ما كان مخيفًا هو ليس المعاناة المتوقعة ضمن النطاق المتوقع..
بل كان خوفي من الحقائق التي قد أكتشفها بعد انتهاء كل هذا، خشية ألا أستطيع تحملها..
حتى مع اعتراف كاسيان الصريح، لم أكن واثقة من أنني أستطيع التعامل مع ما سيأتي بعده، لذلك لم أتمكن من الرد عليه بشكل صحيح.
على الأقل، كان لدي خيار في ذلك.
لكن هذا العالم المجنون، منذ أن ولدت واستعدت ذكرياتي، لم يمنحني حتى مرة واحدة مثل هذا الحق الفاخر.
بل كان دائمًا مشغولًا بإلقاء الأعباء على عاتقي، وكأنني مطالبة بتحملها والمضي قدمًا..
رغم أنني تمنيت، أكثر من أي شخص آخر، أن أعيش حياة لا تكون حياة البطلة، إلا أن هناك أشياء لم أستطع تجاهلها واضطررت إلى مد يدي نحوها.
ليس لأنني شخص عظيم أو نبيل، بل لأنني أملك ضميرًا عاديًا تمامًا، لذا لم يكن لدي خيار سوى بذل الجهد.
وتراكمت تلك الجهود واحدة تلو الأخرى، فحتى الأحداث التي كان على روزليتا أن تكافح للتغلب عليها في القصة الأصلية أصبحت أخف وطأة..
إذ إنني حين كنت أحاول إنقاذ الأشخاص الذين كان من المفترض أن يعانوا، كان لا بد لي حتمًا من إضعاف قوة أولئك الذين يرتكبون الأفعال السيئة..
وهكذا، عشت حياتي بجد ضمن حدود ما يمكنني فعله.
لكن حتى بعد حل هذه المحن السبع، كانت هناك أشياء تنتظرني، ولم أكن أعرف حتى ماهيتها، وهذا ما كان يعذبني.
لأن الهدف غير مرئي، ولأنه يتشابك مع قوة تفوق الطبيعة، كان الأمر أكثر إرهاقًا..
وكذلك، في كل مرة كنت أسمع فيها التنانين تقول إن شيئًا ما قد تغير لأنني “#@”، كنت أشعر بثقل ذلك.
أنا لست شخصًا عظيمًا إلى هذا الحد.
ولم أرغب أبدًا في أن أكون كذلك.
فماذا ينوون أن يفرضوا علي هذه المرة؟ وأي واجب يخططون لتحميلي إياه؟
كرهت ذلك، وحاولت تجنبه، لكن هذا العالم لم يسمح لي بذلك. أليس هذا قاسيًا جدًا؟
ورغم ذلك، كنت أحاول تجاوزه دون أن أثقل عقلي بالأفكار، لأنني كنت أخشى أن يصبح الأمر أكثر صعوبة إن فكرت فيه كثيرًا..
كان علي أن أتجاوز هذه العقبة، ولم يكن بإمكاني الانهيار الآن.
‘لم أستطع حتى أن أتخلى عن الثقة التي تقول: ‘أنا سأجد حلاً مهما كان الأمر’.’
بصراحة، كنت أدرك أن السبب في أن الإمبراطور ألقى بي في مواجهة الكهنة في رياردن، بل وحتى أرسل رئيس الخدم في اللحظة المناسبة، كان لأنه يثق بي وبكاسيان..
الإمبراطور كان يراهن علينا، معتقدًا أنه مهما كان التحدي الذي يطرحه المعبد، فإننا سنجده طريقًا لحله ونقلب الطاولة.
لم يكن الإمبراطور وحده، حتى تشارلي ربما كان لديه تفكير مماثل..
فهو لم يكن ليدخل في هذا الحكم لو لم يكن يراهن عليّ بشيء ما.
لأنه شخص يدرك تمامًا أن وجوده الإضافي سيصبح سلاحًا يضغط به على المعبد..
لكن منذ ذلك الحين، أو ربما حتى قبل ذلك، بدأت أشعر بأن هذه الثقة الملقاة على عاتقي باتت تثقلني بعض الشيء..
أنا فقط أردت أن أتحمل مسؤولية نفسي وسكان قريتي.
وحتى لو أضفت المزيد، فحدودي القصوى هي كاسيان، الذي كان يلاحظ بسهولة ترددي ويطلب مني أن أتركه يحمل العبء عني..
“ألستَ خائفًا، إيان؟”
“أنا خائف.”
ما إن نطق بذلك، حتى شدّني كاسيان نحوه وعانقني..
“لكن ما يخيفني ليس ما سيحدث، بل اختفاء روز من جانبي.”
شعرت للحظة أن أنفاسي توقفت عند سماع كلماته، وكأنه كان يردد حقيقة بديهية..
كأن كلماته جرفت كل المشاعر المعقدة التي اجتاحتني مثل الفيضان، وأعادتني إلى الحياة اليومية المعتادة.
كما لو أنه استحضر يومًا عاديًا لي..
“…لكن ألم تقل إنك لن تحاول التمسك بي؟”
“أعتقد أنني عندما يتعلق الأمر بروز، أصبح أنانيًا. هل هذا تصرف دنيء؟”
بدلًا من الإجابة، هززت رأسي وعانقته بإحكام حول خصره..
حين أفكر في الأمر، يبدو أن البداية كانت لأنني لم أستطع تجاهله.
‘…لكن لو كنت قد تجاهلته، لكان قد حدث شيء أسوأ.’
عندما شددت قبضتي وكأنني أتصرف بدلال، ضحك كاسيان بصوت منخفض..
“هل تشعرين بتحسن الآن؟”
كان لصوته الخفيف تأثير مهدئ، مما جعلني أشعر براحة أكبر..
لأنني شعرت أن كاسيان أرتيز سيظل كما هو، بغض النظر عما قد أواجهه لاحقًا.
لأن كلماته لم تكن مجرد محاولة لطمأنتي، بل كانت صادقة، مما جعلها تصل إلى قلبي بعمق أكبر..
كنت أرغب في التخلص من المشاعر التي تراكمت داخلي، لكن…
‘لا يمكنني زرع نذير سوء يوحي بأن شيئًا مخيفًا على وشك الحدوث.’
في الروايات، دائمًا ما تحدث الأمور السيئة عندما يعترف أحدهم بمشاعره قبل المعركة النهائية..
وأيضًا، كنت أرغب في أن أكون شخصًا يتحمل المسؤولية أكثر.
لذلك، بدلًا من الرد بالكلمات،
قبلة-!
“أنا بخير تمامًا الآن، لأنني رأيت شيئًا جميلًا.”
قبلت خده بدلًا من الإجابة.
“….”
ظل كاسيان أرتيز صامتًا، وجهه بالكامل احمرّ حتى أذنيه..
كان يبدو جميلًا جدًا ولطيفًا لدرجة أنني شعرت أنني لن أنسى هذا المشهد أبدًا.
***
تم نقل الكهنة بأوامر مباشرة من الإمبراطور.
بعبارة أخرى، لم نتدخل في ذلك.
“لا أفهم ماذا يدور في ذهن جلالة الإمبراطور.”
“أتفق معك.”
منذ دخولنا العاصمة، صُدمنا بالطريقة التي تم التعامل بها مع الكهنة..
صحيح أن المعبد تحدى العرش علانية هذه المرة…
لكن لم أتوقع أنهم سيضعونهم في عربات نقل المجرمين مكبلين بالأصفاد، وهم لا يزالون يرتدون أردية الكهنة.
ناهيك عن أنهم اختاروا عمدًا عربات ذات نوافذ كبيرة.
كان بإمكاننا رؤية وجوه سكان العاصمة المليئة بالاضطراب عبرها..
كأنهم كانوا يتساءلون عما إذا كان من المقبول انتقادهم.
أبعدت نظري عن النافذة والتفتُّ إلى كاسيان.
“لم أكن أتوقع أن يعامل الكهنة كخونة.”
“أعتقد أن هذه رسالة بأنهم لن يحظوا بمعاملة خاصة بعد الآن. كما لو أن…”
“كما لو أن؟”
ابتسم كاسيان بسخرية..
“هناك جهة أخرى فقدت حَصَانتها بالفعل.”
“السحرة؟”
عندما ذكرت القوة المعارضة، أومأ كاسيان برأسه..
“يبدو أن جلالة الإمبراطور يعلن أنه لن يعامل برج السحر والمعبد معاملة خاصة بعد الآن.”
“ربما. أظن أنه كان يضع ذلك في اعتباره منذ أن أرسلنا إلى رياردن.”
وافقني كاسيان برأسه..
بالنظر إلى أنه إمبراطور داهية، فهذا ليس غريبًا عليه.
في النهاية، كان هذا لصالحنا.
لكن في الوقت ذاته، لم أستطع منع نفسي من الضحك بسخرية في داخلي..
‘…لكن الحب الأول يظل حبًا أول.’
الإمبراطور كان يعلم.
أنه الوقت المثالي لاستعادة شرف ماربيل رياردن.
وربما، كان هدفه التالي…
حين التقت نظراتنا، ابتسم كاسيان وكأنه استشعر الأمر هو الآخر.
“لا تحاولي توقع كل شيء الآن، روز. هذا ليس ضروريًا في الوقت الحالي.”
رغم أنه أدرك أن الأمر مرتبط بالعرش، إلا أنه لم يعره اهتمامًا.
ولسبب غريب، شعرت براحة مفاجئة.
***
وقاحة لا تحتمل.
“لقد اتهمنا الكهنة بالهرطقة، لكنهم منحونا فرصة للخضوع لحكم الحاكم. لذا، ينبغي علينا تقديم الفرصة ذاتها، وإلاّ فلن يُنظر إلينا على أننا عادلون في المستقبل، أليس كذلك؟”
ردّ الإمبراطور بضحكة خفيفة قائلاً: “ألا ترى أن هذا تصرف كريم للغاية؟”
ورغم ذلك، التفت إلى الفرسان وأصدر أمره: “اسجنوا هؤلاء الكهنة في زنزانة لا يدخلها بصيص من الضوء لمدة ثلاثة أيام، ولا تقدموا لهم أي شيء.”
ثم أضاف بنبرة بدا كأنه يمنّ عليهم بها: “إن خرجوا سالمين بعد ثلاثة أيام، فسنعتبر أن الحاكم قد غفر لهم، وسنغلق هذه القضية.”
ابتسمتُ وعلّقتُ بنبرة ساخرة:
“يبدو أن جلالتك حريص للغاية على الحفاظ على علاقة طيبة مع المعبد. ليس فقط أنك قلّصت مدة الاحتجاز إلى النصف، بل أنك مستعد أيضاً لاتباع إرادة الحاكم.”
أومأ الإمبراطور برأسه، متنهداً بأسى مبالغ فيه:
“حقاً لا أفهم لماذا لا يقدّر المعبد نواياي الصافية. حتى عندما أرسلت تشارلي إليهم، أحدثوا ضجة لا تُطاق.”
ثم نقر لسانه بنفاد صبر ونظر إلى الكهنة قائلاً..
“يجب أن يكون كل شيء عادلاً حتى لا تثار الشكوك، لذا سيكون الحراس من الفرسان الملكيين ومن فرسان المعبد أيضاً.”
لم يكن هناك أي مجال للمراوغة أو الفرار. لم يجد الكهنة خياراً سوى خفض رؤوسهم في صمت..
على مدى الأيام الثلاثة التالية، ظل المعبد يرسل طلبات للقاء الإمبراطور، مما أثار ضجة داخل القصر وخارجه.
لكن الإمبراطور تجاهلهم تماماً.
“يجب أن ننتظر حتى تصدر نتيجة المحاكمة. عندما أرسلت كبير الخدم، انتظر بصمت ولم يتدخل في محاكمتهم. فلماذا هم في عجلة من أمرهم الآن؟”
كانت نبرته المتراخية المعتادة تحمل سخرية خفية..
ولم يكن صعباً علينا إدراك السبب الحقيقي وراء منحه لنا ثلاثة أيام. لم يكن ذلك لمجرد السخرية من المعبد.
‘إنها فرصة لكشف ما تخطط له سكارليت، ولمعرفة ما حدث داخل القصر أثناء غيابنا.’
كان واضحاً أن الإمبراطور ينوي اقتلاع كل الفساد المتراكم دفعة واحدة..
بالطبع، لم نترك هذه الأيام تمر سدى، بل استغللناها بحكمة.
رغم قصر الوقت، كان الاستعداد شاملاً بفضل أهل قصر الشتاء الذين يعرفوننا جيداً.
“روز، صاحب السمو، أرجو أن تطلعوا على هذه المعلومات. لقد جمعتُ كل ما استطعت معرفته عن الأخبار الخارجية والتحركات المشبوهة في المجتمع النبيل.”
“وهذه تقارير الإدارة الداخلية للقصر. لقد قمتُ بتلخيص الأمور العاجلة التي تحتاج إلى مراجعتكم.”
***
وأخيراً، في اليوم الموعود، أكملنا أعمالنا الصباحية في مكتب قصر الشتاء، ثم استعدينا للتوجه إلى قاعة الاستقبال الملكية.
“-يبدو أن البابا سيحضر اليوم أخيرًا.”
التعليقات لهذا الفصل " 139"