41
“…هل جمعتَ الفرسان منذ الفجر؟”
“نعم، روز منحتني بعض الوقت النادر، فلم أشأ أن أضيّعه.”
يبدو أن كاسيان تمكن أيضًا من مغادرة مكتبه مبكرًا عن المعتاد بالأمس.
“الفرسان سيستاؤون مني.”
“لماذا تقولين ذلك؟”
ضحك كاسيان وهو يمسك بيدي ليساعدني على النهوض..
“يبدو أنكِ لا تعرفين إطلاقًا كيف ينظر فرساننا إليكِ.”
“…كشيطان؟”
لم يكن هذا ما أردت قوله، لكنه أول ما خطر ببالي.
عندما تفوهت به بتردد واضح، ضحك كاسيان بصوت خافت.
“بل يرونكِ بطلة، روز.”
“لكنني لا أتذكر سوى أنني كلفتهم بالعمل طوال الوقت…!”
بصراحة، في قصر الشتاء، كان الفرسان هم الأكثر فراغًا نسبيًا..
نظرًا لأن حتى الخدم يُستدعون للعمل على الوثائق من حين لآخر حين لم يكن هناك خيار آخر..
وبسبب أن كاسيان كان يملك مساعدا واحدًا فقط، لم تكن الإمبراطورة تسمح بزيادة عدد الإداريين في قصر الشتاء.
‘إذا وظفنا مساعدين أكثر، ألن توافق على زيادتهم؟’
حتى أن القوانين الإمبراطورية تنص على أن لكل مساعد يمكن توظيف خمسة إداريين فقط، مما جعل الجدال حول هذا الأمر عديم الجدوى بالنسبة إلينا..
ولأن منصب المساعد كان محصورًا على أصحاب اللقب النبيل الذي لا يقل عن البارون، كانت الإمبراطورة تمنع أي شخص من الترشح للمنصب عن عمد..
حقًا، إنها امرأة مرعبة إلى حد لا يُصدق، تلك الإمبراطورة.
“ربما لأنكِ لم تكتفي فقط بتكليفهم بالعمل.”
بينما كنت أفكر في الإمبراطورة، وضع كاسيان يدي برفق على ذراعه وقادني نحو قاعة الطعام..
“لا أتذكر شيئًا كهذا، جلالتك، لا داعي لمواساتي بأمور لم تحدث.”
“أتقولين أنه لم يحدث؟”
بمجرد جلوسنا على طاولة الطعام، أشار كاسيان بعينيه، فبدأ الخدم في تقديم الأطباق بحركات مألوفة..
“منذ قدومكِ، تحسنت جودة تدريب الفرسان بشكل ملحوظ.”
حسنًا، لو كان كاسيان وحده، لاضطر إلى تقليل وقت التدريب لمواكبة أعباء العمل، وبغض النظر عن مدى قوته، كان سيتعب في النهاية..
“هناك أمور أخرى أيضًا، لكن يمكنكِ سماعها من الفرسان بأنفسهم في المستقبل.”
“لم لا تخبرني بها الآن؟”
“ليس من العدل أن أسلبهم الحق في التعبير عن رأيهم في قادتهم.”
طريقة كلامه توحي بأن الفرسان يتحدثون عني بالفعل، وهذا ما أثار فضولي..
“على أي حال، هل سبب غضبكِ هو فرانسيس أشوود؟”
“نعم.”
بدأت أتناول طعامي بنهم بينما أخبر كاسيان بما قاله فرانسيس أشوود من هراء عندما زارني..
استمع كاسيان بصبر إلى تذمري، مؤيدًا كلامي بين الحين والآخر..
وبعد أن أخرجتُ كل ما في صدري، شعرت أن الغضب الذي تراكم داخلي قد تلاشى قليلًا.
عندها، هدأ عقلي بما يكفي للتفكير بمنطقية.
“في الواقع، قصر الصيف يعتمد على دعم القصر الإمبراطوري وقصر الشتاء في معالجة معظم المسائل الصعبة.”
“صحيح، وهذا أمر يقره جلالة الإمبراطور أيضًا.”
إذ أن محاولتهم التصرف بمفردهم قد تؤدي إلى مشاكل أكبر.
كانت الإمبراطورة حريصة على تقديم الأمير الأول على أنه شخص كفء، لكنها كانت على الأقل واقعية بما يكفي لتدرك أن ابنها بحاجة إلى هذه الصورة المصطنعة..
“بصراحة، مساعدو قصر الصيف مجرد أبناء نبلاء مدللين، لذا لا بد أنهم الآن يتهربون من العمل تمامًا.”
بعد مغادرتي قصر الصيف، كانوا يتفاخرون بأنهم قادرون على إدارة الأمور دوني، ثم بحلول الساعة الثامنة مساءً، قرروا تأجيل كل شيء إلى اليوم التالي وغادروا العمل..
‘الثامنة مساءً؟ بالكاد يكون قد مضى وقت على العشاء!’
ومن طبيعتهم، لا يمكن أن يكونوا قد عملوا دون تناول الطعام.
“وإذا حدث خلل في مستندات الحسابات النهائية، فلن نتمكن من التملص تمامًا من المسؤولية.”
“ستجد الإمبراطورة طريقة لتوريطنا في الأمر، بلا شك.”
أومأ كاسيان وهو يحتسي شايه الأسود القوي، بينما أمامي كوب ضخم من آيس أمريكانو شديد السواد، يعد خصيصًا لي في قصر الشتاء..
حجم “مضاعف بست جرعات إسبريسو”، مشروب خاص بي وحدي.
“لذا علينا منع حدوث ذلك، فكل ما هو مهم بين أيدينا بالفعل.”
“صحيح، وما خطتكِ لحل هذه المشكلة؟”
نظر إليَّ كاسيان بابتسامة، مع أنه يعرف الإجابة مسبقًا، وكأنه يمنحني فرصة للحديث..
ابتسمتُ بدوري، فاليوم سيضطر المساعد الأول لقصر الصيف إلى قبول اقتراح قد يكون مخزيًا بعض الشيء بالنسبة له..
***
“…هل تطلبين مني الآن مساعدتكِ في عملكِ، مساعدة ساليس؟”
قطّب فرانسيس أشوود حاجبيه قليلًا عند سماعه اقتراحي.
كان رجلًا قليل التعبير بطبيعته، لكنه نظر إلي كما لو أنه لا يستطيع استيعاب الأمر.
“هل تجد صعوبة في الفهم؟ أراهن أنك تفكر الآن أنه سيكون كافيًا لو تحمّل قصر الشتاء نصف العبء فقط، أليس كذلك؟”
“لو تساعدوننا هذه المرة فقط، ففي المرات القادمة—”
“هل يعني ذلك أن موظفي قصر الصيف لا يمكنهم تحمّل سوى نصف عبء العمل ليتمكنوا من المغادرة في موعدهم؟”
أطبق شفتيه بصمت، كما لو أنني أصبت كبد الحقيقة..
“المساعد أشوود، موظفو قصر الشتاء كانوا سعداء لأنهم تمكنوا من مغادرة العمل قبل منتصف الليل البارحة.”
إنهم لا يرون سوى أنفسهم، حقًا..
“هل تعتبرونني وموظفي القصر الشتوي مجرد أدوات للعمل دون اعتراض؟ دعني أسألك، هل الأمير تشارلي أعلى مقامًا من الأمير كاسيان؟”
“هذا…”
لن يجرؤ على الإجابة.
فلو تجرأ وحدد ترتيبًا بينهما، ستتصدر كلماته الصفحة الأولى للصحف غدًا، وكأنه قرر بنفسه ما لم يحدده الإمبراطور بعد..
“إذًا، هل أنا أدنى منك مرتبة كمساعدة؟”
“….”
تحركت شفتاه قليلًا، لكنه لم يستطع النطق بكلمة..
“أنت ابن عائلة دوقية مرموقة، بينما أنا ابنة عائلة بارونية بسيطة، لذا قد يكون لديك هذا الانطباع.”
ابتسمت بهدوء..
“لكن حتى لو كان ذلك صحيحًا، فهذه مسألة تهم حفلات الرقص والمجتمع الراقي، لا العمل الإداري، أليس كذلك؟”
هو يعلم جيدًا أن موظفي قصر الشتاء يتصدرون قوائم الإنجازات كل ربع سنة..
رغم صعوبة العمل هنا، إلا أن المتقدمين للوظائف لا ينقطعون أبدًا، لأن قصر الشتاء كان يوفر لهم فرص ترقية سريعة، وحوافز مالية سخية، وتعويضًا دقيقًا عن ساعات العمل الإضافية.
حتى الإمبراطورة نفسها لم تعبث بهذه الأنظمة، لأنها تدرك أن التلاعب بها قد يؤثر على كفاءة قصر الصيف وقصرها الخاص..
“وتقول ‘هذه المرة فقط’، لكن هل أنت واثق تمامًا أنكم لن تحتاجوا مساعدتنا مجددًا؟”
“سأحرص على ألا يحدث ذلك.”
“أنا لا أثق بك، فمن السهل قول ذلك بالكلام. وما الذي سيحدث إن قرر مساعدو قصر الصيف الآخرون التهرب من المسؤولية مجددًا؟ هل تراهن على تدخل القصر الإمبراطوري لحل المشكلة؟”
أتظن أنني لا أعرف؟
حتى لو كان فرانسيس أشوود صادقًا في نيته، فلا ضمان أن الآخرين سيفعلون الشيء نفسه.
“هناك الكثير مما يمكنني قوله، لكنني مشغولة جدًا لأضيّع وقتي في توضيح كل شيء لك.”
“لكن إذا وافقتُ على مساعدتكِ، فقد يؤثر ذلك سلبًا على سمعة الأمير تشارلي، وأنتِ كمساعدة أولى تدركين ذلك جيدًا.”
ضحكت ساخرة من منطقه..
“حسنًا، فلنعتبر إذن أن المفاوضات فشلت، واعتني بالأمر بنفسك. لقد عرضنا المساعدة، وأنت من رفضها.”
حملت مذكرتي ونهضت من مكاني بلا أي تردد..
“بما أنك واثق بقدرتك على إدارة الأمور، فلا داعي لأي تعاون مستقبلي مع قصر الشتاء.”
وبينما كنت على وشك مغادرة الغرفة، استدرت إليه وكأنني تذكرت شيئًا للتو، ونظرت إليه بنظرة ساخرة..
“بالمناسبة، في حادثة سفينة ‘إيليوم’ السياحية، عندما واجهتَ الموقف الحقيقي، هربتَ من الخوف، والآن تتحدث وكأننا متساوون إداريًا؟”
حين قمنا أنا وكاسيان بفرز الوثائق المتعلقة بالحضور في تلك الحادثة، وجدنا اسم فرانسيس أشوود في القائمة.
“لم أهرب، بل—”
“حسنًا، حتى لو لم تكن قد هربت، فهل ينفي ذلك أننا اضطررنا لتنظيف الفوضى التي تركتها وراءك؟”
لم أرغب في منحه أي فرصة أخرى للنقاش، لذا فتحت الباب وغادرت.
ليختبر عنادَه بنفسه، ويغرق وسط جبل من الوثائق!
لكن بعد ثلاث خطوات فقط خارج الغرفة—
“المساعدة ساليس! سأقبل اقتراحك.”
أخيرًا، حطّمت كبرياءه.
***
لكن بالطبع، لم أكن لأدع الأمر يمر بسهولة لمجرد أنه تنازل مرة واحدة.
فلا يدرك البعض أخطاءهم إلا عندما يسقطون تمامًا إلى القاع.
“… خادم مرافق؟”
تصلّب وجه فرانسيس أشوود عندما أخبرته باللقب الذي سيحمله أثناء عمله في قصر الشتاء.
صحيح أن الخدم في القصور الإمبراطورية عادة ما يكونون من أبناء النبلاء، لكن في الواقع، ما لم يكن الشخص تابعًا للإمبراطور أو الإمبراطورة أو الإمبراطورة القرينة، فعادة ما يكونون من عائلات فقيرة أو فرسان من رتب متوسطة.
‘بل في معظم الأحيان، يكونون مجرد أبناء عائلات من رتبة ‘نائب بارون’ أو عائلات الفرسان.’
أما أن يُجبر وريث واحدة من ثلاث عائلات دوقية في الإمبراطورية على شغل هذا المنصب، ولو مؤقتًا؟
بالطبع، كان أمرًا صادمًا بالنسبة له.
“أعلم أن هذا ليس مكاني المناسب، لكن…”
على ما يبدو، فإن القصف المستمر الذي تعرض له مني منذ الصباح قد جعله يعيد التفكير في كلماته.
“ألا يمكن أن أعمل كمساعد إداري مؤقت بدلًا من ذلك؟ ألا تخشون أن يبدو الأمر وكأن قصر الشتاء ينتقم من قصر الصيف؟”
حاول حتى أن يبدو وكأنه مهتم بمصلحتنا.
لكن…
لو كنت تعرف أنه لا يجب قول شيء، فلماذا تقوله أصلًا؟
ابتسمت، ثم التفتُّ إلى كبير الخدم في قصر الشتاء..
“عذرًا، سيد الخدم. يبدو أن تعيين خادم مرافق جديد غير ممكن بعد كل شيء.”
“لا بأس، مساعدة ساليس. هذا أمر متوقع—”
لكن فجأة، صرخ فرانسيس أشوود على عجل..
“سأفعل ذلك، مساعدة ساليس!”
حسنًا، لقد حصلتُ على موافقته الآن..
حان وقت استغلاله بالكامل لجعل قصر الصيف يركع تحت أقدام قصر الشتاء.