بالنسبة لمن كانوا ينتظرون أمام قاعة الاستقبال الآن، كانت كلمات البابا أشبه بحكم إعدامٍ لهم..
عندما سمع الإمبراطور رد البابا، لوّح بيده بأسى، ففتح الفرسان أبواب القاعة المغلقة..
في تلك اللحظة، تنهدت المحظية الأولى، التي كانت تجلس بجوار الإمبراطورة تريشا بملامح شفقة، وألقت تعليقها بنبرة محايدة:
“يا للأسف، يبدو أن الحاكم قد تخلى عنهم.”
“المحظية الأولى.”
عندما نادتها الإمبراطورة تريشا وكأنها تحذرها، وضعت المحظية الأولى يدها على فمها وأمالت رأسها قليلًا كأنها تعتذر عن تهورها..
لكن لم يعر أحدٌ آخر كلماتها اهتمامًا، باستثناء الإمبراطورة تريشا.
وهذا لأن حالتهم البائسة بعد ثلاثة أيام فقط من الصمود كانت كافية لإثارة الشفقة.
“مـ… مـ…ا…ء…”
تمتم الكهنة بصوت خافت بالكاد يُسمع، متوسلين جرعة ماء لترطيب حلوقهم الجافة..
وعندما أشار الإمبراطور بعينيه، أطلق الفرسان قبضتهم عنهم، فسقطت أجسادهم على أرضية قاعة الاستقبال مصدرة صوت ارتطام مدوٍ..
“……”
تظاهر البابا بالدهشة، وكأن هذه النتيجة المروعة كانت غير متوقعة، ثم أدار رأسه بعيدًا وكأنه لا يستطيع تحمّل المشهد المؤسف..
“سـ… سـ… سـ… يا…”
حاول أحد الكهنة المرافقين، الذي تبقى لديه قليل من القوة، أن ينادي البابا بلهفة، لكن صوته كان مشوشًا وغير واضح..
أما الكاهن العجوز، فقد كان بالكاد يتنفس، وفقد وعيه تمامًا.
كانت نتيجة المحاكمة واضحة لا جدال فيها.
أمر الإمبراطور بأخذهم، وكاد أن ينادي تلقائيًا على حرس القصر، لكنه توقف ونظر إلى البابا..
“- أردت فقط أن أسأل إن كان من الأفضل اتباع قوانين المعبد.”
بمعنى، إن كان يمكن اتباع قانون الإمبراطورية، فسوف يتم علاجهم ليحصلوا على محاكمة عادلة..
أما إن طُبقت قوانين المعبد، فسيتم إعدامهم فور إخراجهم.
في هذه اللحظة، لم يستطع البابا حتى التظاهر بالأسى، واكتفى بالنظر إلى الإمبراطور.
‘لم يكن يتوقع أن يُحاسب الإمبراطور على كل شيء بهذا الشكل، أليس كذلك؟’
كان القضاء على الهراطقة من أهم واجبات البابا..
لكن في هذه القاعة، كان هناك الكثير من الأشخاص الحاضرين.
من المؤكد أنه لم يكن يريد أن يُريهم أن نهايتهم البائسة كانت نتيجة اتباعهم للبابا بثقة.
كان ينوي فقط التخلص من هؤلاء ككبش فداء، لا القضاء على كل من وقف مع المعبد.
كما أن بعض الحاضرين من المعبد كانوا يعلمون أنهم تحركوا بناءً على أوامر البابا، مما زاد الموقف حرجًا.
‘الإمبراطور يغرس بذور الفتنة بمهارة فائقة.’
تحركت شفتا البابا قليلًا لكنه لم يتمكن من النطق بأي كلمة، ثم نظر أخيرًا إلى ويسلي..
وكأنه يتوسل إليه ليتدخل من أجله.
لكن بالطبع، التزم ويسلي الصمت بحكمة.
ففي هذه المسألة، كان ويسلي مجرد ضحية بريئة، ولم يكن عليه تحمّل أي مسؤولية حتى لو التزم الصمت.
أما تراجع ثقة المعبد الداخلي؟
فهو لم يكن ذا أهمية، لأن الفاسدين الذين وقفوا مع البابا كانوا قد تخلوا عنه بسهولة في السابق، وكانوا مستعدين لفعلها مجددًا.
“- يا للأسف، إن لم يتمكن قداسته من اتخاذ القرار، فلن يكون أمامنا خيار سوى اتباع قانون الإمبراطورية.”
وكان هناك نقطة ضعف أخرى في الأمر..
فإذا وافق البابا على تطبيق قرار الإمبراطور، فسيصبح المعبد تحت رحمة قانون الإمبراطورية، مثل برج السحر تمامًا.
كان هذا الموقف حقًا مأزقًا لا مفر منه.
‘لقد كانت الأيام الثلاثة الماضية من التحضير مجدية.’
كان الإمبراطور يتلاعب بالمعبد بإتقان يفوق توقعاتي..
للمرة الأولى منذ مدة طويلة، تصرّف الإمبراطور بطريقة راقت لي.
لم يكن غريبًا أن يكون بهذه البراعة، فهو يعرف المعبد جيدًا، مما منحه قدرة مذهلة على التكيّف..
حتى لو لم نكن قد أعددنا لهذا مسبقًا، لكان قد توصل إلى نتيجة مماثلة بمفرده..
بعد تفكير طويل، توصل البابا أخيرًا إلى قراره.
“أولًا، أعتقد أنه ينبغي اتخاذ إجراءات الطرد الكنسي بحقهم، لأنهم ارتكبوا ذنبًا عظيمًا بحق سموكم.”
وهل قدِّم لك هذا الخيار؟
رد الإمبراطور بلا مبالاة..
“لا أذكر أن إجراءات الطرد كانت تُضاف إلى أحكام حكم الحاكم منذ البداية.”
وعندما أشار بيده، قدّم الخدم وثائق مرتبة إلى ممثلي المعبد..
“وفقًا للشرائع التي حددها المعبد منذ زمن بعيد، فإن من يُحكم عليه بحكم الحاكم يُعد مطرودًا تلقائيًا، وإذا اجتاز الحكم، يُستعاد وضعه السابق.”
قال الإمبراطور وهو يميل بجسده قليلًا على العرش وكأنه متحير..
“هل يمكن أن تكون قد نسيت هذه القاعدة؟ يبدو أن التقدم في السن قد أثر على حكمك.”
“…لكن هذه المحاكمة لم تكن تحت إشراف المعبد، أليس كذلك؟”
على هذا التعليق، انفجر الإمبراطور ضاحكًا بصوت عالٍ..
حدق مسؤولو المعبد به في ذهول، غير قادرين على استيعاب ما يجري..
ثم ضرب الإمبراطور مسند العرش بيده عدة مرات وهو يتحدث بنبرة واضحة السخرية.
“يبدو أنك تظن حقًا أنك على قدم المساواة معنا في هذه المسألة!”
“جلالة الإمبراطور!”
عندما صرخ البابا في ذعر، ألقى الإمبراطور بقناع اللباقة الذي ارتداه طوال الوقت وصاح بصوت غاضب..
“اركع حالًا!”
“…هل تأمرني أنا العجوز بالركوع الآن؟”
“وهل في ذلك مشكلة؟”
“هل تدرك حقًا ما يعنيه هذا؟ ألا تخشى غضب الحاكم؟!”
“هاه!”
نقر الإمبراطور بلسانه بضيق وكأنه سئم من هذا الادعاء المتكرر..
“إذا كان الأمر كذلك، فيبدو أن غضب الحاكم قد نزل عليكم أنتم، لا علينا.”
“احذر من كلماتك!”
“ولماذا؟”
نقر الإمبراطور على مسند العرش بأطراف أصابعه ببطء، وكأنه مستمتع بالموقف..
“حتى الآن، الطرف الذي نشر الأكاذيب وألحق العار بالآخرين هو المعبد، وليس نحن.”
“لقد كانت كلمات من الضالين!”
“هاه، الضالون، تقول؟ لقد رددتم هذا الكلام نفسه عن ابني وعن من ستكون زوجته المستقبلية.”
نظر الإمبراطور إليهم بنظرة حادة..
“والآن، بعدما انكشفت الحقيقة بوضوح، لا تزالون تكررون هذه الترهات؟ حسنًا، لا عجب، فأنتم لم تترددوا حتى في التخلي عن قديسكم العزيز.”
عند كلمات الإمبراطور، لم يستطع البابا إخفاء صدمته ورفع صوته بغضب..
“هل كانت رغبتك في الحفاظ على العلاقات الودية مع المعبد مجرد كذبة، جلالة الإمبراطور؟!”
“وهل حقًا لا تعلم أي طرف كان أول من دمّر هذه العلاقة؟”
ضرب الإمبراطور مسند العرش بقبضته بقوة..
“لقد ألقيتم بابنيّ إلى التهلكة دون أي دليل، ومع ذلك تجرؤون على قول مثل هذا الكلام؟!”
كان صوته أشبه بصوت أب غاضب يدافع عن أبنائه..
“آه، والآن وقد ذكرت ذلك، ألم تقل جماعتكم إن لديهم أدلة محفوظة في المعبد؟ أين هي؟”
سخر الإمبراطور من البابا، مما دفع الأخير إلى النهوض فجأة، وهو يفتح فمه بتعبير مؤسف..
“-لقد أوضحتُ أن ذلك كان مجرد تلفيق منهم! جلالة الإمبراطور، أنا هنا لأمثل المعبد، وحتى لو كان ذلك مهينًا، فقد أتيت لأعتذر لتقوية أواصر العلاقات!”
ثم انحنى قليلًا، لكنه لم يركع..
لكن مجرد ذلك جعل العديد من الكهنة يشعرون بعدم الارتياح، وكأنهم شهدوا مشهدًا لم يكن يجب عليهم رؤيته.
“لم أطلب العفو عنهم، ولم يكن اقتراحي بالطرد محاولة لإخفائهم كما تظن، بل فقط لتجنب المزيد من الأعباء على العائلة الإمبراطورية.”
“إذن، كل هذا مجرد سوء فهم من جانبي، أليس كذلك؟”
“بالضبط.”
نظر البابا إلى الإمبراطور بتوتر..
وفي الوقت نفسه، كان غروره واضحًا، وكأنه واثق من أن كلماته ستقنع الإمبراطور.
عندها، التفت الإمبراطور نحونا وسأل:
“ما رأيكم في كلماته؟”
أجاب كاسيان ببرود:
“-لماذا تسألني، وأنت تعرف الإجابة بالفعل، جلالتك والدي؟”
“كاسيان.”
“بعد زيارتي إلى رياردن، فهمت سبب إرسالك لي هناك.”
تلاقت نظرات كاسيان الحادة بنظرة الإمبراطور..
لقد بدا كرجل كان ينتظر هذه اللحظة منذ زمن طويل، كحد سيفٍ ظل يُشحذ بصبر.
“أردت مني أن أرى بأم عيني ما فعله المعبد بهذه العائلة الإمبراطورية، بك، بي… وبأمي.”
عند ذكر رياردن المفاجئ، عمّ الهمس أرجاء القاعة..
وكان المعبد هو الأكثر ارتباكًا وذهولًا.
“ما علاقة رياردن بكل هذا؟”
“إذا كنت تقصد والدة الأمير كاسيان، فهي الإمبراطورة الراحلة… لكن أليس من المفترض أن تكون ممتنًّا للمعبد بشأنها؟”
“بالضبط، فقد كان المعبد هو من أثبت براءتها وكاد ينقذها من الظلم.” (قصدهم لما اثبتو انه ابن الامبراطور مش غير شرعي)
نظر الكهنة إلى غضب كاسيان وكأنه تصرف ناكر للجميل..
أما البابا، فقد ظل صامتًا، وكأن الأمر لا يعنيه.
لا، بل منذ أن ذكر كاسيان اسم رياردن، بدا وكأن بصيصًا من الأمل قد تلألأ في عينيه.
شعرت بشيء غير مريح، فحدّقتُ لا شعوريًا نحو المحظية الرابعة..
حتى الآن، كانت تحافظ على وجه خالٍ من التعابير، لكنها بدت وكأنها تتصنع ذلك.
لكن الجو العام تغيّر تمامًا عندما تحدث كاسيان مجددًا.
“جلالتك، والدي.”
ناداه بصوت مفعم بالإلحاح، مستشعرًا توتر القاعة بأكملها.
“أعتقد أن الإمبراطورية، وكذلك العائلة الإمبراطورية، لا ينبغي أن تقدم أي تنازلات أخرى للمعبد. حان الوقت لإنصاف والدتي… واستعادة شرف رياردن.”
“……”
غرق الإمبراطور في صمت عميق عند سماع كلمات كاسيان الصادقة..
وكأنه كان على وشك النطق، لكن عندها تغير تعبير المحظية الرابعة.
سكارليت جاموتي، التي ظلت صامتة حتى الآن، رفعت زاوية شفتيها بابتسامة باردة، وكأنها كانت تنتظر هذه اللحظة طوال الوقت..
وأخيرًا، نطقت بصوت هادئ :
“- جلالتك.”
كلماتها حملت ثقلًا لم يكن مألوفًا عليها..
بدا الأمر كما لو أن زهرة الكبرياء تفتحت مجددًا على وجهها، تمامًا كما كانت حين كانت إحدى الملكات قبل عدة أشهر..
“إلى متى تنوي الاستمرار في خيانة هذه الإمبراطورية… والأباطرة السابقين؟”
ساد الصمت القاعة، وكل الأنظار تحولت من شفتي الإمبراطور إلى المحظية الرابعة، التي ظلت جالسة لكنها رفعت رأسها بشموخ..
“- إلى متى ستواصل ظلم تشارلي؟ إلى متى يفترض بي أن أتحمل ذلك؟”
“المحظية الرابعة.”
تضيقّت عينا الإمبراطور بحدة، وكأنه يحذّرها من التمادي.
لكنها لم تتراجع.
“متى تنوي الشفاء من مرض حبك المستحيل للإمبراطورة الراحلة؟!”
صرخت ممسكة بمسند المقعد بقوة، وكأنها تحارب بمفردها..
“لقد ضحيتَ بكل شيء فقط من أجل كاسيان، الذي لا يحمل قطرة دم إمبراطورية في عروقه، وهو ليس حتى ابنك الشرعي، والآن تفكر في منحه الشرعية أيضًا؟!”
وأخيرًا، أخرجت آخر أسلحتها المخفية.
التعليقات لهذا الفصل " 141"