مع صوت “طَق” الناتج عن إغلاق الباب، استطاع كاسيان أخيرًا أن يزفر بعمق…
لأنه لم يكن لديه نية لمواصلة تناول الطعام، ترك شطيرة البيغل التي لم يأكل منها سوى نصفها، ثم بدأ يشرب قهوته جرعة بعد أخرى.
“روز رائعة جدًا، وهذا أمر خطير بحق.”
كان يعرف ذلك مسبقًا، بالطبع.
حتى الليلة الماضية، كانت روز لا تزال مرحة في أحضانه، لم تخفِ خجلها، لكنها أيضًا لم تلقِ بكل شيء على عاتقه وحده.
كأنها تخبره بألا يظن أن الطمع هو شعور يخصه وحده.
بعد أن أغرقته بسعادة غامرة، استغرقت في النوم في أحضانه وكأنها الأكثر طمأنينة في العالم. كيف له ألا يجدها محببة إلى هذا الحد؟
شعر أن قلبه ينقبض بشدة.
كانت تقبل حبه وتسمح له بالتعبير عنه، مما جعل كل خلية في جسده تنبض بالحياة وتصرخ بوجودها.
‘إنه خطأ روز لأنها جميلة جدًا.’
تمتم بذلك في داخله وكأنه يتذمر بلا سبب..
أسند كوعه إلى الطاولة وسند وجهه بيده، ثم نظر عبر النافذة المفتوحة..
بعد قليل، عندما رأى روزليتا تسير بخطوات واثقة نحو المكتب، بدأ شفتيه ترتجفان بشعور خفيف بالدغدغة.
”أنا من يريد أن يحتكر إيان لنفسه.“
”أرجوك، امتلكني.“
لم ينسَ كاسيان أي كلمة من الكلمات التي تمتمت بها روزليتا وهي متكئة على صدره..
في البداية، كانت تتصرف كأنها مجرد المساعدة والمستشارة ساليس، ثم فجأة بدأت تهمس كفتاة محبوبة تتدلل.
في مثل هذه اللحظات، كان يشعر بامتنان أكبر تجاه والدته.
فذاكرته الحادة لا بد أنها موهبة ورثها عنها.
“لكن لتحقيق ذلك، قد أضطر إلى التخلي عن بعض ما بنيناه في العاصمة.”
“هل تحاولين الحصول على إذني؟”
“نعم. ما أفعله ليس دائمًا هو الخيار الصحيح.”
“روز، كل ما تفعلينه هو الخيار الصحيح بالنسبة لي.”
طلبت منه أن يكون مثل الشيطان، لكنها في الحقيقة لم تكن إلا ملاكًا.
رغم أنها كانت تتضايق عندما يسميها “الشيطان”، إلا أنها في النهاية قبلت ذلك، ولم يكن يعلم السبب الحقيقي وراء ذلك.
ربما لأنها تدرك تمامًا أن جوهرها مليء باللطف والتفهم.
ولهذا، رغم أنها طلبت رأيه، إلا أنها أرادت التأكد منه مرة أخرى.
كأنها تريد أن تراعي مشاعره تجاه والده، حرصةً على ألا يصاب بأي جرح، ولو كان صغيرًا.
كانت تتصرف كطاغية أحيانًا، لكن روزليتا ساليس لم تكن شخصًا يمكنه أن يكون كذلك حقًا.
فهي لطيفة للغاية مع الأشخاص الذين تكِّن لهم المودة.
مثلما حاولت إنقاذ السيد بيكر رغم أنه تجاهل نصائحها لسنوات وتراكمت عليه الديون.
ربما كان ذلك احترامًا للصداقة التي جمعتهما في طفولتها.
وكأنها تريد أن تقول له ألا يكون أحمقًا يتخلى عن الحب متذرعًا بأنه “غير مستعد بعد”.
من المؤكد أن الابن الأكبر لعائلة بيكر قد تلقى من روزليتا محاضرة حادة.
وربما لهذا السبب، أمضت سنوات تحاول إقناع السيد بيكر بقبول مسؤولية من دفعه نحو تلك الطريق..
لحسن الحظ، كانت مقاطعة ساليس مكانًا يعرف كيف يقدّر حنان روزليتا وتعاطفها.
على عكس هذا المكان الذي يشبه الغابة المتوحشة.
ولهذا، قرر كاسيان أن يخبرها بحقيقة جهوده بكلماته الخاصة.
كان واثقًا أنها قد خمنت بالفعل، لكنها كانت دائمًا شخصًا حذرًا في قراراتها.
“لقد بذلت كل جهدي لأنني أردت أن أكون عونًا لكِ يومًا ما، وليس لأنني كنت أطمع بالعرش.”
“حتى لو كان هذا صحيحًا في البداية، فإن من يعمل بجد قد يرغب بالمزيد لاحقًا، أليس كذلك؟ لا، في الواقع، أنا متأكدة أنني طلبت منك أن تطمع.”
“لهذا طمعت… بكِ، بكل جرأة.”
نظرت إليه روزليتا بذهول لدرجة أنها عجزت عن الرد للحظة..
ثم، كما لو أنها وجدت الأمر محببًا، منحته قبلة عميقة.
كيف له ألا يشعر بالسعادة تجاه عرضها؟
‘روز قالت إنها تريد أن تحتكرني، لكن هذه كانت أمنيتي أولًا.’
لكن في هذا المكان، لم يكن ذلك ممكنًا..
هناك الكثير ممن يبحثون عن روزليتا.
بما في ذلك والده البيولوجي، الإمبراطور، وقصر الشمس، والمراسم الإمبراطورية، وحتى أولئك الذين كانوا يسارعون في انتقادها في البداية، باتوا الآن يريدونها..
لذا، حتى لو لم يكن السبب إلا لتجنب رؤية هذا المشهد، كان كاسيان مستعدًا تمامًا للهرب معها.
أما عن مشاعره تجاه والده؟
‘سيكون كذبًا إن قلت إنها معدومة، لكن هل كان من المنطقي أن أتوقع شيئًا منه منذ البداية؟’
بعد وفاة مربيته، لم يتبقَ له سوى وحدته، أما الإمبراطور، فكان يرسل إليه خدمه من حين إلى آخر كما لو كان يمنحه صدقة..
كان الخدم يقولون له بلطف أن يتحمل قليلًا.
لكن بالنسبة لطفل لم يكن قد بلغ السابعة بعد، كانت تلك الحياة قاسية جدًا ليحتملها.
روزليتا كانت ستسخر منه لو سمعت أنه تمسك بمشاعر تافهة كهذه، لكنها كانت مشاعره على أي حال، وتمسك بها حتى بلغ السابعة من عمره، ظنًا منه أن والده لم يتخلَ عنه بالكامل.
لكن في النهاية، بينما كان يعبر بين الحياة والموت، كان محاصرًا في قصر الشتاء، والدعم الذي قدمه الإمبراطور دائمًا ما كان يصل متأخرًا جدًا.
ربما سيقول البعض إن هذا كان مجرد تفكير صبياني أحمق.
لكن كاسيان كان بالكاد قادرًا على البقاء على قيد الحياة، ولذلك، في تلك الليلة، عندما رأى وجهها الجميل ينظر إليه بقلق، اعتقد حقًا أنها ملاك الموت..
شعر كأن الحاكم قرر أخيرًا أن يمنحه الرحمة في لحظاته الأخيرة..
وحين استسلم للهدوء، واستعد لإغماض عينيه للأبد، كانت هي من صرخت فيه، تصطدم بمشاعره وتأمره أن يعيش.
كانت هي من وعدته بأن تلتقيه بعد ألف ليلة إضافية.
“لكنّك لم تتجاوز الحدّ، أليس كذلك؟”
ذلك كان وقتًا كافيًا بالنسبة له لينتظر..
لم يمنحه أحد وعدًا بمستقبل يمكنه رؤيته بوضوح.
لكنّ روز منحته ذلك الوعد..
ولهذا استطاع كاسيان أن يستجمع قوّته مجددًا..
كي يصنع مكانًا له، ولينتظرها حتى تأتي إليه بعد آلاف الليالي.
لكنّه، بجهله، وقع في فخّ لا يستطيع الفرار منه.
وكانت روز هي من أنقذته منه مرة أخرى.
عندما أدرك أنّها تشبه شخصًا من ذكرياته، وجد الأمر غريبًا للغاية.
ومع ذلك، طلبت منه روز أن ينجو مجددًا.
لم يكن أمامه خيار سوى أن يهبها قلبه بالكامل.
أن يرغب فيها، رغم أنّها لم تمنحه سوى الخير، كان أشبه بخيانة لا تُغتفر.
ورغم ذلك، لم يستطع إلا أن يقع في حبّها بلا حول له ولا قوة.
لذلك، لم يكن أمام كاسيان سوى اختيار طريق يستطيع من خلاله ردّ الجميل لها ولو قليلاً.
“إذن، ما يهمّني ليس العرش ولا أي شيء آخر.”
كل ما فعله كان فقط لبناء أساس يجعل روز أكثر سعادة.
عندما سمع أخبارها، أدرك أنّه من الأفضل أن يتولى العرش شخص كفء ومجتهد من أجلها.
ولهذا، عمل بجدّ وإخلاص.
“إذن، العاصمة والعرش لا يهمّان كثيرًا.”
لكن…
“على الأقل، يجب أن أُعدّ أساسًا لحياة سعيدة مع روز.”
بينما كان يكتب وثائق تسليم السلطة بكل دقّة، كان يفكّر في أمر قد يُساعد روز على الشعور بالارتياح..
بصراحة، كان يتطلّع لذلك كثيرًا..
انتقام روز من الإمبراطور..
***
“الأكاديمية؟ حقًا؟”
عندما سمع الأمير الرابع ما قيل له، قفز فرحًا بردّة فعل طفولية..
لكنّه سرعان ما حاول ضبط مشاعره، وكأنّه شعر بالحرج من تصرّفه..
في سنّ الثالثة عشرة، لا يزال طفلًا يستحقّ الاحتفال بيوم الطفولة، لذلك كان من حقّه أن يشعر بالحماس.
“أعلم أنك كنت ترغب في الذهاب إليها منذ البداية، لكنّك أجّلت ذلك لمساعدة قصر الشتاء.”
“أقدّر قولك ذلك، مساعدة ساليس، لكن كيف لي أن أقبل بهذا العرض بهذه السهولة؟”
رغم محاولته التصرف بنضج، لم يستطع إخفاء رغبته الحقيقية..
كانت الإمبراطورة تريشا، الجالسة بجانبه، تنظر إليه بعطف، ثم التفتت إليّ محاولة إقناعي.
“رغم أنّي والدته، إلا أنّي أعلم أنّ مساعدته لم تكن عديمة الفائدة.”
“هذا صحيح، لكنّني لا أعتقد أنّه من الصواب أن يتحمّل طفل مسؤوليات البالغين.”
عندما قلت ذلك، نظرت إليّ الإمبراطورة وكأنّها شعرت بشيء مألوف في كلماتي.
ثم أطلقت زفرة قصيرة قبل أن تبتسم وتقول:
“أنا ممتنّة لكِ على اقتراحكِ، مساعدة ساليس. لكنّني في الحقيقة دعوتكِ اليوم لتناول الطعام كتعبير عن تقديري لجهودكِ.”
من نظرتها، أدركت أنّها فهمت نيّتي الحقيقية.
ولأنني في الواقع، لم أكن هنا لأنّها دعتني.
*
بعد انتهاء الغداء، صرفت الإمبراطورة جميع الخدم، قائلة إنّها تريد قضاء بعض الوقت العائلي.
ثم، عندما كدتُ أغادر، طلبت منّي البقاء، متذرعةً بأنّ جويل أراد اللعب معي.
وبهذا، قضيت بعض الوقت في الاستماع إلى أحاديث جويل المتراكمة.
“هذه سِنّي! لقد سقط هذا الجانب هذه المرّة، نونا!”
من الأمور البسيطة إلى ما تعلّمه وما لعب به، كان الاستماع إلى طفل يتحدث أمرًا ممتعًا للغاية.
لكن من استدرجه بلطافة إلى غرفة اللعب هذه المرّة كان الأمير الرابع.
وبعد أن انتقل الأطفال إلى غرفة اللعب، نظرت إليّ الإمبراطورة تريشا بعينين متألّقتين وقالت:
“إذن، ما الفكرة الممتعة التي تخطّطين لها هذه المرّة؟ لا تخبريني أنّكِ تحاولين خداع جلالة الإمبراطور من دوني؟”
رغم أنه يشاد بنبلها وأناقتها باعتبارها إمبراطورة من السلالة الملكية، إلا أنّ وجهها كان يفيض بالحماس كما لو كانت تستعدّ لاستفزاز شقيقها غير الشقيق.
التعليقات لهذا الفصل " 156"