“…أنا؟ تدّعون أنني تصرفت وكأن ولي العهد قد تم تعيينه بالفعل؟ مساعدة ساليس أهذا ما تقصدينه؟”
“ألستِ كذلك؟”
أطلقت المحظية الرابعة ضحكة ساخرة..
“وهل لديكِ دليل على ذلك؟ قلتِ إنني اتهمتُكِ بالافتراء، لكنكِ تفعلين الشيء نفسه—”
“لم أقل أبدًا أنني بلا دليل.”
من تظنّني؟ نسخة عنها؟
نظرتُ إلى فيلهلمينا، فتقدّمت إليّ بخطواتها الرشيقة وفتحت ملفًا منظمًا بعناية..
“في حوالي 22 سبتمبر، زارت صاحبة السمو المحظية الرابعة المعبد الكبير للصلاة والتقت بعدد من السيدات. وخلال حديثها مع إحدى النبيلات التي كانت تبدي تعاطفها تجاه الأمير تشارلي، قلتِ لها ما يلي—”
“يمكنكِ اختلاق أي شيء كما تشائين—!”
صرخت المحظية الرابعة مباشرةً، مقاطعةً فيلهلمينا.
لكن فيلهلمينا لم تهتزّ قيد أنملة، وأكملت قراءتها بسلاسة:
“قلتِ إن جلالة الإمبراطور وعد بتعيين الأمير تشارلي كولي للعهد، وأنه لا يوجد منافس له، لذا طلبتِ من السيدات دعمكِ.”
في تلك اللحظة، سقطت إحدى السيدات النبيلات أرضًا، وكأنها فقدت قوتها..
“أنا… لقد كنتُ خائفة للغاية…! لولا أن السيدة لوبيز واسَتني، لما عرفتُ كيف أتصرف…!”
ارتجفت المحظية الرابعة وهزّت رأسها بيأس..
“لا! هذا كله مؤامرة! لابد أن المساعدة ساليس أجبرتهن على قول هذا!”
تحاول إلصاق أفعالها بي؟
لقد دبرتِ المكائد طوال حياتكِ، لذا جهزتُ لكِ هذه اللحظة بعناية، حتى تذوقي طعم ما فعلته بالآخرين.
لكن الفارق الحاسم هو أنني لم أستخدم سوى الأدلة الحقيقية.
استلمت فيلهلمينا صندوقًا صغيرًا من أحد المسؤولين، وفتحته أمام الجميع.
“وهل ستستمرين في الإنكار بعد رؤية هذا؟”
“في ذلك اليوم، كنتِ ترتدين عقدًا وأقراطًا من الزمرد، وسوارين ذهبيين رفيعين.”
“…”
“لكن عند عودتكِ، لم تكن معكِ سوى القلادة. أما باقي المجوهرات، فهي هنا.”
“لقد… فقدتها.”
اهتزت يد المحظية الرابعة قليلاً، لكن فيلهلمينا هزّت رأسها ببطء..
“وهذا ليس كل شيء. لقد تحققنا من جميع النبلاء الذين تواصلتِ معهم أثناء غياب الأمير كاسيان والمساعدة ساليس عن العاصمة، وكذلك الهدايا التي قدمتِها لهم. ولدينا أدلة دامغة على ذلك. هل ستواصلين الإنكار؟”
لم يكن صوت فيلهلمينا عدوانيًا، لكنه كان هادئًا ومتزنًا، مما جعل المحظية الرابعة ترتجف أكثر..
كانت تتوقع أن تواجهني وحدي.
لم يخطر ببالها أبدًا أن النبلاء الذين ظنّت أنهم في صفّها، بمن فيهم فيلهلمينا، سينقلبون عليها.
“كيف…؟! كيف يمكنكم فعل هذا بي؟! لقد قدمتُ لكم الكثير من التسهيلات طوال هذه السنوات…!”
انهارت تعابير سكارليت تمامًا..
وكأنها كانت تحاول بصعوبة الدفاع عن حصنها، لكنه انهار فجأة أمامها.
“هل هذا جزائي…؟ بعد كل ما فعلته من أجلكم…؟”
لكن فرانسيس أشيود قاطعها بنبرة جامدة، خالية من أي شفقة:
“لقد كنتِ محظية إمبراطورية، وكان ينبغي أن تعرفي حدودكِ. واجب العائلة الحاكمة هو ضمان ازدهار الإمبراطورية، لكنكِ منذ زمن بعيد تخليتِ عن ذلك من أجل مصالحكِ ومصالح النبلاء.”
كلماته الباردة أسقطت رأس المحظية الرابعة، وكأنها تلقت ضربة قاضية..
***
سكارليت جاموتي أصبحت في حكم المدانة بالخيانة العظمى.
حتى الإمبراطور، بمجرد أن أومأ برأسه، أقرّ بكل ما حدث.
لكن…
“لماذا…؟”
أثارتني زوايا شفتي المحظية الرابعة وهي مطأطئة الرأس.
كل شيء انتهى.
لم يعد لديها أي أمل للعودة…
ومع ذلك، لماذا…؟
لماذا، رغم يأسها، تبدو كأنها… مطمئنة؟
بمجرد أن طرأت هذه الفكرة في ذهني، شعرت وكأن صاعقة ضربتني..
الإحساس الغريب الذي راودني طوال الوقت—
‘لا يمكن…!’
على مدار الأيام الثلاثة الماضية، راجعتُ قدر استطاعتي جميع الوثائق الملكية التي لم أكن قد راجعتها من قبل.
من بينها، وجدتُ وثائق تعود إلى عهد الإمبراطور عندما كان لا يزال وليًا للعهد..
حين تولى العرش، كانت البلاد غارقة في الفوضى، وكان عليه أن يتخلص من الفصائل الملكية المتمردة.
لكن بعض أفراد العائلة المالكة الذين ارتكبوا جرائم نجوا خلال السنوات الأولى من حكمه…
وإذا كان أحدهم قد اختفى فجأة في وقت لاحق، دون سبب واضح…؟
ذلك الشك جعلني أسترجع العديد من الأفكار واللحظات التي مررت بها..
‘كاسيان، الذي شكك في أنه يحمل دماء العائلة الإمبراطورية، وأنه ليس إبن الإمراطور.’
-ماذا لو أنكِ أنكرتِ أن كاسيان هو ابنك؟-
إنكار ماريبيل المستمر، المفرط في حدّته، لحقيقة كاسيان..
المراقبة الشديدة التي تعرّض لها كاسيان، والتي كانت تتجاوز حدود كونه مجرد ابن غير شرعي، على الرغم من أن تشارلي هو الأمير الأول بالفعل، لكنه لُفظ لمجرد كونه ابن الإمبراطورة..
كان هناك شعور بعدم التناسق في كل تلك التصرفات.
بل في ذلك الوقت، لم يكن لدى كاسيان عائلة تحميه، ولا سلطة والده ليحتمي بها..
فهل كانت المسألة مجرّد صراع على السلطة؟ لا، بل كان الأمر أشبه بمحاولة لإخفاء حقيقة لا يجب أن تُكشف.
كما لو أن ما كان يُفرض على كاسيان هو في الأصل شيء كان يجب أن تتعرض له هي بنفسها…
وأنها كانت تحاول إلصاقه به؟
[يوليو 1731: محاولة اغتيال ولي العهد، نفي الأمير الخامس، ووضعه تحت مراقبة صارمة من المعبد…]
[سبتمبر 1732: إعلان الحرب على الأمير إرنست، بمشاركة… عائلة المركيز جاموتي…]
[أغسطس 1733: دخول الآنسة الكبرى لعائلة جاموتي إلى القصر كالمحظية الأولى بترشيح من المعبد.]
[أكتوبر 1733: اختفاء الأمير الخامس المنفي لأسباب غير معروفة، ثم إعلان وفاته لاحقًا.]
بدأت قطع الأحجية تتجمّع داخل ذهني..
في البداية، كانت تلك المعلومات مجرد بيانات متفرقة قرأتها خلال الأيام القليلة الماضية أثناء مراجعتي لوثائق القصر الملكي.
ولكن الآن، عندما وضعت تلك الأحداث بجانب بعضها البعض، تشكلت صورة واضحة…
‘فيا!’
ناديت السحلية التي كنت أحتفظ بها في جيبي على الفور.
لم يكن هناك وقت حتى لتأكيد نسب كاسيان بعد الآن..
‘هل يمكن أن يكون الإمبراطور وسمو الأمير تشارلي…؟’
-أنتِ حقًا تنوين قلب كل شيء رأسًا على عقب، أليس كذلك؟
أتمنى فقط أن يكفّ عن أسلوب التنانين في الحديث في مثل هذه اللحظات الحاسمة.
‘أنا مدركة تمامًا للعواقب التي ستقع على رأسي إذا أقدمتُ على هذه الخطوة.’
تنهد فيا بعد جملة اعتراضية أقرب للإرغام، ثم أومأ برأسه تأكيدًا.
‘أخيرًا، بدأت الأمور تتّضح بالكامل.’
الإمبراطور كان يحب ماربيل رياردن بشدة، لكن لماذا إذن وُلد تشارلي قبل كاسيان؟
ولماذا اضطر الإمبراطور لإنكار ابنه كاسيان لحمايته؟
والأهم من ذلك، لماذا ضغط المعبد والمحظية الرابعة على الإمبراطور في بداية حكمه؟
عندما اعتلى الإمبراطور العرش، لم يكن لديه دعمٌ كافٍ، لذا احتاج إلى قوة المعبد والنبلاء لضمان استقرار حكمه.
ولكن على عكس الوقت الحالي، عندما أثبتنا نحن أن التنانين ليست مخلوقات نجسة، في ذلك الزمن كان الاعتراف بوجود تنين، أو حتى مجرد التلميح إليه، كفيلًا بجعلك تُحاكم كمهرطق..
فإن كان هذا هو الحال حتى اليوم، فما بالك بذلك الوقت عندما كانت سلطة المعبد أقوى؟
لذلك، كان من السهل جدًا استخدام سرّ رياردن لابتزاز الإمبراطور وتهديد حياة كاسيان..
لأن الإدانة بالهرطقة في ذلك الزمن لم تكن تعني شيئًا سوى الموت.
فهل كان هذا هو السبب الذي دفع الإمبراطور للاعتراف بكاسيان كابنه، لكنه اضطر للتنازل عن حقوقه مقابل ذلك؟
الإمبراطور كان بحاجة لحماية ابنه بأي ثمن، وكان يجب عليه أن يساوم للحفاظ على حياته..
وإذا كان مناورو السلطة في القصر قد فعلوا ذلك من قبل، فما الذي يمنعهم من تكرار الأمر الآن؟
ولكن هل يمكنني حقًا الكشف عن هذا الأمر؟
إن كانت مجرد تكهنات، فالأمر قد ينتهي بقطع رأسي.
بل قد يكون هذا منفذًا لعودة المحظية الرابعة وإنقاذها من التهم الموجهة إليها.
في لحظة التردد تلك،
“روز.”
بصوت خافت، ناداني كاسيان..
وكأنه قرأ التردد الذي انتابني، نظر إليّ وقال:
“افعلي ما تريدين، أيا كان القرار الذي تتخذينه.”
هل هو جادٌّ في ذلك؟
ماذا لو انتهى بنا الأمر كهاربين إلى الأبد؟
ترددتُ وأنا أنظر إليه، لكن كاسيان منحني ابتسامة خفيفة، وكأنه يريد أن يطمئنني:
“مهما كان ما سيحدث، سأقف إلى جانبك.”
يا له من وعد مُطمئن..
خاصة لشخص مثلي، يوشك أن يفجّر القصر الإمبراطوري بأكمله.
إن كان كاسيان هو السيد الذي أتبعه، فأنا واثقة من أنه سينقذني إن ساءت الأمور.
شعرت بالشجاعة تتدفق في عروقي..
كنت مستعدة لإلقاء قنبلة في وسط هذا القصر.
-أعتقد أنه من الأفضل لكِ أن تكوني أنتِ تنين النيران بدلاً مني.
سمعت فيا يتمتم بتنهيدة، لكنني رفعت رأسي بثبات.
ثم أخذت نفسًا عميقًا وأدليت بصوت واضح:
“الأمر لم ينتهِ بعد، صاحبة السمو المحظية الرابعة. لا تزال هناك حقيقة يجب كشفها.”
*”…ها، رغم أنني أدنتُ بالخيانة، إلا أنكِ لا تزالين تحاولين دفع الأمور إلى أقصى حدودها؟”
تبسّمت المحظية الرابعة بسخرية..
“دائمًا ما كنتِ شخصًا بلا رحمة، تدفعين الناس إلى حافة الجحيم.”
“أشكركِ على الإطراء، ولكن مهما كنت قاسية، فلن أصل إلى مستواكِ أبدًا.”
ثم استدرتُ إلى الإمبراطور..
“جلالة الإمبراطور، لديّ سؤال.”
“هل تنوين استجوابي الآن؟”
“إن كان ذلك من أجل الإمبراطورية، فأنا على استعداد لفعل أي شيء.”
ضحك الإمبراطور بهدوء، وكأنه يستمتع بالموقف.
“حسنًا، تكلمي.”
أخذت نفسًا عميقًا، ثم ألقيت بالسؤال الذي سيشعل الحريق الأخير:
“هل صاحب السمو الأمير تشارلي هو ابنك الحقيقي؟”
ساد الصمت في قاعة الاستقبال الإمبراطورية.
بدا الجميع وكأنهم لم يصدقوا ما سمعوه للتو.
“مساعدة ساليس…!!”
صرخت المحظية الرابعة بغضب، بعد أن كانت تتظاهر بالاستسلام قبل لحظات..
وكأنها كانت تنتظر هذه اللحظة تمامًا.
“حتى لو كان الأمير كاسيان ابنًا شرعيًا، فإن ماربيل رياردن لم يُثبت أنها ليست نجسة، أليس كذلك؟ هل تنوين تحميلني هذا الذنب أيضًا؟”
كان من المفترض أن أتجاهل صراخها، لكن عند هذه الجملة، لم أستطع منع نفسي من الردّ:
“الإمبراطورة الراحلة لم تكن لتكون نجسة أبدًا. أي شخص يعرف مكانتها في عائلة رياردن يعلم ذلك، لذا توقفي عن محاولة إلصاق التهم بها.”
عندها، ألقى كاسيان نظرة فخورة نحوي، بينما ضحك الإمبراطور بخفة..
ثم تحدث أخيرًا:
“- لا يمكنني التأكيد. تشارلي… قد يكون ابني، ولكن…”
عند كلماته المترددة، نظرت إلى ويسلي مباشرة..
“سمو القديس، أرجو أن تجري اختبار النسب.”
التعليقات لهذا الفصل " 146"