة للدفاع قد يؤدي إلى عواقب وخيمة.
بالطبع، كنت مستعدة لمثل هذا اليوم. قبل أن آتي إلى هنا، أعطيت تعليماتي لجوان بأن يدترسل تقريرًا مفصّلًا إلى جميع الصحف في حال لم أعد الليلة إلى القصر.
تقرير يفضح كل شيء بلغة يستطيع حتى الأطفال فهمها، مما سيجعل الإمبراطور وعائلة هانيلا يظهرون كمجموعة من الحمقى الذين تسرعوا في اتهامي بالخيانة..
يا للأسف، كنت أود خوض تجربة قضاء ليلة في الزنزانة… لكنه ليس الوقت المناسب بعد.
تنفست بهدوء وفتحت المجلد الذي أعددته.
“أولًا، متى تم تفتيش منزلي يا ماركيز هانيلا؟”
ضحك الماركيز ساخرًا، وكأن سؤالي لا قيمة له..
“هذا الصباح، فور مغادرتكِ للقصر! لا تقولي إنكِ تنوين استدعاء خادمتكِ كشاهد…”
“بالطبع لا، فأنا أعرف أن شهادتها ستكون ضعيفة.”
ابتسمت بلطف وأنا أقدم للإمبراطور وثيقة. وما إن قرأها حتى انفجر ضاحكًا، بينما تجمد الماركيز من الصدمة، غير قادر على استيعاب الموقف..
ثم همس الإمبراطور أمرًا لأحد حراسه، الذي خرج على الفور من قاعة العرش.
“جيد، ماذا لديكِ أيضًا؟ لا أظنكِ ستعتمدين فقط على هذا لإثبات براءتك.”
“بالطبع لا، الدليل التالي يتعلق بطلبات تصنيع الأختام.”
“هممم… مثير للاهتمام.”
“كنت على علم منذ البداية بأن الأختام التي على تلك الرسائل مزورة. فقد رأيت الأختام الإمبراطورية الحقيقية مئات المرات أثناء عملي، لذا من المستحيل أن تخدعني.”
عند كلماتي، سُمع صوت سعال مكبوت بين بعض المستشارين الحاضرين، خصوصًا أولئك الذين جاؤوا من قصر الأمير الأول لمشاهدة فضيحتي.
أما ماركيز هانيلا، فبدا محاولًا الحفاظ على هدوئه رغم أن صوته بدأ يرتفع بغضب..
“كيف تجرئين! إن لم تكوني من زوّرتِ الأختام، فكيف رأيتها إذن؟!”
“يا لك من شخص عديم اللباقة، لم أنهِ كلامي بعد.”
“أنتِ فقط تحاولين—!”
“لقد استعنا بسحرة التتبع وفريق الإدارة في القصر الشتوي لتحديد مصدر تصنيع هذه الأختام. وتمكنا من معرفة الجهة التي طلبتها أيضًا.”
عند كلماتي، أصبح وجه الماركيز هانيلا أشبه ببركان على وشك الانفجار..
أما الإمبراطور، فكان مستمتعًا وهو يميل على مسند العرش، يتصفح أوراقي بلا استعجال..
“المُرسل يبدو أن اسمه… ساليتس؟”
“بالضبط، وكما يعلم جلالتكم، هذا الاسم ليس اسمي الصحيح.”
عندها، صاح الماركيز بذهول..
“من الطبيعي ألا يستخدم المجرم اسمه الحقيقي! لا أحد يوقّع باسمه الصريح عند ارتكاب جريمة!”
“أليس كذلك؟ من الأحمق الذي سيضع اسمه ليُقبض عليه بسهولة؟”
ابتسمت بسخرية وأكملت حديثي..
“لذلك، قمنا بتحليل الخطوط. وفقًا للسحرة المختصين، هذا الخط تم تزويره بمهارة ليبدو شبيهًا بخطي، لكن يمكن تحديد صاحب الخط الحقيقي.”
ثم وضعت على الأرض أداة سحرية خاصة بتحليل الخطوط.
لكن ماركيز هانيلا لم يُظهر أي توتر، وكان ذلك متوقعًا.
فهو لم يكن أحمقًا بما يكفي ليكتب بخط يده، بل لجأ إلى خدعة معقدة
طلب من أحد خدمه إرسال الطلب إلى نقابة ما، ثم قامت تلك النقابة بتحويل الطلب إلى نقابة أخرى، ثم أخرى، وهكذا… حتى تتعقد سلسلة التحقيق.
ولكنه أغفل نقطة مهمة جدًا.
“وقد تمكنا من تتبع صاحب الخط الأصلي، واستخرجنا كل العقود ذات الصلة.”
نظرت إلى ماركيز هانيلا، الذي بدأ يفقد لون وجهه.
“ربما لم تكن على دراية بذلك، لكن جميع الحرفيين والتجار داخل العاصمة أصبحوا يعتمدون على العقود الرسمية فقط، ولم يعد هناك مجال للصفقات الشفهية كما في الماضي.”
“مـ… ماذا؟!”
لأنه كان يعتمد على أتباعه لتنفيذ الأمور بسلاسة، لم يكن ليعلم أي شيء عن التفاصيل.
المتعاقد الأول كان أحد المساعدين الصغار لماركيز هانيلا، وقد بذل جهدًا في إخفاء هويته، فكتب بيده اليسرى وغيّر العنوان. لكن…
لسوء حظه، كانت النقابة التي لجأ إليها واحدة من تلك التي خضعت مرتين لتحقيقات القصر الشتوي.
شعر زعيم النقابة بالريبة، فقام بتعقب مصدر الطلب، وأرفق العنوان والخط الأصلي ضمن وثائقه، مما جعل كشف الأمر سهلًا..
“توثيق كل شيء مسبقًا دائمًا ما يكون الخيار الأفضل.”
“سأقدم لجلالتك المستندات المتعلقة بالمتعاقد الأول. وبالرغم من أن الحرفيين ربما لم يدركوا أنهم يصنعون ختمًا مزورًا، إلا أن التزوير في حد ذاته جريمة. لذا، بمجرد أن تأمر جلالتك، يمكننا اعتقالهم فورًا.”
حتى هوية الشخص الذي قام بنقل الأختام المزورة كانت قد تم تحديدها بالفعل..
عند كلماتي، ضحك الإمبراطور بصوت عالٍ.
“هاهاها! هذا ممتع يا ساليس. لكن لا يزال هناك احتمال بأنكِ متورطة، أليس كذلك؟”
ربّت الإمبراطور بأصابعه على مسند العرش، بينما أومأت برأسي..
لو كنت نبيلة أخرى، لكان هذا كافيًا لإثبات براءتي، لكنني كنت أعلم جيدًا أنني بحاجة إلى دليل أقوى.
الإمبراطور لا ينظر إليّ وإلى كاسيان كموظفين عاديين، بل يرى فينا سيفًا ذا حدين.
وبينما كنت أفكر في ذلك، فُتح باب القاعة، ودخل أحد حراس قصر الشمس، الذي كنت قد طلبت منه مراقبة منزلي..
“هل تودون سماع الدليل الأول، جلالتك؟”
أشار الإمبراطور للحارس، فبدأ بالإدلاء بشهادته، مؤكدًا براءتي..
كان معروفًا عنه نزاهته الصارمة، لذا لم يجرؤ أحد على التشكيك في كلامه.
عند انتهاء شهادته، ركعتُ برشاقة وقدمت تحيتي، ثم سألت بثقة
“هل كان ما أعددته مرضيًا لجلالتك؟”
“لقد كان ممتعًا إلى حد ما. لكن يبدو أن لديكِ المزيد، أليس كذلك؟”
“نعم، كنت أرغب في تمديد متعتك قليلًا، لذا تركت هذا الدليل الأخير للنهاية.”
أخرجت من المجلد أداة سحرية صغيرة، على شكل بطاقة رفيعة..
“أينما ذهبت، أحمل دائمًا أداة تسجيل، إنه جزء من مهنتي.”
عند كلماتي، ارتجفت ابنة الماركيز هانيلا بشكل واضح..
“بالطبع، كان الأمر نفسه عندما حضرت حفل الشاي الخاص بها. كما تعلمون جميعًا، لقد قضينا بعض الوقت بمفردنا ذلك اليوم.”
“هذا صحيح.”
“وسجلتُ كل ما دار في حديثنا.”
ما إن قلت ذلك، حتى حاولت ابنة الماركيز الهجوم عليّ، لكنها أوقفت فورًا من قبل حراس ادقصر الشمس..
نظرت إليها مبتسمة، ورسمت على شفتي قوسًا ماكرًا..
“لماذا كل هذا الذعر يا آنسة هانيلا؟”
ثم أضفت ببرود
“حان وقت كشف الحقيقة.”
“س-ساليس!”
“استمتعي بالعرض.”
بـ”نقرة”، بدأت الأداة السحرية في تشغيل التسجيل.
وهكذا، انتهت لحظات تسليتنا.
***
“خيانة؟! لا، لم أفكر أبدًا في فعل شيء كهذا، جلالتك!”
“بالضبط! لقد كانت مجرد مزحة بسيطة!”
انقلب الموقف رأسًا على عقب..
في التسجيل، تم وصف تفاصيل المغلفات التي تم استخدامها، وكيف أن شكلها كان متطابقًا تمامًا مع المغلفات التي قدمها الماركيز كدليل على “خيانتي”.
ضحك الإمبراطور ضحكة خفيفة، لكنه لم يكن يبتسم حقًا.
“قبل لحظات، كنتم تدّعون أن الجريمة واضحة وضوح الشمس، والآن تنكرونها تمامًا؟”
أدرك الجميع أن نبرته لم تكن إلا مقدمة لعاصفة من الغضب.
الإمبراطورة، التي كانت تراقب بصمت حتى الآن، شدّت أطراف ثوبها بتوتر..
كانت تعلم جيدًا أن هذا الموقف لا يبشر بخير.
ثم التفت الإمبراطور نحوها، وسألها بنبرة هادئة لكنها تحمل ثقلًا رهيبًا
“جلالتكِ، ما رأيكِ في كل هذا؟”
“أعتقد أن هناك سوء فهم…”
“هممم، يبدو أن عبارة ’سوء فهم‘ أصبحت تعني ’اتهام شخص بالخيانة وقتله ظلمًا‘ هذه الأيام، أليس كذلك؟”
وقفت الملكة في مكانها، غير قادرة على النطق..
نظر إليها الإمبراطور للحظة، ثم نقر بلسانه باستنكار.
ثم، وجه بصره نحو الماركيز هانيلا، وتحدث بصرامة
“أنا حاكم متسامح، وأستمع دائمًا إلى نصائح مستشاريّ.”
“ج-جلالتك…”
“لذلك، من العدل أن أعيد إليكم الحكم الذي ألقيتموه عليها.”
بهدوء، نقر بأصابعه على مسند العرش مرة أخرى..
وفي لحظة، شحب وجه الماركيز تمامًا.
“ل-لا يمكن! لم أفكر أبدًا في مثل هذا الأمر!”
وفي يأس، التفت إلى الإمبراطورة، كما لو كان يتمسك بآخر قشة للنجاة..
“جلالتكِ! ساعديني!”