فتح كاسيان فمه كما لو كان يتنهد.
“إنّ المستقبل الذي أخبرت به أمي جلالتك كان حقيقة.”
“…بيل لم تحذّرني من هذا!”
شعر كاسيان حقًا بأن الإمبراطور مثير للشفقة..
لم يكن قد قال الكثير بعد، ومع ذلك، بدا الأخير مصدومًا بالفعل.
مصدومًا من أن والدته قد خانته.
ومن أنها وضعته في مأزق بصمتها.
‘أمي لم تكن ترى المستقبل.’
لقد رأت فقط التدفق المحدد لهذا العالم وأخبرت به الإمبراطور، هذا ما علّمته روزليتا..
لذا، كان من الطبيعي ألا تعرف ما حدث بعد ولادة روزليتا، القادرة على زعزعة هذا التدفق.
حقًا، والده نال حبًا يفوق ما يستحقه.
حتى في هذه اللحظة، لم يكن يشعر بالامتنان بقدر ما كان يشعر بالخيانة والصدمة من انهيار الحقيقة التي كان يعرفها.
لم يكن هناك حاجة لقول المزيد..
لو كان في مكان الإمبراطور، لما غضب أو استاء، بل لكان قد سأل بجنون بحثًا عن أي لمحة أخرى عن الشخص الذي يحبه.
لكن حب الإمبراطور كان دائمًا مبنيًا على راحته الشخصية.
لم يكن هناك شيء أكثر أهمية من نفسه.
لذلك، لم يبقَ لكاسيان سوى شيء واحد ليقوله.
“في المستقبل البعيد.”
فتح الحديث بصوت متعمد البطء والدفء.
“إذا نجح جلالتك في حل كل شيء واستدعيتني مرة أخرى.”
“…وإن فعلت؟”
كاد كاسيان يضحك لكنه كتم ذلك..
لأنه حتى في هذه اللحظة، استطاع أن يشعر بتوقع الإمبراطور.
“فسأكون ممتنًا بكل سرور.”
قال كاسيان بصوت واضح وثابت، بينما ينظر مباشرة إلى عيني الإمبراطور الزرقاوين..
“لأمي، بالطبع.”
“- وليس لي؟”
هذه المرة، لم يخفِ كاسيان ابتسامته.
لم يكن يهمه إن اعتبر ذلك وقاحة.
أراد لهذا الرجل أن يخرج من وهمه.
“كل شيء كان بفضل أمي، التي أنقذت حياتك، وضحت بنفسها، ودبرت لك العديد من الأمور.”
“لكنني أيضًا…”
“بخلاف إلقائي في مواجهة الموت، ماذا فعلتَ من أجلي، يا جلالة الإمبراطور؟”
“…كاسيان.”
“لو كانت روز هنا، لكانت بكل سرور أخبرتك بكل الأوصاف التي التصقت بي في الصحف وبين النبلاء على مر السنين.”
النجاة المعجزة، المجازفة بالحياة، مروع، قاسٍ، عنيد.
كلها كلمات تعكس مدى صعوبة حياته..
“هل هناك المزيد مما يجب أن أشعر بخيبة الأمل حياله؟”
على كلمات كاسيان، لم يستطع الإمبراطور سوى التحديق في الفراغ بذهول.
“…بيل لم تكن لتخذلني. لم تكن قادرة على ذلك، فهي…”
نظر كاسيان إلى الإمبراطور وقرر أن يحتفظ بحقيقة واحدة داخل قلبه..
أمه لم تكن جاهلة.
لو كان الإمبراطور قد أبدى ندمًا صادقًا وطلب المساعدة بصدق، لكان هو و روزليتا قد مدّا له يد العون..
بالطبع، ربما كانت أمه تتوقع أن هذه النهاية أكثر احتمالًا، لكنها لا بد أنها كانت تأمل..
‘أمي أرادت ألا يكون الإمبراطور وحيدًا.’
أرادت أن يندم على أفعاله، وأن يتخلى عن طبيعته التي تجعله لا يثق بأحد، وأن يعيش حياة حقيقية في سلام.
بسبب هذا الإيمان بالمستقبل، استطاعت السيدة ماربيل رياردن أن تدبر كل هذا..
لكن الإمبراطور اختار أن يحول هذا الحب العظيم إلى جحيم مشتعل..
بسبب شكوكه المفرطة.
لو أنه فقط أدرك لقاءهم في الماضي واعتذر، ربما لكان كاسيان، بغباء، قد غفر له قليلًا.
”عندما كنتَ صغيرًا، لم أتمكن من إنقاذك في ذلك الكوخ إلا بفضل الجرع السحرية التي خبأها جلالته هناك، صحيح؟“
”نعم، صحيح.“
”إذن لا تقلق بشأن الأمر، يمكن لإيان أن يفعل ما يشاء. حتى لو لم يأتِ إلى العاصمة سوى شهر واحد في السنة، فهذا لا بأس به. يمكنني دائمًا إزعاج جلالته بطرق أخرى.“
حتى روزليتا، من أجله، استخرجت أدفأ كلماتها وقالت هذا.
ومع ذلك، الإمبراطور ركل حتى آخر فرصة له..
‘حسنًا، أعلم أن تركه لجرع العلاج لم يكن بدافع اللطف أو أي شيء من هذا القبيل.’
كان من غير الملائم للإمبراطور أن يموت كاسيان في ذلك الوقت.
كان بحاجة إلى البقاء حيًا حتى يتمكن من استخدامه كورقة ضغط ضد محظيته، جاموتي..
رغم معرفته بذلك، لم يرغب كاسيان في إنكار كلمات روزليتا، التي حاولت رؤية الجانب الأقل قسوة من ماضيه..
انحنى كاسيان قليلًا للإمبراطور، ثم استدار.
لم يعد لديه أدنى تردد تجاه هذا الرجل.
ترك وعدًا غامضًا بإمكانية العودة فقط لأنه اعتبره واجبًا عليه.
***
كان الإمبراطور مزعجًا حتى آخر يوم.
مثل مدير لا يتقبل استقالتك بسهولة، ليجعلك تعمل لساعات إضافية حتى يومك الأخير..
“آسف، روز.”
“لماذا تعتذر؟ الأمر كله بسبب ذلك الرجل الذي صُدم لدرجة أنه صار يعمل ببطء.”
أخبرني كاسيان بكل تفاصيل محادثته الأخيرة مع الإمبراطور..
كنت أشعر بالراحة لمجرد تخيل انهيار عقل الإمبراطور.
لكن بعد ذلك، بدأت أقلق من أن كاسيان قد يشعر بالوحدة.
مع ذلك، طالما أنه قال إنه يشعر بالراحة، فهذا كان كافيًا.
العمل المتبقي لم يكن أمرًا ذا أهمية كبيرة.
لم نقم سوى بالحد الأدنى من المسؤوليات، لذا لن تنخفض أعباء العمل على من تبقى بشكل ملحوظ..
والأهم من ذلك، أنه كان يومنا الأخير رسميًا.
‘كنا نخطط لمغادرة العاصمة اليوم، لكن لم نتمكن من ذلك.’
حتى مع ذلك، بدت ملامح كاسيان متأسفة..
شعر بالذنب لأنه لم يتمكن من تحقيق رغبتي في إنهاء كل شيء كما خططت.
“لكننا سنقضي الليلة الأخيرة هنا، في هذا المكان بالذات.”
ابتسمت بينما نظرت إلى غرفة المعيشة الصغيرة، المليئة بذوقي الخاص..
اليوم، لم يعد كاسيان إلى جناحه في قصر الشتاء.
كان هذا أيضًا تصريحًا واضحًا للإمبراطور.
أن اليوم هو آخر يوم له كالأمير الثاني كاسيان، وأن قصر الشتاء سيدخل في سبات عميق.
اعتبارًا من الغد، سيكون دوق رياردن، ابن ماربيل رياردن.
ولهذا، عدنا معًا إلى منزلي في المدينة..
“…حاولت تجنب دخول هذا المكان قدر الإمكان.”
“لماذا؟”
“لأن كل شيء فيه يذكرني بك، ولم أكن أريد أن أجد صعوبة في الرحيل.”
قال ذلك وهو يميل رأسه على كتفي بلطف.
“في اليوم الذي غفوتِ فيه، لو لم تنادِني جوان، لكنتُ بقيت أراقبكِ حتى شروق الشمس.”
ضحكت، وبدأت أمرر أصابعي بلطف في شعره..
أحببت ملمس نعومته المألوفة.
“إذن، هل ستتردد في المغادرة غدًا؟”
“مستحيل، الآن وأنا أمتلك حبكِ، لم أعد مقيدًا بأشياء مادية.”
على الرغم من كلماته، لم يستطع منع نفسه من لمس الخاتم في إصبعي..
على الرغم من أنني كنت سأكتفي بخاتمِ العقد، أصر كاسيان على صنع خاتم جديد، وليس مجرد خاتم تعاقديّ.
كان تصميمه بسيطا لكنه كان مطابقا لخاتم كاسيان، الذي وضعته أنا في إصبعِه.
شعرت بمدى سعادته كوننا معًا وأخبرته بنبرة دافئة:
“…لقد أرسلت آخر رسالة إلى السيدة ماربيل.”
لم يتبقَ على معصمي سوى لفافة التنين، بينما الأخرى، التي كانت متدلية كأنها ذابلة، اختفت تمامًا. لا يمكن أنه لم يلاحظ ذلك.
“أوه.”
لم يسأل حتى، بل أجاب وكأنه كان يعلم بالفعل.
“ألستَ فضوليًا؟”
“ألم تقل أمي في ذلك الوقت، إن الرجل الذي يتطفل على أسرار النساء لن يحظى بالحب؟”
لكن عندما عبّرتُ عن فضولي، رفع كاسيان رأسه وعانق خصري بإحكام، ثم طبع قبلة على خدي وذقني..
“لا يمكن أن تكوني قد نقلتِ لأمي كلامًا سيئًا عني، والأهم من ذلك، أنني أخشى أكثر ألا أحظى بحبك.”
كان هذا حقًا كلامًا يليق بابن بارٍّ متهور..
على الأرجح، كان يتصرف هكذا لأنه يعرف بالفعل ما الذي كتبته في الرسالة.
────── •❆• ──────
لا تقلقي.
سأكون مسؤولة عن ابنكِ.
ستُختَتَم قصتنا بهذه الكلمات:
ليس “كما في المستقبل الذي رأيتِه، عاشا بسعادة”، بل بجملة أكثر بساطة ووضوحًا.
سنعيش نحن الاثنان بسعادة إلى الأبد.
كما كنتِ تتمنين تمامًا…
أتمنى أن تكون أحلامكِ، سيدة ماربيل، مفعمة بالسعادة.
────── •❆• ──────
عندما أخبرني فيا أن بإمكاني إرسال رسالة أخيرة، حتى ولو لمرة واحدة فقط، أمضيت وقتًا طويلًا أفكر في ما يجب أن أكتبه..
عندما تصل هذه الرسالة إلى ماربيل، ستكون في لحظاتها الأخيرة، ترسم نهايتها..
لهذا، أمضيت أيامًا عديدة أبحث عن أفضل الجمل التي يمكنني إرسالها لها.
بالطبع، لم أكن لأتلقى أي رد على رسالتي.
لكن…
“فيا أخبرني أن السيدة ماربيل ابتسمت في النهاية.”
“…أوه.”
شدّ كاسيان ذراعيه حولي بقوة..
شعرت بالراحة والسعادة تنبعثان منه.
وأيضًا، بالنسبة للعالم الآخر الذي قسمته ماربيل…
-سيكون كما تريدين. ماذا تريدين أن تفعلي؟
بفضل الجوهرة المكتملة لغايا، أخبرني فيا أنه يمكنني اتخاذ أي قرار أريده..
منذ اللحظة التي قررتُ فيها ترسيخ وجودي في هذا العالم، أصبح أكثر استقرارًا بعد أن كان في حالة اضطراب.
على الرغم من أنني ما زلت أجد صعوبة في تقبل فكرة كوني كيانًا بهذه القوة، قررت أن أقبلها..
وقررت أن تترك عالم “القصة الأصلية” الآخر يسير وفق مجراه الطبيعي.
‘سنعيش حياتنا كلٌّ في عالمه، دون أن يختلط أحدنا بالآخر.’
لم أكن أحب ذلك الكاسيان، وكذلك كاسيان لم يكن يرى تلك الروزليتا مناسبة له، لذا كان هذا هو القرار الصحيح..
طالما أن الكارثة التي تتمثل في اندماج العالَمَين لن تحدث، لم أكن أنوي التدخل..
وصف فيا قراري بأنه “يليق بي تمامًا”، ثم قام بامتصاص الجوهرة واستعمال قوتها عدة مرات قبل أن يخبرني أن الأمر قد انتهى..
بعد ذلك، قال إنه يفتقد رؤية وجه باول تيروديم الغبي، فذهب مباشرة إلى إقليم كلوبيا..
يا له من سحلية قاسية.
أنا المالكة الرسمية له، لكنه رحل بكل بساطة.
“بماذا تفكرين، روز؟”
بينما كنت شاردة في أفكاري، تحدث كاسيان الذي كان يجلس بهدوء..
بدلًا من التحدث عن فيا أو العالَم، قررت أن أطرح موضوعًا أقرب إلى طبيعتنا..
“كنت أفكر… كيف يمكنك ردّ الدين الذي تدين لي به.”
ابتسم كاسيان ابتسامة صغيرة عند سماع كلامي.
بالفعل، كنت قد رتبتُ لكي تحصل دوقية رياردن على دعم مالي من إقليم كلوبيا الحدودي، بسبب نقص إدارتها لسنوات طويلة.
لم يكن مبلغًا كبيرًا، لذا كان بإمكان كاسيان سداده بسهولة.
“ماذا لو طلبتُ العمل لديكِ؟ هل ستقبلينني؟”
لكن كاسيان، كعادته، قال شيئًا غريبًا..
“براتب منخفض، إن أمكن.”
“…براتب منخفض؟”
ثم أضاف شيئًا أكثر غرابة..
عندما نظرت إليه مستغربة، انفجر ضاحكًا ثم طبع قبلة قصيرة على شفتي.
“حتى أتمكن من العمل لديكِ لفترة أطول، طبعًا.”
“…هل تدرك أنك غريب الأطوار؟”
“ولكنكِ تحبينني رغم ذلك.”
كان صوته مليئًا بالثقة..
يا له من شخص جريء..
نظرت إلى عينيه البنفسجيتين الجميلتين بجدية، ثم ضحكت معه في النهاية.
‘حسنًا، وما المشكلة في ذلك؟’
حتى لو كان غريبًا بعض الشيء، فما زلت أراه لطيفًا وأحبه.
“أنت محق.”
لم أكن من النوع الذي يخفي إجابتي أو يتركه متوترًا.
فهو شخصٌ يقرأ مشاعري بلمحة واحدة إلى عينيّ، كما لو كان روحًا تعرفني تمامًا.
“أنَا أُحِبكَ.”
ولهذا السبب، أردت أن أوصل له مشاعري بوضوح تام.
“أحبك لدرجة أنني أريد أن أبقى معك مدى الحياة.”
وأن أجعل كل لحظاته بجانبي مليئة بالسعادة.
ابتسم كاسيان بإشراق وهو يجيبني
“أرجوكِ، افعلي ذلك.”
ثم قبّلني بشغف أكثر من أي وقت مضى..
“حتى لو فرّقنا الموت، سأظل أحبكِ.”
غمرتني مشاعر فياضة، لكن همسه ذاك حمل إحساسًا مألوفًا بشكل غريب..
عانقت كاسيان بإحكام، وبداخلي يقين راسخ—تمامًا كما أخبرتُ السيدة ماربيل— بأننا سنعيش حياة سعيدة معًا، لوقتٍ طويل جدًا.
سنستمر في العمل، واللعب، والاستمتاع بحياتنا البسيطة التي تصبح مميزة بفضل أيامها العادية..
أينما كنا، ما دمنا معًا، سنكون سعداء.
– <البطل يروضني بالمال> – النهاية –
────── •❆• ──────
-انتهت الرواية بالفصل 165 وبدون فصول جانبية-
بكيت على ماربيل😭😭 الصراحة اول ما مسكتها كانت مبينة طويلة بس خلصت بسرعة نوعا ما، بس من بعد روز وكاسيان؟ مااظنني راح اقدر اشوف رواية او مانهوا بأبطال اغبياء أو ضعفاء لفترة.
كان ودي أشوف شصار لويسلي انسحب عليه، وفيلما تمنيت تتزوج او تلاقي حب حياتها وبرضو فرانسيس، والأمير الرابع على كثر محبيته ماانذكر اسمه ولا مرة!!
المهم إن شاء الله اذا نزلت فصول جانبية بنزلها أول بأول♡˖
وشكرا لكل من وصل الى هذه النقطة، و دمتم في رعاية الله وحفظه، نلتقي في روايات اخرى سي يو~♡
واتباد: ki_lon2
التعليقات لهذا الفصل " 165"