36
“السحرة أصبحوا أكثر دهاءً من المرة السابقة، لذا فالوضع ليس سهلًا أبدًا.”
استدار كاسيان ليواجهني، مستندًا إلى المغسلة..
كان ضوء الشمس المتدفق من نافذة المطبخ يضيء الغرفة بوضوح، لكنه جعل من الصعب قراءة ملامحه..
“الأمر خطير بما يكفي لدرجة أنني اضطررت إلى مقاطعة إجازة روز النادرة.”
“لستُ أتحدث عن ذلك.”
قطبتُ حاجبيَّ بينما اقترب مني كاسيان بخطوات هادئة..
“إذن، عن ماذا تتحدثين؟”
كان يبتسم بطمأنينة، وكأنه لا يدرك ما أعنيه.
لكن بعد أن راقبته عن كثب لمدة عام ونصف، كنت واثقة من أنني لم أكن مخطئة.
بل تذكرت أيضًا كيف بدا في صغره عندما تحسنت حالته الصحية، حيث كان يقف دائمًا باستقامة.
بدلًا من الاستمرار في لعبة التخمين، أمسكت بطرف قميصه ورفعته فجأة..
“إغراء خطيبتي العزيزة لي هو أمر يسعدني حقًا، ولكن هذا ليس الوقت المناسب—”
“إلى أي مدى أنت مصاب؟”
تجاهلتُ محاولته للتهرب وحدقت فيه بحزم.
بالأمس كنت شديدة التوتر فلم أنتبه، لكن الآن رأيت بوضوح علامات التئام جرح حديث على جانبه، نتيجة استخدام علبة الإسعافات السحرية..
تنهد كاسيان بخفة وقال:
“أنا بخير، روز.”
“لو كنت بخير حقًا، لكنتَ أخبرتني عن هذا بنفسك.”
نادراً ما كان يتعرض كاسيان للإصابات، وعندما يحدث ذلك، كان يخبرني بها بغرض إزعاجي..
“انظري، أصبت هنا أثناء المبارزة. أليس من المفترض أن تضعي ختم الأمير هنا بدلا مني؟”
رغم أنه كان يرهق خصومه حتى الإنهاك، إلا أنه كان يأتي ليشتكي من جروح طفيفة بالكاد تُرى..
“يبدو أنكِ غاضبة.”
قال ذلك وهو يبتسم، مما زاد من استيائي..
إنه حقًا شخص مزعج، رغم أنني كنت قلقة عليه..
عندما لاحظ وجهي العابس، سحب كرسيًا وجلس أمامي بهدوء.
“لم أتوقع منكِ هذا، لا أعرف إن كان علي أن أشعر بالسعادة أم لا.”
“لا تقل لي أنك راهنتَ على أنني لن ألاحظ؟”
“هل تعتقدين أنني شيطان؟”
“أعتقد أن سكان الإمبراطورية بأسرها يعتقدون ذلك.”
لقب “شيطان قصر الشتاء” لم يكن مجرد إشاعة .
على الأقل، بدا أن صوته قد عاد إلى طبيعته بعد أن كان خشنًا بالأمس..
صوته العميق والسلس، رغم جاذبيته، كان يضايقني بشكل خاص.
“لم تزُر الطبيب، أليس كذلك؟”
“صحيح.”
اعترف بذلك بسهولة، وكأنه أدرك أن إخفاء الأمر لم يعد مجديًا.
لماذا يبتسم بهذا الشكل؟
ضيقتُ عينيَّ، لكنه بدأ يضحك بصوت مسموع.
“لم أرد أن أريكِ شيئًا قبيحًا.”
“أنا لستُ ضعيفة إلى هذا الحد.”
“لم أقصدكِ أنتِ.”
من إذن؟
نظرتُ إليه بارتياب، لكنه أجاب بلا مبالاة:
“يمكنني التحرك بشكل طبيعي، تعلمين أنني قضيتُ وقتًا طويلًا في ساحة المعركة.”
إذن هو يعرف مدى خطورة إصابته؟
إذن فما فائدة الأطباء أصلًا؟
“…عندما نعود إلى العاصمة، عليك أن تستشير طبيب القصر، مفهوم؟”
“حسنًا.”
لم يكن لدي خيار سوى تصديقه..
حتى عندما كان في الحادية عشرة، تحمل الأمور بمفرده، لذا كان من الطبيعي أن يعرف مدى سوء إصابته الآن.
***
“هل استأجرتَ هذا الكوخ تحسبًا لأي طارئ؟”
“كما هو متوقع منكِ، روز.”
على الأرجح، كان كاسيان يقيم في أحد أفخم النُزُل في مدينة إيليوم..
“سمعتُ أن نُزُلًا شهيرًا في إيليوم تعرض للسرقة الليلة الماضية.”
أخبرتني إحدى الخادمات بذلك عندما كنتُ في فيلا الدوقية.
“يريدون الحصول على المكعب الذي فككتِه بأي ثمن.”
“لقد أخبرتُ الجميع في فيلا الدوقية أننا سنعود إلى العاصمة قريبًا.”
“معي؟”
أومأتُ برأسي..
قبل المجيء إلى الكوخ، ذهبتُ عمدًا إلى محطة القطار وحجزتُ تذاكر من الدرجة الأولى للعاصمة، واحتفظتُ بالإيصالات لتكون دليلاً على النفقات..
“سيراقبون محطة القطار بالتأكيد.”
“بالطبع، لذا طلبتُ من فرسان جلالتك التعاون معنا.”
كنتُ أعرف بالفعل كيفية التواصل مع الفرسان المتخفين.
كانت هذه علامة على ثقة كاسيان بي، أو ربما رغبته في استغلالي لأقصى حد..
طلبتُ من بعض الفرسان الذين تتناسب بنيتهم الجسدية معنا أن يتنكروا على هيئتنا ويتجولوا في مدينة إيليوم وكأنهم في موعد غرامي، ثم يستقلوا القطار بدلًا منا.
“كما أنني نشرتُ الخبر بين خدم القصر، لذا سيتم تضليلهم تمامًا.”
بفضل مهارات الفرسان في التسلل، كان من الصعب على السحرة تحديد ما إذا كانوا يلاحقوننا نحن أم مجرد طُعم.
لحسن الحظ، كان كاسيان يتمتع بسمعة ممتازة بين الفرسان.
فقد قاتل معهم في ساحات المعارك، وكان السبب في إنقاذ العديد منهم.
ورغم أن الإمبراطورة كانت ترغب في السيطرة على كامل فرسان العائلة الإمبراطورية، فإن هؤلاء الذين قاتلوا بجانب كاسيان كانوا معروفين بولائهم الصارم..
‘حتى في القصة الأصلية، لم يخنه أي من الفرسان الذين كانوا تحت قيادته.’
لكن بما أنني تسببتُ في تشويه القصة الأصلية إلى حد كبير، فلم أعد أستطيع الاعتماد على معلوماتها تمامًا.
‘إذا كانوا يخططون لاستخدامي أنا وفيلما كطُعم في فخهم، فعلى الأقل عليهم الالتزام ببعض القواعد، أليس كذلك؟’
بعد كل ما فعلوه، من غير المعقول أن يتوقعوا مني أن أتبع سيناريو الرواية الأصلية بكل بساطة..
تنهدتُ بداخل نفسي، بينما كنتُ أشرح لكاسيان جميع الإجراءات التي اتخذتها أثناء نومه..
“لا أعرف كيف كنتُ سأتولى الأمور بدونكِ، روز.”
بعد انتهاء تقريري، تنهد كاسيان بعمق.
“لم أقل إنني سأقدم استقالتي بعد.”
لا يزال أمامي دين كبير لسداده، يا صاحب السمو.
إلى جانب ذلك، بدء عمل تجاري جديد من الصفر مغامرة محفوفة بالمخاطر.
سأبدا بشيء بسيط كبداية حينها، مع وضع السلامة كأولوية قصوى
“لكن هذا يعني أنكِ ستستقيلين في يوم من الأيام.”
أيريدني أن أعمل معه إلى الأبد؟
هذا ليس خيارًا مقبولًا على الإطلاق.
عندما نظرتُ إليه باشمئزاز، تنهد مجددًا قبل أن ينهض من مقعده..
“يجب أن أستفيد من هذه الفرصة التي وفّرتِها لي، لأبقيكِ بجانبي لفترة أطول.”
في اللحظة ذاتها، تغير لون شعره وملامحه تمامًا.
لقد حان الوقت للقبض على السحرة المتورطين في تهريب المواد المحظورة.
***
“إذن، هذه هي السفينة السياحية الخاصة بـ فيلما…”
على عكس السفينة التي استقليناها قبل بضعة أيام، كانت هذه السفينة الفاخرة تعج بالضيوف والديكورات البراقة.
لم يكن من المستغرب أن تكون مذهلة بهذا الشكل، فقد كانت هدية من دوق لوبيز.
“هل تفضّلين هذا النوع من السفن؟”
“بصراحة، رغم أنني أود أن أكون كريمة في حكمي، فإنني لا أحبها.”
كان واضحًا أن السفينة لم تعكس ذوق “فيلما” على الإطلاق.
فقد تُركت في أيدي وكلاء لإدارتها لسنوات، وتعرضت للعديد من التعديلات دون موافقتها..
عندما عبستُ بعد التفكير في الأمر، تحدث كاسيان بنبرة ساخرة:
“يبدو أنكِ حقًا تحبين السيدة فيلهلمينا.”
“هذا صحيح، لكن لماذا تقول ذلك فجأة؟”
ظهر على وجهه تعبير متصنع من الأسى، وكأنه يتظاهر بالحزن..
‘ها هو يمثل مجددًا.’
“بعد أن تولى الوكلاء إدارتها لمدة خمس سنوات، قاموا بإجراء تغييرات لا حصر لها.”
“إذن، لا بد أن هناك عمليات اختلاس أيضًا.”
“على الأرجح.”
لم يكن من الصعب تخمين الفوضى التي حلّت بحسابات السفينة المالية..
بما أن دوقة لوبيز انهارت هنا، فإن الدوق والأبناء الصغار لم يهتموا بها إطلاقًا..
‘بالتأكيد باع الوكلاء الأثاث الأصلي واستبدلوه بأشياء براقة رخيصة، مع الاستيلاء على الفارق.’
لم يكتفوا بذلك، بل لا بد أنهم استغلوا أموال الصيانة أيضًا.
“حسنًا، على الأقل هذه فرصة جيدة لتقديم بعض الهدايا للسيدات العاصمة.”
“بما أنها فرصة نادرة، فلنستغلها لأمور أخرى.”
قال كاسيان بابتسامة مرحة وهو ينزل من العربة أولًا.
لقد غيّر مظهره إلى شاب عادي بشعر بني فاتح وملامح غير مميزة، مرتديًا زيًا أنيقًا لكنه غير عملي، شبيهًا بملابس الخدم الراقيين..
رغم أن وضعية جسده الأنيقة لم تجعله يبدو كخادم على الإطلاق، إلا أن هذا كان الجانب السلبي الوحيد في تنكره.
أما أنا، فكنت أرتدي ثوبًا كارثيًا كان جزءًا من ماضيّ المزعج..
عندما وصلتُ إلى العاصمة لأول مرة، ذهبتُ إلى متجر للملابس الفاخرة وخرجتُ بثوب باهظ الثمن لكنه فظيع الذوق، بعد أن تم خداعي بشرائه.
لقد كان فستانًا أحمر باهتًا مزينًا بشريط أخضر كبير، كان مزيجًا غير متناسق تمامًا..
لقد باعوه لي فقط لأنهم لم يجدوا من يشتريه.
(ذلك المتجر انتهى به الأمر مغلقًا بتهمة التهرب الضريبي، بالمناسبة.)
‘لم أكن أريد ارتداء هذا الفستان مجددًا.’
لكن لسوء الحظ، كان له وظيفة عملية اليوم..
في هذه الهيئة، كنتُ أبدو تمامًا كابنة أحد الأثرياء الجدد، ممن يفتقرون إلى الذوق لكنهم يعشقون التباهي..
حتى شعري كان قد تحوّل إلى اللون الذهبي، وأضفتُ بعض المكياج الثقيل.
بهذا المظهر، لم يكن هناك أي فرصة أن يتم التعرف علينا على أننا الأمير الثاني ومساعدته.
رغم ذلك، لم أكن سعيدة إطلاقًا بالخروج بهذه الهيئة.
“يا لكَ من خادم عديم الفائدة! متى ستتعلم كيف تؤدي دورك بشكل صحيح؟!”
كان من الواضح أنني سأضطر إلى لعب دور الفتاة الثرية المتغطرسة…
“أنا آسف، سيدتي! أرجوكِ، اسمحي لي بمرافقتكِ!”
لست سيئة، صحيح؟