42
بصراحة، لو لم يكن المساعد آشوود هو من جاء، بل أي مساعد آخر، لما كنت سأساعد على الإطلاق.
لقد تمكنت بالفعل من تقييم كفاءة كل شخص في العمل من خلال الوثائق التي تركوها مكدسة في قصر الشتاء.
كان من الواضح أن تعليمهم سيكون أمرًا مثيرًا للغضب بالنسبة لي.
‘ليكن الغضب من نصيب نائب آشوود، وليس أنا.’
لا يمكن لعقلي الهش أن يتحمل مثل هذا العبء.
لهذا فكرت في نقل جزء من دماء الشيطان إلى المساعد آشوود.
تعليمهم بالكامل سيشكل خسارة لقصر الشتاء، لكن ترك الأمور كما هي ستجعلني أنا وكاسيان نقترب أكثر من الموت بسبب الإرهاق.
‘تقليل النفقات غير الضرورية يجعل الحياة أكثر راحة…’
حتى لو كانت هذه النفقات تتعلق باليد العاملة.
“المساعدة ساليس، لقد انتهينا من ترتيب الوثائق التي طلبتِها.”
عندما دخل الإداريون الجدد، جعلتهم يبدأون أولًا بتنظيم البيانات الخام، تمامًا كما كنت أفعل أثناء تدريبهم الأولي.
“هذه، وهذه، أعد ترتيبها مجددًا. إذا لم تفهم شيئًا، امسك بأحد الإداريين واسأله.”
وبكل إنصاف، عاملته تمامًا كما أعامل الإداريين الآخرين، دون أي تمييز..
آه، أنا حقًا شخص طيب جدًا جدًا.
***
كان فرانسيس قد وافق على شروط غير منطقية بدافع الخوف من تشويه سمعة عائلة دوقية أشوود ..
بالطبع، كان لضغط باقي المساعدين دور كبير في قراره أيضًا..
“إذا استمر الوضع هكذا، فستصدر جلالتها الإمبراطورة أمرًا صارمًا بشأننا.”
“طلبنا المساعدة من مساعدي قصر الورود، لكنهم نظروا إلينا كما لو كنا قمامة! وكأنهم الوحيدون المشغولون!”
“حتى مساعدو قصر الشمس لم يكونوا متعاونين. لديّ معارف قدامى هناك، لكنهم قالوا إنه لا يوجد أي مكان لديه طاقة لمساعدة الآخرين حاليًا.”
“ليس هذا فحسب، بل عندما ذكرنا الأمر، قال أحد مساعدي قصر الشمس إنه بسببنا تتراكم أعمال قصر الشتاء، وإن لم نكن مستعدين لتلقي غضب جلالة الإمبراطور بدلًا منهم، فعلينا أن نختفي فورًا..”
“يا لهم من وقحين! هل يعقل أن قصر الشتاء لا يعمل بدون تلك الساحرة؟”
حينما كانوا يتبادلون هذه الأحاديث، كان أحد الإداريين من قصر الشمس قد جاء لتسليم بعض الوثائق، وعلّق ساخرًا، بصوت لم يسمعه سوى فرانسيس:
“بالطبع لا يعمل دونها. الجميع يعلم ذلك، حتى جلالة الإمبراطور نفسه يتقبل الأمر، لكنكم الوحيدون الذين تتجاهلونه، تسك.”
كان صوته خافتًا بحيث لم يسمعه المساعدون الآخرون، لكن فرانسيس سمعه بوضوح..
وفي تلك اللحظة، اجتاحه إحساس عميق بالعار.
كيف، وهو الابن البكر لعائلة أشوود، المدرب بدقة ليكون الوريث المثالي، يجد نفسه متخلفًا عن ابنة بارون مغمرورة؟
كان لا يزال يشعر بالاستياء من التوبيخ الشديد الذي تلقاه من جده، دوق أشوود، بعد أن اضطر لمغادرة حادثة السفينة الفاخرة بأمر من جلالتها الإمبراطورة..
“إذا استمر الحال هكذا، فمن الأفضل أن يتولى شقيقك الأصغر منصب الدوق. هل تعتقد أنني ربيتك فقط لتكون دمية في يد الإمبراطورة؟”
لم يكن متأكدًا مما إذا كانت المساعدة ساليس قد خططت لكل هذا عمدًا، لكن جده، بلا شك، كان مدركًا للوضع، ومع ذلك لم يعترض أو يتدخل..
‘بالطبع، سيٓعتبرُ هذا اختبارًا لكفاءتي.’
تنهد فرانسيس بعمق، ثم توجه إلى الإداريين بالوثائق التي رفضتها روزليتا..
لم يكن أعمى أو أصم، كان يدرك تمامًا مدى انشغالها.
بالطبع، تخصيص هذا الوقت للعمل مع المساعدين جعله يتغيب عن دروسه كخليفة، مما جعله يشعر بالتوتر..
‘لكن لماذا أشعر أن ما أتعلمه هنا أكثر فائدة؟’
رغم أن جميع أساتذته كانوا من النخبة التي اختيرت بعناية فائقة..
بخطوات حذرة، ناول فرانسيس الوثائق التي راجعها الى روزليتا، وسألها عن الملاحظات المسجلة عليها..
“آه، نعم، هذا العمل متعب جدًا في البداية. لكن بالنسبة لمبتدئ، لست سيئًا على الإطلاق.”
توقف للحظة..
‘ليس سيئًا… بالنسبة لمبتدئ؟’
ألم يكن يُعتبر عبقريًا؟ ألم يتم اختياره شخصيًا ليكون المساعد الأول لولي العهد بأمر من جلالتها الإمبراطورة؟
قبل دخول روزليتا، لم يكن قد خرج من قائمة المساعدين الأكثر كفاءة في كل ربع سنة..
لكن منذ وصولها، أصبح مساعدو وإداريو قصر الشتاء يتفوقون عليه.
بينما كان غارقًا في أفكاره، ضحك الإداريون وهم يتحدثون:
“على الأقل، مساعدتنا ساليس أصبحت أكثر لطفًا الآن.”
“صحيح، في البداية لم يكن لديها حتى فرصة لفتح فمها، كانت مشغولة جدًا حتى عن الرد علينا، كل ما كنا نحصل عليه هو علامات التصحيح بالحبر الأحمر.”
“إذا تأخرنا قليلًا في فهم شيء ما، كانت تنفذه بنفسها لأنها كانت في عجلة من أمرها. كنا نتمنى لو أنها تصرخ علينا بدلًا من ذلك.”
“آه، بالمناسبة، لدي الجزء التالي من العمل الذي أوكل إلى السيد أشوود. كم نحن محظوظون.”
“محظوظون؟”
شعر بضربة أخرى لكرامته..
لم يتمكنوا حتى من الاعتماد عليه لإنهاء العمل في الوقت المحدد، لذا سلموا الباقي لشخص آخر؟
“على الأقل، يمكننا الآن أن نقول إننا أصبحنا موظفين أكفاء، لقد اعترفت بنا المساعدة ساليس.”
كان الإداريون يضحكون بلا مبالاة، غير مكترثين بالمسائل التي جرحت كبرياءه..
لم يستطع فرانسيس فهمهم على الإطلاق.
“… ألا تشعرون بالغضب؟”
لم يستطع منع نفسه من طرح هذا السؤال، رغم أنه لو قاله أمام روزليتا، لكان قد تعرض للتوبيخ.
اتسعت أعين الإداريين للحظة، ثم قال أحدهم:
“غضب؟ نحن محظوظون، ألا ترى؟”
“محظوظون؟”
“بما أنك مساعد، فلا بد أنك تعرف ذلك جيدًا، أليس كذلك؟ مصير الإداريين يعتمد كليًا على المساعد الذي يوجههم.”
“أعلم ذلك، بالطبع.”
كان المساعد هو المسؤول عن تحديد ما إذا كان الإداريون سيتولون مهامًا مهمة أم لا، كما أنه من يوجههم في طبيعة العمل..
“اليوم هو اليوم الثالث، وبما أنك قد مررت بمراجعة المساعدة ساليس، فلا بد أنك أدركت الأمر الآن.”
قال أحد الإداريين بنبرة ساخرة، بدا أكثر حدة من غيره.
في الظروف العادية، كان فرانسيس ليصفه بالوقاحة، لكنه بدأ يدرك طبيعة الأجواء هنا، لذا كبح غروره بصمت..
“على الأقل، مساعدتنا تُعلمنا كيف ننجز العمل.”
“إضافةً إلى ذلك، المساعدة ساليس لا تغضب عند تدريب المبتدئين.”
“…ماذا؟”
“معظم المساعدين الآخرين لا يكلفون أنفسهم عناء تعليمنا من الأساسيات، بل يلقون علينا المهام، ثم ينفجرون غضبًا إن لم تنجز بالطريقة التي يريدونها.”
ذكره هذا الحديث بالإداريين في قصر الصيف.
هل سبق له أن فعل شيئًا غير إعطائهم التعليمات…؟
كان يفترض أنهم يجب أن يعرفوا ما يفعلونه، وغالبًا ما كان يشعر بالإحباط عندما لم يرتقِ أداؤهم إلى توقعاته.
“بل حتى وسط انشغالها، تجد وقتًا لمراجعة كل شيء بنفسها. صحيح أنها لا تتسامح مع الأخطاء وتعيد العمل حتى يتم بالشكل الصحيح، لكنها لا تصرخ أو تغضب.”
“وإن كان لديها بعض الوقت، تشرح الأمور بتفصيل أكثر. فقط هذه الأيام بالكاد تجد لحظة فراغ بسبب ازدحام التقارير.”
بدأ فرانسيس يسترجع حديث روزليتا بالأمس..
“لا داعي لتصنيف كل شيء بدقة مفرطة. في هذه الوثيقة، كل ما نحتاجه هو مجال العمل، عدد سنوات النشاط، ونسبته مقارنة بالمجموع الكلي.”
لم يستطع إنكار أن ملاحظاتها غيرت طريقة نظره إلى التقارير..
كما لاحظ أن تعابيرها المتجهمة بدأت تخف كلما بدأ يعتاد على نهجها.
“بالمناسبة، ألا تعتقد أن نمط تقاريرنا أسهل في الاستخدام؟”
أغلق فرانسيس فمه للحظة..
عندما رآها لأول مرة، بدت له غير رسمية بشكل مفرط.
التقارير المعتادة تكون مليئة بالمصطلحات الرسمية والمقدمات الطويلة، لكن تقارير قصر الشتاء كانت مباشرة، تحتوي فقط على ملخص وجزء أساسي.
في بعض الأحيان، لم يكن هناك حتى جدول محتويات، وكانت بعض الوثائق لا تتجاوز صفحتين..
“يمكن تحسين طريقة ترتيب البيانات في هذا الجدول. احذف هذا الصف، فوجوده غير ضروري.”
بينما كان فرانسيس غارقًا في أفكاره، بدأ الإداري بتوضيح كيفية تحسين وثيقته، مع ذكر الأسباب بوضوح..
عندها، فتح الإداري الساخر فمه مجددًا:
“كل هذا مشروح في الدليل، لكن بما أنكم لم تطّلعوا عليه، علينا أن نهدر وقتنا الثمين من أجلكم.”
“تسك، لا تُكمل. المساعدة ساليس لن تمدحك على أي حال.”
عندها، اكتفى الإداري المتهكم بالتكشير والعودة إلى عمله..
أما فرانسيس، فقد قرر أن يتقبل وقاحة الإداريين بصمت.
لم يكن ذلك مفاجئًا، فقد كان أداء الآخرين أسرع مما توقع، مما جعله يلتزم الصمت. رغم كونه مساعدًا، أدرك أنه لم يكن سوى عبء لا أكثر، وليس عونًا لهم..
كان يرغب في الاطلاع على دليل العمل الذي أعدته إدارة قصر الشتاء مسبقًا، لكنه لم يجرؤ على طلب ذلك..
‘ليس لديك حتى ذرة خجل، فهل تفتقر إلى الضمير أيضًا؟’
بدأ يتوقع ما قد تقوله روزليتا له الآن..
وكيف أن هذا المعروف الذي قدمته له لم يكن عليها تقديمه أساسًا..
بينما كان يتأمل أكوام الوثائق المتراكمة في مكاتب قصر الشتاء، أدرك مدى تفاهة سلوكه السابق.
“لقد كنا نحدث كل ذلك الضجيج بسبب نصف أو حتى ربع هذا الكم من العمل فقط…”
أما روزيليتا، فقد كانت تتولى كل شيء، بدءًا من تدريب الإداريين وصولًا إلى توجيه الخدم، دون أن تفقد السيطرة على الأمور..
بل حتى عندما جعلته خادما مرافقا، لم يكن ذلك بدافع الحقد، بل لأن القصر لم يكن بإمكانه تعيين المزيد من الإداريين..
‘عدد المساعدين قليل، لذا لا يمكنهم زيادة عدد الإداريين أكثر من ذلك…’
بصفته أحد أفراد عائلة دوقية، كان على دراية بالمنافسات السياسية داخل القصر..
لقد استمع طوال الوقت إلى الشائعات عن روزليتا، وكان يظنها مجرد مساعدة متعجرفة تتصرف بدون خجل أو احترام، لكنه الآن شعر بالخزي من نظرته الضيقة تجاهها..
مع ذلك، بدأ عقله يصبح أكثر وضوحًا. بصفته المساعد الأول لقصر الصيف، بات يدرك الآن كيف يجب أن يتصرف.
***
“ألا ترى أنه حان الوقت لتتوقف عن القدوم إلى قصر الشتاء؟”
في اليوم الخامس، عند الساعة السادسة، أصيب فرانسيس بالذهول من كلامها..
“ماذا؟ تقصدين أنني لن أعود إلى هنا؟”
“بالطبع، عليك العودة إلى عملك في قصر الصيف، أليس كذلك؟”
خمسة أيام كانت كافية وأكثر من اللازم لتدريب إداري جديد، من وجهة نظرها.
ولم تنسَ هدفها الرئيسي طوال الوقت.
كان فرانسيس يمتلك عقلية منظمة، ورغم بعض الجمود في تفكيره، إلا أنه كان يتعلم من أخطائه ويسعى للتحسين.
لو كان أحد موظفيها، لكانت راضية تمامًا عن هذا النوع من الالتزام، ولكن…
‘لماذا تعطي سلاحًا يمكن لقصر الشتاء أن يحتفظ به لنفسه؟’
ابتسمت له ببشاشة وهي تقول:
“سمعت أن الأمير تشارلي يعمل لساعات متأخرة هذه الأيام، لذا من الأفضل أن يكون مساعده الأول إلى جانبه.”
بما أننا إنتهينا من فرز البيانات الخام، فهذا يعني أننا لن نعود مثقلين بالمهام البسيطة بعد الآن.
وأخيرًا، يمكنها التخلص منه.
“هذا صحيح، لكنني لا أزال…”
“لا تزال ماذا؟ المرحلة التالية تتعلق بمعالجة المهام الرئيسية، وبالتأكيد لن أسمح لك بتعلم ذلك. حسنًا إذن، بالتوفيق لك في تسوية الحسابات نصف السنوية، السيد المساعد الأول.”
قاطعت كلماته غير المكتملة بلا تردد، غير مكترثة بإحساسه بالإحباط..
‘الآن جاء دورك لتشعر بالإحباط!’
لقد اعتاد على أسلوب العمل في قصر الشتاء، فكيف له أن يتحمل الفوضى العارمة في قصر الصيف الآن؟
بينما كان يغادر، لم تستطع روزليتا إلا أن تبتسم، راضية تمامًا بطرد الضيف غير المرغوب فيه من قصرها.