لم يكن كاسيان وحده، على ما يبدو.
نظر الإمبراطور إلى الوثائق التي أعددتها، وبدا عليه الإرهاق.
في أعلى الصفحة الأولى، كانت أسماؤنا، أنا وكاسيان، مكتوبة، يليها أسماء المساعدين والإداريين والفرسان الذين ساهموا في هذا الإنجاز.
وبالطبع، كنت قد أدرجت تحليلاً مستندًا إلى السوابق حول المكافآت المناسبة لكل شخص.
بعبارة أخرى، كل ما كان على الإمبراطور فعله هو التوقيع.
وبما أن استيائه كان واضحًا، لم أرد أن أمنحه فرصة للتهرب.
“لا يمكنني أن أتخيل أن جلالتك قد تغافل عن أهمية مكافأة من ساهموا في هذا الأمر، خصوصًا بعدما أوليت هذا القدر من الاهتمام. لكن لا بد أنك كنت مشغولا للغاية، أليس كذلك؟”
ظهر الانزعاج على وجه الإمبراطور فورًا، ثم زفر بعمق..
“ألا يمكنك أن تأخذي الأمور برويّة قليلًا، يا مساعدة ساليس؟ لم يعد هناك من يهددك أنتِ أو كاسيان، فلماذا كل هذا الاستعجال؟”
كان يتحدث كما لو أنه لم يكن ينوي تجاهل المكافآت منذ البداية..
“جلالتك، أنا فقط أعمل كالمعتاد. لا يمكن أن يكون الأمر….”
تظاهرتُ بالجرح، ولم يهمني إن كان سيدرك أنني أفتعل ذلك، فنحن نعرف بعضنا جيدًا على أي حال..
“هل تعتقد أنني فعلتُ كل هذا بدافع الطمع الشخصي؟ لقد كنتُ ببساطة أؤدي واجبي بإخلاص كمساعدة موظفة في القصر المخصص للأمير الثاني.”
تنهد الإمبراطور مرة أخرى، ثم قال:
“حسنًا، ومتى تمكنتُ من التفوق عليكِ؟”
“تتحدث وكأنني أضايق جلالتك، رغم أنني حتى أعددت الوثائق بحيث لا تحتاج سوى إلى مراجعتها وتوقيعها بكل راحة.”
ولأن كلامي كان منطقيًا تمامًا، لم يجد الإمبراطور ردًا، بل بدأ في تقليب الصفحات بجدية.
كما ذكرتُ سابقًا، كان يعيش أيامًا هادئة مؤخرًا.
لم يعد هناك كيان ديني أو زوجة منافسة يجب أن يحذر منهما، وبرج السحرة؟
لقد كنتُ وكاسيان شوكة في خاصرتهم منذ مدة طويلة، مما منعهم من افتعال المشكلات بسهولة.
ومع ذلك، حتى لو اختفى أولئك المزعجون، فإن العمل الإداري لم يكن شيئًا يمكن التخلص منه ببساطة.
لم يكن طرد الطامعين بالسلطة يعني أن العالم أصبح فجأة مسالمًا.
في النهاية، هذه الدنيا لا تزال تعجّ بالبشر.
لكن الإمبراطور كان لديه أشخاص مناسبون تمامًا لتحمل عبء العمل عنه، أمثالي أنا و كاسيان، بالإضافة إلى المساعدين والإداريين الذين دربناهم ليكونوا أكفاء.
وفوق ذلك، كانت الإمبراطورة تريشا، على عكس الزوجة السابقة المنتمية لعائلة جاموتي، تدير القصر الداخلي بعدالة وكفاءة.
أما ابنها، الأمير الرابع، فكان مشهورًا بكونه متفرغًا للكتب، لذا كان أيضًا بارعًا في التعامل مع الوثائق.
وبسبب كل هذا، وبعد الحادثة الأخيرة في قاعة الاستقبال، تصرف الإمبراطور وكأنه يؤدي وظيفة شرفية فحسب.
وهذا لم يكن مقبولًا.
‘إن كنتَ قد جرحتَ هذا العدد الكبير من الأشخاص في سبيل العرش، فعلى الأقل أمسك به جيدًا.’
إلى أين يظن أنه سيهرب؟
فيما كنتُ أراقبه، تمتم الإمبراطور بضجر وهو يقرأ، وكأنه يحاول أن يبدو أكثر ودًّا. كان الأمر مضحكًا حقًا—هل يحاول أن يقوم الآن بدور الأب؟
قبل أن أقرر ما إذا كنت سأعلق على ذلك، أنهى قراءة الوثائق كلها ووضعها على الطاولة بوجه متجهم..
“كل شيء هنا جيد، ولا توجد ثغرات تستدعي الشكوى. منح الفرسان لقب بارون، ومكافأة المساعدة ساليس لقاء جهودها، كلها أمور مقبولة. ولكن…”
“هل هناك شيء يثير قلقك، جلالتك؟ إن كان كذلك، فسأراجعه وأعدّله حسب الحاجة.”
نقر الإمبراطور بلسانه باستياء، وهز رأسه..
“أشعر أن لديكِ رغبة في منح كاسيان كل ما كان يخص الإمبراطورة السابقة.”
“هل تقصد إقطاعية رياردن؟”
“ذكية كما عهدتكِ، لا يمكن ألا تكوني قد أدركتِ الأمر بالفعل.”
نقر بأصابعه على الورقة..
“أنوي الإعلان قريبًا عن اختياري لولي العهد.”
بالطبع كنت أعلم ذلك. لكنني لن أمنحه هذا الاعتراف بسهولة.
“معذرة، لكنني لم أكن أعلم إطلاقًا. جلالتك لا تزال في صحة ممتازة، كما أن هناك سابقة لما فعلته الزوجة جاموتي، أليس كذلك؟”
لم أكن أنوي الاعتراف بأي شيء.
“إذن، اعتبري نفسكِ على علم الآن. فهذه مسألة عليكِ معرفتها.”
هل يقول لي إنه يخطط لجعل كاسيان وليًا للعهد؟
إذن، يريد أن يبقى هو إمبراطورًا بالاسم فقط، بينما يتولى كاسيان عبء الحكم الفعلي، ويحتفظ هو بالسلطة لاستخدامها عندما يحتاج إليها؟
هل حقًا يرى ابنه كخطة لتأمين تقاعده؟
كان هذا قاسيًا جدًا من الأب الذي لم يكن يومًا أبًا حقيقيًا لكاسيان.
بعد كل ما فعله، يريد الآن أن يمنحه السلطة وينتظر منه الشكر؟
بصفتي الشخص الذي أنقذ حياة كاسيان مرارًا، لم أستطع الموافقة على ذلك.
لم يحظَ كاسيان أرتيز يومًا بلحظة راحة أو سلام.
حتى لو لم أكن غنية، فقد عشتُ طفولة سعيدة في إقطاعية عائلة ساليس.
كان والداي طيبين، والسيد والسيدة تيروديم كانا متسامحين، وكان باول ممتعًا بما يكفي ليكون مادة جيدة للمضايقة.
لكن ماذا عن كاسيان؟ هل قدم له الإمبراطور أيًّا من ذلك؟
لقد نجا بشق الأنفس من عدة محاولات لقتله، وكان ذلك بفضل إرادته الحديدية… وبفضل مساعدتي.
ما قاله الإمبراطور كان عبثًا تمامًا.
فتحتُ فمي ونظرت إليه ببلاهة متعمدة.
“معذرة، جلالتك، لكنني لا أفهم لماذا هذه معلومة يجب أن أعرفها. أرجو أن تتوقف عن الحديث وكأنك تختبرني.”
تعمدتُ أن أكون متواضعة بطريقة غير معتادة. وبدا أن ذلك فاجأه، فحدق فيّ بعينين ضيقتين قليلًا..
“أيعقل أنكِ تظنين أنني سأدبر لكِ فخًا أيضًا؟ هذا مؤسف. كنت أظن أنني شاركتكِ الكثير من الأمور.”
هل يمكنك التوقف عن هذا التظاهر الزائف بالقرب؟
بعد كل ما رأيته، لا يمكنني ببساطة أن أصدقك.
‘لقد أحببتَ السيدة ماربيل حقًا، لكن أولوياتك كانت دائمًا مختلفة تمامًا.’
والآن تتظاهر بالمودة لمجرد أنني خطيبة ابنك؟
الأمر أشبه بوضع قطة لحراسة متجر سمك.(تقصد أنها مستحيل تصدقه)
“مولاي، لقد جئت إلى هنا بصفتي مستشارة القصر الشتوي، ونبيلة من الإمبراطورية، وحاكمة مركيزية كلوبيا الحدودية. وأؤمن بأن التحدث في أمور غير مؤكدة أمر غير حكيم.”
على الرغم من كلامي الحذر، بدا الإمبراطور راضيًا بطريقة مزعجة.
“- على أي حال، لقد فكرتُ بالأمر، وأرى أن منح دوقية رياردن لكاسيان في الوقت الحالي ليس الخيار الأمثل. كما أنني أريد أن أقدمها إليه بأكمل صورة ممكنة.”
بمعنى آخر، لا ينوي منحه حق وراثة دوقية رياردن، مهما حصل، لأنه يبقى أميرًا. وبدلاً من ذلك، يريد منه أن يأخذها لاحقًا بصفته ولي العهد، ثم كإمبراطور، حين تصبح “أرضًا ملكية” تابعة للعائلة الإمبراطورية.
“جلالتك، هل نسيت وعدك للإمبراطورة الراحلة؟”
وهكذا، أخرجت الورقة الرابحة التي كنت أحتفظ بها.
“وجدتها في خزينة كنوز دوقية رياردن، العقد الذي وقعته مع الإمبراطورة الراحلة قبل زواجكما.”
لم تكن ماربيل رياردن امرأة عمياء بالحب. كانت تعرف جيدًا طبيعة الرجل الذي أحبته.
ابتسمتُ برقة وأنا أنظر إلى الإمبراطور.
“لقد أحببت الإمبراطورة الراحلة كثيرًا، أليس كذلك؟ لذا، أرى أن الالتزام بوعدك لها بطريقة جميلة، كمنح المكافآت، سيكون لائقًا جدًا.”
“…كيف حصلتِ على هذا؟”
“الأمير كاسيان لم يطلب مكافأة لأنه رأى أن ما فعله كان لحماية شرف والديه. ولكنني فكرتُ أن جلالتك ستسعد بهذا، لذا رغبتُ في تقديمه لكم كاقتراح. هل كنت مخطئة؟”
ارتسمت على وجه الإمبراطور ملامح من تعرض لضربة مفاجئة.
لكن لم يكن بوسعه قول شيء. فهو نفسه من تحدث أمامي عن مدى حبه ماربيل..
[يتم منح حق وراثة دوقية رياردن للابن المولود من إرنست أرتيز وماربيل ريوردن.]
كانت هذه الجملة مدونة بوضوح في عقد الزواج، ولم يكن من الممكن التغاضي عنها..
ولو كان لدى ماربيل ابن آخر، لكان يمكنه التهرب من الأمر عبر منحه الإقطاعية بدلاً من كاسيان. لكن لم يكن هناك أحد سواه.
ولزيادة إحكام قبضتي على الموقف، أضفتُ:
“عندما وجد سكان رياردن هذه الوثيقة في الخزينة، غمرتهم السعادة. قالوا إن اليوم الذي سيحظون فيه بأميرهم كحاكم لهم قد اقترب أخيرًا.”
بمعنى آخر، حتى لو حاول كتم الأمر، فهناك بالفعل الكثير من الأشخاص الذين يعرفونه..
حدق الإمبراطور إليّ بصمت، عاجزًا عن الرد، قبل أن يقطب حاجبيه على مضض ويلتقط قلمه.
“…كنت أحاول إخبارك بأنها ستؤول إليه على أي حال.”
تمتم بهذه الكلمات، وكأنه لم يفهم المغزى من كل هذا العناء.
ثم وقع الوثيقة وأختمها بختمه الرسمي..
وفي ذلك اليوم، شكرتُ الإمبراطور بأدب أكثر من أي وقت مضى.
لقد تم تجهيز الشرط الأول لأتمكن من أخذ كاسيان أرتيز بعيدًا عن قبضة الإمبراطور.
التعليقات لهذا الفصل " 153"