فهمتُ على الفور ما كانت تعنيه ماربيل..
ما كانت تفعله لم يكن مجرد محاولة لإنقاذ العالم الذي سيولد فيه كاسيان.
كنت أعلم أن دوافعها كانت أعمق من ذلك، وهذا ما جعل الأمر أكثر إيلامًا. لذا، إن كنت سأتحدث عن مشاعري بصراحة، فبالتأكيد لم أكن أُحب خيارها..
لكنني كنت أعلم أيضًا أنه كان القرار الأفضل الذي استطاعت اتخاذه..
لذلك، محوت ترددي وأجبتها بحزم:
“لا، لن أكرهكِ.”
“لأنني والدة كاسيان؟”
لم أؤكد ولم أنفِ، لأن ذلك كان جزءًا من السبب، لكنه لم يكن السبب الوحيد..
“أنتِ شخص طيبٌ حقًا. أشعر بارتياح كبير لأنكِ إلى جانب كاسيان.”
تمتمت بذلك وكأنها وجدت في ذلك عزاءها الوحيد.
بدأت اللفافة السحرية المعلقة على ذراعي تتدلى شيئًا فشيئًا، وكأنها تفقد قوتها. نظرت إليها ماربيل بابتسامة باهتة.
“أنا آسفة لأنني ورطتكِ في كل هذا… وحتى لأنني لم أتمكن من لقائكِ إلا بعد أن حللتِ كل شيء.”
ترددتُ للحظة قبل أن أطرح عليها سؤالًا كان يشغل بالي. لم أكن متأكدة مما إذا كان من اللائق أن أسأل، لكن الوقت كان ينفد، كما أخبرتني اللفافة..
فابتلعتُ ترددي وسألتها بقلب مثقل:
“هل أنا… ‘الجذر’ الذي كان آل رياردن يبحثون عنه؟”
أومأت ماربيل بصمت..
“أجل. القصة التي شهدتِها في حياتكِ الأصلية كانت لها نهاية، أليس كذلك؟”
“نعم.”
“وذلك لأن تلك النهاية كانت ما قرره الحاكم لهذا العالم.”
أشارت لي بالجلوس، ثم جلست بدورها بهدوء..
“في الأصل، لم تكوني مهتمة بهذه الأمور العميقة، لكن بما أنكِ وصلتِ إلى هذه النقطة، فأظنكِ تفضلين معرفة كل شيء.”
“نعم، لأنني أحتاج إلى أن أتحمل المسؤولية عن قراراتي المستقبلية.”
“سأحاول أن أختصر، لأنني أعلم جيدًا أن شخصيتكِ تختلف كثيرًا عنها ‘هي’.”
ابتسمت برقة، وتلك الابتسامة كانت تشبه تمامًا ابتسامة كاسيان، مما جعلني أشعر بإحساس غريب..
وأدركت فجأة أنني كنت أبحث عن أوجه التشابه بينها وبين كاسيان دون وعي، فضحكتُ قليلًا.
في النهاية، كنتُ قد وضعتُهُ في قلبي بالفعل.
ولهذا، لم يكن الشعور بالظلم هو الذي طغى عليّ، بل الرضا.
‘لا بأس، فقد سحرني هذا الرجل تمامًا.’
وكاسيان آرتيز سيظل بجانبي طوال حياتي، لذا لا داعي للقلق.
بعد ذلك، تحدثت ماربيل معي بأسلوب يتناسب مع شخصيتي، دون أن تصوغ كلامها بأسلوب منمق كما يفعل البابا أو الكهنة الآخرون.
“بمعنى… الحاكم اختار أرواحًا من عوالم مختلفة كنماذج لصنع عوالم متعددة، وأُنشئ أحد هذه العوالم بناءً على وجودي؟”
أردت التأكد من أنني فهمت كلامها جيدًا، فأومأت ماربيل برأسها موافقة..
“كما هو متوقع، أنتِ سريعة الفهم.”
“و… ظهور ‘روزليتا’، التي تستند إليّ، كان يعني أن هذا العالم قد وصل إلى نهايته المقررة؟”
“بالضبط، لكن غايا، التي مُنِحت قوة من الحاكم، استطاعت أن تفتح ثغرة. وهناك حاكم آخر، أدرك مأساة هذا العالم، فقدم يد العون.”
“حاكم آخر…؟”
“نعم، لكنه لم يرد أن يُعرف، لذا لم يدركه أحد تقريبًا.”
احتست رشفة من الشاي الفاتر قبل أن تكمل:
“لكنه، بعد أن قدم مساعدته، لم يعد بإمكانه التدخل أكثر.”
“حتى وهو حاكم؟”
“لقد بذل ما بوسعه.”
بالفعل، إن كان قد اهتم بأمر عالم لم يكن من صنعه، فهذا وحده كان أكثر من كافٍ.
بدأت أفكر في مدى تشابه موقف هذا الحاكم مع بعض الجهات التي تتنصل من مسؤولياتها بعد أن تضع الأسس الأولى فقط..
“- والمعبد يخدم الحاكم الأول، صحيح؟”
“بالطبع.”
ضحكتُ بسخرية..
إذًا، كان هناك حاكمان: أحدهما استخدم روحي كنموذج لإنشاء هذا العالم ثم أهمله، بينما الآخر، الذي لم يكن مسؤولًا عن العالم، قرر على الأقل أن يمنح سكانه فرصة للنجاة إذا كانوا مستعدين للقتال من أجلها..
وكانت مساعدة ذلك الحاكم قد وصلت إلى آل رياردن عبر التنانين.
“…إذًا، كل الصراعات بين المعبد والسحرة حول البدع لم تكن سوى معارك بلا معنى.”
“بالضبط، فالمعبد لم يفعل سوى الحفاظ على ما أنشأه الحاكم، بينما نحن في رياردن كنا نبحث عن السجلات التي تركتها غايا.”
وهكذا، كان الأمر أشبه بمشاهدة مخطط قصة وضعه الكاتب مسبقًا، ماربيل كانت تستخدمه كدليل لقراءة المستقبل.
لكنني أدركت شيئًا آخر من هذا الحديث:
إذا كانت قوة الكنيسة مستمدة من الحاكم الاول، فإن السحر، الذي كانت تستخدمه ماربيل والسحرة الآخرون، كان مرتبطًا بذلك الحاكم الثاني.
لكن الحاكم لم يفعل سوى منح القوة، ولم يكن هناك أي وصايا أو تدخلات منه بعد ذلك.
كل شيء كان يعتمد على البشر أنفسهم..
ورغم ذلك، كانوا منشغلين بالقتال على السلطة بدلًا من التعاون، وكاد العالم ينهار بسبب ذلك..
لولا أن آل رياردن حافظوا على مهمتهم رغم المعاملة القاسية التي تلقوها، لما تمكنوا من الوصول إلى هذه النقطة.
“…إذًا، هل كل ما فعله السحرة من نشر جرعات غريبة والسعي وراء السلطة كان مرتبطًا بهذا أيضًا؟”
كانوا يبحثون عن النفوذ تمامًا مثل المعبد، وتساءلت عما إذا كانوا قد ساعدوا ماربيل في خطتها..
“لا، كانوا يسعون وراء السلطة فقط، مثلهم مثل المعبد. البشر يصبحون حمقى عندما يحصلون على القوة، أليس كذلك؟”
ضحكت بخفة..
هذا التفسير كان منطقيًا تمامًا.
حتى أن بعض السحرة الذين استُخدموا في قصر الشتاء فروا بعد خسارتهم في معارك ضد الفصائل الداخلية.
حتى الآن، كان من أرسل لي الإشارات هم السيدة ماربيل رياردن، وكذلك التنانين التي بذلت جهدها لمنع الدمار.
“إذن، استدعاؤكم لي كان لأنني الجذر الذي يمتلك القدرة على تغيير المصير الذي تم تحديده؟”
“كما توقعتِ، أنتِ تفهمين الأمور بسرعة.”
كان من الغريب ألا أستنتج ذلك مع كل هذا الحديث عن الجذور والنصوص الأصلية..
“إذن، هل صنعتم ثغرة لهذا السبب؟”
“نعم، لأن إزالة المسار الذي خطه الحاكم ليس من شأن البشر.”
بمعنى آخر، العالم الذي يسير وفق أحداث القصة الأصلية لا يزال موجودًا في مكان ما. تمامًا كما التقيتُ بكاسيان من القصة الأصلية..
نظرتُ إلى ماربيل بصمت.
“السيدة ماربيل، لقد استدعيتِني إلى هذا العالم ليس فقط لمنع نهايته وحماية عالم الأمير كاسيان، ولكن أيضًا…”
ترددتُ قليلًا، لكن ماربيل أومأت برأسها، مرتسمة على وجهها نفس التعبيرات التي اعتدت رؤيتها من كاسيان، تعبيرات تخبرني أنني أستطيع قول ما أريد.
لكن على عكس كاسيان، كان في وجهها أثر لحزن عميق، كما لو أنها تنتظر حكمًا لا مفر منه..
“…لقد استدعيتِني بأي طريقة ممكنة لإنقاذ جلالة الإمبراطور، أليس كذلك؟”
بسبب تدخلي، تغيرت العديد من الأمور عن القصة الأصلية، ونجا أشخاص كان يفترض أن يموتوا. ومن بينهم، كان أهمهم هو الإمبراطور نفسه..
لهذا السبب قالت إن قراراتها قد لا تعجبني.
عند سماع كلماتي، أغمضت ماربيل عينيها للحظة، ثم أومأت برأسها بهدوء.
“أجل، لقد كنتُ غاضبة منه بشدة… لكن مع ذلك، إن كان بالإمكان منعه من الموت، أردتُ أن أفعل ذلك.”
“لكنني لستُ من النوع الذي يتدخل، كان يمكنني ترك الأمور تسير كما في القصة الأصلية.”
“أعلم ذلك، لكن كما بذلتِ قصارى جهدك، اخترتُ أنا أيضًا بذل قصارى جهدي.”
بمعنى آخر، بدلاً من اختيار المستحيل، فضلت اختيار ما هو غير مؤكد..
حقًا، كان على الإمبراطور أن يكون ممتنًا لهذه المحبة الواسعة وهذا الحب العميق من ماربيل.
ولهذا، كان عليّ أن أسألها سؤالًا آخر.
“ماذا لو أنني، تجاه جلالة الإمبراطور…”
في تلك اللحظة، رفعت ماربيل سبابتها إلى شفتي وهي تهمس: “شش”.
قاطعتني بلطف، ثم تحدثت بابتسامة هادئة.
“أنا لستُ عرّافة، ولا أملك قوى خيالية. لقد أثبتتُ حبي لارنست بما يكفي…”
وضعت يدها على بطنها المنتفخة قليلًا.
“إن كان لم يصغِ إليّ حتى الآن، فليس لأنني لم أُحذّره من المستقبل غير المكتوب.”
بمعنى آخر، حتى قبل أن أظهر، كانت ماربيل قد قدمت تلميحات عن وجودي، بفضل محبتها العميقة له..
وهذا هو الفارق الأكبر بين كاسيان والإمبراطور.
كاسيان كان يستمع إليّ، حتى عندما كنت أقول أشياء تبدو سخيفة أو غير منطقية..
أما الإمبراطور، فعلى الرغم من تحذيرات ماربيل العديدة، وعلى الرغم من تحقق بعضها، ظل متمسكًا بنظرته الضيقة للأمور..
هل يمكنني حقًا مسامحة شخص مثله؟
“المستقبل هو مسؤولية من سيعيشونه، أما أنا، فمكانتي في الماضي. الخيار لكِ، لذا فإن رأيي لا معنى له. لكن إن كان لي أمنية صغيرة…”
رفعت ماربيل يدها عن بطنها ونظرت إليّ بلطف.
“أتمنى أن تكوني سعيدة، وأن تفعلي كل ما ترغبين به.”
“…أنا وليس الأمير كاسيان؟”
“سعادتكِ هي سعادة ذلك الطفل، والعكس صحيح. إن لم تكوني سعيدة، فلن يكون هو سعيدًا أيضًا.”
شعرتُ بحزن طفيف، وكأنها كانت تتحدث عن نفسها..
“بمعنى آخر، عليّ أن أفعل ما أريد؟”
شعرتُ بأن كاسيان لو كان هنا، لكان قد وافق على هذا القول.
في تلك اللحظة، بدأت اللفافة تذبل بسرعة، مشيرة إلى أن الوقت المتبقي قد اقترب من نهايته..
مع ذلك، كنتُ متأكدة من أن ماربيل لن تقول ما تريده حقًا.
‘لا أعتقد أنها لم تستدعِ أحدًا سواي، بل لم تكن تستطيع استدعاء أي شخص آخر.’
أليس من الطبيعي لأي إنسان أن يرغب في رؤية ابنه الذي لم يتمكن من رؤيته قط؟
كانت ماربيل تأمل أن يأتي إليها كاسيان، حتى تتمكن من تخفيف مشاعرها المعقدة تجاه الإمبراطور..
كانت تبدو أفضل حالًا مما كانت عليه عندما كان الإمبراطور يخونها مرارًا، لكن…
إن كنتُ الشخص القادر على منع نهاية هذا العالم، ألا يجب أن يكون بوسعي أيضًا أن أجعل أمًّا وابنها يلتقيان عبر الزمن؟
‘لقد حصل جلالة الإمبراطور على نصيبه من برّ كاسيان به، فهل من العدل ألا تحصل ماربيل على شيء؟’
حتى لو كان كاسيان ذو طبيعة نارية، فهذا لا يعني أن كل مشاعره يجب أن تُستهلك لصالح الإمبراطور وحده..
بابتسامة خفيفة، نظرتُ إلى ماربيل التي كانت تستعد لوداعها الأخير..
“قولي له بنفسكِ، لابنكِ العزيز.”
“…لكن، لا يمكنني فعل ذلك بقوتي وحدي.”
هزّت رأسها بلطف، وكأنها تشكرني على لطف مشاعري.
لكن بدلًا من الرد، همستُ باسم شخصٍ واحد، كما لو كنتُ ألقي تعويذة..
الاسم الذي لم يفشل في العثور عليّ، حتى عندما كانت العوالم تتداخل وتنفصل.
“إيان.”
شعرتُ بالدفء يملأ يدي الفارغة..
────── •❆• ──────
ملاحظة من عندي: هنا فهمنا تقريبا الاسم المشوش #@ الي كانو يستعملوه لروز هو الجذر
التعليقات لهذا الفصل " 151"