40
‘ليس شيطانة، بل ساحرة؟’
كررتُ كلماته في ذهني وضحكتُ ضحكة باردة مريبة..
يمكنني، ولو قليلًا، أن أجد للقب الشيطانة بعض العذر.
لكن ساحرة؟
“ما الأمر؟ لقد جئت فقط لإعادة هذه المهام إليكم.”
“ماذا…؟”
“سمعتُ قبل قليل أن مساعدي قصر الصيف يعملون بكفاءة عالية.”
أشرتُ بإيماءة إلى الفرسان، الذين أنزلوا أكوام الوثائق دون أي تردد..
كووونغ!
كان عددها ضخمًا لدرجة أن صوتها كان ثقيلًا رغم أن الأرض كانت مغطاة بالعشب الناعم..
“بعد أن خصصتُ من وقتي الثمين لمراجعة هذه الوثائق بكرمٍ شديد، وجدتُ أنها مهام يمكن لقصر الصيف إنجازها بالكامل.”
“م-ماذا تعنين بذلك؟! هل تحاولين التهرب من العمل؟!”
“إذا كان قصر الصيف يفتقر إلى القدرة على إنجازها، فقصر الشتاء، بصفته شريكًا في العمل، كان سيفكر في مشاركة العبء معكم.”
ابتسمتُ بهدوء..
“لكن كما سمعت، يبدو أن لديكم وفرة في الموارد والوقت.”
“ل-لكن لمجرد أننا نعمل بكفاءة ولدينا وقت إضافي، لماذا علينا إنجاز أعمال قصر الشتاء؟! لا تحاولي التلاعب بنا، مساعدة ساليس!”
يا له من تعليق دقيق..
“بالضبط، لماذا علينا نحن إنجاز أعمال قصر الصيف؟”
صرحت بشكل صارخ..
“كل هذه الوثائق تنتمي الى أعمال قصر الصيف منذ البداية. فهل الأمير تشارلي كان على علمٍ بذلك وسمح به؟”
“المساعدة ساليس!”
“إذا استمررتم في الإصرار على هذا الموقف، فإن القصر الشتوي سيرفع طلبًا رسميًا إلى قصر الشمس لمراجعة هذه المهام بالكامل.”
وبهذه الطريقة، يمكنني أيضًا الكشف عن مدى عدم كفاءة الأمير تشارلي.
“وسنرفق كذلك شهادتكم بأن الأمير تشارلي أمر مساعديه ومسؤوليه الإداريين بإدارة العمل بهذه الطريقة.”
سيكون هذا كافيًا لإثارة غضب الإمبراطورة..
وهو آخر ما قد يرغب به أي شخص من قصر الأمير الأول.
علاوة على ذلك، يعتمد قصر الشمس، حيث يقيم الإمبراطور، على قصر الشتاء في بعض الأمور، ولديه بالفعل عبء عملٍ ثقيل.
“إذا تسبب هذا في زيادة ضغط العمل عليهم خلال فترة التسوية المالية، فسيغضب الإمبراطور بشدة.”
وبالطبع، قد يقع جزء من هذا الغضب على كاسيان، لكن قصر الصيف سيتلقى النصيب الأكبر من اللوم..
كنت واثقة تمامًا من قدرتي على كسب معركة الرأي العام، فقد كنت قد أعددت بالفعل العنوان الافتتاحي للمقال الصحفي الذي سيتم نشره.
كنتُ مرهقة بسبب السهر والعمل الإضافي المستمر، لذا لم يكن لدي أدنى نية لتحمل هذا العناء وحدي.
‘إذا كان عليّ السقوط، فلن أسقط وحدي.’
عندما رأى مسؤولو قصر الشيف الابتسامة الباردة على وجهي، عمّ الصمت بينهم..
يبدو أنهم أدركوا أنني لستُ شخصًا يطلق تهديدات فارغة..
بدأ المستشارون ينظرون إليّ وإلى أكوام الوثائق الهائلة بقلق.
“ل-لكن… حتى الآن، كان القصر الشتوي دائمًا يتولى هذه المهام…”
“يتولى؟”
التقطتُ على الفور الكلمات المترددة التي قالها أحد المسؤولين الإداريين..
“إذن، أنت تدرك أننا كنا نتولى هذه الأعمال من باب الكرم؟”
تابع، تحدث أكثر، فكلما قلت المزيد، كلما كشفتَ عن ضعف موقفك.
نحن في قصر الشتاء لا نعتمد إلا على الحقائق الدامغة.
“هل لديكم أي شيء آخر لتقولوه؟”
“هناك العرف والتقاليد…”
“هل هناك شخص على استعداد لوضع اسمه في التقرير الرسمي إلى قصر الشمس يبرر لماذا يجب أن يتولى قصر الشتاء مهام قصر الصيف؟”
أغلق المستشار فمه فورًا..
إذا عادوا بهذه الوثائق، فلن يتمكنوا حتى من الاستمتاع بنزهة بعد الغداء، بل سينتهي بهم الأمر بالعمل لوقت متأخر في القصر الصيفي.
لم يكن أيٌّ منهم أحمق بما يكفي ليجهل ذلك.
عادةً ما يكون هناك شخص واحد على الأقل يتصرف بعناد، لكن الجميع هذه المرة اختاروا الصمت.
بما أنني أنجزتُ مهمتي، فلا داعي لإضاعة المزيد من الوقت هنا..
“إذن، لقد أعدنا إليكم ممتلكاتكم الضائعة، أليس كذلك؟”
ألقيتُ عليهم نظرة ساخرة وانصرفت، تاركةً إياهم في حالة ذهول وعجز عن الكلام.
***
في اليوم الذي أعدتُ فيه العمل إلى أصحابه الحقيقيين، تمكنتُ أخيرًا من مغادرة العمل قبل منتصف الليل لأول مرة منذ فترة طويلة..
بالطبع، لم أكن قد أعدتُ كل المهام التي ألقاها علينا قصر الصيف، لذا لم يكن بإمكاني حتى أن أحلم بمغادرة العمل في الوقت المحدد.
‘لكن على الأقل، تمكنتُ من العودة إلى المنزل قبل أن ينتهي اليوم، وهذا بحد ذاته إنجاز.’
يبدو أن كاسيان كان سعيدًا أيضًا بانخفاض عبء العمل، لدرجة أنه أمر بإعداد وجبات خفيفة أكثر فخامة من المعتاد لموظفي الإدارة الذين كانوا يعانون من الإرهاق.
وفي تلك الليلة، استطعتُ أخيرًا أن أنام لمدة ست ساعات متواصلة، تحت الأغطية التي جففتها الخادمة جوان تحت أشعة الشمس، مما منحها دفئًا مريحًا..
لكن في اليوم التالي، تصدّعت تلك السعادة البسيطة التي شعرتُ بها.
والسبب؟
“أود أن أتحدث معكِ قليلًا.”
المساعد الأول في قصر الصيف، رئيس المساعدين هناك.
“بشأن أعمال التسوية المالية لهذا العام. هل يمكنكِ تخصيص بعض الوقت، مساعدة ساليس؟”
كان الشخص الذي أتى لرؤيتي هو فرانسيس أشوود..
“…هل لا تزال قادرًا على قول ذلك حتى بعد رؤية الوضع هنا؟”
المشكلة لم تكن في قدومه بحد ذاته، بل في توقيته السيئ للغاية..
“المساعدة ساليس، يجب أن تعالجي هذه الوثائق فورًا! جلالة الإمبراطور بانتظارها.”
“سيدتي، من فضلك، ساعديني في هذا الأمر أيضًا، لمرة واحدة فقط!”
الساعة الآن العاشرة والنصف صباحًا، وهو الوقت الأكثر ازدحامًا في قصر الشتاء.
بصراحة، لا يمكنني تجاهل هذا التوقيت الوقح.
فالساعة العاشرة والنصف صباحًا هي الفترة التي يركض فيها المسؤولون الإداريون ذهابًا وإيابًا لإنجاز المهام بعد إنهاء الاجتماع الصباحي مباشرة..
“إذن، متى سيكون وقتكِ مناسبًا؟”
في الواقع، لا يوجد وقت مناسب هذه الأيام.
كنتُ أرغب بشدة في الرد بهذا الشكل، لكن كان من الواجب الاستماع إلى مبررات قصر الصيف على الأقل.
بمعرفتي شخصية فرانسيس أشوود، يستبعد أنه أتى للمماطلة في العمل كما فعل أولئك الحمقى بالأمس..
وبينما كنتُ أمرر بعض الأعمال المستعجلة إلى المسؤولين الإداريين الآخرين، ألقيتُ نظرة على جدول أعمالي اليومي، محاوِلة إيجاد فسحة زمنية صغيرة..
“يبدو أن الساعة الرابعة بعد الظهر ستكون مناسبة. هل يناسبك ذلك؟”
بحلول الساعة الثالثة تقريبًا، سيكون كاسيان قد أنهى تدريبات الفرسان وعاد، مما يمنحني بعض الوقت للخروج .
أن أجد وقتًا لعقد اجتماع طارئ وسط هذا الجدول المزدحم في نفس اليوم؟
لقد كان هذا أقصى درجات المرونة والتساهل من جانبي!
“…أنا آسف، لكن، المساعدة ساليس، ساعات عملي تنتهي عند الساعة الثانية عشرة ظهرًا.”
“وماذا في ذلك؟”
“لذلك، من المنطقي أن تتمكني من مقابلتي قبل ذلك—”
كراك..
في تلك اللحظة، انكسر القلم الذي كنتُ أحمله بين أصابعي.
لحسن الحظ، لم يكن القلم الفاخر الذي أهداني إياه كاسيان، بل كان مجرد قلم دفعه إليّ أحد المسؤولين الإداريين منذ قليل لإنهاء بعض الأعمال بسرعة..
ساد صمت ثقيل في المكتب للحظات.
حتى المسؤولون الإداريون الذين كانوا يضغطون عليّ لإنهاء أعمالهم، والمساعدون الآخرون، كانوا يراقبونني بحذر.
“منطق؟ هل تعتقد حقًا أن هذا منطقي، المساعد أشوود؟”
“لكن وقتي—”
“آه، إذن فقط وقتك هو المهم، أما وقتي فلا قيمة له؟ أم أنك تعتقد أنني موظفة تعمل تحت إمرتك وعليّ أن أكون متاحة متى شئت؟”
للتذكير، الشخص الذي يدفع لي راتبي ويحدد وقت عملي هو كاسيان، رئيسي المباشر.
“لِمَ تتحدثين بهذه الطريقة؟”
“بل العكس، أنتَ من عليه أن يعيد التفكير في طريقته في الحديث. حقًا، لا أصدق! ترى، كم من الفراغ لديكم في قصر الصيف، حتى أن المساعد الأول قادر على المغادرة في الوقت المحدد تمامًا؟”
فتحتُ الدرج بغضب، وأخرجتُ قلمًا أفضل من ذلك الذي انكسر للتو، وأكملتُ توقيع الأوراق قبل أن أمدّها إلى أحد المسؤولين الإداريين..
“هل لا ترى أنني أوقع المستندات بينما أتحدث معك؟”
“بصراحة، وجدتُ ذلك في غاية الوقاحة، لكنني تغاضيتُ عنه من باب الاحترام لأنك تبدين مشغولة—”
“احترام؟! أي نوع من العمل الفاخر تعودتَ عليه لتعتبر هذا الأمر وقاحة؟”
حتى وأنا أتحدث، كنتُ أواصل إنهاء المستندات العاجلة التي طلبها المسؤولون الإداريون..
البقاء في مكتب القصر الشتوي يتطلب مهارات تعدد مهام عالية المستوى.
“لا أفهم لماذا تنحرف المحادثة بهذا الاتجاه، جئتُ فقط لأطلب التعاون بشأن مهام قصر الصيف بكل أدب—”
“حسنًا، إذن، من الجهة الأكثر حاجة إلى هذا التعاون؟!”
رفعتُ صوتي ونظرتُ إلى فرانسيس أشوود بنظرة حادة..
هل يحاول العبث معي الآن؟ كيف يجرؤ على قول شيء كهذا أمامي؟
مجرد التفكير في مواصلة الجدال معه كان يثير استيائي، لذا قررتُ إنهاء المحادثة.
“الساعة الرابعة بعد الظهر. سأمنحك 15 دقيقة فقط. خذها أو اتركها، مساعد أشوود.”
قلتُ ذلك بينما أقلب الصفحات التالية في كومة المستندات، دون حتى أن أرفع رأسي للنظر إليه..
“في الأصل، هذه ليست حتى مهامًا ينبغي لقصر الشتاء المساعدة فيها، أو التدخل فيها.”
سحبتُ مجلدًا مُرتبًا من الوثائق، وألقيته أمامه على الطاولة.
“لم أعد إليكم حتى تلك المهام التي يستحيل عليكم التعامل معها دون مساعدة قصر الشتاء.”
“هذا…”
“تحلَّوا ببعض الكرامة، على الأقل. بمجرد انتهائك من مراجعة ذلك الملف، ضعْهُ مكانه وغادر.”
وبهذا أنهيتُ كلامي وعدتُ للتركيز على المستندات من جديد.
كان فرانسيس يقلب الأوراق ببطء إلى جانبي، وكأنه يرغب في قول شيء آخر، لكن يبدو أن المسؤولين الإداريين الأكثر فطنة منعوه من التحدث..
بعد ذلك، استغرقتُ بالكامل في العمل، غارقة في موجة من الغضب العارم.
***
لا أعرف كم من الوقت مرّ…
عندما بدأتُ أفقد تركيزي قليلًا، شعرتُ بشخص يطرق بلطف على مكتبي..
“لماذا أنتِ غاضبة بهذا الشكل؟”
كان كاسيان، وقد بدا أنَّه استحمَّ للتو، حيث كانت أطراف شعره لا تزال رطبة.
“أنهيتُ التدريب بسرعة وعدتُ خصيصًا من أجلكِ.”
قال ذلك بنبرة دافئة، وكأنه يحاول تهدئتي بلطف.