اتسعت عينا البابا.
كأن لسان حاله يتساءل عن سبب ذكر اسم ويسلي في هذه اللحظة.
على عكسه، ظل ويسلي موريل محتفظًا بابتسامته الوديعة النقية، ثم التفت إلى البابا وقال بنبرة هادئة:
“لن تتهموني بالهرطقة مجددًا لمجرد أنني قررت قول الحقيقة في هذا المجلس، أليس كذلك، أيها البابا؟”
“ما هذا الكلام…؟ تتحدث وكأنني قلتُ كذبًا!”
“نعم، لأنكم تكذبون بالفعل.”
حدّق ويسلي في البابا بنظرة عاتبة، أشبه بتوبيخ ناعم من بالغ لطفل صغير يسيء التصرف..
“لا أصدق أن المعبد قد فسد إلى هذا الحد… والأسوأ من ذلك أن الشخص الذي كنت أؤمن به منذ طفولتي قد أعمته السلطة إلى هذه الدرجة. هذا محزن بالفعل.”
تغير وجه البابا قليلًا وهو يرد بارتباك:
“ما الذي تحاول قوله، سمو القديس؟”
“أتمنى فقط أن تتوقف عن ارتكاب المزيد من الذنوب بحق الحاكم.”
وهكذا، انتقلت المواجهة بين المحظية الرابعة، والبابا، والإمبراطور إلى مواجهة بين البابا والقديس..
مع تصاعد التوتر في الغرفة، أُجبر كل من كان قد بدأ بالثرثرة واعتقد أن القضية حُسمت على العودة إلى الصمت.
ويبدو أنهم أخيرًا استوعبوا خطورة الوضع.
لكن للأسف، كان هناك شخص أسرع منهم جميعًا في إدراك الأمور وتوثيقها—فرانسيس آشوود.
لقد كان مغمورًا في تدوين كل الأسماء المتورطة حتى قبل أن أدرك أنا نفسي ذلك، بل قام أيضًا بتشغيل جهاز تسجيل الصوت، على الرغم من وجود عدد هائل من الكهنة حولنا.
بصدق، الجميع باتوا يزدادون جدارة بالثقة يومًا بعد يوم، وهذا تطور مرحَّب به.
أطلق البابا تنهيدة عميقة بينما كان يحدق في ويسلي طويلًا.
“أعيد إليك كلماتك ذاتها، أيها القديس. أعلم أن ولاءك لمركيزة كلوبيا كبير، لكن لا ينبغي لك أن تعصي الحاكم من أجل ذلك.”
لكن ويسلي أمال رأسه قليلًا ورد بنبرة مغايرة تمامًا:
“يبدو أنك مخطئ في فهم شيء ما، أيها البابا.”
“…ماذا؟”
تنهد ويسلي بصوت عالٍ، مقلدًا البابا بطريقة غير مباشرة.
“عندما تقول هذا، فأنت تفترض أن بإمكاننا حل هذا الأمر بمجرد الحديث هنا.”
“وإن لم يكن بالكلام، فكيف إذن؟ هل ستلجأون إلى القوة الوحشية؟”
“بالطبع لا. فقط أردت تصحيح اعتقادك الخاطئ بأني أحتاج أسبوعًا كاملًا لإجراء اختبار النسب، تمامًا كما تفعلون أنتم.”
“…ماذا؟”
رمش البابا بعينين متسعتين، وكأنه للتو أدرك معلومة صادمة..
ويسلي موريل كان يتذكر جيدًا الدرس الذي لقنته إياه في طفولته:
-إذا كنتَ بارعًا في شيء أكثر من اللازم، فسوف يجبرونك على فعل كل شيء وحدك. لذا، عليك أن تتظاهر أحيانًا بأنك أضعف مما أنت عليه، خاصة عندما يكون المسؤولون في القمة غير مؤهلين.-
ويبدو أنه أخذ نصيحتي على محمل الجد.
أنا نفسي لم أتمكن من تطبيقها، لكن ويسلي كان بارعًا في ذلك.
لذا، كان يتحكم في قدراته بحذر، متظاهرًا بأنه أسرع قليلًا من الكهنة الآخرين فحسب، دون أن يُظهر مدى تفوقه الحقيقي.
بالطبع، في أوقات الضرورة مثل معركة إبادة التنين، كان يستخدم قوته الهائلة بلا تحفظ.
لكن معظم الكهنة لم يتمكنوا من استيعاب مدى قوته الحقيقية، لذا اعتقدوا فقط أنه “موهوب بعض الشيء”..
أما الأداة التي طلبتُ منه صنعها لاختبار النسب، فقد تعمد ويسلي تأخير إنتاجها عمدًا، مما جعل من المستحيل عليهم قياس قدراته الفعلية..
وبالإضافة إلى ذلك، كانت الأداة مُعدة للاستخدام لمرة واحدة فقط، لذا كانوا واثقين من عدم إمكانية استعمالها في هذا المجلس.
لكن الكشف الذي أعلنه ويسلي الآن قلب الطاولة تمامًا.
حتى المحظية الرابعة، التي ظلت محافظة على قناع الهدوء طوال الوقت، بدت أخيرًا متوترة.
لقد راهنت على توقيت إعلان “الحقيقة”، معتقدة أن المجلس لن يتمكن من إثبات العكس فورًا..
ولكن إن قرر ويسلي إجراء اختبار النسب هنا والآن، فسيتحول كل ما فعلته إلى لا شيء.
بل إن الإمبراطور نفسه كان قد أنكر فورًا ادعاءات المحظية الرابعة.
“…إذًا، ما هو الأمر بالضبط؟ هل الأمير كاسيان ابن الإمبراطور الشرعي أم لا؟”
تذمّر أحد النبلاء بنبرة ضيق، لكنه تلقى نظرات استنكار حادة من الحاضرين قبل أن يبتلع بقية كلماته..
أما الإجابة، فقد جاءت على لسان ويسلي نفسه.
“الأمير كاسيان هو بلا شك الابن الشرعي لجلالة الإمبراطور.”
“قديس!”
صرخ البابا مرتعدًا..
“لا يمكنك إطلاق تصريحات لا يمكنك تحمل مسؤوليتها! كل كلمة تتفوه بها تقع مسؤوليتها على عاتق المعبد بأسره!”
لكن ويسلي، غير مكترث لتهديد البابا الضمني، تقدم ببطء إلى وسط قاعة العرش بخطوات هادئة..
“جلالة الإمبراطور، أنا لا أنطق إلا بما أستطيع تحمل مسؤوليته. فمن علّمني منذ طفولتي كان يحثني دائمًا على عدم التسرع في الكذب.”
نظر الإمبراطور إليه وإليّ بالتناوب، ثم بدا وكأنه استوعب أخيرًا فوضى الموقف، فعدل جلسته على العرش..
“إذًا، القديس، هل أنت تقول بأنك ستُجري اختبار النسب هنا، الآن، لحل هذا الجدل أمام الجميع؟”
“نعم. لقد قدمت إليكم بالفعل دليل اختبار النسب قبل يومين، لكن حتى لو سلمتكم إياه الآن، سيقولون مجددًا إنه مزوّر، أليس كذلك؟”
لقد أصاب كبد الحقيقة.
ضحك الإمبراطور بصوت منخفض ونهض عن العرش.
“كلامك صحيح. كنت أتساءل لماذا أزعجتني ماركيزة كلوبيا قبل يومين بإصرار على إعادة اختبار نسب كاسيان… والآن فهمت السبب.”
ثم أشار بيده، فتقدم كاسيان لينضم إلى ويسلي في وسط القاعة..
أما البابا وبقية أفراد المعبد والمحظية الرابعة، فكانوا وحدهم من لم يدركوا بعد ما يحدث.
“…لكن هذا مستحيل. حتى أقوى الكهنة وأكثر القديسات موهبة احتاجوا لأيام حتى يكتمل اختبار النسب.”
أولئك الذين كانوا على دراية بهذا الأمر نظروا إلى ويسلي وكأنه ينطق بمعادلة خاطئة تمامًا..
أما البابا، فكان وجهه ممتقعًا تمامًا.
“القديس، تدرك أن هناك الكثير من الحاضرين هنا، ولا يمكنك قضاء كل وقتك في هذه المسألة فقط، أليس كذلك؟”
قالها بصوت بدا وكأنه قلق حقًا..
لكن ويسلي لم يرد.
بدلًا من ذلك، رفع يديه ونفث طاقة مقدسة نحو الإمبراطور وكاسيان، معلنًا بذلك بدء اختبار النسب.
“…هذا… مستحيل.”
تمتم أحد الكهنة بذهول، غير مصدق لما يرى..
فورًا، بدأت طاقة بيضاء ناعمة ودافئة تتشكل، مكونة الدائرة المقدسة التي تميز اختبار النسب، والتي سرعان ما أحاطت بجسدي الإمبراطور وكاسيان.
عادةً، مجرد تكوين هذه الدائرة يستغرق ساعات من العمل المكثف.
ولكن لم يكن هذا كل شيء.
سرعان ما توسعت الهالة المقدسة وتحولت إلى كرة بيضاء شفافة، تحيط بكلا الشخصين.
“كيف يمكن أن تتشكل الكرة بهذه السرعة؟!”
“أليس من المفترض أن ننتظر يومًا كاملًا حتى تظهر؟!”
صاح بعض الكهنة الذين شهدوا اختبارات نسب سابقة، وهم غير قادرين على تصديق ما يحدث..
“لكن حتى لو تشكلت الكرة، أليس من المفترض أن يتغير لونها بعد عدة أيام، ثم ننتظر بضعة أيام أخرى حتى يظهر حجر الإثبات؟”
كان هناك من يحاول التمسك ببصيص أمل أخير لتأخير النتيجة..
لكن الكرة بددت آمالهم بلا رحمة—إذ تحولت إلى أزرق ناصع في لحظات.
وكان هذا وحده كافيًا لحسم الأمر.
لأن القاعدة كانت واضحة:
إذا أصبحت الكرة زرقاء، فهذا يعني أن الشخصين مرتبطان بصلة الدم. وإذا تحولت إلى الأحمر، فالعكس صحيح.
وفي الظروف العادية، يستغرق تغير لون الكرة أسبوعًا على الأقل.
لكن في هذه الحالة، لم تمر سوى بضع ثوانٍ حتى سُمع صوت “طَق!”، وسقط حجر الإثبات الأزرق المتوهج على راحة يد كاسيان.
عندها، اكتفى الإمبراطور بابتسامة طفيفة وهو يدير ظهره عائدًا إلى العرش.
“-هل أنت راضٍ الآن، أيها البابا؟ ومحظيتنا الرابعة الموقرة؟”
أما كاسيان، فقد رفع حجر الإثبات أمام الجميع بأدب بالغ وانحناءة رسمية لا تشوبها شائبة..
لكن بدلًا من أن يبدو البابا والمحظية الرابعة مرتاحين لذلك، كانا يحدقان فيه بوجوه جامدة، غير مصدقين ما يرونه.
‘هذا… هذا مستحيل… كيف يمكن أن يحدث هذا…؟!’
“…….”
لم يستطع أي منهما حتى العثور على الكلمات المناسبة للرد.
حقًا، يا له من تصرف غير مهذب منهما.
***
“ه-هذا… هذا… ما الذي يجري على الأرض…؟!”
فقد البابا كل رباطة جأشه وبدأ يتخبط كمن أصيب بالذهول.
وفي تلك اللحظة—
“هاها، هاهاهاها!”
انفجرت سكارليت ضاحكة بصوت عالٍ، كأنها فقدت عقلها.
“يا له من أمر ممتع! ممتع حقًا!”
“المحظية الرابعة!”
نادى الإمبراطور بصرامة، مستنكرًا سلوكها الوقح في مثل هذا الموقف..
لكنها لم تتراجع، بل أخذت نفسًا قصيرًا وكأنها تستعد لإلقاء خطبة جديدة.
“حتى البابا، بل وحتى أنا، لم نكن نعلم بهذا السر.”
ثم رفعت ذقنها وأعلنت بنبرة مسرحية:
“أن يكون القديس، الذي يُفترض أنه فخر المعبد، مجرد سلاح صُنع بعناية على يد ماركيزة كلوبيا… يا لها من مفارقة مذهلة.”
“المحظية الرابعة!”
هذه المرة، جاء الصوت المذعور من الكهنة أنفسهم، الذين أصابهم الذعر مما تفوهت به..
لكنها لم تأبه بردود فعلهم، بل رفعت حاجبًا بسخرية.
“لا يصح هذا، أيها الكهنة الأفاضل. لا ينبغي لكم توبيخي هكذا، فأنا فقط أعبر عن مخاوفي من أجلكم.”
لم أتمكن من إخفاء دهشتي..
حتى الآن، لا تزال تحاول القتال؟
بدلًا من الاعتراف بالهزيمة، لا تزال تبحث عن ثغرات للهجوم؟
“وما الذي تعنينه بقولك إنك تفكرين في مصلحة المعبد، أيتها المحظية الرابعة؟”
تمكن البابا بالكاد من استجماع نفسه وسألها بحذر.
“كان خصمكم ماكرًا جدًا لدرجة أنكم لم تستطيعوا مجاراته، وهذا ليس بالأمر السهل على كهنة يؤمنون بالصدق والتقشف.”
…صدق؟ تقشف؟
كان هذا آخر شيء يمكن أن يُقال عن كهنة المعبد.
حتى أنني لم أستطع منع نفسي من التعبير عن سخطي، لكن المحظية الرابعة التفتت إليّ مباشرة، وحدقت في وجهي وهي تواصل حديثها..
“أليس هذا غريبًا؟ كيف لم تصَب ماركيزة كلوبيا بالذعر أبدًا، بغض النظر عن المصائب التي واجهتها؟”
“هاه؟”
همس أفراد قصر الشتاء القريبون مني بدهشة، غير قادرين على فهم المغزى وراء كلماتها..
حتى كاسيان، الذي بدا ساخرًا، تمتم بنبرة استهزاء:
“يبدو وكأنك تمدحين روز، لا أكثر.”
لكن المحظية الرابعة لم تتوقف..
ابتسمت ابتسامة طويلة، امتدت زوايا شفتيها بسخرية، قبل أن تلقي بقنبلتها الأخيرة:
“لقد كان جلالتك قاسيًا جدًا، أليس كذلك؟ لو أنك أنكرت نسب الأمير كاسيان مرة أخرى، كما فعلت قبل عشرين عامًا، ربما كنت سأنجو بحياتي.”
ثم نظرت مباشرة إلى كاسيان، وعيناها تتلألآن بخبث..
“تذكر هذا جيدًا، أيها الأمير كاسيان—لقد أُبيدت عائلة رياردن بسبب ماركيزة كلوبيا.”
التعليقات لهذا الفصل " 143"