بعد انتهاء وقت الشاي، قادتني الامبراطورة تريشا إلى قصر الليلك بحجة طلب مساعدة مملكة أندن في شؤون الأكاديمية.
بما أن هذه كانت لحظة حديث خاص بيننا، فقد غادر الخدم من تلقاء أنفسهم..
ربما كان ذلك لأن الإمبراطورة ترِيشا لم تتردد في التقليل من شأن الإمبراطور حتى أمامهم.
ببساطة، لا داعي لوجود آذان مستمعة.
علاوة على ذلك، كان من الواضح أن الإمبراطور لا يرى في تعاوني مع كاسيان والإمبراطورة ترِيشا علاقة عدائية، بل أقرب إلى شراكة.
“بشأن الحديث السابق…”
كانت الإمبراطورة تكرر كلامها المعتاد عن معرفتها الجيدة بالأميرة ألكسيس من مملكة أندن، لكنها غيّرت تعبير وجهها تمامًا بمجرد أن غادر الخدم..
“إرسال الأمير الرابع إلى الأكاديمية فكرة جيدة بالطبع، لكن الاقتراح الآخر الذي قدمتِه لي… لا بأس به.”
نظرتُ إليها بدهشة عند سماع ذلك.
كنت أعلم أنها، بقدر ما أنا أو ربما أكثر، ترغب في العيش كشخص عادي..
“لكن، جلالتك، إن فعلتِ ذلك، فقد تتحملين مسؤوليات تفوق طاقتك.”
“كثيرًا ما يقول جلالته إنك تشبهين الإمبراطورة الراحلة، وفي هذه اللحظة، أجد نفسي متفقة معه.”
“ماذا؟”
“حتى عندما كانت الإمبراطورة الراحلة مُثقلة، كانت تحاول دائمًا الاعتناء بالآخرين إن تبقّت لديها أي قوة.”
أمسكت ترِيشا بيدي برفق..
“لكنك قلتِ بنفسك، من الخطأ أن يتحمل الأطفال مسؤوليات البالغين.”
“…لكني تجاوزت مرحلة الظهور الأول منذ زمن طويل.”
عندما أجبتُ بتردد، هزّت الإمبراطورة الثانوية رأسها.
“على الأقل بالنسبة لي، لا تزالين طفلة، وبالنسبة للإمبراطور، هذا أكثر وضوحًا.”
نظرتْ بسرعة نحو قصر الشمس..
“المشكلة أنه لا يقوم بواجباته كراشد، لكنه يستغل المزايا فقط. ألا يُعتبر توعيته واجبًا من واجبات البرّ بالوالدين؟”
“من هذه الناحية، معكِ حق، لكن مع ذلك، جلالتكِ…”
ابتسمت الإمبراطورة الثانوية بلطف..
“لا تقلقي بشأني، فلم أعش في هذا القصر عبثًا حتى الآن. لقد مررتُ بتجربة الحياة كأميرة، ثم كإحدى زوجات الإمبراطور.”
ربتتْ على يدي بنظرة دافئة، كما لو كانت تقول لي ألا أقلق لأنها بخير تمامًا..
“والمحظية الأولى أيضًا ذكية جدًا في هذه الأمور، لذا ستتمكن من التعامل معها جيدًا. أضف إلى ذلك أن القوانين القديمة لا تزال قائمة، أليس كذلك؟”
“تقصدين قانون منع الإمبراطورة والزوجات الأخريات من التدخل في شؤون الحكم؟”
“بالضبط. وبالمناسبة، كان جلالة الإمبراطور يخطط لتوريث منصب ولي العهد دون المساس بهذا القانون.”
“أنا على علم بذلك.”
عند إجابتي الفورية، هزّت الإمبراطورة تريشا رأسها بأسف..
“ألا يجدر به أن يتعلم درسًا قاسيًا من عواقب إهماله؟”
لقد كانت محقة تمامًا.
بمجرد أن أصبح ولية العهد، من المؤكد أن المساعدين والنبلاء سيطالبون فورًا بإلغاء هذا القانون. لكن الإمبراطور كان سعيدًا جدًا بتسليم العرش دون التفكير في الفراغ الإداري الذي سيحدث.
‘أراهن أنه ينتظر ليرى كيف سأتعامل مع النبلاء.’
حقًا، كان شخصًا يعرف كيف يعيش الحياة بسهولة.
لدرجة أنني رغبت في إرساله مباشرة إلى أصعب مستوى من الجحيم.
بينما كانت زاوية عيني ترتعش من الإحباط، ابتسمت الإمبراطورة برضا.
“لذلك، لا تقلقي بشأننا، أنا ومحظيات الإمبراطور الأخريات. الأهم من ذلك، سيكون الجميع متحمسين لرؤية الإمبراطور يكافح.”
بعبارة أخرى، لم ترغب في أن أحرمهم من فرصة مشاهدة الحدث من الصفوف الأمامية.
عندما تذكرتُ زوجات الإمبراطور اللاتي قابلتهن حتى الآن، شعرت أنهن سيتعاملن مع الوضع بشكل جيد..
في الواقع، كان لدى القصر الداخلي مساعدون وإداريون أكفاء عينتهمُ بنفسي، لذا لم يكن من المتوقع أن يعانوا كثيرًا.
ولم يكن العمل المرهق لدرجة أنه سيتجاوز قدرتهم على التعامل معه.
عندما هززتُ رأسي موافقةً بعد تفكير، ربتت الإمبراطورة تريشا على يدي، وكأنها تهنئني على اتخاذ القرار الصحيح.
***
إلى أن ظهرت نتائج امتحان قبول الأمير الرابع في الأكاديمية، بقي قصر الشتاء هادئًا دون تغيير..
على الأقل في الظاهر.
كنت أقضي الوقت مع فيلهلمينا في دوقية لوبيز، نناقش خططنا المستقبلية..
“من الأفضل أن ننفذ الأمر دفعة واحدة. إذا بدأ أحدهم في الهروب، فسيفطن الأذكياء إلى ما يجري.”
“صحيح؟ الشخص الوحيد الذي قد يقلقني هو الدوق الشاب لوبيز..”
نظرتْ إليّ فيلهلمينا باستغراب، وكأنها لا تفهم ما أقول..
“أنتِ ملاك بحق، روزي. إن كنتِ تهتمين بالجميع هكذا، فمتى ستعتنين بنفسك؟”
“…لكنه شقيقك، فيلما.”
“روزي، هل تشعرين بالأسف عندما ترين الشاب تيروديم يعاني؟”
“لا.”
عند إجابتي الفورية، ابتسمت فيلهلمينا بلطف..
“علاقة الأشقاء تشبه ذلك تمامًا.”
كانت توضح الأمر لي بطريقة تناسبني كوني طفلة وحيدة، فهززتُ رأسي موافقة بإعجاب..
خلال الأشهر القليلة الماضية، كان قصر الشمس مسترخيًا تمامًا، بينما كان كل من قصر الشتاء وقصر الفجر منشغلين للغاية..
رغم أن الأمر كان مزعجًا، إلا أنه كان يبعث على الترقب أيضًا..
‘عندما ينسحب كل من قصر الشتاء وقصر الفجر…’
حتى الآن، كانت إدارة الإمبراطورية تعتمد على قصر الشتاء، يليه قصر الشمس، ثم قصر الصيف، وقصر الفجر.
عندما كان قصر الورود هو مركز القصر الداخلي، كان يتحمل جزءًا كبيرًا من مهام القصر الداخلي أيضًا. لكن مع تولي الإمبراطورة تريشا زمام الأمور، استقر الوضع.
أما الآن، فإن الأميرة الثانية لديها شقيق فيلهلمينا كمساعد، لذا كانت تتولى بعض الأعمال الإدارية.
وبما أن قصر الصيف قد تم تفكيكه بعد أن غادر تشارلي إلى منطقة سوريمت، فعندما يأتي الربيع وينسحب قصر الفجر، سيكون قصر الشتاء مسؤولًا عن معظم شؤون الإدارة..
وفي النهاية، سيُفترض أن تنتقل السلطة إلى قصر الشتاء تدريجيًا، حيث بدأ قصر الشمس بالفعل بنقل مسؤولياته إليه رويدًا رويدًا.
لهذا السبب، في حين أن عبء العمل في القصور الأخرى كان يتناقص تدريجيًا، كان قصر الشتاء لا يزال مشغولًا كما كان عندما كانت المحظية جاموتي أو البابا المخلوع موجودين.
أخذنا إجازة مشتركة بالكاد بعد ثلاثة أشهر، لدرجة أن فيلهيلمينا لوبيز المحبوبة انفجرت غضبًا..
“هل تعلمين كم غضبت جدتي وهي تقول إن العادات السوقية لا تُصلح حتى مع التقدم في العمر؟ لو كان سيمنح ولاية العهد، فعليه أن يفعل ذلك بشكل صحيح!”
لأول مرة، فقدت فيلما وقارها وضربت مسند الكرسي بغضب..
“انظري إلى تصرفه كأنه يماطل ليجعل الجميع يترقبونه! جلالة الإمبراطور يريد فقط أن يحتفظ بالسلطة ويحركها كيفما يشاء.”
“طبعًا، أنا أعرف ذلك جيدًا. ولهذا السبب أخطط معكِ لأجل المستقبل.”
“هذا دفاع عن النفس، لذا لا تشعري بالذنب أبدًا! مفهوم؟”
حقًا، كانت فيلما تظنني شخصًا طيبًا أكثر مما ينبغي أحيانًا..
لكنني لم أرغب في تحطيم هذه الصورة لديها، لذا أومأت برأسي بهدوء.
لا ينبغي الوثوق بسهولة بمن يقول إنه سيحميكِ، لكن كلمات فيلهيلمينا كانت دائمًا تبعث الطمأنينة والثقة..
لقد كانت فعلًا نوري الجميل.
“كم أنا محظوظة لأن الجميع في قصر الشتاء على قلب واحد! وهذا بفضلكما أنتما الاثنين.”
كانت فيلهيلمينا لوبيز تستعد لمغادرة العاصمة في الربيع لتلقي تدريبها كوريثة لدوقية عائلتها تحت إشراف جدتها.
أما فرانسيس آشوود، فقد نال أخيرًا اعتراف جده، وكان على وشك أن يصبح وريث الدوق.
وبالمناسبة، كانت دوقية آشوود تقع جنوب غرب بارونية ساليس، ويمكن الوصول إليها في خمسة أيام بالعربة.
أما دوقية لوبيز، فقد كانت في شمال غرب الإمبراطورية، بعيدًا بعض الشيء عن بارونية ساليس، لكنها لم تكن بعيدة جدًا عن دوقية رياردن، إذ لم يكن بينهما سوى مقاطعة واحدة.
رغم أن التواصل لن يكون سهلًا كما كان في العاصمة، إلا أن المسافة لم تكن عائقًا أمام صداقتنا.
كما أنني كنت قد لمّحت بالفعل لبعض الأشخاص الموثوق بهم في قصر الشتاء حول خطتنا، وكان الجميع منهمكين في إعداد وثائق انتقال المهام، حتى وسط انشغالهم الشديد..
لم ينسَ زملائي في القصر أيضًا إظهار روح التعاون، حيث كانوا يعملون على تحسين المهام التي انتقلت إليهم من قصر الشمس لتسهيل العمل.
“لم يتبقَ الكثير الآن.”
“أنا متأكدة تمامًا من أن سمو الأمير الرابع لن يواجه مأساة الرسوب في الأكاديمية.”
قالت فيلما ذلك بثقة، وهي نفسها كانت خريجة الأكاديمية الأولى على دفعتها.
“لقد قدمت له دروسًا خاصة، وهو أكثر ذكاءً مني، لذا لن يكون هناك مشكلة. “
ابتسمت وعلقت:
“لقد درستِه شخصيًا لمدة شهرين، فمن الطبيعي أن يحقق نتائج رائعة.”
“سمو الأمير الرابع بذل جهدًا كبيرًا أيضًا.”
عندما ذكرتُ أمرًا بديهيًا، احمرت وجنتا فيلما ولم تستطع إخفاء خجلها..
ثم شربت رشفة من الشاي كما لو كانت تحاول إخفاء وجهها المتورد، قبل أن تقول بنبرة واثقة:
“لكنني جادة، من المؤكد أنه سيفوز بالمركز الأول أو الثاني على الأقل. الطلاب الذين يلتحقون بالأكاديمية ليسوا عباقرة.”
بالطبع، كان هذا وفقًا لمعايير فيلهيلمينا الخاصة.
شعرت بالفخر بذكائها وأنا أقطع قطعة من الفينانسيه بشوكتي وأتلذذ بحلاوتها.
(الفينانسيه: حلوى فرنسية فاخرة.)
وحين تصدر نتائج امتحان سمو الأمير الرابع، ستكون هذه الحلاوة أضعافًا مضاعفة.
“بالمناسبة، روزي.”
لكن أفكاري حول انتقامي توقفت مؤقتًا بسبب تغيير فيلهيلمينا للموضوع..
“ما الأمر، فيلما؟”
رددت عليها بنبرة دافئة كما لو كنت أقدم لها غزل البنات.
احمرت وجنتاها بخجل، ثم سألت في تردد:
“متى ستبدئين في التحضير لحفل زفافكِ مع سمو الأمير؟”
حفل الزفاف؟ لم يخطر ببالي هذا الموضوع، فتوقفت أفكاري للحظة..
“قد يكون هذا تدخّلًا مني، لكنني متحمسة جدًا لرؤية فستان زفافك، والطريقة التي سيُقام بها حفل زفافك…”
مع مرور الوقت، بدأت نبرة صوت فيلهيلمينا تمتلئ بالحماس والسعادة..
“كما أنني أتساءل عما إذا كان بإمكاني تحضير شيء أزرق أو مستعار من أجلكِ لجلب الحظ في زفافك.”
(اعتقاد شائع في الغرب بأن العروس يجب أن تمتلك 4 أشياء لجلب الحظ، والشيء المستعار والأزرق أحد هذه الاشياء، وهي مجرد خرافة لا أساس لها من الصحة ^^)
في ظل كل العمل الذي كان عليَّ إنجازه، وكل خطط الانتقام التي كنت أعدّها، لم أفكر حتى الآن في أي شيء يتعلق بزفافي…
لكن لم يكن بإمكاني قول ذلك صراحة، لذا لم أملك سوى أن أبتسم متظاهرة بعدم وجود مشكلة.
التعليقات لهذا الفصل " 158"