شعرتُ بأن التوقعات لم ترتفع لدى الإمبراطور فحسب، بل لدى النبلاء الآخرين أيضًا.
وكلما زادت التوقعات، زادت متعتي فحسب.
أليس من الأجدر تحطيم الآمال في ذروتها ليكون اليأس أكثر قسوة؟
كاسيان أرتيز الصغير كان قد تمسك بوعد الإمبراطور بإرسال خدمٍ لرعايته، لكنه لم يحصد سوى خيبات الأمل وكلمات جوفاء..
على الأقل، سيكون من العدل أن أُهدي جلالة الإمبراطور، الذي بلغ من العمر عتيًّا، شيخوخة جافة ومليئة بالوحدة، حتى أشعر بأنني قد رددت له ولو جزءًا ضئيلًا من الدين.
“كاسيان، لا بد أنك ستستمع إلى كلمات المساعدة ساليس، أليس كذلك؟”
تحدث الإمبراطور وهو يميل بجسده إلى الجانب وكأنه استعاد ثقته بالكامل..
“لأنك ابن والدتك، بعد كل شيء.”
لا أصدق مدى وضاعته..
إنه يعلم تمامًا طبيعة دماء عائلة رياردن، ورغم ذلك، يقول مثل هذا الكلام.
“إذن، لهذا السبب تمكنتَ من إحضار السيدة ماربيل إلى العاصمة. لأنها أحبتك، صحيح؟”
“نعم، لقد أخبرت المساعدة ساليس من قبل، كنتُ أحب بيل كثيرًا. ولهذا، أحتفظ بعرش الإمبراطورة الأم فارغًا كدليل على هذا الحب.”
حتى أن الإمبراطور أضفى لمحة من الحنين إلى نظراته..
“أعتقد أنكِ تشبهين بيل، لكنكِ تشبهينني أيضًا إلى حدٍّ كبير. لذا، أعتقد أنكِ ستتخذين قرارًا حكيمًا.”
نقر مرتين على مسند ذراعه بإيقاع هادئ..
“لقد بدأتِ كابنة البارون ساليس، والآن أصبحتِ مركيزة حدود كلوبيا.”
يا له من حديث مثير للاشمئزاز..
من يشبه من، بالضبط؟
السيدة تيروديم كانت تقول دائمًا إنني أشبه أمي كثيرًا، تلك التي تهدئ أبي وتشجعه ليخرج للعمل كل يوم.
أما القرويون في مقاطعة البارون ساليس، فقد كانوا يرددون منذ صغري أنني ورثتُ الملامح الهادئة لأبي.
بمعنى آخر، كنتُ على طرف النقيض من هذا الإمبراطور الدنيء الذي لم يتردد في استخدام من أحب كقطع شطرنج في لعبته..
أخذتُ نفسًا عميقًا لأكبح انفعالي.
بقدر ما أثار غضبي، لا، أكثر من ذلك، كان عليّ أن أرفع ضغطه إلى أعلى مستوى حتى أشعر بالرضا.
“بالطبع، أنوي اتخاذ قرار حكيم.”
عند إجابتي، نهضت فيلهلمينا وفرانسيس من مقعديهما أيضًا.
“وسأُقنع كل من في هذه القاعة بطريقتي الخاصة.”
“… ماذا؟”
جلس الإمبراطور مستقيمًا، وكأنه استشعر شيئًا مريبًا.
“وبالمناسبة، ألم تقل جلالتك بنفسك إن الأمير كاسيان سيستمع لكلامي؟”
“… صحيح.”
“وأيضًا، لقد منحتَني الإذن، أليس كذلك؟”
تردد الإمبراطور عند سماع سؤالي المتكرر..
“هل تنوي التراجع عن كلامك؟ رغم أنك تدرك أنه لن يكون لأي شيء أقوله هنا معنى إذا لم يكن الأمير كاسيان مستعدًا للاستماع؟”
لقد ابتلع الطعم قبل حتى أن أرميه، فكيف لي أن أتركه يفلت؟
أشرتُ إلى النبلاء المجتمعين حولنا، لأجعل الإمبراطور يدرك عدد الشهود الحاضرين، وليتساءل ما إذا كان يمكنه التراجع عن كلماته دون أن يدفع ثمنًا باهظًا..
بعد تردد واضح، أومأ الإمبراطور برأسه، رغم أن شعورًا بالاستياء كان يلوح في عينيه.
قبل دقائق فقط، كان يتحدث إليّ بكل وقاحة، والآن، حتى قبل أن أبدأ فعليًا، كان قد فقد ثقته بالفعل.
“حسنًا، بما أن جلالة الإمبراطور منحني الفرصة لأكشف عن حلم حياتي، فيفترض أن أجيب بـ…”
تعمدت التوقف للحظة، مما جعل الجميع يحدقون بي بترقب.
بدوا وكأنهم ينتظرون إعلانًا مشوقًا بعد ستين ثانية.
لكن بما أنني لا أستطيع فعل ذلك هنا، فسأكتفي بالقول—
“أن أصبح وليّة العهد.”
رأيت الحضور يهزون رؤوسهم وكأنهم يؤكدون على كلامي،
“ثم، عندما يصبح الأمير كاسيان جلالة الإمبراطور..”
كان من الأجدى أن أستمر في تكديس الكلمات المستفزة، لأنها كانت الطريقة الأكثر فاعلية..
“أن أصبح الإمبراطورة—”
ثم، توقفتُ هناك، وابتسمت برقة.
“أليس كذلك؟”
بينما كان الجميع يحبس أنفاسه انتظارًا لما سأقوله بعد ذلك، تولّت المحظية الأولى إكمال الجملة بسلاسة..
عندها، أمالتُ رأسي برقة ونفيت ذلك بابتسامة لئيمة..
“بل أن أعيش حياة هادئة، في مكان بعيد، بسلام وراحة.”
“يا لها من أمنية رائعة.”
وكانت المحظية الأولى الوحيدة التي ردت على كلماتي.
أما البقية، باستثناء الإمبراطورة تريشا والأمير الرابع، فقد حدّقوا بي بوجوه مذهولة..
“… أنتِ لا تريدين أن تصبحي الإمبراطورة، صاحبة أعلى مكانة بين النساء؟”
“مستحيل! ألم تسحري الأمير كاسيان منذ لحظة وصولك إلى العاصمة، بعد أن تعرضتِ للإهمال سابقًا؟”
“أنا سمعت ذلك أيضًا! الجميع يقول إنها سندريلا ترقت في المكانة فجأة!”
لكن، لماذا يتحدثون عن أمور لا أعرف عنها شيئًا؟
حتى الصحف لم تذكر أي شيء عن “الترقي الطبقي”، بل كانوا مشغولين بالحديث عن عمليات التدقيق الضريبي الخاصة بي..
وبينما كنت أنظر إليهم بدهشة، همست فيلهلمينا بجانبي:
“منذ المعركة مع التنين، زادت شعبية الأمير كاسيان في الدوائر الاجتماعية. وأنتِ أيضًا اكتسبتِ شهرة بسبب سمعتك المثيرة للجدل.”
“إنها افتراءات.”
“أتفق معكِ، فمن استحوذ على قلبكِ هو الأمير كاسيان، وليس العكس.”
ضحك كاسيان بهدوء بعدما استمع لمحادثتنا، ووافق على كلامها بسعادة..
“صحيح، لقد عانيتُ كثيرًا لأكسب قلب روز الجميلة.”
ثم رفع صوته متعمدًا ليُسمع الجميع.
“في المقام الأول، لو كانت روز من النوع الذي يحلم بالصعود الاجتماعي، لما اضطررتُ لبذل كل هذا الجهد لجعلها خطيبتي.”
“أوه، هل تعتبر ما فعلته لكسب قلب روزي مجرد معاناة؟ وليس واجبًا طبيعيًا يجب على أي رجل نبيل القيام به؟”
عند تلك الكلمات، وجهت فيلهلمينا لكاسيان نظرة تهكمية.
“بالطبع، كان ذلك التصرف الصحيح. في الواقع، كنت مستعدًا لفعل ما هو أكثر من ذلك.”
“الجميع بحاجة إلى معرفة الحقيقة. الناس يقولون إن روزي هي الشيطانة، لكن الشيطان الحقيقي هو سمو الأمير كاسيان. لقد أغوى روزي البريئة!”
عند سماع كلمة “بريئة”، نظر كاسيان إليّ للحظة، ثم هز رأسه وكأنه يرى الأمر مناسبًا..
“أرجو أن تتفهمي، مساعدة لوبيز. أنا شخص مهووس بالألقاب التي يمكنني مشاركتها معها.”
“هل يهمني ذلك؟ طالما أن روزي لا تمانع، فأنا لا أمانع أيضًا. ولهذا أقف في صف سمو الأمير حتى الآن.”
وسط هذا الحوار، ازدادت تعابير النبلاء إثارة..
كان الإمبراطور، على وجه الخصوص، مذهولًا تمامًا، بينما كان دوق لوبيز يبذل جهدًا مضنيًا لكتم ضحكته.
لو لم يكن ذلك أمام الإمبراطور، لكان قد صفق بحرارة، فابنته تمتلك الجرأة الكافية لعدم التراجع أمام الأمير.
وبما أنني قلبت الأجواء فجأة إلى مهزلة، فقد قررت إنهاء المشهد بسعال خفيف..
“حسنًا، بما أنني أعلنت عن حلمي، فقد حان الوقت الآن للانتقال إلى قضية إقامة سمو الأمير كاسيان في رياردن ومسألة توليه منصب دوق رياردن من الناحية القانونية.”
“ماذا؟”
اتسعت عينا الإمبراطور في ذهول.
“أهذا يعني أنكِ جلبتِ وثائق وأدلة قانونية تثبت ذلك، يا مساعدة ساليس؟”
عند سماع كلماته، تعمدت أن أبدو مستغربة وكأنني لا أفهم سبب دهشته..
“بالطبع، جلالتك. بما أن سمو الأمير الثاني له الأولوية في تولي دوقية رياردن، فمن الطبيعي أن أعد تفسيرًا قانونيًا لذلك.”
ثم انحنيت ببطء وقدمت تحية رسمية للإمبراطور..
“لو أن جلالتك منح الموافقة بسهولة، لكانت هذه الوثائق قد بقيت هادئة في الأرشيف. ولكن، كما هو متوقع من جلالتك الحكيم، فقد أمرتني بتقديم الأسس القانونية.”
“انتظري، انتظري…! مساعدة ساليس!”
كان وجه الإمبراطور قد شحب تمامًا وهو يشاهد مساعدي قصر الشتاء يخرجون الوثائق الضخمة ويضعونها أمامي.
لقد كان يدرك جيدًا أنه بمجرد أن أخرجتُ الوثائق، لن يكون هناك أي أسلوب إقناع يمكنه تغيير النتيجة.
ولهذا، كان عليه أن يستمع..
كل الحجج القانونية التي تجعل إرسالنا إلى رياردن أمرًا لا مفر منه.
وإذا أراد استدعاءنا إلى العاصمة مجددًا يومًا ما، فعليه أن يدرك جميع القوانين التي يجب اتباعها لتحقيق ذلك.
حتى يتذوق مرارة الواقع، ويدرك كم من الأشياء لا تسير كما يشاء.
“إذن، سأبدأ بشرح خصائص دوقية رياردن. بما أن الحديث سيطول، فإذا سمح جلالتكم، يمكن لمن لا يرغب في الاستماع أن يغادر القاعة.”
ولم يطلب أحد المغادرة.
***
بعد ساعتين من العرض التفصيلي، بدا الإمبراطور وكأنه كبر عشر سنوات.
في البداية، كان وجهه يزداد احمرارًا تدريجيًا، لكنه لاحقًا استسلم تمامًا واستلقى على مقعده كمن فقد الأمل.
ولم يكن الوحيد الذي فقد طاقته.
“هذا كابوس… قصر الشتاء بلا الأمير كاسيان ولا المساعدة ساليس… بل وحتى قصر الفجر سيصبح فارغًا مع بداية الربيع!”
“إذن، من سيتولى التحقيقات الضريبية المعقدة؟ لا أصدق أن هناك قانونًا يمنح الأمير حق الإقامة في المقاطعة بنفس مدة خدمته في العاصمة!”
“ألم يكن هذا القانون في الأصل لضمان قوة ولي العهد؟ كان يُستخدم لإجبار الأمراء على المطالبة بحقهم.”
“لا أصدق أنها وجدت قانونًا عتيقًا لم يُستخدم منذ 150 عامًا!”
“إنها شيطانة قصر الشتاء بحق!”
لم يكن لدى النبلاء أي طاقة للاعتراض أو التفاوض..
لأن هذه الوثائق لم تكن مجرد مجهود فردي، بل كانت نتاج عمل جماعي مكثف في قصر الشتاء.
أما الإمبراطور، فبدا وكأنه يرغب في قول شيء ما، لكنه صمت عندما التقت عيناه بعينيّ المتوهجتين بابتسامة عريضة.
لابد أنه أدرك أن أي محاولة للكلام لن تؤدي إلا إلى تعميق أزمته.
لكن الجحيم الحقيقي لم يكن قد بدأ بعد.
“لا خيار أمامنا… علينا على الأقل سحب بعض الإداريين من قصر الشتاء.”
“إذا وعدهم الإمبراطور بالترقية، يمكن نقلهم إلى قصر الشمس. على أي حال، إن زوال قصر الشتاء يعني أنهم بحاجة إلى الانتقال.”
“حتى الأميرة لوبيز والسيد أشيود، سيكون من الأفضل لهما الانضمام إلى قصر الشمس بدلًا من قصر الأمير الثاني.”
وهكذا، بدأ الجو في السخونة تدريجيًا..
التعليقات لهذا الفصل " 162"